فصل  
قال : وهو على ثلاث درجات : الدرجة الأولى :  الصبر عن المعصية ،  بمطالعة الوعيد : إبقاء على الإيمان ، وحذرا من الحرام ، وأحسن منها : الصبر عن المعصية حياء .  
ذكر  للصبر عن المعصية سببين وفائدتين     .  
أما السببان : فالخوف من لحوق الوعيد المترتب عليها .  
والثاني الحياء من الرب تبارك وتعالى أن يستعان على معاصيه بنعمه ، وأن يبارز بالعظائم .  
وأما الفائدتان : فالإبقاء على الإيمان ، والحذر من الحرام .  
فأما مطالعة الوعيد ، والخوف منه : فيبعث عليه قوة الإيمان بالخبر ، والتصديق بمضمونه .  
وأما الحياء : فيبعث عليه قوة المعرفة ، ومشاهدة معاني الأسماء والصفات .  
وأحسن من ذلك : أن يكون الباعث عليه وازع الحب . فيترك معصيته محبة له ، كحال الصهيبيين .  
 [ ص: 164 ] وأما الفائدتان : فالإبقاء على الإيمان : يبعث على ترك المعصية . لأنها لا بد أن تنقصه ، أو تذهب به ، أو تذهب رونقه ، وبهجته ، أو تطفئ نوره ، أو تضعف قوته ، أو تنقص ثمرته . هذا أمر ضروري بين المعصية وبين الإيمان يعلم بالوجود والخبر والعقل ، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم  لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن . ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن . ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن . ولا ينتهب نهبة ذات شرف - يرفع إليه الناس فيها أبصارهم حين ينتهبها - وهو مؤمن . فإياكم إياكم . والتوبة معروضة بعد     .  
وأما الحذر عن الحرام : فهو الصبر عن كثير من المباح ، حذرا من أن يسوقه إلى الحرام .  
ولما كان الحياء من شيم الأشراف ، وأهل الكرم والنفوس الزكية كان صاحبه أحسن حالا من أهل الخوف .  
ولأن في الحياء من الله ما يدل على مراقبته وحضور القلب معه .  
ولأن فيه من تعظيمه وإجلاله ما ليس في وازع الخوف .  
فمن وازعه الخوف : قلبه حاضر مع العقوبة . ومن وازعه الحياء : قلبه حاضر مع الله . والخائف مراع جانب نفسه وحمايتها . والمستحي مراع جانب ربه وملاحظ عظمته .      [ ص: 165 ] وكلا المقامين من مقامات أهل الإيمان .  
غير أن الحياء أقرب إلى مقام الإحسان ، وألصق به ، إذ أنزل نفسه منزلة من كأنه يرى الله . فنبعت ينابيع الحياء من عين قلبه وتفجرت عيونها .  
				
						
						
