( فصل ) : 
ومنها ، وجوب العدل بين النساء في حقوقهن    . 
وجملة الكلام فيه أن الرجل لا يخلو إما أن يكون له أكثر من امرأة واحدة وإما إن كانت له امرأة واحدة ، فإن كان له أكثر من امرأة ، فعليه العدل بينهن في حقوقهن من القسم والنفقة والكسوة ، وهو التسوية بينهن في ذلك حتى لو كانت تحته امرأتان حرتان أو أمتان يجب عليه أن يعدل بينهما في المأكول والمشروب والملبوس والسكنى والبيتوتة . 
والأصل فيه قوله عز وجل { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة    } عقيب قوله تعالى { ، فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع    } أي : إن خفتم أن لا تعدلوا في القسم والنفقة في نكاح المثنى ، والثلاث ، والرباع ، فواحدة ندب سبحانه وتعالى إلى نكاح الواحدة عند خوف ترك العدل في الزيادة ، وإنما يخاف على ترك الواجب ، فدل أن العدل بينهن في القسم والنفقة واجب ، وإليه أشار في آخر الآية بقوله { ذلك أدنى أن لا تعولوا    } أي : تجوروا ، والجور حرام ، فكان العدل واجبا ضرورة ; ولأن العدل مأمور به لقوله عز وجل { إن الله يأمر بالعدل والإحسان    } على العموم والإطلاق إلا ما خص أو قيد بدليل . 
وروي عن  أبي قلابة    { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعدل بين نسائه في القسمة ، ويقول اللهم هذه قسمتي فيما أملك ، فلا تؤاخذني فيما تملك أنت ، ولا أملك   } ، وعن  أبي هريرة  رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من كان له امرأتان ، فمال إلى إحداهما دون الأخرى جاء يوم القيامة ، وشقه مائل   } ، ويستوي في القسم البكر ، والثيب والشابة والعجوز ، والقديمة والحديثة والمسلمة والكتابية ; لما ذكرنا من الدلائل من غير فصل ; ولأنهما يستويان في سبب وجوب القسم ، وهو النكاح ، فيستويان في وجوب القسم ، ولا قسم للمملوكات بملك اليمين أي : لا ليلة لهن ، وإن كثرن لقوله عز وجل { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم    } قصر الإباحة في النكاح على عدد لتحقق الجور في الزيادة ، ثم ندب سبحانه وتعالى إلى نكاح الواحدة عند خوف الجور في الزيادة ، وأباح من ملك اليمين من غير عدد ، فدل أنه ليس فيه خوف الجور ، وإنما لا يكون إذا لم يكن لهن قسم إذ لو كان لكان فيه خوف الجور كما في المنكوحة ; ولأن سبب الوجوب هو النكاح ، ولم يوجد . 
ولو كانت إحداهما حرة ، والأخرى أمة  ، فللحرة يومان ، وللأمة يوم لما روي عن  علي  رضي الله عنه موقوفا عليه ، ومرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : { للحرة ثلثان من القسم ، وللأمة الثلث   } ; ولأنهما ما استويا في سبب الوجوب ، وهو النكاح ، فإنه لا يجوز نكاح الأمة بعد نكاح الحرة ، ولا مع نكاحها . 
وكذا لا يجوز للعبد أن يتزوج بأكثر من اثنتين  ، وللحر أن يتزوج بأربع نسوة ، فلم يتساويا في السبب ، فلا يتساويان في الحكم بخلاف المسلمة مع الكتابية ; لأن الكتابية يجوز نكاحها قبل المسلمة وبعدها ، ومعها . 
وكذا للذمي أن يجمع بين أربع نسوة كالحر المسلم ، فتساويا في سبب الوجوب ، فيتساويان في الحكم ; ولأن الحرية تنبئ عن الكمال ، والرق يشعر بنقصان الحال ، وقد ظهر أثر النقصان في الشرع في المالكية وحل المحلية والعدة والحد وغير ذلك ، فكذا في القسم ، وهذا التفاوت في السكنى ، والبيتوتة يسكن عند الحرة ليلتين . 
وعند الأمة ليلة . 
فأما في المأكول  [ ص: 333 ] والمشروب ، والملبوس  ، فإنه يسوي بينهما ; لأن ذلك من الحاجات اللازمة ، فيستوي فيه الحرة والأمة والمريض في وجوب القسم عليه كالصحيح لما روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن نساءه في مرض موته أن يكون في بيت  عائشة  رضي الله عنها   } ، فلو سقط القسم بالمرض لم يكن للاستئذان معنى ، ولا قسم على الزوج إذا سافر  حتى لو سافر بإحداهما ، وقدم من السفر ، وطلبت الأخرى أن يسكن عندها مدة السفر  ، فليس لها ذلك ; لأن مدة السفر ضائعة بدليل أن له أن يسافر وحده دونهن لكن الأفضل أن يقرع بينهن ، فيخرج بمن خرجت قرعتها تطييبا لقلوبهن دفعا لتهمة الميل عن نفسه هكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد السفر أقرع بين نسائه . 
وقال  الشافعي    : إن سافر بها بقرعة ، فكذلك . 
فأما إذا سافر بها بغير قرعة ، فإنه يقسم للباقيات ، وهذا غير سديد ; لأن بالقرعة لا يعرف أن لها حقا في حالة السفر أو لا ، فإنها لا تصلح لإظهار الحق أبدا لاختلاف عملها في نفسها ، فإنها لا تخرج على وجه واحد بل مرة هكذا ، ومرة هكذا ، والمختلف فيه لا يصلح دليلا على شيء . 
ولو وهبت إحداهما قسمها لصاحبتها أو رضيت بترك قسمها    ; جاز ; لأنه حق ثبت لها ، فلها أن تستوفي ، ولها أن تترك ، وقد روي أن سودة بنت زمعة  رضي الله عنها لما كبرت ، وخشيت أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت يومها  لعائشة  رضي الله عنها ، وقيل فيها نزل قوله تعالى { ، وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير    } ، والمراد من الصلح هو الذي جرى بينهما كذا قاله  ابن عباس  رضي الله عنهما فإن رجعت عن ذلك ، وطلبت قسمها  ، فلها ذلك ; لأن ذلك كله كان إباحة منها ، والإباحة لا تكون لازمة كالمباح له الطعام أنه يملك المبيح منعه ، والرجوع عن ذلك . 
ولو بذلت واحدة منهن مالا للزوج ; ليجعل لها في القسم أكثر مما تستحقه  لا يحل للزوج أن يفعل ، ويرد ما أخذه منها ; لأنه رشوة ; لأنه أخذ المال لمنع الحق عن المستحق ، وكذلك لو بذل الزوج لواحدة منهن مالا لتجعل نوبتها لصاحبتها أو بذلت هي لصاحبتها مالا لتترك نوبتها لها لا يجوز شيء من ذلك ، ويسترد المال ; لأن هذا معاوضة القسم بالمال ، فيكون في معنى البيع ، وأنه لا يجوز كذا هذا ، هذا إذا كان له امرأتان أو أكثر من ذلك . 
فأما إذا كانت له امرأة واحدة ; فطالبته بالواجب لها ذكر القدوري  رواية الحسن  عن  أبي حنيفة  أنه قال : إذا تشاغل الرجل عن زوجته بالصيام أو بالصلاة أو بأمة اشتراها  قسم لامرأته من كل أربعة أيام يوما ، ومن كل أربع ليال ليلة ، وقيل له تشاغل ثلاثة أيام ، وثلاث ليال بالصوم أو بالأمة ، وهكذا كان  الطحاوي  يقول : إنه يجعل لها يوما واحدا يسكن عندها وثلاثة أيام ولياليها يتفرغ للعبادة ، وأشغاله ( وجه ) هذا القول ما ذكره  محمد  في كتاب النكاح أن امرأة رفعت زوجها إلى  عمر  رضي الله عنه وذكرت أنه يصوم النهار ، ويقوم الليل ، فقال :  عمر  رضي الله عنه ما أحسنك ثناء على بعلك ، فقال : كعب  يا أمير المؤمنين إنها تشكو إليك زوجها ، فقال  عمر  رضي الله عنه : وكيف ذلك ؟ فقال : كعب  إنه إذا صام النهار ، وقام الليل ، فكيف يتفرغ لها ، فقال  عمر  رضي الله عنه لكعب  احكم بينهما ، فقال : أراها إحدى نسائه الأربع يفطر لها يوما ، ويصوم ثلاثة أيام ، فاستحسن ذلك منه  عمر  رضي الله عنه وولاه قضاء البصرة  ذكر  محمد  هذا في كتاب النكاح ، ولم يذكر أنه يأخذ بهذا القول . 
وذكر  الجصاص  أن هذا ليس مذهبنا ; لأن المزاحمة في القسم إنما تحصل بمشاركات الزوجات ، فإذا لم يكن له زوجة غيرها لم تتحقق المشاركة ، فلا يقسم لها ، وإنما يقال له لا تداوم على الصوم ، ووف المرأة حقها كذا قاله  الجصاص  
وذكر القاضي  في شرحه مختصر  الطحاوي  أن  أبا حنيفة  كان يقول : أولا كما روى الحسن  عنه لما أشار إليه كعب  ، وهو أن للزوج أن يسقط حقها عن ثلاثة أيام بأن يتزوج ثلاثا أخر سواها ، فلما لم يتزوج ، فقد جعل ذلك لنفسه ، فكان الخيار له في ذلك ، فإن شاء ; صرف ذلك إلى الزوجات ، وإن شاء ; صرفه إلى صيامه ، وصلاته ، وأشغاله ، ثم رجع عن ذلك . 
وقال : هذا ليس بشيء ; لأنه لو تزوج أربعا ، فطالبن بالواجب منه يكون لكل واحدة منهن ليلة من الأربع ، فلو جعلنا هذا حقا لكل واحدة منهن لا يتفرغ لأعماله ، فلم يوقت في هذا وقتا . 
وإن كانت المرأة أمة    ; فعلى قول  أبي حنيفة  أخيرا إن صح الرجوع لا شك أنه لا يقسم لها كما يقسم للحرة من طريق الأولى ، وعلى قوله الأول ، وهو قول  الطحاوي  يجعل لها ليلة من كل سبع ليال ; لأن للزوج حق إسقاط حقها عن ستة أيام ، والاقتصار على يوم  [ ص: 334 ] واحد بأن يتزوج عليها ثلاث حرائر ; لأن للحرة ليلتين ، وللأمة ليلة واحدة ، فلما لم يتزوج ، فقد جعل ذلك لنفسه فكان بالخيار إن شاء ; صرف ذلك إلى الزوجات ، وإن شاء ; صرفه إلى الصوم والصلاة ، وإلى أشغال نفسه ، والإشكال عليه ما نقل عن  أبي حنيفة  ، وما ذكره  الجصاص  أيضا ، والله عز وجل الموفق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					