( فصل ) :
وأما حكم الرهن فنقول وبالله التوفيق : الرهن نوعان : صحيح ، وفاسد .
( أما ) الأول فله أحكام بعضها يتعلق بحال قيام المرهون وبعضها يتعلق بحال هلاكه .
( أما ) الذي يتعلق بحال قيامه فعندنا ثلاثة : الأول ملك حبس المرهون على سبيل الدوام إلى وقت الفكاك ، أو ملك العين في حق الحبس على سبيل الدوام إلى وقت الفكاك ، وكون المرتهن أحق بحبس المرهون على سبيل اللزوم إلى وقت الفكاك ، والعبارات متفقة المعاني في متعارف الفقهاء .
( والثاني ) اختصاص المرتهن ببيع المرهون أو اختصاصه بثمنه ، وهذان الحكمان أصليان للرهن عندنا .
( والثالث ) وجوب تسليم المرهون عند الافتكاك ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله الحكم الأصلي للرهن واحد وهو كون المرتهن أحق ببيع المرهون وأخص بثمنه من بين سائر الغرماء .
( فأما )
nindex.php?page=treesubj&link=5672حق حبس المرهون فليس بحكم لازم ، حتى أن المرهون إن كان شيئا يمكن الانتفاع به بدون استهلاكه ، كان للراهن أن يسترده من يد المرتهن فينتفع به ، فإذا فرغ من الانتفاع ، رده إليه ، وإن كان شيئا لا يمكن الانتفاع به باستهلاكه كالمكيل والموزون ، فليس للراهن أن يسترده من يده ، احتج بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31799لا يغلق الرهن ، لا يغلق الرهن ، لا يغلق الرهن ، هو لصاحبه الذي رهنه ، له غنمه ، وعليه غرمه } أخبر عليه الصلاة والسلام أن الرهن لا يغلق أي لا يحبس ، وعندكم يحبس ، فكان حجة عليكم ، وكذا أضاف عليه الصلاة والسلام الرهن إلى الراهن " فاللام " التمليك ، وسماه صاحبا له على الإطلاق ، فيقتضي أن يكون هو المالك للرهن مطلقا رقبة وانتفاعا وحبسا ; ولأن الرهن شرع توثيقا للدين ، وملك الحبس على سبيل الدوام يضاد معنى الوثيقة ; ; لأنه يكون في يده دائما ، وعسى يهلك ; فيسقط الدين ، فكان توهينا للدين لا توثيقا له ; ولأن فيما قلتم : تعطيل العين المنتفع بها في نفسها من الانتفاع ; ; لأن المرتهن لا يجوز له الانتفاع بالرهن أصلا ، والراهن لا يملك الانتفاع به عندكم ; فكان تعطيلا والتعطيل تسييب وأنه من أعمال الجاهلية ، وقد نفاه الله تبارك وتعالى بقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=103ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة } .
( ولنا ) قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=283وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } أخبر الله تعالى بكون الرهن مقبوضا وإخباره سبحانه وتعالى لا يحتمل الخلل ، فاقتضى أن يكون المرهون مقبوضا ما دام مرهونا ; ولأن الرهن في اللغة : عبارة عن الحبس قال الله عز وجل {
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21كل امرئ بما كسب رهين } أي حبيس ، فيقتضي أن يكون المرهون محبوسا ما دام مرهونا ولو لم يثبت ملك الحبس على الدوام لم يكن محبوسا على الدوام فلم يكن مرهونا ; ولأن الله تعالى لما سمى العين التي ورد العقد عليها رهنا وأنه ينبئ عن الحبس لغة كان ما دل عليه اللفظ لغة حكما له شرعا ; ; لأن للأسماء الشرعية دلالات على أحكامها ، كلفظ الطلاق والعتاق والحوالة والكفالة ونحوها ; ولأن الرهن شرع وثيقة بالدين ، فيلزم أن يكون حكمه ما يقع به التوثيق للدين كالكفالة ، وإنما يحصل التوثيق إذا كان يملك حبسه على الدوام ; لأنه يمنعه عن الانتفاع ، فيحمله ذلك على قضاء الدين في أسرع الأوقات ، وكذا يقع إلا من عن تواء حقه بالجحود والإنكار على ما عرف ، ولا حجة له في الحديث ; لأن معنى قوله عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31799 : لا يغلق الرهن } أي لا يملك بالدين ، كذا قاله أهل اللغة : غلق الرهن أي ملك بالدين ، وهذا كان حكما جاهليا فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله عليه الصلاة والسلام {
: هو لصاحبه الذي رهنه } تفسير لقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31799 : لا يغلق الرهن } وقوله عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33528 : له غنمه } أي زوائده {
nindex.php?page=hadith&LINKID=40824وعليه غرمه } أي نفقته وكنفه وقوله : إن ما شرع له الرهن لا يحصل بما قلتم ; ; لأنه يتوى حقه بهلاك الرهن قلنا : على أحد الطريقين لا يتوى بل يصير مستوفيا ، والاستيفاء ليس بهلاك الدين .
( وأما ) على الطريق الآخر فالهلاك ليس بغالب بل قد يكون ، وقد لا يكون ، وإذا هلك ، فالهلاك ليس يضاف إلى حكم الرهن ; ; لأن حكمه ملك الحبس لا نفس الحبس ، وقوله : فيه تسييب ممنوع ، فإن بعقد الرهن مع التسليم يصير الراهن موفيا دينه في حق الحبس ، والمرتهن يصير مستوفيا في حق الحبس ، والإيفاء والاستيفاء من منافع الرهن ، وإذا عرف حكم الرهن في حال قيامه ، فيخرج عليه المسائل المتعلقة به .
( أما ) على الحكم الأول وهو ملك الحبس فالمسائل المتعلقة بهذا الحكم بعضها يتعلق بنفس الحكم وبعضها يتعلق بكيفيته ، أما الذي يتعلق بنفس الحكم فنقول : وبالله التوفيق
[ ص: 146 ] ليس للراهن أن ينتفع بالمرهون استخداما وركوبا ولبسا وسكنى وغير ذلك ; ; لأن حق الحبس ثابت للمرتهن على سبيل الدوام ، وهذا يمنع الاسترداد والانتفاع ، وليس له أن يبيعه غير المرتهن بغير إذنه ; لما فيه من إبطال حقه من غير رضاه .
ولو باعه ، توقف نفاذ البيع على إجازة المرتهن ، إن أجاز ، جاز ; لأن عدم النفاذ لمكان حقه ، فإذا رضي ببطلان حقه زال المانع ; فنفذ وكان الثمن رهنا ، سواء شرط المرتهن عند الإجازة كونه رهنا ، أو لا في جواب ظاهر الرواية وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أنه لا يكون رهنا إلا بالشرط ; لأن الثمن ليس بمرهون حقيقة بل المرهون هو المبيع ، وقد زال حقه عنه بالبيع ، إلا أنه إذا شرط عند الإجازة أن يكون مرهونا فلم يرض بزوال حقه عنه إلا ببدل ، وإذا لم يوجد الشرط زال حقه أصلا .
( وجه ) ظاهر الرواية أن الثمن بدل المرهون فيقوم مقامه وبه تبين أنه ما زال حقه بالبيع ; لأنه زال إلى خلف والزائل إلى خلف قائم معنى ، فيقام الخلف مقام الأصل ، وسواء قبض الثمن من المشتري أو لم يقبضه ; لأنه يقوم مقام ما كان مقبوضا ، وإن رده بطل ; لما قلنا ، وليس له أن يهبه من غيره أو يتصدق به على غيره بغير إذنه ; لما ذكرنا .
ولو فعل توقف على إجازة المرتهن إن رده بطل ، وله أن يعيده رهنا ، وإن أجازه ، جازت الإجازة ; لما قلنا ، وبطل عقد الرهن ; ; لأنه زال عن ملكه لا إلى خلف ، بخلاف البيع وليس له أن يؤاجره من أجنبي بغير إذن المرتهن ; لأن قيام ملك الحبس له يمنع الإجازة ; ولأن الإجازة بعقد الانتفاع ، وهو لا يملك الانتفاع به بنفسه فكيف يملكه غيره ؟ ولو فعل وقف على إجازته فإن رده ، بطل ، وإن أجاز ، جازت الإجازة ; لما قلنا ، وبطل عقد الرهن ; لأن الإجازة إذا جازت وأنها عقد لازم لا يبقى الرهن ضرورة والأجرة للراهن ; لأنها بدل منفعة مملوكة له ، وولاية قبض الأجرة له أيضا ; لأنه هو العاقد ، ولا تكون الأجرة رهنا ; لأن الأجرة بدل المنفعة ، والمنفعة ليست بمرهونة فلا يكون بدلها مرهونا .
( فأما ) الثمن في باب البيع فبدل المبيع ، وأنه مرهون فجاز أن يكون بدله مرهونا ، وكذلك لو آجره من المرتهن صحت الإجارة وبطل الرهن إذا جدد المرتهن القبض للإجارة .
( أما ) صحة الإجارة وبطلان الرهن ; فلما ذكرنا .
( وأما ) الحاجة إلى تجديد القبض ; فلأن قبض الرهن دون قبض الإجارة ، فلا ينوب عنه .
ولو هلك في يده قبل انقضاء مدة الإجارة أو بعد انقضائها يهلك أمانة ; إن لم يوجد منع من الراهن ، وإن منعه الراهن ثم هلك بعد انقضاء مدة الإجارة ، ضمن كل قيمته ; لأنه صار غاصبا بالمنع ، وليس له أن يعيره من أجنبي بغير إذن المرتهن ; لما ذكرنا ، فلو أعار وسلم ، فللمرتهن أن يبطل الإعارة ويعيده رهنا ، وإن أجاز ، جاز ، ولا يبطل الرهن ولكن يبطل ضمانه ، وكذا إذا أعاره بإذن المرتهن ، بخلاف ما إذا آجره فأجاز المرتهن ، أو آجره بإذنه أنه يبطل الرهن ; لأن الإجارة عقد لازم ألا ترى أن أحد العاقدين لا ينفرد بالفسخ من غير عذر ، فكان من ضرورة جوازها بطلان الرهن فأما الإعارة فليست بلازمة ; ; لأن للمعير ولاية الاسترداد في أي وقت شاء ، فجوازها لا يوجب بطلان عقد الرهن إلا أنه يبطل ضمان الرهن ; لما نذكر في موضعه إن شاء الله تعالى وكذا ليس للمرتهن أن ينتفع بالمرهون ، حتى لو كان الراهن عبدا ليس له أن يستخدمه ، وإن كان دابة ليس له أن يركبها ، وإن كان ثوبا ليس له أن يلبسه ، وإن كان دارا ليس له أن يسكنها ، وإن كان مصحفا ليس له أن يقرأ فيه ; ; لأن عقد الرهن يفيد ملك الحبس لا ملك الانتفاع ، فإن انتفع به فهلك في حال الاستعمال يضمن كل قيمته ; لأنه صار غاصبا وليس له أن يبيع الرهن بغير إذن الراهن ; ; لأن الثابت له ليس إلا ملك الحبس ، فأما ملك العين فللراهن ، والبيع تمليك العين فلا يملكه المرتهن من غير إذن الراهن .
ولو باع من غير إذنه ، وقف على إجازته فإن أجازه ، جاز وكان الثمن رهنا ، وكذا إذا باع بإذنه ، جاز وكان ثمنه رهنا ، سواء قبضه من المشتري أو لم يقبضه .
ولو هلك ، كان الهلاك على المرتهن ، وهذا يشكل على الشرط الذي ذكرنا ; لجواز الرهن وهو أن لا يكون المرهون دينا والثمن دينا في ذمة المشتري ، فكيف يصلح رهنا ؟ والجواب : أن الدين يصلح رهنا في حال البقاء وإن كان لا يصلح ابتداء ; ; لأنه في حالة البقاء بدل المرهون ، وبدل المرهون مرهون ; ; لأنه قائم مقام المرهون كأنه هو ، بخلاف حالة الابتداء ، وإن رد ، بطل وعاد المبيع رهنا كما كان .
ولو هلك في يد المشتري قبل الإجازة ، فلم تجز الإجازة ; لأن قيام المعقود عليه شرط صحة الإجازة ، والراهن بالخيار إن شاء ضمن المرتهن وإن شاء ضمن
[ ص: 147 ] المشتري ; لأن كل واحد منهما صار غاصبا للمرتهن بالتسليم والمشتري بالقبض ، فإن ضمن المرتهن ، جاز البيع والثمن للمرتهن ، وكان الضمان رهنا ; لأنه ملكه بالضمان فتبين أنه باع ملك نفسه ; فجاز وكان الثمن له ; لأنه بدل ملكه ، والضمان يكون رهنا ; لأنه بدل المرهون فيكون مرهونا ، وقيل : إنما يجوز البيع بتضمين المرتهن إذا سلم الرهن إلى المشتري أولا ، ثم باعه منه ، فأما إذا باعه ثم سلمه ، فإنه لا يجوز ; لأن سبب ثبوت الملك هو التسليم ; ; لأنه سبب وجوب الضمان ، وملك المضمون بملك الضمان ، والتسليم وجد بعد البيع ; فلا يجوز البيع ، كما إذا باع مال غيره بغير إذنه ثم اشتراه منه ، أنه لا يجوز بيعه كذا هذا ، وليس في ظاهر الرواية هذا التفصيل .
ولو ضمن المشتري ، بطل البيع ; لأن بتضمين المشتري لم يتبين أن المرتهن باع مال نفسه ، والضمان يكون رهنا ; لأنه بدل المرهون ، ويرجع المشتري على البائع بالثمن ; لأن البيع لم يصح وليس له أن يرجع بالضمان عليه ، وليس له أن يهبه أو يتصدق به بغير إذن الراهن ; ; لأن الهبة والتصدق تمليك العين ، والثابت للمرتهن ملك الحبس لا ملك العين ، فلا يملكها كما لا يملك البيع ، فإن فعل ، وقف على إجازة الراهن إن أجاز ، جاز وبطل الرهن ، وإن رد ، عاد رهنا كما كان .
ولو هلك في يد الموهوب له أو المتصدق عليه قبل الإجازة ، فالراهن بالخيار إن شاء ضمن المرتهن وإن شاء ضمن الموهوب له والمتصدق عليه ; لما ذكرنا ، وأيهما ضمن لا يرجع بالضمان على صاحبه ، أما المرتهن فلا شك فيه ; لأنه ملك المرهون بالضمان فتبين أنه وهب أو تصدق بملك نفسه ، ( وأما ) الموهوب له والمتصدق عليه ; فلأن الرجوع بالضمان بحكم الضرر ، وأنه لا يتحقق في الهبة والصدقة بخلاف البيع والإجارة وليس له أن يؤاجره من غير الراهن بغير إذنه ; لأن الإجارة تمليك المنفعة والثابت له ملك الحبس لا ملك المنفعة فكيف يملكها من غيره ؟ فإن فعل ، وقف على إجازة الراهن فإن أجاز ، جاز وبطل الرهن ; لما ذكرنا فيما تقدم ، وكانت الأجرة للراهن ولا تكون رهنا ; لما مر ، وولاية قبضها للمرتهن ; ; لأن القبض من حقوق العقد ، والعاقد هو المرتهن ، ولا يعود رهنا إذا انقضت مدة الإجارة ; لأن العقد قد بطل فلا يعود إلا بالاستئناف ، وإن رد ، بطل وأعاده رهنا كما كان .
ولو
nindex.php?page=treesubj&link=25482_23780أجره بغير إذن الراهن وسلمه إلى المستأجر فهلك في يده ، فالراهن بالخيار إن شاء ضمن المرتهن قيمته وقت التسليم إلى المستأجر ، وإن شاء ضمن المستأجر ; لوجود سبب وجوب الضمان من كل واحد منهما وهو التسليم والقبض ، غير أنه إن ضمن المرتهن ، لا يرجع بالضمان على المستأجر ، لكنه يرجع عليه بأجرة قدر المستوفى من المنافع إلى وقت الهلاك ; لأنه ملكه بالضمان فتبين أنه آجر ملك نفسه ; فصح وكانت الأجرة له ; لأنها بدل منفعة مملوكة له إلا أنها لا تطيب له ، وإن ضمن المستأجر ، فالمستأجر يرجع بما ضمن على المرتهن ; لأنه صار مغرورا من جهته ، فيرجع عليه بضمان الغرور وهو ضمان الكفالة ولا أجرة عليه ; لأن الأجرة والضمان لا يجتمعان .
ولو سلم واسترده المرتهن ، عاد رهنا كما كان ; لأنه لما استرده فقد عاد إلى الوفاق بعد ما خالف ; فأشبه المودع إذا خالف في الوديعة ثم عاد إلى الوفاق ، والأجر للمرتهن لكن لا يطيب له ، كالغاصب إذا آجر المغصوب وليس له أن يعير الرهن من غير الراهن بغير إذنه ; لما ذكرنا في الإجارة فإن أعاره وسلمه إلى المستعير ، فللراهن أن يبطل الإعارة ، فإن هلك في يد المستعير ، فالراهن بالخيار إن شاء ضمن المرتهن ، وإن شاء ضمن المستعير وأيهما ضمن لا يرجع على صاحبه ، ويكون الضمان رهنا .
( أما ) عدم الرجوع على المرتهن ; فلأنه ملكه بالضمان فتبين أنه أعار ملكه .
( وأما ) المستعير ; فلأن الرجوع بالغرر ، ولم يوجد بخلاف الإجارة ( وأما ) كون الضمان رهنا ; فلأنه بدل المرهون فيكون مرهونا ، وإن سلم واسترده من المستعير ، عاد رهنا كما كان ; لأنه عاد إلى الوفاق فالتحق الخلاف فيه بالعدم ولو أعاره بإذن الراهن أو بغير إذنه وأجاز ، جاز ولا يبطل الرهن لكن يبطل ضمان الرهن ; لما نذكر ، بخلاف الإجارة فإنها تبطل الرهن ، وقد مر الفرق ، وليس له أن يرهنه بغير إذن الراهن ; لأنه لم يرض بحبس غيره فإن فعل ، فللراهن الأول أن يبطل الرهن الثاني ويعيده إلى يد المرتهن الأول ; لأن الرهن الثاني لم يصح ، فلو هلك في يد المرتهن الثاني قبل الإعادة إلى الأول ، فالراهن الأول بالخيار إن شاء ضمن المرتهن الأول ، وإن شاء ضمن المرتهن الثاني ، فإن ضمن المرتهن الأول ، جاز الرهن الثاني ; لأنه ملكه المرتهن الأول بالضمان ، فتبين أنه رهن ملك نفسه ولو هلك في يد المرتهن
[ ص: 148 ] الثاني يهلك بالدين فكان ضمانه رهنا ; ; لأنه بدل المرهون ، وإن ضمن المرتهن الثاني ، بطل الرهن الثاني ويكون الضمان رهنا على المرتهن الأول ; لكونه بدل المرهون ويرجع المرتهن الثاني على المرتهن الأول بما ضمن وبدينه .
( أما ) الرجوع بالضمان ; فلأنه صار مغرورا من جهته فيرجع عليه .
( وأما ) الرجوع بدينه ; فلأن الرهن الثاني لم يصح فيبقى دينه عليه كما كان وإن رهن عند الثاني بإذن الراهن الأول ، جاز الرهن الثاني وبطل الرهن الأول .
( أما ) جواز الرهن الثاني ; فلأن المانع من الجواز قد زال بإذن الراهن الأول ، فإذا أجاز الثاني ، بطل الأول ضرورة ، وصار كأن المرتهن الأول استعار مال الراهن الأول ; ليرهنه بدينه فرهنه ، وليس له أن يودعه عند أجنبي ليس في عياله ; لأن الراهن لم يرض إلا بيده أو بيد من يده في معنى يده ، ويد الأجنبي الذي ليس في عياله ليست في معنى يده ، فإن فعل وهلك في يد المودع ; ضمن كل قيمته ; لأنه صار غاصبا بالإيداع ، وله أن يدفعه إلى من هو في عياله ، كزوجته وخادمه وأجيره الذي يتصرف في ماله ; لأن يد هؤلاء كيده ، ألا ترى أنه يحفظ مال نفسه بيدهم ، فكان الهالك في أيديهم كالهالك في يده ، والأصل في هذا أن للمرتهن أن يفعل في الرهن ما يعد حفظا له ، وليس له أن يفعل ما يعد استعمالا له وانتفاعا به وعلى هذا يخرج ما
nindex.php?page=treesubj&link=25481_5663إذا ارتهن خاتما فجعله في خنصره فهلك ضمن كل قيمته ; لأن التختم بالخنصر مما يتجمل به عادة ، فكان استعمالا له وهو مأذون في الحفظ لا في الاستعمال ، ويستوي فيه اليمنى واليسرى ; لأن الناس يختلفون في التجمل بهذا النوع ، منهم من يتجمل بالتختم في اليمنى ومنهم من يتجمل به في اليسرى ، فكان كل ذلك استعمالا .
ولو جعله في بقية الأصابع فهلك ، يهلك هلاك الرهن ; ; لأن التختم بها غير معتاد ، فكان حفظا لا استعمالا ولو لبس خاتما فوق خاتم ، يرجع فيه إلى العرف والعادة فإن كان اللابس ممن يتجمل بخاتمين ، يضمن ; لأنه مستعمل له ، وإن كان ممن لا يتجمل به ، يهلك بما فيه ; لأنه حافظ إياه ولو رهنه سيفين فتقلد بهما ، يضمن .
ولو كانت السيوف ثلاثة فتقلد بها ، لم يضمن ; ; لأن التقلد بسيفين معتاد في الجملة ، فكان من باب الاستعمال ، ( فأما ) بالثلاثة فليس بمعتاد فكان حفظا لا استعمالا وإن كان الرهن طيلسانا أو قباء فلبسه لبسا معتادا ، يضمن ، وإن جعله على عاتقه فهلك ، يهلك رهنا ; لأن الأول استعمال والثاني حفظ ، وله أن يبيع ما يخاف الفساد عليه بإذن القاضي ; لأن بيع ما يخاف عليه الفساد من باب الحفظ ، فله أن يبيعه لكن بإذن القاضي له ; لأن له ولاية في مال غيره في الجملة ، فإن باع بغير إذنه ، ضمن ; لأنه لا ولاية له عليه ، وإذا باع بأمر الحاكم كان ثمنه رهنا في يده ; ; لأنه بدل المرهون فيكون رهنا ، وله أن يطالب الراهن بإيفاء الدين مع قيام عقد الرهن إذا لم يكن الدين مؤجلا لأن الرهن شرع لتوثيق الدين وليس من الوثيقة سقوط المطالبة بإيفاء الدين .
ولو طالب المرتهن الراهن بحقه فقال الراهن : بعه ، واستوف حقك ، فقال المرتهن : لا أريد البيع ولكن أريد حقي ، فله ذلك ; لأن الرهن وثيقة ، وبالبيع يخرج عن كونه رهنا فيبطل معنى الوثيقة ، فله أن يتوثق باستيفائه إلى استيفاء الدين
nindex.php?page=treesubj&link=5673ولو قال الراهن للمرتهن : إن جئتك بحقك إلى وقت كذا ، وإلا فهو لك بدينك أو بيع بحقك لم يجز وهو رهن على حاله ; لأن هذا تعليق التمليك بالشرط وأنه لا يتعلق بالشرط ، وليس للقاضي أن يبيع الرهن بدين المرتهن من غير رضا الراهن ، لكنه يحبس الراهن حتى يبيعه بنفسه ، عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة عليه الرحمة وعندهما له أن يبيعه عليه وهي مسألة الحجر على الحر ، وقد ذكرناها في كتاب الحجر .
( فَصْلٌ ) :
وَأَمَّا حُكْمُ الرَّهْنِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : الرَّهْنُ نَوْعَانِ : صَحِيحٌ ، وَفَاسِدٌ .
( أَمَّا ) الْأَوَّلُ فَلَهُ أَحْكَامٌ بَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِحَالِ قِيَامِ الْمَرْهُونِ وَبَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِحَالِ هَلَاكِهِ .
( أَمَّا ) الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِحَالِ قِيَامِهِ فَعِنْدَنَا ثَلَاثَةٌ : الْأَوَّلُ مِلْكُ حَبْسِ الْمَرْهُونِ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ ، أَوْ مِلْكِ الْعَيْنِ فِي حَقِّ الْحَبْسِ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ ، وَكَوْنُ الْمُرْتَهِنِ أَحَقَّ بِحَبْسِ الْمَرْهُونِ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ ، وَالْعِبَارَاتُ مُتَّفِقَةُ الْمَعَانِي فِي مُتَعَارَفِ الْفُقَهَاءِ .
( وَالثَّانِي ) اخْتِصَاصُ الْمُرْتَهِنِ بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ أَوْ اخْتِصَاصُهُ بِثَمَنِهِ ، وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ أَصْلِيَّانِ لِلرَّهْنِ عِنْدَنَا .
( وَالثَّالِثُ ) وُجُوبُ تَسْلِيمِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الِافْتِكَاكِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ لِلرَّهْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ كَوْنُ الْمُرْتَهِنِ أَحَقَّ بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ وَأَخَصَّ بِثَمَنِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ .
( فَأَمَّا )
nindex.php?page=treesubj&link=5672حَقُّ حَبْسِ الْمَرْهُونِ فَلَيْسَ بِحُكْمٍ لَازِمٍ ، حَتَّى أَنَّ الْمَرْهُونَ إنْ كَانَ شَيْئًا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِدُونِ اسْتِهْلَاكِهِ ، كَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الِانْتِفَاعِ ، رَدَّهُ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِاسْتِهْلَاكِهِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ، فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ يَدِهِ ، احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31799لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ ، لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ ، لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ ، هُوَ لِصَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ ، لَهُ غُنْمُهُ ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ } أَخْبَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَغْلَقُ أَيْ لَا يُحْبَسُ ، وَعِنْدَكُمْ يُحْبَسُ ، فَكَانَ حُجَّةً عَلَيْكُمْ ، وَكَذَا أَضَافَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الرَّهْنَ إلَى الرَّاهِنِ " فَاللَّامُ " التَّمْلِيكِ ، وَسَمَّاهُ صَاحِبًا لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَالِكُ لِلرَّهْنِ مُطْلَقًا رَقَبَةً وَانْتِفَاعًا وَحَبْسًا ; وَلِأَنَّ الرَّهْنَ شُرِعَ تَوْثِيقًا لِلدَّيْنِ ، وَمِلْكُ الْحَبْسِ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ يُضَادُّ مَعْنَى الْوَثِيقَةِ ; ; لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي يَدِهِ دَائِمًا ، وَعَسَى يَهْلِكُ ; فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ ، فَكَانَ تَوْهِينًا لِلدَّيْنِ لَا تَوْثِيقًا لَهُ ; وَلِأَنَّ فِيمَا قُلْتُمْ : تَعْطِيلُ الْعَيْنِ الْمُنْتَفِعِ بِهَا فِي نَفْسِهَا مِنْ الِانْتِفَاعِ ; ; لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ أَصْلًا ، وَالرَّاهِنُ لَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِهِ عِنْدَكُمْ ; فَكَانَ تَعْطِيلًا وَالتَّعْطِيلُ تَسْيِيبٌ وَأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَقَدْ نَفَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=103مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ } .
( وَلَنَا ) قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=283وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِكَوْنِ الرَّهْنِ مَقْبُوضًا وَإِخْبَارُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَحْتَمِلُ الْخَلَلَ ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مَقْبُوضًا مَا دَامَ مَرْهُونًا ; وَلِأَنَّ الرَّهْنَ فِي اللُّغَةِ : عِبَارَةٌ عَنْ الْحَبْسِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } أَيْ حَبِيسٌ ، فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مَحْبُوسًا مَا دَامَ مَرْهُونًا وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ مِلْكُ الْحَبْسِ عَلَى الدَّوَامِ لَمْ يَكُنْ مَحْبُوسًا عَلَى الدَّوَامِ فَلَمْ يَكُنْ مَرْهُونًا ; وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا سَمَّى الْعَيْنَ الَّتِي وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا رَهْنًا وَأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْحَبْسِ لُغَةً كَانَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لُغَةً حُكْمًا لَهُ شَرْعًا ; ; لِأَنَّ لِلْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ دَلَالَاتٍ عَلَى أَحْكَامِهَا ، كَلَفْظِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَنَحْوِهَا ; وَلِأَنَّ الرَّهْنَ شُرِعَ وَثِيقَةً بِالدَّيْنِ ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ مَا يَقَعُ بِهِ التَّوْثِيقُ لِلدَّيْنِ كَالْكَفَالَةِ ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ التَّوْثِيقُ إذَا كَانَ يَمْلِكُ حَبْسَهُ عَلَى الدَّوَامِ ; لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ ، فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فِي أَسْرَعِ الْأَوْقَاتِ ، وَكَذَا يَقَعُ إلَّا مِنْ عَنْ تَوَاءِ حَقِّهِ بِالْجُحُودِ وَالْإِنْكَارِ عَلَى مَا عُرِفَ ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ ; لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31799 : لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ } أَيْ لَا يُمْلَكُ بِالدَّيْنِ ، كَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ : غَلِقَ الرَّهْنُ أَيْ مُلِكَ بِالدَّيْنِ ، وَهَذَا كَانَ حُكْمًا جَاهِلِيًّا فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
: هُوَ لِصَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ } تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31799 : لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33528 : لَهُ غُنْمُهُ } أَيْ زَوَائِدُهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=40824وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ } أَيْ نَفَقَتُهُ وَكَنَفُهُ وَقَوْلُهُ : إنَّ مَا شُرِعَ لَهُ الرَّهْنُ لَا يَحْصُلُ بِمَا قُلْتُمْ ; ; لِأَنَّهُ يُتْوَى حَقُّهُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ قُلْنَا : عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقِينَ لَا يُتْوَى بَلْ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا ، وَالِاسْتِيفَاءُ لَيْسَ بِهَلَاكِ الدَّيْنِ .
( وَأَمَّا ) عَلَى الطَّرِيقِ الْآخَرِ فَالْهَلَاكُ لَيْسَ بِغَالِبٍ بَلْ قَدْ يَكُونُ ، وَقَدْ لَا يَكُونُ ، وَإِذَا هَلَكَ ، فَالْهَلَاكُ لَيْسَ يُضَافُ إلَى حُكْمِ الرَّهْنِ ; ; لِأَنَّ حُكْمَهُ مِلْكُ الْحَبْسِ لَا نَفْسُ الْحَبْسِ ، وَقَوْلُهُ : فِيهِ تَسْيِيبٌ مَمْنُوعٌ ، فَإِنَّ بِعَقْدِ الرَّهْنِ مَعَ التَّسْلِيمِ يَصِيرُ الرَّاهِنُ مُوفِيًا دَيْنَهُ فِي حَقِّ الْحَبْسِ ، وَالْمُرْتَهِنُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا فِي حَقِّ الْحَبْسِ ، وَالْإِيفَاءُ وَالِاسْتِيفَاءُ مِنْ مَنَافِعِ الرَّهْنِ ، وَإِذَا عُرِفَ حُكْمُ الرَّهْنِ فِي حَالِ قِيَامِهِ ، فَيَخْرُجُ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ .
( أَمَّا ) عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مِلْكُ الْحَبْسِ فَالْمَسَائِلُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَذَا الْحُكْمِ بَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْحُكْمِ وَبَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّتِهِ ، أَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْحُكْمِ فَنَقُولُ : وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
[ ص: 146 ] لَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْمَرْهُونِ اسْتِخْدَامًا وَرُكُوبًا وَلُبْسًا وَسُكْنَى وَغَيْرَ ذَلِكَ ; ; لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ ثَابِتٌ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ ، وَهَذَا يَمْنَعُ الِاسْتِرْدَادَ وَالِانْتِفَاعَ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ غَيْرُ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ; لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ .
وَلَوْ بَاعَهُ ، تَوَقَّفَ نَفَاذُ الْبَيْعِ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ ، إنْ أَجَازَ ، جَازَ ; لِأَنَّ عَدَمَ النَّفَاذِ لِمَكَانِ حَقِّهِ ، فَإِذَا رَضِيَ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ زَالَ الْمَانِعُ ; فَنَفَذَ وَكَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا ، سَوَاءٌ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَوْنَهُ رَهْنًا ، أَوْ لَا فِي جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا إلَّا بِالشَّرْطِ ; لِأَنَّ الثَّمَنَ لَيْسَ بِمَرْهُونٍ حَقِيقَةً بَلْ الْمَرْهُونُ هُوَ الْمَبِيعُ ، وَقَدْ زَالَ حَقُّهُ عَنْهُ بِالْبَيْعِ ، إلَّا أَنَّهُ إذَا شُرِطَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا فَلَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ حَقِّهِ عَنْهُ إلَّا بِبَدَلٍ ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ زَالَ حَقُّهُ أَصْلًا .
( وَجْهُ ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُ الْمَرْهُونِ فَيَقُومُ مَقَامَهُ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا زَالَ حَقُّهُ بِالْبَيْعِ ; لِأَنَّهُ زَالَ إلَى خَلْفٍ وَالزَّائِلُ إلَى خَلْفٍ قَائِمٌ مَعْنًى ، فَيُقَامُ الْخَلْفُ مَقَامَ الْأَصْلِ ، وَسَوَاءٌ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ ; لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا ، وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ ; لِمَا قُلْنَا ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ; لِمَا ذَكَرْنَا .
وَلَوْ فَعَلَ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ إنْ رَدَّهُ بَطَلَ ، وَلَهُ أَنْ يُعِيدَهُ رَهْنًا ، وَإِنْ أَجَازَهُ ، جَازَتْ الْإِجَازَةُ ; لِمَا قُلْنَا ، وَبَطَلَ عَقْدُ الرَّهْنِ ; ; لِأَنَّهُ زَالَ عَنْ مِلْكِهِ لَا إلَى خَلْفٍ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ ; لِأَنَّ قِيَامَ مِلْكِ الْحَبْسِ لَهُ يَمْنَعُ الْإِجَازَةَ ; وَلِأَنَّ الْإِجَازَةَ بِعَقْدِ الِانْتِفَاعِ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِهِ بِنَفْسِهِ فَكَيْف يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ ؟ وَلَوْ فَعَلَ وَقَفَ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنْ رَدَّهُ ، بَطَلَ ، وَإِنْ أَجَازَ ، جَازَتْ الْإِجَازَةُ ; لِمَا قُلْنَا ، وَبَطَلَ عَقْدُ الرَّهْنِ ; لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إذَا جَازَتْ وَأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَبْقَى الرَّهْنُ ضَرُورَةً وَالْأُجْرَةُ لِلرَّاهِنِ ; لِأَنَّهَا بَدَلُ مَنْفَعَةٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ ، وَوِلَايَةُ قَبْضِ الْأُجْرَةِ لَهُ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ ، وَلَا تَكُونُ الْأُجْرَةُ رَهْنًا ; لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ ، وَالْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ بِمَرْهُونَةٍ فَلَا يَكُونُ بَدَلُهَا مَرْهُونًا .
( فَأَمَّا ) الثَّمَنُ فِي بَابِ الْبَيْعِ فَبَدَلُ الْمَبِيعِ ، وَأَنَّهُ مَرْهُونٌ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَدَلُهُ مَرْهُونًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ آجَرَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ إذَا جَدَّدَ الْمُرْتَهِنُ الْقَبْضَ لِلْإِجَارَةِ .
( أَمَّا ) صِحَّةُ الْإِجَارَةِ وَبُطْلَانُ الرَّهْنِ ; فَلِمَا ذَكَرْنَا .
( وَأَمَّا ) الْحَاجَةُ إلَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ ; فَلِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ دُونَ قَبْضِ الْإِجَارَةِ ، فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ .
وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا يَهْلِكُ أَمَانَةً ; إنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْعٌ مِنْ الرَّاهِنِ ، وَإِنْ مَنْعَهُ الرَّاهِنُ ثُمَّ هَلَكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ، ضَمِنَ كُلَّ قِيمَتِهِ ; لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِالْمَنْعِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ ; لِمَا ذَكَرْنَا ، فَلَوْ أَعَارَ وَسَلَّمَ ، فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُبْطِلَ الْإِعَارَةَ وَيُعِيدَهُ رَهْنًا ، وَإِنْ أَجَازَ ، جَازَ ، وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَلَكِنْ يَبْطُلُ ضَمَانُهُ ، وَكَذَا إذَا أَعَارَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَهُ فَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ ، أَوْ آجَرَهُ بِإِذْنِهِ أَنَّهُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ ; لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، فَكَانَ مِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِهَا بُطْلَانُ الرَّهْنِ فَأَمَّا الْإِعَارَةُ فَلَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ ; ; لِأَنَّ لِلْمُعِيرِ وِلَايَةَ الِاسْتِرْدَادِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ ، فَجَوَازُهَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ عَقْدِ الرَّهْنِ إلَّا أَنَّهُ يَبْطُلُ ضَمَانَ الرَّهْنِ ; لِمَا نَذْكُرُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْمَرْهُونِ ، حَتَّى لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ عَبْدًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ ، وَإِنْ كَانَ دَابَّةً لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا ، وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْبَسَهُ ، وَإِنْ كَانَ دَارًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا ، وَإِنْ كَانَ مُصْحَفًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِ ; ; لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يُفِيدُ مِلْكَ الْحَبْسِ لَا مِلْكَ الِانْتِفَاعِ ، فَإِنْ انْتَفَعَ بِهِ فَهَلَكَ فِي حَالِ الِاسْتِعْمَالِ يَضْمَنُ كُلَّ قِيمَتِهِ ; لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ ; ; لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُ لَيْسَ إلَّا مِلْكُ الْحَبْسِ ، فَأَمَّا مِلْكُ الْعَيْنِ فَلِلرَّاهِنِ ، وَالْبَيْعُ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ .
وَلَوْ بَاعَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ ، وَقَفَ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ ، جَازَ وَكَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا ، وَكَذَا إذَا بَاعَ بِإِذْنِهِ ، جَازَ وَكَانَ ثَمَنُهُ رَهْنًا ، سَوَاءٌ قَبَضَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ .
وَلَوْ هَلَكَ ، كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَهَذَا يُشْكِلُ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرْنَا ; لِجَوَازِ الرَّهْنِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَرْهُونُ دَيْنًا وَالثَّمَنُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي ، فَكَيْفَ يَصْلُحُ رَهْنًا ؟ وَالْجَوَابُ : أَنَّ الدَّيْنَ يَصْلُحُ رَهْنًا فِي حَالِ الْبَقَاءِ وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ ابْتِدَاءً ; ; لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ بَدَلُ الْمَرْهُونِ ، وَبَدَلُ الْمَرْهُونِ مَرْهُونٌ ; ; لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَرْهُونِ كَأَنَّهُ هُوَ ، بِخِلَافِ حَالَةِ الِابْتِدَاءِ ، وَإِنْ رَدَّ ، بَطَلَ وَعَادَ الْمَبِيعُ رَهْنًا كَمَا كَانَ .
وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْإِجَازَةِ ، فَلَمْ تَجُزْ الْإِجَازَةُ ; لِأَنَّ قِيَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِجَازَةِ ، وَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ
[ ص: 147 ] الْمُشْتَرِيَ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ غَاصِبًا لِلْمُرْتَهِنِ بِالتَّسْلِيمِ وَالْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ ، جَازَ الْبَيْعُ وَالثَّمَنُ لِلْمُرْتَهِنِ ، وَكَانَ الضَّمَانُ رَهْنًا ; لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ ; فَجَازَ وَكَانَ الثَّمَنُ لَهُ ; لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ ، وَالضَّمَانُ يَكُونُ رَهْنًا ; لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَرْهُونِ فَيَكُونُ مَرْهُونًا ، وَقِيلَ : إنَّمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِتَضْمِينِ الْمُرْتَهِنِ إذَا سَلَّمَ الرَّهْنَ إلَى الْمُشْتَرِي أَوَّلًا ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ ، فَأَمَّا إذَا بَاعَهُ ثُمَّ سَلَّمَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ; لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ هُوَ التَّسْلِيمُ ; ; لِأَنَّهُ سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ ، وَمِلْكُ الْمَضْمُونِ بِمِلْكِ الضَّمَانِ ، وَالتَّسْلِيمُ وُجِدَ بَعْدَ الْبَيْعِ ; فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ ، كَمَا إذَا بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَذَا هَذَا ، وَلَيْسَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هَذَا التَّفْصِيلُ .
وَلَوْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ ، بَطَلَ الْبَيْعُ ; لِأَنَّ بِتَضْمِينِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ بَاعَ مَالَ نَفَسِهِ ، وَالضَّمَانُ يَكُونُ رَهْنًا ; لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَرْهُونِ ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَصِحَّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالضَّمَانِ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَهَبَهُ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ ; ; لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالتَّصَدُّقَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ ، وَالثَّابِتُ لِلْمُرْتَهِنِ مِلْكُ الْحَبْسِ لَا مِلْكُ الْعَيْنِ ، فَلَا يَمْلِكُهَا كَمَا لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ ، فَإِنْ فَعَلَ ، وَقَفَ عَلَى إجَازَةِ الرَّاهِنِ إنْ أَجَازَ ، جَازَ وَبَطَلَ الرَّهْنُ ، وَإِنْ رَدَّ ، عَادَ رَهْنًا كَمَا كَانَ .
وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِجَازَةَ ، فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ ; لِمَا ذَكَرْنَا ، وَأَيُّهُمَا ضَمَّنَ لَا يَرْجِعُ بِالضَّمَانِ عَلَى صَاحِبِهِ ، أَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلَا شَكَّ فِيهِ ; لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَرْهُونَ بِالضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ بِمِلْكِ نَفَسِهِ ، ( وَأَمَّا ) الْمَوْهُوبُ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ ; فَلِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالضَّمَانِ بِحُكْمِ الضَّرَرِ ، وَأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مِنْ غَيْرِ الرَّاهِنِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ; لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ وَالثَّابِتُ لَهُ مِلْكُ الْحَبْسِ لَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ فَكَيْف يُمَلِّكُهَا مِنْ غَيْرِهِ ؟ فَإِنْ فَعَلَ ، وَقَفَ عَلَى إجَازَةِ الرَّاهِنِ فَإِنْ أَجَازَ ، جَازَ وَبَطَلَ الرَّهْنُ ; لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَكَانَتْ الْأُجْرَةُ لِلرَّاهِنِ وَلَا تَكُونُ رَهْنًا ; لِمَا مَرَّ ، وَوِلَايَةُ قَبْضِهَا لِلْمُرْتَهِنِ ; ; لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ، وَالْعَاقِدُ هُوَ الْمُرْتَهِنُ ، وَلَا يَعُودُ رَهْنًا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ بَطَلَ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ ، وَإِنْ رَدَّ ، بَطَلَ وَأَعَادَهُ رَهْنًا كَمَا كَانَ .
وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=25482_23780أَجَرَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ ، فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ قِيمَتَهُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ ; لِوُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ التَّسْلِيمُ وَالْقَبْضُ ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ ، لَا يَرْجِعُ بِالضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، لَكِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ قَدْرِ الْمُسْتَوْفَى مِنْ الْمَنَافِعِ إلَى وَقْتِ الْهَلَاكِ ; لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ آجَرَ مِلْكَ نَفَسِهِ ; فَصَحَّ وَكَانَتْ الْأُجْرَةُ لَهُ ; لِأَنَّهَا بَدَلُ مَنْفَعَةٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ إلَّا أَنَّهَا لَا تَطِيبُ لَهُ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ ، فَالْمُسْتَأْجَرُ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ; لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِضَمَانِ الْغُرُورِ وَهُوَ ضَمَانُ الْكَفَالَةِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْأُجْرَةَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ .
وَلَوْ سَلَّمَ وَاسْتَرَدَّهُ الْمُرْتَهِنُ ، عَادَ رَهْنًا كَمَا كَانَ ; لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَرَدَّهُ فَقَدْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ مَا خَالَفَ ; فَأَشْبَهَ الْمُودَعَ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ ، وَالْأَجْرُ لِلْمُرْتَهِنِ لَكِنْ لَا يَطِيبُ لَهُ ، كَالْغَاصِبِ إذَا آجَرَ الْمَغْصُوبَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ الرَّهْنَ مِنْ غَيْرِ الرَّاهِنِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ; لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْإِجَارَةِ فَإِنْ أَعَارَهُ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُسْتَعِيرِ ، فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يُبْطِلَ الْإِعَارَةَ ، فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ ، فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ وَأَيُّهُمَا ضَمَّنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَيَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا .
( أَمَّا ) عَدَمُ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ; فَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَعَارَ مِلْكَهُ .
( وَأَمَّا ) الْمُسْتَعِيرُ ; فَلِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالْغَرَرِ ، وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ ( وَأَمَّا ) كَوْنُ الضَّمَانِ رَهْنًا ; فَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَرْهُونِ فَيَكُونُ مَرْهُونًا ، وَإِنْ سَلَّمَ وَاسْتَرَدَّهُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ ، عَادَ رَهْنًا كَمَا كَانَ ; لِأَنَّهُ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَالْتَحَقَ الْخِلَافُ فِيهِ بِالْعَدَمِ وَلَوْ أَعَارَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَأَجَازَ ، جَازَ وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ لَكِنْ يَبْطُلُ ضَمَانُ الرَّهْنِ ; لِمَا نَذْكُرُ ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا تُبْطِلُ الرَّهْنَ ، وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِحَبْسِ غَيْرِهِ فَإِنْ فَعَلَ ، فَلِلرَّاهِنِ الْأَوَّلِ أَنْ يُبْطِلَ الرَّهْنَ الثَّانِي وَيُعِيدَهُ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ الرَّهْنَ الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ ، فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ الثَّانِي قَبْلَ الْإِعَادَةِ إلَى الْأَوَّلِ ، فَالرَّاهِنُ الْأَوَّلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ الْأَوَّلَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ الثَّانِي ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ الْأَوَّلَ ، جَازَ الرَّهْنُ الثَّانِي ; لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ الْمُرْتَهِنَ الْأَوَّلَ بِالضَّمَانِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفَسِهِ وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ
[ ص: 148 ] الثَّانِي يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ فَكَانَ ضَمَانُهُ رَهْنًا ; ; لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَرْهُونِ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ الثَّانِي ، بَطَلَ الرَّهْنُ الثَّانِي وَيَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ ; لِكَوْنِهِ بَدَلَ الْمَرْهُونِ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ الثَّانِي عَلَى الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ وَبِدَيْنِهِ .
( أَمَّا ) الرُّجُوعُ بِالضَّمَانِ ; فَلِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ .
( وَأَمَّا ) الرُّجُوعُ بِدَيْنِهِ ; فَلِأَنَّ الرَّهْنَ الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ فَيَبْقَى دَيْنُهُ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ وَإِنْ رَهَنَ عِنْدَ الثَّانِي بِإِذْنِ الرَّاهِنِ الْأَوَّلِ ، جَازَ الرَّهْنُ الثَّانِي وَبَطَلَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ .
( أَمَّا ) جَوَازُ الرَّهْنِ الثَّانِي ; فَلِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ قَدْ زَالَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ الْأَوَّلِ ، فَإِذَا أَجَازَ الثَّانِي ، بَطَلَ الْأَوَّلُ ضَرُورَةً ، وَصَارَ كَأَنَّ الْمُرْتَهِنَ الْأَوَّلَ اسْتَعَارَ مَالَ الرَّاهِنِ الْأَوَّلِ ; لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنِهِ فَرَهَنَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَهُ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ ; لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَمْ يَرْضَ إلَّا بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ مَنْ يَدُهُ فِي مَعْنَى يَدِهِ ، وَيَدُ الْأَجْنَبِيِّ الَّذِي لَيْسَ فِي عِيَالِهِ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى يَدِهِ ، فَإِنْ فَعَلَ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُودِعِ ; ضَمَّنَ كُلَّ قِيمَتِهِ ; لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِالْإِيدَاعِ ، وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ ، كَزَوْجَتِهِ وَخَادِمِهِ وَأَجِيرِهِ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ ; لِأَنَّ يَدَ هَؤُلَاءِ كَيَدِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْفَظُ مَالَ نَفَسِهِ بِيَدِهِمْ ، فَكَانَ الْهَالِكُ فِي أَيْدِيهِمْ كَالْهَالِكِ فِي يَدِهِ ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَفْعَلَ فِي الرَّهْنِ مَا يُعَدُّ حِفْظًا لَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا لَهُ وَانْتِفَاعًا بِهِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا
nindex.php?page=treesubj&link=25481_5663إذَا ارْتَهَنَ خَاتَمًا فَجَعَلَهُ فِي خِنْصَرِهِ فَهَلَكَ ضَمِنَ كُلَّ قِيمَتِهِ ; لِأَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْخِنْصَرِ مِمَّا يُتَجَمَّلُ بِهِ عَادَةً ، فَكَانَ اسْتِعْمَالًا لَهُ وَهُوَ مَأْذُونٌ فِي الْحِفْظِ لَا فِي الِاسْتِعْمَالِ ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى ; لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّجَمُّلِ بِهَذَا النَّوْعِ ، مِنْهُمْ مَنْ يَتَجَمَّلُ بِالتَّخَتُّمِ فِي الْيُمْنَى وَمِنْهُمْ مِنْ يَتَجَمَّلُ بِهِ فِي الْيُسْرَى ، فَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ اسْتِعْمَالًا .
وَلَوْ جَعَلَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَصَابِعِ فَهَلَكَ ، يَهْلِكُ هَلَاكَ الرَّهْنِ ; ; لِأَنَّ التَّخَتُّمَ بِهَا غَيْرُ مُعْتَادٍ ، فَكَانَ حِفْظًا لَا اسْتِعْمَالًا وَلَوْ لَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ ، يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِنْ كَانَ اللَّابِسُ مِمَّنْ يَتَجَمَّلُ بِخَاتَمَيْنِ ، يَضْمَنُ ; لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُتَجَمَّلُ بِهِ ، يَهْلِكُ بِمَا فِيهِ ; لِأَنَّهُ حَافِظٌ إيَّاهُ وَلَوْ رَهَنَهُ سَيْفَيْنِ فَتَقَلَّدَ بِهِمَا ، يَضْمَنُ .
وَلَوْ كَانَتْ السُّيُوفُ ثَلَاثَةً فَتَقَلَّدَ بِهَا ، لَمْ يَضْمَنْ ; ; لِأَنَّ التَّقَلُّدَ بِسَيْفَيْنِ مُعْتَادٌ فِي الْجُمْلَةِ ، فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاسْتِعْمَالِ ، ( فَأَمَّا ) بِالثَّلَاثَةِ فَلَيْسَ بِمُعْتَادٍ فَكَانَ حِفْظًا لَا اسْتِعْمَالًا وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ طَيْلَسَانًا أَوْ قَبَاءً فَلَبِسَهُ لُبْسًا مُعْتَادًا ، يَضْمَنْ ، وَإِنْ جَعَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ فَهَلَكَ ، يَهْلِكْ رَهْنًا ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتِعْمَالٌ وَالثَّانِي حِفْظٌ ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا يُخَافُ الْفَسَادُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْقَاضِي ; لِأَنَّ بَيْعَ مَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ ، فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لَكِنْ بِإِذْنِ الْقَاضِي لَهُ ; لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً فِي مَالِ غَيْرِهِ فِي الْجُمْلَةِ ، فَإِنْ بَاعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، ضَمِنَ ; لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ ، وَإِذَا بَاعَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ كَانَ ثَمَنُهُ رَهْنًا فِي يَدِهِ ; ; لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَرْهُونِ فَيَكُونُ رَهْنًا ، وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ مَعَ قِيَامِ عَقْدِ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا لِأَنَّ الرَّهْنَ شُرِعَ لِتَوْثِيقِ الدَّيْنِ وَلَيْسَ مِنْ الْوَثِيقَةِ سُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ .
وَلَوْ طَالَبَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بِحَقِّهِ فَقَالَ الرَّاهِنُ : بِعْهُ ، وَاسْتَوْفِ حَقَّكَ ، فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : لَا أُرِيدُ الْبَيْعَ وَلَكِنْ أُرِيدُ حَقِّي ، فَلَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ ، وَبِالْبَيْعِ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ رَهْنًا فَيَبْطُلُ مَعْنَى الْوَثِيقَةِ ، فَلَهُ أَنْ يَتَوَثَّقَ بِاسْتِيفَائِهِ إلَى اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ
nindex.php?page=treesubj&link=5673وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ : إنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ إلَى وَقْتِ كَذَا ، وَإِلَّا فَهُوَ لَكَ بِدَيْنِكَ أَوْ بَيْعٌ بِحَقِّكَ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ ; لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالشَّرْطِ وَأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ بِدَيْنِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الرَّاهِنِ ، لَكِنَّهُ يَحْبِسُ الرَّاهِنَ حَتَّى يَبِيعَهُ بِنَفْسِهِ ، عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ وَعِنْدَهُمَا لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَيْهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ .