( فصل ) :
وأما الجمع بين الأجنبيات فنوعان أيضا : جمع في النكاح وجمع في الوطء ودواعيه بملك اليمين ، أما .
nindex.php?page=treesubj&link=27248_10990الجمع في النكاح فنقول : لا يجوز للحر أن يتزوج أكثر من أربع زوجات من الحرائر والإماء عند عامة العلماء .
وقال بعضهم : يباح له الجمع بين التسع .
وقال بعضهم : يباح له الجمع بين ثمانية عشر واحتجوا بظاهر قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } .
فالأولون قالوا : إن الله تعالى ذكر هذه الأعداد بحرف الواو ، وأنه للجمع ، وجملتها تسعة ، فيقتضي إباحة نكاح تسع واستدلوا أيضا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تزوج
[ ص: 266 ] تسع نسوة وهو قدوة الأمة ، والآخرون قالوا : المثنى ضعف الاثنين ، والثلاث ضعف الثلاثة ، والرباع ضعف الأربعة فجملتها ثمانية عشر .
ولنا ما روي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=4994أن رجلا أسلم وتحته ثمان نسوة فأسلمن فقال له رسول الله : صلى الله عليه وسلم اختر منهن أربعة وفارق البواقي } أمره صلى الله عليه وسلم بمفارقة البواقي ولو كانت الزيادة على الأربع حلالا لما أمره فدل أنه منتهى العدد المشروع - وهو الأربع - ولأن في الزيادة على الأربع خوف الجور عليهن بالعجز عن القيام بحقوقهن ; لأن الظاهر أنه لا يقدر على الوفاء بحقوقهن وإليه وقعت الإشارة بقوله عز وجل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } أي : أن لا تعدلوا في القسم والجماع والنفقة في نكاح المثنى والثلاث والرباع فواحدة بخلاف نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن خوف الجور منه غير موهوم ; لكونه مؤيدا على القيام بحقوقهن بالتأبيد الإلهي ، فكان ذلك من الآيات الدالة على نبوته ; لأنه آثر الفقر على الغنى والضيق على السعة وتحمل الشدائد والمشاق على الهوينا من العبادات والأمور الثقيلة ، وهذه الأشياء أسباب قطع الشهوات والحاجة إلى النساء ، ومع ذلك كان يقوم بحقوقهن دل أنه صلى الله عليه وسلم إنما قدر على ذلك بالله تعالى .
وأما الآية فلا يمكن العمل بظاهرها ; لأن المثنى ليس عبارة عن الاثنين ولا الثلاث عن الثلاث والرباع عن الأربع ، بل أدنى ما يراد بالمثنى مرتان من هذا العدد ، وأدنى ما يراد بالثلاث ثلاث مرات من العدد .
وكذا الرباع ، وذلك يزيد على التسعة وثمانية عشر ، ولا قائل به دل أن العمل بظاهر الآية متعذر فلا بد لها من تأويل ، ولها تأويلان : أحدهما : أن يكون على التخيير بين نكاح الاثنين والثلاث والأربع كأنه قال عز وجل : مثنى أو ثلاث أو رباع واستعمال الواو مكان أو جائز ، والثاني : أن يكون ذكر هذه الأعداد على التداخل ، وهو أن قوله : " وثلاث " تدخل فيه المثنى ، وقوله عز وجل : ورباع يدخل فيه الثلاث كما في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } ثم قال عز وجل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام } واليومان الأولان داخلان في الأربع ; لأنه لو لم يكن كذلك لكان خلق هذه الجملة في ستة أيام ، ثم أخبر عز وجل أنه خلق السموات في يومين بقوله عز وجل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فقضاهن سبع سموات في يومين } فيكون خلق الجميع في ثمانية أيام ، وقد أخبر الله تعالى أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام فيؤدي إلى الخلف في خبر من يستحيل عليه الخلف ، فكان على التداخل ، فكذا ههنا جاز أن يكون العدد الأول داخلا في الثاني والثاني في الثالث ، فكان في الآية إباحة نكاح الأربع ، ولا يجوز للعبد أن يتزوج أكثر من اثنين لما روينا من الحديث وذكرنا من المعنى فيما تقدم .
( فَصْلٌ ) :
وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّاتِ فَنَوْعَانِ أَيْضًا : جَمْعٌ فِي النِّكَاحِ وَجَمْعٌ فِي الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ ، أَمَّا .
nindex.php?page=treesubj&link=27248_10990الْجَمْعُ فِي النِّكَاحِ فَنَقُولُ : لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ التِّسْعِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } .
فَالْأَوَّلُونَ قَالُوا : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ الْأَعْدَادَ بِحَرْفِ الْوَاوِ ، وَأَنَّهُ لِلْجَمْعِ ، وَجُمْلَتُهَا تِسْعَةٌ ، فَيَقْتَضِي إبَاحَةَ نِكَاحِ تِسْعٍ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ
[ ص: 266 ] تِسْعَ نِسْوَةٍ وَهُوَ قُدْوَةُ الْأُمَّةِ ، وَالْآخَرُونَ قَالُوا : الْمَثْنَى ضِعْفُ الِاثْنَيْنِ ، وَالثُّلَاثُ ضِعْفُ الثَّلَاثَةِ ، وَالرُّبَاعُ ضِعْفُ الْأَرْبَعَةِ فَجُمْلَتُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ .
وَلَنَا مَا رُوِيَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=4994أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمْنَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعَةً وَفَارِقْ الْبَوَاقِيَ } أَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُفَارَقَةِ الْبَوَاقِي وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ حَلَالًا لَمَا أَمَرَهُ فَدَلَّ أَنَّهُ مُنْتَهَى الْعَدَدِ الْمَشْرُوعِ - وَهُوَ الْأَرْبَعُ - وَلِأَنَّ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ خَوْفَ الْجَوْرِ عَلَيْهِنَّ بِالْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِنَّ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِحُقُوقِهِنَّ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } أَيْ : أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي الْقَسْمِ وَالْجِمَاعِ وَالنَّفَقَةِ فِي نِكَاحِ الْمَثْنَى وَالثُّلَاثِ وَالرُّبَاعِ فَوَاحِدَةً بِخِلَافِ نِكَاحِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ خَوْفَ الْجَوْرِ مِنْهُ غَيْرُ مَوْهُومٍ ; لِكَوْنِهِ مُؤَيَّدًا عَلَى الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِنَّ بِالتَّأْبِيدِ الْإِلَهِيِّ ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِهِ ; لِأَنَّهُ آثَرَ الْفَقْرَ عَلَى الْغِنَى وَالضِّيقَ عَلَى السَّعَةِ وَتَحَمُّلَ الشَّدَائِدِ وَالْمَشَاقِّ عَلَى الْهُوَيْنَا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْأُمُورِ الثَّقِيلَةِ ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَسْبَابُ قَطْعِ الشَّهَوَاتِ وَالْحَاجَةِ إلَى النِّسَاءِ ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ يَقُومُ بِحُقُوقِهِنَّ دَلَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ بِاَللَّهِ تَعَالَى .
وَأَمَّا الْآيَةُ فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِظَاهِرِهَا ; لِأَنَّ الْمَثْنَى لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ الِاثْنَيْنِ وَلَا الثُّلَاثَ عَنْ الثُّلَاثِ وَالرُّبَاعَ عَنْ الْأَرْبَعِ ، بَلْ أَدْنَى مَا يُرَادُ بِالْمَثْنَى مَرَّتَانِ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ ، وَأَدْنَى مَا يُرَادُ بِالثُّلَاثِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ مِنْ الْعَدَدِ .
وَكَذَا الرُّبَاعُ ، وَذَلِكَ يَزِيدُ عَلَى التِّسْعَةِ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَلَا قَائِلَ بِهِ دَلَّ أَنَّ الْعَمَلَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ مُتَعَذِّرٌ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ تَأْوِيلٍ ، وَلَهَا تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ نِكَاحِ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ كَأَنَّهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : مَثْنَى أَوْ ثُلَاثَ أَوْ رُبَاعَ وَاسْتِعْمَالُ الْوَاوِ مَكَانَ أَوْ جَائِزٌ ، وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَعْدَادِ عَلَى التَّدَاخُلِ ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ : " وَثُلَاثَ " تَدْخُلُ فِيهِ الْمَثْنَى ، وَقَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَرُبَاعَ يَدْخُلُ فِيهِ الثُّلَاثُ كَمَا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } وَالْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ دَاخِلَانِ فِي الْأَرْبَعِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ خَلْقُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ فِي يَوْمَيْنِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ } فَيَكُونُ خَلْقُ الْجَمِيعِ فِي ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ فَيُؤَدِّي إلَى الْخُلْفِ فِي خَبَرِ مَنْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْخُلْفُ ، فَكَانَ عَلَى التَّدَاخُلِ ، فَكَذَا هَهُنَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ الْأَوَّلُ دَاخِلًا فِي الثَّانِي وَالثَّانِي فِي الثَّالِثِ ، فَكَانَ فِي الْآيَةِ إبَاحَةُ نِكَاحِ الْأَرْبَعِ ، وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ وَذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فِيمَا تَقَدَّمَ .