( فصل ) :
وأما شرائط الركن فأنواع : ( منها ) عقل المودع ، فلا يصح
nindex.php?page=treesubj&link=6589_6585_6590_6586الإيداع من المجنون ، والصبي ، الذي لا يعقل ; لأن العقل شرط أهلية التصرفات الشرعية .
( وأما ) بلوغه : فليس بشرط عندنا ، حتى يصح الإيداع من الصبي المأذون ; لأن ذلك مما يحتاج إليه التاجر ; فكان من توابع التجارة ، فيملكه الصبي المأذون ، كما يملك التجارة وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - لا يملك التجارة ، فلا يملك توابعها على ما نذكر في كتاب المأذون .
وكذا حريته ليست بشرط فيملك العبد المأذون الإيداع لما قلنا في الصبي المأذون ، ( ومنها ) عقل المودع فلا يصح قبول الوديعة من المجنون ، والصبي الذي لا يعقل ; لأن حكم هذا العقد هو لزوم الحفظ ، ومن لا عقل له لا يكون من أهل الحفظ .
( وأما ) بلوغه : فليس بشرط حتى يصح قبول الوديعة من الصبي المأذون ; لأنه من أهل الحفظ ; ألا ترى أنه أذن له الولي ولو لم يكن من أهل الحفظ لكان الإذن له سفها .
( وأما ) الصبي المحجور عليه ، فلا يصح قبول الوديعة منه ; لأنه لا يحفظ المال عادة ألا ترى أنه منع منه ماله ؟ ولو قبل الوديعة فاستهلكها ; فإن كانت الوديعة عبدا أو أمة ; يضمن بالإجماع ، وإن كانت سواهما فإن قبلها بإذن الولي فكذلك ، وإن قبلها بغير إذنه - لا ضمان عليه عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف يضمن .
( وجه ) قوله أن إيداعه لو صح فاستهلك الوديعة ; يوجب الضمان ، وإن لم يصح ; جعل كأنه لم يكن ، فصار الحال بعد العقد كالحال قبله .
ولو استهلكها قبل العقد ; لوجب عليه الضمان إذا كانت الوديعة عبدا أو أمة .
( وجه ) قولهما : أن إيداع الصبي المحجور إهلاك للمال معنى ، فكان فعل الصبي إهلاك مال قائم صورة لا معنى ، فلا يكون مضمونا عليه ، ودلالة ما قلنا : أنه لما وضع المال في يده ، فقد وضع في يد من لا يحفظه عادة ، ولا يلزمه الحفظ شرعا ، ولا شك أنه لا يجب عليه حفظ الوديعة شرعا ; لأن الصبي ليس من أهل وجوب الشرائع عليه ، والدليل على أنه لا يحفظ الوديعة عادة ; أنه منع عنه ماله ولو كان يحفظ المال عادة لدفع إليه ، قال الله تبارك وتعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } ، وبهذا فارق المأذون ; لأنه يحفظ المال عادة ، ألا ترى أنه دفع إليه ماله .
ولو لم يوجد منه الحفظ عادة ; لكان الدفع إليه سفها ، بخلاف ما إذا كانت الوديعة عبدا أو أمة ; لأن هناك لا يجب عليه ضمان المال أيضا ; وإنما يجب عليه ضمان الدم ; لأن الضمان الواجب بقتل العبد ضمان الآدمي ، لا ضمان المال ، والعبد من حيث إنه آدمي قائم من كل وجه قبل الإيداع وبعده ، فهو الفرق وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=6584_6592حرية المودع ليست بشرط لصحة العقد ، حتى يصح القبول من العبد المحجور ، فلا يصح منه القبول ; لأنه لا يحفظ المال عادة .
ولو قبلها فاستهلكها ، فإن كانت عبدا أو أمة يؤمر المولى بالدفع ، أو الفداء وإن كانت سواهما ، فإن قبلها بإذن وليه ; يضمن بالإجماع وإن قبلها بغير إذن وليه ; لا يؤاخذ به في الحال عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد وعند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف يؤاخذ به في الحال ، والكلام في الطرفين على حسب ما ذكرنا في الصبي المحجور .
( فَصْلٌ ) :
وَأَمَّا شَرَائِطُ الرُّكْنِ فَأَنْوَاعٌ : ( مِنْهَا ) عَقْلُ الْمُودَعِ ، فَلَا يَصِحُّ
nindex.php?page=treesubj&link=6589_6585_6590_6586الْإِيدَاعُ مِنْ الْمَجْنُونِ ، وَالصَّبِيِّ ، الَّذِي لَا يَعْقِلُ ; لِأَنَّ الْعَقْلَ شَرْطُ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ .
( وَأَمَّا ) بُلُوغُهُ : فَلَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا ، حَتَّى يَصِحَّ الْإِيدَاعُ مِنْ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ التَّاجِرُ ; فَكَانَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ ، فَيَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ ، كَمَا يَمْلِكُ التِّجَارَةَ وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَمْلِكُ التِّجَارَةَ ، فَلَا يَمْلِكُ تَوَابِعَهَا عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ .
وَكَذَا حُرِّيَّتُهُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَيَمْلِكُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ الْإِيدَاعَ لِمَا قُلْنَا فِي الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ ، ( وَمِنْهَا ) عَقْلُ الْمُودَعِ فَلَا يَصِحُّ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمَجْنُونِ ، وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ ; لِأَنَّ حُكْمَ هَذَا الْعَقْدِ هُوَ لُزُومُ الْحِفْظِ ، وَمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ لَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ .
( وَأَمَّا ) بُلُوغُهُ : فَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى يَصِحَّ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ مِنْ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ ; لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ ; أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ لَكَانَ الْإِذْنُ لَهُ سَفَهًا .
( وَأَمَّا ) الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ ، فَلَا يَصِحُّ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَحْفَظُ الْمَالَ عَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُنِعَ مِنْهُ مَالُهُ ؟ وَلَوْ قَبِلَ الْوَدِيعَةَ فَاسْتَهْلَكَهَا ; فَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً ; يَضْمَنْ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ كَانَتْ سِوَاهُمَا فَإِنْ قَبِلَهَا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ قَبِلَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ - لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ أَنَّ إيدَاعَهُ لَوْ صَحَّ فَاسْتَهْلَكَ الْوَدِيعَةَ ; يُوجِبُ الضَّمَانَ ، وَإِنْ لَمْ يَصِحْ ; جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ، فَصَارَ الْحَالُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْحَالِ قَبْلَهُ .
وَلَوْ اسْتَهْلَكَهَا قَبْلَ الْعَقْدِ ; لَوَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا : أَنَّ إيدَاعَ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ إهْلَاكٌ لِلْمَالِ مَعْنَى ، فَكَانَ فِعْلُ الصَّبِيِّ إهْلَاكَ مَالٍ قَائِمٍ صُورَةً لَا مَعْنَى ، فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، وَدَلَالَةُ مَا قُلْنَا : أَنَّهُ لَمَّا وَضَعَ الْمَالَ فِي يَدِهِ ، فَقَدْ وَضَعَ فِي يَدِ مَنْ لَا يَحْفَظُهُ عَادَةً ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْحِفْظُ شَرْعًا ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ الْوَدِيعَةِ شَرْعًا ; لِأَنَّ الصَّبِيِّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الشَّرَائِعِ عَلَيْهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْفَظُ الْوَدِيعَةَ عَادَةً ; أَنَّهُ مُنِعَ عَنْهُ مَالُهُ وَلَوْ كَانَ يَحْفَظُ الْمَالَ عَادَةً لَدُفِعَ إلَيْهِ ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْمَأْذُونَ ; لِأَنَّهُ يَحْفَظُ الْمَالَ عَادَةً ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ .
وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْحِفْظُ عَادَةً ; لَكَانَ الدَّفْعُ إلَيْهِ سَفَهًا ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً ; لِأَنَّ هُنَاكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْمَالِ أَيْضًا ; وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الدَّمِ ; لِأَنَّ الضَّمَانَ الْوَاجِبَ بِقَتْلِ الْعَبْدِ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ ، لَا ضَمَانَ الْمَالِ ، وَالْعَبْدُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَبْلَ الْإِيدَاعِ وَبَعْدَهُ ، فَهُوَ الْفَرْقُ وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=6584_6592حُرِّيَّةُ الْمُودَعِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ ، حَتَّى يَصِحَّ الْقَبُولُ مِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْقَبُولُ ; لِأَنَّهُ لَا يَحْفَظُ الْمَالَ عَادَةً .
وَلَوْ قَبِلَهَا فَاسْتَهْلَكَهَا ، فَإِنْ كَانَتْ عَبْدًا أَوْ أَمَةً يُؤْمَرُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ ، أَوْ الْفِدَاءِ وَإِنْ كَانَتْ سِوَاهُمَا ، فَإِنْ قَبِلَهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ; يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ قَبِلَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ ; لَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ ، وَالْكَلَامُ فِي الطَّرَفَيْنِ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرنَا فِي الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ .