الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو حصره عدو فاحتاج إلى لبس الثياب فلبس ، ثم ذهب فنزع ثم عاد فعاد أو كان العدو لم يبرح مكانه فكان يلبس السلاح ، فيقاتل بالنهار وينزع بالليل فعليه كفارة واحدة ، ما لم يذهب هذا العدو ويجيء عدو آخر ; لأن العذر واحد ، والعذر الواحد لا يتعلق باللبس له إلا كفارة واحدة .

                                                                                                                                والأصل في جنس هذه المسائل أنه ينظر إلى اتحاد الجهة واختلافها ، لا إلى صورة اللبس ، فإن لبس المخيط أياما فإن لم ينزع ليلا ولا نهارا يكفيه دم واحد بلا خلاف ; لأن اللبس على وجه واحد ، وكذلك إذا كان يلبسه بالنهار وينزعه بالليل للنوم من غير أن يعزم على تركه لا يلزمه إلا دم واحد بالإجماع ; لأنه إذا لم يعزم على الترك كان اللبس على وجه واحد ، فإن لبس يوما كاملا فأراق دما ، ثم دام على لبسه يوما كاملا فعليه دم آخر بلا خلاف ; لأن الدوام على اللبس بمنزلة لبس مبتدأ ، بدليل أنه لو أحرم وهو مشتمل على المخيط فدام عليه بعد الإحرام يوما كاملا يلزمه دم .

                                                                                                                                ولو لبسه يوما كاملا ثم نزعه وعزم على تركه ، ثم لبس بعد ذلك ، فإن كان كفر للأول فعليه كفارة أخرى بالإجماع ; لأنه لما كفر للأول فقد التحق اللبس الأول بالعدم فيعتبر الثاني لبسا آخر مبتدأ إن لم يكفر للأول ، فعليه كفارتان في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ، وفي قول محمد عليه كفارة واحدة وجه قول محمد أنه ما لم يكفر للأول كان اللبس على حاله ، فإذا وجد الثاني فلا يتعلق به إلا كفارة واحدة ، وإذا كفر للأول بطل الأول فيعتبر الثاني لبسا ثانيا فيوجب كفارة أخرى ، كما إذا جامع في يومين من شهر رمضان ، ولهما أنه لما نزع على عزم الترك فقد انقطع حكم اللبس الأول ، فيعتبر الثاني لبسا مبتدأ فيتعلق به كفارة أخرى ، والأصل عندهما أن النزع على عزم الترك يوجب اختلاف اللبستين في الحكم ، تخللهما التكفير أو لا وعنده لا يختلف إلا إذا تخللهما التكفير ، ولو لبس ثوبا مصبوغا بالورس أو الزعفران فعليه دم ; لأن الورس والزعفران لهما رائحة طيبة ، فقد استعمل الطيب في بدنه فيلزمه الدم .

                                                                                                                                وكذا إذا لبس المعصفر عندنا ، لأنه محظور الإحرام عندنا ، إذ المعصفر طيب ; لأن له رائحة طيبة وعلى القارن في جميع ما يوجب الكفارة مثلا ما على المفرد من الدم والصدقة عندنا ; لأنه محرم بإحرامين ، فأدخل النقص في كل واحد منهما فيلزمه كفارتان ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية