فصل  
وقد اختلف الناس في  الزهد هل هو ممكن في هذه الأزمنة أم لا ؟   
فقال  أبو حفص     : الزهد لا يكون إلا في الحلال . ولا حلال في الدنيا ، فلا زهد     . وخالفه الناس في هذا . وقالوا : بل الحلال موجود فيها . وفيها الحرام كثيرا . وعلى تقدير : أن لا يكون فيها الحلال ، فهذا أدعى إلى الزهد فيها ، وتناول ما يتناوله المضطر منها ، كتناوله للميتة والدم ولحم الخنزير .  
وقال   يوسف بن أسباط     : لو بلغني أن رجلا بلغ في الزهد منزلة  أبي ذر  و  أبي   [ ص: 17 ] الدرداء  و  سلمان  و  المقداد  وأشباههم من الصحابة رضي الله عنهم ما قلت له زاهد ؛ لأن الزهد لا يكون إلا في الحلال المحض . والحلال المحض لا يوجد في زماننا هذا . وأما الحرام فإن ارتكبته عذبك الله عز وجل     .  
ثم اختلف هؤلاء في  متعلق الزهد      .  
فقالت طائفة : الزهد إنما هو في الحلال ؛ لأن ترك الحرام فريضة .  
وقالت فرقة : بل الزهد لا يكون إلا في الحرام . وأما الحلال فنعمة من الله تعالى على عبده . والله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده . فشكره على نعمه ، والاستعانة بها على طاعته ، واتخاذها طريقا إلى جنته أفضل من الزهد فيها ، والتخلي عنها ، ومجانبة أسبابها .  
والتحقيق أنها إن شغلته عن الله . فالزهد فيها أفضل . وإن لم تشغله عن الله ، بل كان شاكرا لله فيها ، فحاله أفضل . والزهد فيها تجريد القلب عن التعلق بها ، والطمأنينة إليها . والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					