الفصل الرابع  
في قسمه - تعالى - بعظيم قدره  
قال الله - تعالى - :  لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون       [ الحجر : 72 ] الآية . اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله - جل جلاله - بمدة حياة  محمد      - صلى الله عليه وسلم - ، وأصله ضم العين ، من العمر ، ولكنها فتحت لكثرة الاستعمال ، ومعناه : وبقائك يا  محمد   ، وقيل : وعيشك ، وقيل : وحياتك ، وهذه نهاية التعظيم ، وغاية البر ، والتشريف .  
قال   ابن عباس     - رضي الله عنهما - : ما خلق الله - تعالى - ، وما ذرأ ، وما برأ نفسا أكرم عليه من  محمد      - صلى الله عليه وسلم - ، وما سمعت الله - تعالى - أقسم بحياة أحد غيره     .  
وقال  أبو الجوزاء     :  ما أقسم الله - تعالى - بحياة أحد غير  محمد       - صلى الله عليه وسلم - ، لأنه أكرم البرية عنده .  
وقال - تعالى - :  يس   والقرآن الحكيم       [ يس : 1 - 2 ] الآيتين . اختلف المفسرون في معنى يس على أقوال :  
فحكى  أبو محمد مكي  أنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لي عند ربي عشرة أسماء ذكر منها : " طه " ، و " يس " اسمان له     .  
 [ ص: 133 ] وحكى   أبو عبد الرحمن السلمي  ، عن   جعفر الصادق  أنه أراد : يا سيد ، مخاطبة لنبيه - صلى الله عليه وسلم - . وعن   ابن عباس     : يس يا إنسان أراد  محمدا      - صلى الله عليه وسلم - . وقال : هو قسم ، وهو من أسماء الله - تعالى - .  
وقال   الزجاج     : قيل معناه : يا  محمد   ، وقيل : يا رجل ، وقيل : يا إنسان . وعن   ابن الحنفية     : يس : يا  محمد      .  
وعن  كعب     : يس : قسم أقسم الله - تعالى - به قبل أن يخلق السماء ، والأرض بألفي عام : يا  محمد   إنك لمن المرسلين . ثم قال :  والقرآن الحكيم   إنك لمن المرسلين      [ يس : 2 - 3 ] . فإن قدر أنه من أسمائه - صلى الله عليه وسلم - ، وصح فيه أنه قسم كان فيه من التعظيم ما تقدم ، ويؤكد فيه القسم عطف القسم الآخر عليه ، وإن كان بمعنى النداء فقد جاء قسم آخر بعده لتحقيق رسالته ، والشهادة بهدايته : أقسم الله - تعالى - باسمه ، وكتابه إنه لمن المرسلين بوحيه إلى عباده ، وعلى صراط مستقيم من إيمانه أي طريق لا اعوجاج فيه ، ولا عدول عن الحق .  
قال  النقاش     : لم يقسم الله - تعالى - لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا له ، وفيه من تعظيمه ، وتمجيده على تأويل من قال : إنه يا سيد ما فيه .  
 [ ص: 134 ] وقد قال - صلى الله عليه وسلم - :  أنا سيد ولد آدم ، ولا فخر   وقال الله - تعالى - :  لا أقسم بهذا البلد   وأنت حل بهذا البلد      [ البلد 1 : 2 ] . قيل : لا أقسم به إذا لم تكن فيه بعد خروجك منه ، حكاه   مكي     . وقيل : [ لا ] زائدة ، أي أقسم به ، وأنت به يا  محمد   حال . أو حل لك ما فعلت فيه على التفسيرين . والمراد بالبلد عند هؤلاء  مكة      .  
وقال  الواسطي     : أي نحلف لك بهذا البلد الذي شرفته بمكانك فيه حيا ، وببركتك ميتا يعني المدينة ، والأول أصح ، لأن السورة مكية ، وما بعده يصححه : قوله - تعالى - :  حل بهذا البلد      [ البلد : 2 ] . ونحوه قول  ابن عطاء  في  تفسير قوله - تعالى - :  وهذا البلد الأمين       [ التين : 3 ] قال : أمنها الله - تعالى - بمقامه فيها ، وكونه بها ، فإن كونه أمان حيث كان . ثم قال :  ووالد وما ولد      [ البلد : 3 ] ، ومن قال : أراد  آدم   فهو عام ، ومن قال : هو  إبراهيم   ، وما ولد إن شاء الله تعالى إشارة إلى  محمد      - صلى الله عليه وسلم - ، فتتضمن السورة القسم به - صلى الله عليه وسلم - في موضعين .  
وقال - تعالى - :  الم   ذلك الكتاب لا ريب فيه      [ البقرة : 1 2 ] .  
قال   ابن عباس     : هذه الحروف أقسام أقسم الله - تعالى - بها . وعنه ، وعن غيره فيها غير ذلك .  
وقال   سهل بن عبد الله التستري     : الألف هو الله - تعالى - . واللام  جبريل   ، والميم  محمد      - صلى الله عليه وسلم - .  
وحكى هذا القول  السمرقندي  ، ولم ينسبه إلى  سهل  ، وجعل معناه : الله أنزل  جبريل   على  محمد   بهذا القرآن لا ريب فيه ، وعلى الوجه الأول يحتمل القسم أن هذا الكتاب حق لا ريب فيه ، ثم فيه من فضيلة قران اسمه باسمه نحو ما تقدم .  
 [ ص: 135 ] وقال  ابن عطاء  في  قوله - تعالى - :  ق والقرآن المجيد       [ ق : 1 ] أقسم بقوة قلب حبيبه  محمد      - صلى الله عليه وسلم - حيث حمل الخطاب ، والمشاهدة ، ولم يؤثر ذلك فيه لعلو حاله ، وقيل : هو اسم للقرآن وقيل : هو اسم لله - تعالى - ، وقيل : جبل محيط بالأرض ، وقيل غير هذا .  
وقال   جعفر بن محمد  في  تفسير :  والنجم إذا هوى       [ النجم : 1 ] : إنه  محمد      - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : النجم قلب  محمد      - صلى الله عليه وسلم - ، هوى انشرح من الأنوار ، وقال : انقطع عن غير الله .  
وقال  ابن عطاء  في قوله - تعالى - :  والفجر   وليال عشر      [ الفجر : 1 - 2 ] الفجر :  محمد      - صلى الله عليه وسلم - ، لأن منه تفجر الإيمان .  
				
						
						
