( فصل ) :
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=6988بيان أحوالها منها في الأصل حالان : حال ما قبل الأخذ ، وحال ما بعده أما قبل الأخذ : فلها أحوال مختلفة قد يكون مندوب الأخذ ، وقد يكون مباح الأخذ ، وقد يكون حرام الأخذ أما حالة الندب : فهو أن يخاف عليها الضيعة لو تركها فأخذها لصاحبها أفضل من تركها ; لأنه إذا خاف عليها الضيعة كان أخذها لصاحبها إحياء لمال المسلم معنى فكان مستحبا - والله تعالى أعلم - وأما حالة الإباحة : فهو أن لا يخاف عليها الضيعة فيأخذها لصاحبها ، وهذا عندنا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - إذا خاف عليها يجب أخذها وإن لم يخف يستحب أخذها ، وزعم أن الترك عند خوف الضيعة يكون تضييعا لها والتضييع حرام فكان الأخذ واجبا ، وهذا غير سديد ; لأن الترك لا يكون تضييعا بل هو امتناع من حفظ غير ملزم والامتناع من حفظ غير ملزم لا يكون تضييعا كالامتناع عن قبول الوديعة .
وأما حالة الحرمة : فهو أن يأخذها لنفسه لا لصاحبها لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31153لا يأوي الضالة إلا ضال } والمراد أن يضمها إلى نفسه لأجل نفسه لا لأجل صاحبها بالرد عليه ; لأن الضم إلى نفسه لأجل صاحبها ليس بحرام ولأنه أخذ مال الغير بغير إذنه لنفسه فيكون بمعنى الغصب ، وكذا
nindex.php?page=treesubj&link=7038لقطة البهيمة من الإبل والبقر والغنم عندنا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - : لا يجوز التقاطها أصلا واحتج بما روي أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضالة الإبل فقال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34586ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وترعى الشجر دعها حتى يلقاها ربها } نهى عن التعرض لها وأمر بترك الأخذ فدل على حرمة الأخذ .
( ولنا ) ما روي أن رجلا وجد بعيرا
بالحرة فعرفه ثم ذكره لسيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه فأمره أن يعرفه فقال الرجل لسيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قد شغلني عن ضيعتي فقال سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أرسله حيث وجدته ولأن الأخذ حال خوف الضيعة إحياء لمال المسلم فيكون مستحبا وحال عدم الخوف ضرب إحراز فيكون مباحا على ما ذكرنا .
وأما الحديث فلا حجة له فيه لأن المراد منه أن يكون صاحبه قريبا منه ألا ترى أنه قال عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17897حتى يلقاها ربها } وإنما يقال ذلك إذا كان قريبا أو كان رجاء اللقاء ثابتا ، ونحن به نقول ولا كلام فيه ، والدليل عليه أنه لما سأله عن ضالة الغنم قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18274خذها فإنها لك أو لأخيك أو للذئب } دعاه إلى الأخذ ونبه على المعنى وهو خوف الضيعة وأنه موجود في الإبل والنص الوارد فيها أولى أن يكون واردا في الإبل وسائر البهائم دلالة إلا أنه عليه الصلاة والسلام فصل بينهما في الجواب من حيث الصورة لهجوم الذئب على الغنم إذا لم يلقها ربها عادة بعيدا كان أو قريبا وكذلك الإبل ; لأنها تذب عن نفسها عادة هذا الذي
[ ص: 201 ] ذكرنا حال ما قبل الأخذ وأما حال ما بعده فلها بعد الأخذ حالان في حال هي أمانة وفي حال هي مضمونة .
أما حالة الأمانة : فهي أن يأخذها لصاحبها لأنه أخذها على سبيل الأمانة فكانت يده يد أمانة كيد المودع وأما حالة الضمان : فهي أن يأخذها لنفسه لأن المأخوذ لنفسه مغصوب وهذا لا خلاف فيه وإنما الخلاف في شيء آخر وهو أن جهة الأمانة إنما تعرف من جهة الضمان إما بالتصديق أو بالإشهاد عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وعندهما بالتصديق أو باليمين حتى لو هلكت فجاء صاحبها وصدقه في الأخذ له لا يجب عليه الضمان بالإجماع ، وإن لم يشهد ; لأن جهة الأمانة قد ثبتت بتصديقه وإن كذبه في ذلك فكذا عند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد أشهد أو لم يشهد ويكون القول قول الملتقط مع يمينه ، وأما عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة فإن أشهد فلا ضمان عليه ; لأنه بالإشهاد ظهر أن الأخذ كان لصاحبه فظهر أن يده يد أمانة وإن لم يشهد يجب عليه الضمان ولو
nindex.php?page=treesubj&link=10707_7163أقر الملتقط أنه أخذها لنفسه يجب عليه الضمان ; لأنه أقر بالغصب والمغصوب مضمون على الغاصب .
وجه قولهما أن الظاهر أنه أخذه لا لنفسه لأن الشرع إنما مكنه من الأخذ بهذه الجهة فكان إقدامه على الأخذ دليلا على أنه أخذ بالوجه المشروع فكان الظاهر شاهدا له فكان القول قوله ولكن مع الحلف ; لأن القول قول الأمين مع اليمين ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة رحمه الله وجهان أحدهما أن أخذ مال الغير بغير إذنه سبب لوجوب الضمان في الأصل إلا أنه إذا كان الأخذ على سبيل الأمانة بأن أخذه لصاحبه فيخرج من أن يكون سببا وذلك إنما يعرف بالإشهاد فإذا لم يشهد لم يعرف كون الأخذ لصاحبه فبقي الأخذ سببا في حق وجوب الضمان على الأصل .
والثاني : أن الأصل أن عمل كل إنسان له لا لغيره بقوله سبحانه وتعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } فكان أخذه اللقطة في الأصل لنفسه لا لصاحبها
nindex.php?page=treesubj&link=7004_10686_16755_7161وأخذ مال الغير بغير إذنه لنفسه سبب لوجوب الضمان ; لأنه غصب وإنما يعرف الأخذ لصاحبها بالإشهاد فإذا لم يوجد تعين أن الأخذ لنفسه فيجب عليه الضمان .
ولو
nindex.php?page=treesubj&link=7162أخذ اللقطة ثم ردها إلى مكانها الذي أخذها منه لا ضمان عليه في ظاهر الرواية وكذا نص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد في الموطأ ، وبعض مشايخنا - رحمهم الله - قالوا : هذا الجواب فيما إذا رفعها ولم يبرح عن ذلك المكان حتى وضعها في موضعها فأما إذا ذهب بها عن ذلك المكان ثم ردها إلى مكانها يضمن وجواب ظاهر الرواية مطلق عن هذا التفصيل مستغن عن هذا التأويل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - : يضمن ذهب عن ذلك المكان أو لم يذهب وجه قوله أنه لما أخذها من مكانها فقد التزم حفظها بمنزلة قبول الوديعة فإذا ردها إلى مكانها فقد ضيعها بترك الحفظ الملتزم فأشبه الوديعة إذا ألقاها المودع على قارعة الطريق حتى ضاعت .
( ولنا ) أنه أخذها محتسبا متبرعا ليحفظها على صاحبها فإذا ردها إلى مكانها فقد فسخ التبرع من الأصل فصار كأنه لم يأخذها أصلا وبه تبين أنه لم يلزم الحفظ وإنما تبرع به وقد رده بالرد إلى مكانها فارتد وجعل كأن لم يكن ، هذا إذا كان أخذها لصاحبها ثم ردها إلى مكانها فضاعت وصدقه صاحبها فيه أو كذبه لكن الملتقط قد كان أشهد على ذلك فإن كان لم يشهد يجب عليه الضمان عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وعندهما لا يجب أشهد أو لم يشهد ويكون القول قوله مع يمينه أنه أخذها لصاحبها على ما ذكرنا ثم تفسير
nindex.php?page=treesubj&link=7182_7006الإشهاد على اللقطة أن يقول الملتقط بمسمع من الناس إني التقطت لقطة أو عندي لقطة فأي الناس أنشدها فدلوه علي أو يقول : عندي شيء فمن رأيتموه يسأل شيئا فدلوه علي .
فإذا قال ذلك ثم جاء صاحبها فقال الملتقط قد هلكت كان القول قوله ولا ضمان عليه بالإجماع ، وإن كان عنده عشر لقطات ; لأن اسم الشيء واللقطة منكر إن كان يقع على شيء واحد ولقطة واحدة لغة لكن في مثل هذا الموضع يراد بها كل الجنس في العرف والعادة لا فرد من الجنس إذ المقصود من التعريف إيصال الحق إلى المستحق ومطلق الكلام ينصرف إلى المتعارف والمعتاد فكان هذا إشهادا على الكل بدلالة العرف والعادة .
nindex.php?page=treesubj&link=7159_10708_7163ولو أقر أنه كان أخذها لنفسه لا يبرأ عن الضمان إلا بالرد على المالك لأنه ظهر أنه أخذها غصبا فكان الواجب عليه الرد إلى المالك لقوله عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21691على اليد ما أخذت حتى ترده } فإذا عجز عن رد العين يجب عليه بدلها كما في الغصب ، وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=7038_7162إذا أخذ الضالة ثم أرسلها إلى مكانها الذي أخذها منه فحكمها حكم اللقطة ; لأن هذا أحد نوعي اللقطة وقد روينا في هذا الباب عن سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر [ ص: 202 ] رضي الله عنه أنه قال لواجد البعير الضال : " أرسله حيث وجدته " وهذا يدل على انتفاء وجوب الضمان .
( فَصْلٌ ) :
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=6988بَيَانُ أَحْوَالِهَا مِنْهَا فِي الْأَصْلِ حَالَانِ : حَالُ مَا قَبْلَ الْأَخْذِ ، وَحَالُ مَا بَعْدَهُ أَمَّا قَبْلَ الْأَخْذِ : فَلَهَا أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ قَدْ يَكُونُ مَنْدُوبَ الْأَخْذِ ، وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحَ الْأَخْذِ ، وَقَدْ يَكُونُ حَرَامَ الْأَخْذِ أَمَّا حَالَةُ النَّدْبِ : فَهُوَ أَنْ يُخَافَ عَلَيْهَا الضَّيْعَةُ لَوْ تَرَكَهَا فَأَخْذُهَا لِصَاحِبِهَا أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهَا ; لِأَنَّهُ إذَا خَافَ عَلَيْهَا الضَّيْعَةَ كَانَ أَخْذُهَا لِصَاحِبِهَا إحْيَاءً لِمَالِ الْمُسْلِمِ مَعْنًى فَكَانَ مُسْتَحَبًّا - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - وَأَمَّا حَالَةُ الْإِبَاحَةِ : فَهُوَ أَنْ لَا يَخَافَ عَلَيْهَا الضَّيْعَةَ فَيَأْخُذَهَا لِصَاحِبِهَا ، وَهَذَا عِنْدَنَا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا خَافَ عَلَيْهَا يَجِبُ أَخْذُهَا وَإِنْ لَمْ يَخَفْ يُسْتَحَبُّ أَخْذُهَا ، وَزَعَمَ أَنَّ التَّرْكَ عِنْدَ خَوْفِ الضَّيْعَةِ يَكُونُ تَضْيِيعًا لَهَا وَالتَّضْيِيعُ حَرَامٌ فَكَانَ الْأَخْذُ وَاجِبًا ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ ; لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يَكُونُ تَضْيِيعًا بَلْ هُوَ امْتِنَاعٌ مِنْ حِفْظٍ غَيْرِ مُلْزَمٍ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ حِفْظٍ غَيْرِ مُلْزَمٍ لَا يَكُونُ تَضْيِيعًا كَالِامْتِنَاعِ عَنْ قَبُولِ الْوَدِيعَةِ .
وَأَمَّا حَالَةُ الْحُرْمَةِ : فَهُوَ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ لَا لِصَاحِبِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31153لَا يَأْوِي الضَّالَّةَ إلَّا ضَالٌّ } وَالْمُرَادُ أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ لِأَجْلِ نَفْسِهِ لَا لِأَجْلِ صَاحِبِهَا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الضَّمَّ إلَى نَفْسِهِ لِأَجْلِ صَاحِبِهَا لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْغَصْبِ ، وَكَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=7038لُقَطَةُ الْبَهِيمَةِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا أَصْلًا وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ فَقَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34586مَا لَك وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ دَعْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا } نَهَى عَنْ التَّعَرُّضِ لَهَا وَأَمَرَ بِتَرْكِ الْأَخْذِ فَدَلَّ عَلَى حُرْمَةِ الْأَخْذِ .
( وَلَنَا ) مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ بَعِيرًا
بِالْحَرَّةِ فَعَرَّفَهُ ثُمَّ ذَكَرَهُ لِسَيِّدِنَا
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ فَقَالَ الرَّجُلُ لِسَيِّدِنَا
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ قَدْ شَغَلَنِي عَنْ ضَيْعَتِي فَقَالَ سَيِّدُنَا
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ أَرْسِلْهُ حَيْثُ وَجَدْتَهُ وَلِأَنَّ الْأَخْذَ حَالَ خَوْفِ الضَّيْعَةِ إحْيَاءٌ لِمَالِ الْمُسْلِمِ فَيَكُونُ مُسْتَحَبًّا وَحَالَ عَدَمِ الْخَوْفِ ضَرْبُ إحْرَازٍ فَيَكُونُ مُبَاحًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ قَرِيبًا مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17897حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا } وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ إذَا كَانَ قَرِيبًا أَوْ كَانَ رَجَاءُ اللِّقَاءِ ثَابِتًا ، وَنَحْنُ بِهِ نَقُولُ وَلَا كَلَامَ فِيهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْغَنَمِ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18274خُذْهَا فَإِنَّهَا لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ } دَعَاهُ إلَى الْأَخْذِ وَنَبَّهَ عَلَى الْمَعْنَى وَهُوَ خَوْفُ الضَّيْعَةِ وَأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْإِبِلِ وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِيهَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ وَارِدًا فِي الْإِبِلِ وَسَائِرِ الْبَهَائِمِ دَلَالَةً إلَّا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَصَلَ بَيْنَهُمَا فِي الْجَوَابِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ لِهُجُومِ الذِّئْبِ عَلَى الْغَنَمِ إذَا لَمْ يَلْقَهَا رَبُّهَا عَادَةً بَعِيدًا كَانَ أَوْ قَرِيبًا وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ ; لِأَنَّهَا تَذُبُّ عَنْ نَفْسِهَا عَادَةً هَذَا الَّذِي
[ ص: 201 ] ذَكَرْنَا حَالَ مَا قَبْلَ الْأَخْذِ وَأَمَّا حَالُ مَا بَعْدَهُ فَلَهَا بَعْدَ الْأَخْذِ حَالَانِ فِي حَالٍ هِيَ أَمَانَةٌ وَفِي حَالٍ هِيَ مَضْمُونَةٌ .
أَمَّا حَالَةُ الْأَمَانَةِ : فَهِيَ أَنْ يَأْخُذَهَا لِصَاحِبِهَا لِأَنَّهُ أَخَذَهَا عَلَى سَبِيلِ الْأَمَانَةِ فَكَانَتْ يَدُهُ يَدَ أَمَانَةٍ كَيَدِ الْمُودَعِ وَأَمَّا حَالَةُ الضَّمَانِ : فَهِيَ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ لِنَفْسِهِ مَغْصُوبٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ جِهَةَ الْأَمَانَةِ إنَّمَا تُعْرَفُ مِنْ جِهَةِ الضَّمَانِ إمَّا بِالتَّصْدِيقِ أَوْ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا بِالتَّصْدِيقِ أَوْ بِالْيَمِينِ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ فَجَاءَ صَاحِبُهَا وَصَدَّقَهُ فِي الْأَخْذِ لَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ ; لِأَنَّ جِهَةَ الْأَمَانَةِ قَدْ ثَبَتَتْ بِتَصْدِيقِهِ وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ فَكَذَا عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٍ أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُلْتَقِطِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَأَمَّا عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ أَشْهَدَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ بِالْإِشْهَادِ ظَهَرَ أَنَّ الْأَخْذَ كَانَ لِصَاحِبِهِ فَظَهَرَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=10707_7163أَقَرَّ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ وَالْمَغْصُوبُ مَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَخَذَهُ لَا لِنَفْسِهِ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا مَكَّنَهُ مِنْ الْأَخْذِ بِهَذِهِ الْجِهَةِ فَكَانَ إقْدَامُهُ عَلَى الْأَخْذِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ أَخْذٌ بِالْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَكِنْ مَعَ الْحَلِفِ ; لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَخْذُ عَلَى سَبِيلِ الْأَمَانَةِ بِأَنْ أَخَذَهُ لِصَاحِبِهِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا وَذَلِكَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالْإِشْهَادِ فَإِذَا لَمْ يُشْهِدْ لَمْ يُعْرَفْ كَوْنُ الْأَخْذِ لِصَاحِبِهِ فَبَقِيَ الْأَخْذُ سَبَبًا فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْأَصْلِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ عَمَلَ كُلِّ إنْسَانٍ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى } وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } فَكَانَ أَخْذُهُ اللُّقَطَةَ فِي الْأَصْلِ لِنَفْسِهِ لَا لِصَاحِبِهَا
nindex.php?page=treesubj&link=7004_10686_16755_7161وَأَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِنَفْسِهِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ ; لِأَنَّهُ غَصْبٌ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ الْأَخْذُ لِصَاحِبِهَا بِالْإِشْهَادِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ تَعَيَّنَ أَنَّ الْأَخْذَ لِنَفْسِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ .
وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=7162أَخَذَ اللُّقَطَةَ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَالُوا : هَذَا الْجَوَابُ فِيمَا إذَا رَفَعَهَا وَلَمْ يَبْرَحْ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى وَضَعَهَا فِي مَوْضِعِهَا فَأَمَّا إذَا ذَهَبَ بِهَا عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا يَضْمَنُ وَجَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مُطْلَقٌ عَنْ هَذَا التَّفْصِيلِ مُسْتَغْنٍ عَنْ هَذَا التَّأْوِيلِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : يَضْمَنُ ذَهَبَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ لَمْ يَذْهَبْ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهَا مِنْ مَكَانِهَا فَقَدْ الْتَزَمَ حِفْظَهَا بِمَنْزِلَةِ قَبُولِ الْوَدِيعَةِ فَإِذَا رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا فَقَدْ ضَيَّعَهَا بِتَرْكِ الْحِفْظِ الْمُلْتَزَمِ فَأَشْبَهَ الْوَدِيعَةَ إذَا أَلْقَاهَا الْمُودَعُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ حَتَّى ضَاعَتْ .
( وَلَنَا ) أَنَّهُ أَخَذَهَا مُحْتَسِبًا مُتَبَرِّعًا لِيَحْفَظَهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَإِذَا رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا فَقَدْ فَسَخَ التَّبَرُّعَ مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا أَصْلًا وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ الْحِفْظُ وَإِنَّمَا تَبَرَّعَ بِهِ وَقَدْ رَدَّهُ بِالرَّدِّ إلَى مَكَانِهَا فَارْتَدَّ وَجُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ، هَذَا إذَا كَانَ أَخَذَهَا لِصَاحِبِهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا فَضَاعَتْ وَصَدَّقَهُ صَاحِبُهَا فِيهِ أَوْ كَذَّبَهُ لَكِنَّ الْمُلْتَقِطَ قَدْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُشْهِدْ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِصَاحِبِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ تَفْسِيرُ
nindex.php?page=treesubj&link=7182_7006الْإِشْهَادِ عَلَى اللُّقْطَةِ أَنْ يَقُولَ الْمُلْتَقِط بِمَسْمَعٍ مِنْ النَّاسِ إنِّي الْتَقَطْت لُقَطَةً أَوْ عِنْدِي لُقَطَةٌ فَأَيُّ النَّاسِ أَنْشَدَهَا فَدُلُّوهُ عَلَيَّ أَوْ يَقُولَ : عِنْدِي شَيْءٌ فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ يَسْأَلُ شَيْئًا فَدُلُّوهُ عَلَيَّ .
فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا فَقَالَ الْمُلْتَقِطُ قَدْ هَلَكَتْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عَشْرُ لُقَطَاتٍ ; لِأَنَّ اسْمَ الشَّيْءِ وَاللُّقَطَةِ مُنَكَّرٌ إنْ كَانَ يَقَعُ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَلُقَطَةٍ وَاحِدَةٍ لُغَةً لَكِنْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ يُرَادُ بِهَا كُلُّ الْجِنْسِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ لَا فَرْدٌ مِنْ الْجِنْسِ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّعْرِيفِ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَمُطْلَقُ الْكَلَامِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَالْمُعْتَادِ فَكَانَ هَذَا إشْهَادًا عَلَى الْكُلِّ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=7159_10708_7163وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ أَخَذَهَا غَصْبًا فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21691عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ } فَإِذَا عَجَزَ عَنْ رَدِّ الْعَيْنِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَلُهَا كَمَا فِي الْغَصْبِ ، وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=7038_7162إذَا أَخَذَ الضَّالَّةَ ثُمَّ أَرْسَلَهَا إلَى مَكَانِهَا الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ اللُّقَطَةِ ; لِأَنَّ هَذَا أَحَدُ نَوْعَيْ اللُّقَطَةِ وَقَدْ رَوَيْنَا فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ سَيِّدِنَا
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ [ ص: 202 ] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِوَاجِدِ الْبَعِيرِ الضَّالِّ : " أَرْسِلْهُ حَيْثُ وَجَدَتْهُ " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ وُجُوبِ الضَّمَانِ .