الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                فإن كان ثوب السلم فصالح منه فهذا لا يخلو من أحد وجهين ( إما ) إن صالح منه على جنسه ، وإما إن صالح منه على خلاف جنسه فإن صالح على جنسه ; فهو على ثلاثة أوجه .

                                                                                                                                ( إما ) إن صالح على مثل حقه ، أو أكثر منه ، أو أقل فإن صالح على مثل حقه قدرا ووصفا فإن صالح من ثوب هروي جيد على ثوب هروي جيد ; جاز ، ولا يشترط القبض ; لأنه استوفى عين حقه ، وكذلك إن صالح على أقل من حقه قدرا ووصفا ، أو وصفا لا قدرا يجوز ، ويكون هذا استيفاء لبعض عين حقه ، وحطا للباقي ، وإبراء عنه أصلا ووصفا ، والإبراء عن المسلم فيه صحيح ; لأن قبضه ليس بواجب ، وإن صالح على أقل من حقه قدرا لا وصفا بأن صالح من ثوب رديء على نصف ثوب جيد ; جاز بخلاف الدراهم والدنانير والمكيل والموزون الموصوفين بأن صالح من ألف نبهرجة على خمسمائة جياد ، أو صالح من كر رديء على نصف كر جيد ، أو صالح من حديد رديء على نصف من جيد أنه لا يجوز ، والفرق أن المانع من الجواز هو الاعتياض عن الجودة هنا جائز ; لأن الجودة في غير الأموال الربوية عند مقابلتها بجنسها لها قيمة بخلاف الأموال الربوية ، وهذا ; لأن الأصل أن تكون الجودة متقومة في الأموال كلها ; لأنها صفة مرغوبة يبذل العوض في مقابلتها إلا أن الشرع أسقط اعتبارها في الأموال الربوية تعبدا بقوله جيدها ، ورديئها سواء ، فبقيت متقومة في غيرها على الأصل فيصح الاعتياض عنها ، وإن صالح على أكثر من حقه قدرا ووصفا بأن صالح من ثوب هروي جيد على ثوبين هرويين جيدين يجوز لكن يشترط القبض ; لأن جوازه بطريق المعاوضة ، والجنس بانفراده يحرم النساء ، فلا بد من القبض لئلا يؤدي إلى الربا ، وكذلك إن صالح على أكثر من حقه قدرا لا وصفا بأن صالح عن ثوب هروي جيد على ثوبين هرويين رديئين جاز ، والقبض شرط لما ذكرنا .

                                                                                                                                ولو صالح على أكثر من حقه ، وصفا لا قدرا بأن صالح من ثوب رديء على ثوب جيد ; جاز ; لأنه معاوضة إذ لا يمكن حمله على استيفاء عين الحق ; لأن الزيادة غير مستحقة له فيحمل على المعاوضة ، ويشترط القبض لئلا يؤدي إلى الربا ، وإن صالح على خلاف جنس حقه كائنا ما كان لا يجوز دينا كان ، أو عينا ; لأن فيه استبدال المسلم فيه قبل القبض ، وإنه لا يجوز إلا على رأس مال السلم ; لأن الصلح عليه يكون إقالة ، وفسخا لا استبدالا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية