الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ويجب عقيب العقد بلا فصل لما ذكرنا أنه يجب بإحداث الملك ، والملك يحدث عقيب العقد بلا فصل ; ولأن المعاوضة المطلقة تقتضي ثبوت الملك في العوضين في وقت واحد وقد ثبت الملك في أحد العوضين وهو البضع عقيب العقد فيثبت في العوض الآخر عقيبه تحقيقا للمعاوضة المطلقة إلا أنه يجب بنفس العقد وجوبا موسعا ، وإنما يتضيق عند المطالبة كالثمن في باب البيع أنه يجب بنفس البيع وجوبا موسعا ، وإنما يتضيق عند مطالبة البائع .

                                                                                                                                وإذا طالبت المرأة بالمهر يجب على الزوج تسليمه أولا ; لأن حق الزوج في المرأة متعين ، وحق المرأة في المهر لم يتعين بالعقد ، وإنما يتعين بالقبض فوجب على الزوج التسليم عند المطالبة ليتعين كما في البيع أن المشتري يسلم الثمن أولا ، ثم يسلم البائع المبيع إلا أن الثمن في باب البيع إذا كان دينا يقدم تسليمه على تسليم المبيع ليتعين ، وإن كان عينا يسلمان معا وههنا يقدم تسليم المهر على كل حال ، سواء كان دينا أو عينا ; لأن القبض والتسلم ههنا معا متعذر ولا تعذر في البيع ، وإذا ثبت هذا فنقول : للمرأة قبل دخول الزوج بها أن تمنع الزوج عن الدخول حتى يعطيها جميع المهر ثم تسلم نفسها إلى زوجها ، وإن كانت قد انتقلت إلى بيت زوجها لما ذكرنا أن بذلك يتعين حقها فيكون تسليما بتسليم ، ولأن المهر عوض عن بضعها كالثمن عوض عن المبيع وللبائع حق حبس المبيع لاستيفاء الثمن فكان للمرأة حق حبس نفسها ; لاستيفاء المهر ، وليس للزوج منعها عن السفر والخروج من منزله وزيارة أهلها قبل إيفاء المهر ; لأن حق الحبس إنما يثبت لاستيفاء المستحق فإذا لم يجب عليها تسليم النفس قبل إيفاء المهر لم يثبت للزوج حق الاستيفاء فلا يثبت له حق الحبس ، وإذا أوفاها المهر فله أن يمنعها من ذلك كله إلا من سفر الحج إذا كان عليها حجة الإسلام ووجدت محرما ، وله أن يدخل بها لأنه إذا أوفاها حقها يثبت له حق الحبس لاستيفاء المعقود عليه فإن أعطاها المهر إلا درهما واحدا ، فلها أن تمنع نفسها وأن تخرج من مصرها حتى تقبضه ; لأن حق الحبس لا يتجزأ فلا يبطل إلا بتسليم كل البدل كما في البيع .

                                                                                                                                ولو خرجت لم يكن للزوج أن يسترد منها ما قبضت ; لأنها قبضته بحق لكون المقبوض حقا لها ، والمقبوض بحق لا يحتمل النقض هذا إذا كان المهر معجلا ، بأن تزوجها على صداق عاجل أو كان مسكوتا عن التعجيل والتأجيل ; لأن حكم المسكوت حكم المعجل ; لأن هذا عقد معاوضة فيقتضي المساواة من الجانبين ، والمرأة عينت حق الزوج فيجب أن يعين الزوج حقها ، وإنما يتعين بالتسليم فأما إذا كان مؤجلا بأن تزوجها على مهر آجل فإن لم يذكر الوقت لشيء من المهر أصلا بأن قال : تزوجتك على ألف مؤجلة ، أو ذكر وقتا مجهولا جهالة متفاحشة بأن قال : تزوجتك على ألف إلى وقت الميسرة أو هبوب الرياح أو إلى أن تمطر السماء فكذلك ; لأن التأجيل لم يصح لتفاحش الجهالة فلم يثبت الأجل ولو قال : نصفه معجل ونصفه مؤجل كما جرت العادة في ديارنا ولم يذكر الوقت للمؤجل اختلف المشايخ فيه قال بعضهم : لا يجوز الأجل ويجب حالا كما إذا قال : تزوجتك على ألف مؤجلة .

                                                                                                                                وقال بعضهم : يجوز ويقع ذلك على وقت وقوع الفرقة بالطلاق أو الموت وروي عن أبي يوسف ما يؤيد هذا القول وهو أن رجلا كفل لامرأة عن زوجها نفقة كل شهر ، ذكر في كتاب النكاح أنه يلزمه نفقة شهر واحد في الاستحسان ، وذكر عن أبي يوسف أنه يلزمه نفقة كل شهر ما دام النكاح قائما بينهما ، فكذلك ههنا وإن ذكر وقتا معلوما للمهر فليس لها أن تمنع نفسها في قول أبي حنيفة ومحمد .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف أخيرا لها أن تمنع نفسها ، سواء كانت المدة قصيرة أو طويلة بعد أن كانت معلومة أو مجهولة جهالة متقاربة كجهالة الحصاد والدياس ( وجه ) قول أبي يوسف أن من حكم المهر أن يتقدم تسليمه على تسليم النفس بكل حال ألا ترى [ ص: 289 ] أنه لو كان معينا أو غير معين وجب تقديمه فلما قبل الزوج التأجيل كان ذلك رضا بتأخير حقه في القبض بخلاف البائع إذا أجل الثمن أنه ليس له أن يحبس المبيع ويبطل حقه في الحبس بتأجيل الثمن ; لأنه ليس من حكم الثمن تقديم تسليمه على تسليم المبيع لا محالة ألا ترى أن الثمن إذا كان عينا يسلمان معا فلم يكن قبول المشتري التأجيل رضا منه بإسقاط حقه في القبض .

                                                                                                                                وجه قولهما أن المرأة بالتأجيل رضيت بإسقاط حق نفسها فلا يسقط حق الزوج كالبائع إذا أجل الثمن أنه يسقط حق حبس المبيع بخلاف ما إذا كان التأجيل إلى مدة مجهولة جهالة متفاحشة ; لأن التأجيل ثمة لم يصح فلم يثبت الأجل فبقي المهر حالا .

                                                                                                                                وأما قوله : من شأن المهر أن يتقدم تسليمه على تسليم النفس فنقول : نعم إذا كان معجلا أو مسكوتا عن الوقت فأما إذا كان مؤجلا تأجيلا صحيحا فمن حكمه أن يتأخر تسليمه عن تسليم النفس ; لأن تقديم تسليمه ثبت حقا لها ; لأنه ثبت تحقيقا للمعاوضة المقتضية للمساواة حقا لها ، فإذا أجلته فقد أسقطت حق نفسها فلا يسقط حق زوجها ; لانعدام الإسقاط منه والرضا بالسقوط ، لهذا المعنى سقط حق البائع في الحبس بتأجيل الثمن كذا هذا ولو كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا أجلا معلوما فله أن يدخل بها إذا أعطاها الحال بالإجماع أما عندهما ; فلأن الكل لو كان مؤجلا لكان له أن يدخل بها فإذا كان البعض معجلا وأعطاها ذلك أولى ، والفقه ما ذكرنا أن الزوج ما رضي بإسقاط حقه فلا يسقط حقه .

                                                                                                                                وأما عند أبي يوسف فلأنه لما عجل البعض فلم يرض بتأخير حقه عن القبض ; لأنه لو رضي بذلك لم يكن لشرط التعجيل فائدة بخلاف ما إذا كان الكل مؤجلا ; لأنه لما قبل التأجيل فقد رضي ; بتأخير حقه .

                                                                                                                                ولو لم يدخل بها حتى حل أجل الباقي فله أن يدخل بها إذا أعطاها الحال لما قلنا ، ولو كان الكل مؤجلا أجلا معلوما وشرط أن يدخل بها قبل أن يعطيها كله فله ذلك عند أبي يوسف أيضا ; لأنه لما شرط الدخول لم يرض بتأخير حقه في الاستمتاع .

                                                                                                                                ولو كان المهر مؤجلا أجلا معلوما فحل الأجل ليس لها أن تمنع نفسها لتستوفي المهر على أصل أبي حنيفة ومحمد ; لأن حق الحبس قد سقط بالتأجيل ، والساقط لا يحتمل العود كالثمن في المبيع ، وعلى أصل أبي يوسف لها أن تمنع نفسها ; لأن لها أن تمنع قبل حلول الأجل فبعده أولى .

                                                                                                                                ولو كان المهر حالا فأخرته شهرا ليس لها أن تمنع عندهما وعنده لها ذلك لأن هذا تأجيل طارئ فكان حكمه حكم التأجيل المقارن ، وقد مر الكلام فيه ولو دخل الزوج بها برضاها - وهي مكلفة - فلها أن تمنع نفسها حتى تأخذ المهر ، ولها أن تمنعه أن يخرجها من بلدها في قول أبي حنيفة .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف ومحمد : ليس لها ذلك وعلى هذا الخلاف إذا خلا بها .

                                                                                                                                وجه قولهما أنها بالوطء مرة واحدة أو بالخلوة الصحيحة سلمت جميع المعقود عليه برضاها ، وهي من أهل التسليم فبطل حقها في المنع كالبائع إذا سلم المبيع ، ولا شك في الرضا وأهلية التسليم ، والدليل على أنها سلمت جميع المعقود عليه أن المعقود عليه في هذا الباب في حكم العين ، ولهذا يتأكد جميع المهر بالوطء مرة واحدة ، ومعلوم أن جميع البدل لا يتأكد بتسليم بعض المعقود عليه وما يتكرر من الوطآت ملتحق بالاستخدام فلا يقابله شيء من المهر ، ولأبي حنيفة أن المهر مقابل بجميع ما يستوفى من منافع البضع في جميع الوطآت التي توجد في هذا الملك لا بالمستوفى بالوطأة الأولى خاصة ; لأنه لا يجوز إخلاء شيء من منافع البضع عن بدل يقابله احتراما للبضع وإبانة لخطره ، فكانت هي بالمنع ممتنعة عن تسليم ما يقابله بدل فكان لها ذلك بالوطء في المرة الأولى فكان لها أن تمنعه عن الأول حتى تأخذ مهرها ، فكذا عن الثاني والثالث إلا أن المهر يتأكد بالوطء مرة واحدة ; لأنه موجود معلوم وما وراءه معدوم مجهول فلا يزاحمه في الانقسام ثم عند الوجود يتعين قطعا فيصير مزاحما فيأخذ قسطا من البدل كالعبد إذا جنى جناية يجب دفعه بها فإن جنى جناية أخرى ، فالثانية تزاحم الأولى عند وجودها في وجوب الدفع بها .

                                                                                                                                وكذا الثالثة والرابعة إلى ما لا يتناهى بخلاف البائع إذا سلم المبيع قبل قبض الثمن أو بعدما قبض شيئا منه ثم أراد أن يسترد أنه ليس له ذلك ; لأنه سلم كل المبيع فلا يملك الرجوع فيما سلم ، وههنا ما سلمت كل المعقود عليه بل البعض دون البعض ; لأن المعقود عليه منافع البضع وما سلمت كل المنافع بل بعضها دون البعض ، فهي بالمنع تمتنع عن تسليم ما لم يحصل مسلما بعد ، فكان لها ذلك كالبائع إذا [ ص: 290 ] سلم بعض المبيع قبل استيفاء الثمن كان له حق حبس الباقي ليستوفي الثمن كذا هذا ، وكان أبو القاسم الصفار يفتي في منعها نفسها بقول أبي يوسف ومحمد وفي السفر بقول أبي حنيفة وبعد إيفاء المهر كان له أن ينقلها حيث شاء وحكى الفقيه أبو جعفر الهندواني عن محمد بن سلمة أنه كان يفتي أن بعد تسليم المهر ليس لزوجها أن يسافر بها قال أبو يوسف : ولو وجدت المرأة المهر زيوفا أو ستوقا فردت أو كان المقبوض عرضا اشترته من الزوج بالمهر فاستحق بعد القبض ، وقد كان دخل بها فليس لها أن تمنع نفسها في جميع ذلك ، وهذا على أصلهما مستقيم ; لأن من أصلهما أن التسليم من غير قبض المهر يبطل حق المنع ، وهذا تسليم من غير قبض ; لأن ذلك القبض بالرد والاستحقاق انتقض والتحق بالعدم فصار كأنها لم تقبضه وقبل القبض الجواب هكذا عندهما .

                                                                                                                                وأما عند أبي حنيفة فينبغي أن يكون لها أن تمنع نفسها ، ثم فرق أبو يوسف بين هذا وبين المنع أنه إذا استحق الثمن من يد البائع أو وجده زيوفا أو ستوقا فرده له أن يسترد المبيع فيحبسه ; لأن البائع بعد الاسترداد يمكنه الحبس على الوجه الذي كان قبل ذلك .

                                                                                                                                وأما ههنا لا يمكنه لأنه استوفى بعض منافع البضع فلا يكون هذا الحبس مثل الأول فلا يعود حقها في الحبس ومما يلتحق بهذا الفصل أن للمرأة أن تهب مهرها للزوج دخل بها أو لم يدخل ; لقوله عز وجل : { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } وليس لأحد من أوليائها الاعتراض عليها ، سواء كان أبا أو غيره ; لأنها وهبت خالص ملكها وليس لأحد في عين المهر حق فيجوز ، ويلزم بخلاف ما إذا زوجت نفسها وقصرت عن مهر مثلها أن للأولياء حق الاعتراض في قول أبي حنيفة ; لأن الأمهار حق الأولياء فقد تصرفت في خالص حقهم ; ولأنها ألحقت الضرر بالأولياء بإلحاق العار والشنار بهم ، فلهم دفع هذا الضرر بالاعتراض والفسخ .

                                                                                                                                وليس للأب أن يهب مهر ابنته عند عامة العلماء .

                                                                                                                                وقال بعضهم : له ذلك وتمسكوا بقوله تعالى : { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } والأب بيده عقدة النكاح ، ولنا أن المهر ملك المرأة وحقها ; لأنه بدل بضعها ، وبضعها حقها وملكها ، والدليل عليه قوله عز وجل : { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } أضاف المهر إليها فدل أن المهر حقها وملكها ، وقوله عز وجل : { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } وقوله تعالى : منه أي : من الصداق ; لأنه هو المكنى السابق أباح للأزواج التناول من مهور النساء إذا طابت أنفسهن بذلك ، ولذا علق سبحانه وتعالى الإباحة بطيب أنفسهن ، فدل ذلك كله على أن مهرها ملكها وحقها ، وليس لأحد أن يهب ملك الإنسان بغير إذنه ; ولهذا لا يملك الولي هبة غيره من أموالها فكذا المهر .

                                                                                                                                وأما الآية الشريفة فقد قيل : إن المراد من الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج كذا روي عن علي رضي الله عنه وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ويجوز أن يحمل قول من صرف التأويل إلى الولي على بيان نزول الآية على ما قيل : إن حين النزول كان المهور للأولياء ، ودليله قول شعيب لموسى : عليهما الصلاة والسلام { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } شرط المهر لنفسه لا لابنته ثم نسخ بما تلونا من الآيات وللمولى أن يهب صداق أمته ومدبرته وأم ولده من زوجها ; لأن المهر ملكه ، وليس له أن يهب مهر مكاتبته ، ولو وهب لا يبرأ الزوج .

                                                                                                                                ولا يدفعه إلى المولى ; لأن مهر المكاتبة لها لا للمولى ; لأنه من أكسابها ، وكسب المكاتب له لا لمولاه ، وتجوز الزيادة في المهر إذا تراضيا بها والحط عنه إذا رضيت به ; لقوله تعالى : { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } رفع الجناح فيما تراضيا به الزوجان بعد الفريضة وهو التسمية ، وذلك هو الزيادة في المهر والحط عنه ، وأحق ما تصرف إليه الآية الزيادة ; لأنه ذكر لفظة التراضي وأنه يكون بين اثنين ورضا المرأة كان في الحط ; ولأن الزيادة تلحق العقد ويصير كأن العقد ورد على الأصل والزيادة جميعا كالخيار في باب البيع والأجل فيه ، فإن من اشترى من آخر عبدا بيعا باتا ثم إن أحدهما جعل لصاحبه الخيار يوما جاز ذلك حتى لو نقض البيع جاز نقضه ، ويصير ذلك كالخيار المشروط في أصل البيع .

                                                                                                                                وكذا إذا اشترى عبدا بألف درهم حالة ، ثم إن البائع أجل المشتري في الثمن شهرا جاز التأجيل ، ويصير كأنه كان مسمى في العقد كذا ههنا ، ولا يثبت خيار الرؤية في المهر حتى لو تزوج امرأة على عبد بعينه أو جارية بعينها ولم تره ثم رأته ليس لها أن ترده بخيار الرؤية ; لأن النكاح لا ينفسخ برده فلو ردت لرجعت عليه بعبد آخر وثبت لها فيه خيار الرؤية فترده ثم ترجع عليه بآخر [ ص: 291 ] إلى ما لا يتناهى فلم يكن الرد مفيدا لخلوه عن العاقبة الحميدة فكان سفها فلا يثبت لها حق الرد ، وكذلك الخلع والإعتاق على مال والصلح عن دم العمد لما قلنا : بخلاف البيع أنه يثبت فيه خيار الرؤية ; لأن البيع ينفسخ برد المبيع ويرجع بالثمن فكان الرد مفيدا لذلك افترقا ، وهل يثبت خيار العيب في المهر ؟ ينظر في ذلك إن كان العيب يسيرا لا يثبت ، وإن كان فاحشا يثبت ، وكذلك هذا في بدل الخلع والإعتاق على مال والصلح عن دم العمد بخلاف البيع والإجارة وبدل الصلح على مال أنه يرد بالعيب اليسير والفاحش ; لأن هناك ينفسخ العقد برده ، وههنا لا ينفسخ وإذا لم ينفسخ فيقبض مثله فربما يجد فيه عيبا يسيرا أيضا ; لأن الأعيان لا تخلو عن قليل عيب عادة فيرده ثم يقبض مثله فيؤدي إلى ما لا يتناهى فلا يفيد الرد ، وهذا المعنى لا يوجد في البيع والإجارة ; لأنه ينفسخ العقد بالرد فكان الرد مفيدا ; ولأن حق الرد بالعيب إنما يثبت استدراكا للفائت وهو صفة السلامة المستحقة بالعقد ، والعيب إذا كان يسيرا لا يعرف الفوات بيقين ; لأن العيب اليسير يدخل تحت تقويم المقومين لا يخلو عنه فمن مقوم يقومه بدون العيب بألف ، ومن مقوم يقومه مع العيب بألف أيضا ، فلا يعلم فوات صفة السلامة بيقين فلا حاجة إلى الاستدراك بالرد بخلاف العيب الفاحش ; لأنه لا يختلف فيه المقومون فكان الفوات حاصلا بيقين فتقع الحاجة إلى استدراك الفائت بالرد إلا أن هذا المعنى الأخير يشكل بالبيع وأخواته ، فإن العيب اليسير فيها يوجب حق الرد ، وإن كان هذا المعنى موجودا فيها فالأصح هو الوجه الأول ولا شفعة في المهر ; لأن من شرائط ثبوت حق الشفعة معاوضة المال بالمال لما نذكره في كتاب الشفعة إن شاء الله تعالى ، والنكاح معاوضة البضع بالمال فلا يثبت فيه حق الشفعة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية