( كتاب الصلح )
الكلام في كتاب الصلح يقع في مواضع في بيان
nindex.php?page=treesubj&link=15492_15488_15482_15446_15445أنواع الصلح ، وفي بيان شرعية كل نوع ، وفي بيان ركن الصلح ، وفي
[ ص: 40 ] بيان شرائط الركن ، وفي بيان حكم الصلح ، وفي بيان ما يبطل به عقد الصلح بعد وجوده ، وفي بيان حكمه إذا بطل ، أو لم يصح من الأصل ( أما ) الأول فنقول وبالله التوفيق .
الصلح في الأصل أنواع ثلاثة : .
صلح عن إقرار المدعى عليه ، وصلح عن إنكاره ، وصلح عن سكوته من غير إقرار ، ولا إنكار ، وكل نوع من ذلك لا يخلو إما أن يكون بين المدعي ، والمدعى عليه وإما أن يكون بين المدعي ، والأجنبي المتوسط فإن كان بين المدعي والمدعى عليه فكل واحد من الأنواع الثلاثة مشروع عند أصحابنا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى : المشروع هو الصلح عن إقرار وسكوت لا غيرهما ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : رحمه الله أما المشروع هو الصلح عن إقرار لا غير .
( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله أن جواز الصلح يستدعي حقا ثابتا ، ولم يوجد في موضع الإنكار والسكوت أما في الإنكار ; فلأن الحق لو ثبت فإنما يثبت بالدعوى ، وقد عارضها الإنكار ، فلا يثبت الحق عند التعارض ، فأما في السكوت فلأن الساكت ينزل منكرا حكما حتى تسمع عليه البينة فكان إنكاره معارضا لدعوى المدعي فلم يثبت الحق .
ولو بذل المال لبذله لدفع خصومة باطلة فكان في معنى الرشوة ( ولنا ) ظاهر قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128والصلح خير } ، وصف الله تعالى عز شأنه جنس الصلح بالخيرية ، ومعلوم أن الباطل لا يوصف بالخيرية ، فكان كل صلح مشروعا بظاهر هذا النص إلا ما خص بدليل ، وعن سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أنه قال ردوا الخصوم حتى يصطلحوا ، فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن أمر رضي الله عنه برد الخصوم إلى الصلح مطلقا ، وكان ذلك بمحضر من الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، ولم ينكر عليه أحد فيكون إجماعا من الصحابة فيكون حجة قاطعة ; ولأن الصلح شرع للحاجة إلى قطع الخصومة ، والمنازعة والحاجة إلى قطعها في التحقيق عند الإنكار إذ الإقرار مسالمة ، ومساعدة ، فكان أولى بالجواز ، ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله : أجوز ما يكون الصلح على الإنكار ، وقال الشيخ
أبو منصور الماتريدي السمرقندي : رحمه الله ما صنع الشيطان من إيقاع العداوة والبغضاء في بني آدم ما صنع
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله في إنكاره الصلح على الإنكار ، وقوله أن الحق ليس بثابت قلنا هذا على الإطلاق ممنوع ، بل الحق ثابت في زعم المدعي ، وحق الخصومة واليمين ثابتان له شرعا فكان هذا صلحا عن حق ثابت فكان مشروعا .
( كِتَابُ الصُّلْحِ )
الْكَلَامُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=15492_15488_15482_15446_15445أَنْوَاعِ الصُّلْحِ ، وَفِي بَيَانِ شَرْعِيَّةِ كُلِّ نَوْعٍ ، وَفِي بَيَانِ رُكْنِ الصُّلْحِ ، وَفِي
[ ص: 40 ] بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الصُّلْحِ ، وَفِي بَيَانِ مَا يَبْطُلُ بِهِ عَقْدُ الصُّلْحِ بَعْدَ وُجُودِهِ ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِهِ إذَا بَطَلَ ، أَوْ لَمْ يَصِحَّ مِنْ الْأَصْلِ ( أَمَّا ) الْأَوَّلُ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .
الصُّلْحُ فِي الْأَصْلِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ : .
صُلْحٌ عَنْ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَصُلْحٌ عَنْ إنْكَارِهِ ، وَصُلْحٌ عَنْ سُكُوتِهِ مِنْ غَيْرِ إقْرَارٍ ، وَلَا إنْكَارٍ ، وَكُلُّ نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُدَّعِي ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُدَّعِي ، وَالْأَجْنَبِيِّ الْمُتَوَسِّطِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ مَشْرُوعٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16330ابْنُ أَبِي لَيْلَى : الْمَشْرُوعُ هُوَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ وَسُكُوتٍ لَا غَيْرِهِمَا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَّا الْمَشْرُوعُ هُوَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ لَا غَيْرُ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ جَوَازَ الصُّلْحِ يَسْتَدْعِي حَقًّا ثَابِتًا ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي مَوْضِعِ الْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ أَمَّا فِي الْإِنْكَارِ ; فَلِأَنَّ الْحَقَّ لَوْ ثَبَتَ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالدَّعْوَى ، وَقَدْ عَارَضَهَا الْإِنْكَارُ ، فَلَا يَثْبُتُ الْحَقُّ عِنْدَ التَّعَارُضِ ، فَأَمَّا فِي السُّكُوتِ فَلِأَنَّ السَّاكِتَ يُنَزَّلُ مُنْكِرًا حُكْمًا حَتَّى تُسْمَعَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَكَانَ إنْكَارُهُ مُعَارِضًا لِدَعْوَى الْمُدَّعِي فَلَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ .
وَلَوْ بَذَلَ الْمَالَ لَبَذَلَهُ لِدَفْعِ خُصُومَةٍ بَاطِلَةٍ فَكَانَ فِي مَعْنَى الرِّشْوَةِ ( وَلَنَا ) ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } ، وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ جِنْسَ الصُّلْحِ بِالْخَيْرِيَّةِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُوصَفُ بِالْخَيْرِيَّةِ ، فَكَانَ كُلُّ صُلْحٍ مَشْرُوعًا بِظَاهِرِ هَذَا النَّصِّ إلَّا مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ ، وَعَنْ سَيِّدِنَا
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ رُدُّوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا ، فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُورِثُ بَيْنَهُمْ الضَّغَائِنَ أَمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَدِّ الْخُصُومِ إلَى الصُّلْحِ مُطْلَقًا ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَيَكُونُ إجْمَاعًا مِنْ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ حُجَّةً قَاطِعَةً ; وَلِأَنَّ الصُّلْحَ شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إلَى قَطْعِ الْخُصُومَةِ ، وَالْمُنَازَعَةِ وَالْحَاجَةُ إلَى قَطْعِهَا فِي التَّحْقِيقِ عِنْدَ الْإِنْكَارِ إذْ الْإِقْرَارُ مُسَالَمَةٌ ، وَمُسَاعَدَةٌ ، فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ ، وَلِهَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَجْوَزُ مَا يَكُونُ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ
أَبُو مَنْصُورِ الْمَاتُرِيدِيُّ السَّمَرْقَنْدِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ مَا صَنَعَ الشَّيْطَانُ مِنْ إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ فِي بَنِي آدَمَ مَا صَنَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي إنْكَارِهِ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ ، وَقَوْلُهُ أَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ بِثَابِتٍ قُلْنَا هَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ مَمْنُوعٌ ، بَلْ الْحَقُّ ثَابِتٌ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي ، وَحَقُّ الْخُصُومَةِ وَالْيَمِينِ ثَابِتَانِ لَهُ شَرْعًا فَكَانَ هَذَا صُلْحًا عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ فَكَانَ مَشْرُوعًا .