( فصل ) :
وأما بيان حال الوديعة فحالها أنها في يد المودع أمانة ; لأن المودع مؤتمن ، فكانت الوديعة أمانة في يده ، ويتعلق بكونها أمانة أحكام : منها : وجوب الرد عند طلب المالك ، لقوله تعالى - جل شأنه - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } .
حتى لو
nindex.php?page=treesubj&link=6618_6619حبسها بعد الطلب فضاعت ضمن هذا إذا كانت الوديعة لرجل واحد ، فأما إذا كانت مشاعا لرجلين ، فجاء أحدهما ، وطلب حصته - لا يجب عليه الرد ; بأن
nindex.php?page=treesubj&link=6619_6618أودع رجلان رجلا وديعة ، دراهم ، أو دنانير وثيابا ، وغاب ثم جاءه أحدهما ، وطلب بعضها ، وأبى المستودع ذلك ، لم يأمر القاضي بدفع شيء إليه ما لم يحضر الغائب عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد : يقسم ذلك ، ويدفع إليه حصته ، ولا يكون ذلك قسمة جائزة على الغائب بلا خلاف ; حتى لو هلك الباقي في يد المودع ، ثم جاء الغائب له أن يشارك صاحبه في المقبوض عندهم جميعا ولو هلك المقبوض في يد القابض ثم جاء الغائب فليس للقابض أن يشارك صاحبه في الباقي .
وجه قولهما ; أن الآخذ بأخذ حصته متصرف في ملك نفسه ، فكان له ذلك من غير حضرة الغائب ، كما إذا كان لرجلين دين مشترك على رجل ، فجاء أحدهما وطلب حصته من الدين ; فإنه يدفع إليه حصته لما قلنا كذا هذا .
( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : أن المودع لو دفع شيئا إلى الشريك الحاضر ، لا يخلو إما أن يدفع إليه من النصيبين جميعا ، وإما أن يدفع إليه من نصيبه خاصة ، لا وجه إلى الأول ; لأن دفع نصيب الغائب إليه ممتنع شرعا .
ولا سبيل إلى الثاني ; لأن نصيبه شائع في كل الألف ; لكون الألف مشتركة بينهما ، ولا تتميز إلا بالقسمة ، والقسمة على الغائب غير جائزة ; ولو سلمنا ذلك حتى قالا : إذا جاء الغائب وقد هلك الباقي ، له أن يشارك القابض في المقبوض .
ولو نفذت القسمة لما شاركه فيه ; لتميز حقه عن حق صاحبه بالقسمة ، والقياس على الدين المشترك غير سديد ; لأن الغريم يدفع نصيب أحد الشريكين ، بدفع مال نفسه لا مال شريكه الغائب ، وهنا يدفع مال الغائب بغير إذنه ، فلا يستقيم القياس .
ولو
nindex.php?page=treesubj&link=6621_6622كان في يده ألف درهم فجاءه رجلان وادعى كل واحد منهما أنه أودعه إياها ، فقال المودع أودعها أحدكما ولست أدري أيكما هو ، فهذا في الأصل لا يخلو من أحد وجهين : إما أن اصطلح المتداعيان على أن يأخذا الألف وتكون بينهما .
وأما إن لم يصطلحا ، وادعى كل واحد منهما أن الألف له خاصة لا لصاحبه ، فإن اصطلحا على ذلك فلهما ذلك ، وليس للمودع أن يمتنع عن تسليم الألف إليهما ; لأنه أقر أن الألف لأحدهما وإذا اصطلحا على أنها تكون بينهما ، لا يمنعان عن ذلك ، وليس لهما أن يستحلفا
[ ص: 211 ] المودع بعد الصلح ، وإن لم يصطلحا وادعى كل واحد منهما أن الألف له ، لا يدفع إلى أحدهما شيئا ; لجهالة المقر له الوديعة ، ولكل واحد منهما أن يستحلف المودع فإن استحلفه كل واحد منهما ، فالأمر لا يخلو ، إما أن يحلف لكل واحد منهما ، وإما أن ينكل لكل واحد منهما ، وإما أن يحلف لأحدهما وينكل للآخر ، فإن حلف لهما فقد انقطعت خصومتهما للحال إلى وقت إقامة البينة ، كما في سائر الأحكام ، وهل يملكان الاصطلاح على أخذ الألف بينهما بعد الاستحلاف ، فهو على الاختلاف ، والمعروف بين ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف ، وبين
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد ، على قولهما لا يملكان وعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد يملكان وهي
nindex.php?page=treesubj&link=15261_26425_15255مسألة الصلح بعد الحلف ، وقد مرت في كتاب الصلح .
وإن نكل لهما يقضى بالألف بينهما نصفين ، ويضمن ألفا أخرى بينهما ، فيحصل لكل واحد منهما ألف كاملة لأن كل واحد منهما يدعي أن كل الألف له فإذا نكل له والنكول بذل أو إقرار ، فكأنه بذل لكل واحد منهما ألفا ، أو أقر لكل واحد منهما بألف ، فيقضى عليه بينهما بألف ، ويضمن أيضا ألفا أخرى ، تكون بينهما ; ليحصل لكل واحد منهما ألف كاملة ، لو حلف لأحدهما ونكل للآخر ، قضى بالألف للذي نكل له ، ولا شيء للذي حلف له ; لأن النكول حجة من نكل له لا حجة من حلف له ، ومنها وجوب الأداء إلى المالك ; لأن الله أمر بأداء الأمانات إلى أهلها ، وأهلها مالكها .
حتى لو
nindex.php?page=treesubj&link=6614_6618_6619ردها إلى منزل المالك ، فجعلها فيه ، أو دفعها إلى من هو في عيال المالك ، دخلت في ضمانه ، حتى لو ضاعت ; يضمن ، بخلاف العارية ، فإن المستعير لو جاء بمتاع العارية وألقاها في دار المعير ، أو جاء بالدابة فأدخلها في إصطبله - كان ردا صحيحا ; لأن ظاهر النص الذي تلونا أن لا يصح ، إلا أنها صارت مخصوصة عن عموم الآيات ، فبقيت الوديعة على ظاهره ; ولأن القياس في الموضعين ما ذكرنا من لزوم الرد إلى المالك ، إلا أنا استحسنا في العارية للعادة الجارية فيها بردها إلى بيت المالك ، أو بدفعها إلى من في عياله ، حتى لو كانت العارية شيئا نفيسا ، كعقد جوهر ونحو ذلك ; لا يصح الرد ; لانعدام جريان العادة بذلك في الأشياء النفيسة ، ولم تجر به العادة في مال الوديعة ، فتبقى على أصل القياس ; ولأن مبنى الإيداع على الستر والإغفاء عادة ، فإن الإنسان إنما يودع مال غيره سرا عن الناس ، لما يتعلق به من المصلحة ، فلو رده على غير المالك لانكشف .
إذ السر إذا جاوز اثنين يفشو ، فيفوت المعنى المجعول له الإيداع ، بخلاف العارية ; لأن مبناها على الإعلان ، والإظهار ; لأنها شرعت لحاجة المستعير إلى استعمالها في حوائجه ، ولا يمكنه الاستعمال سرا عن الناس عادة ، والرد إلى غير المالك لا يفوت ما شرعت له العارية ، فهو الفرق ، ومنها : أنه إذا
nindex.php?page=treesubj&link=6614_6610ضاعت في يد المودع بغير صنعه ، لا يضمن ، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33852 : ليس على المستعير غير المغل الضمان ولا على المستودع غير المغل الضمان } ; ولأن يده يد المالك ، فالهلاك في يده كالهلاك في يد المالك ، وكذلك إذا دخلها نقص ; لأن النقصان هلاك بعض الوديعة ، وهلاك الكل لا يوجب الضمان ، فهلاك البعض أولى ومنها أن المودع مع المودع إذا
nindex.php?page=treesubj&link=6605اختلفا ، فقال المودع : هلكت أو ; قال : رددتها إليك وقال المالك : بل استهلكتها فالقول قول المودع ; لأن المالك يدعي على الأمين أمرا عارضا ، وهو التعدي ، والمودع مستصحب لحال الأمانة ، فكان متمسكا بالأصل ، فكان القول قوله ، لكن مع اليمين ; لأن التهمة قائمة ، فيستحلف دفعا للتهمة ، وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=6605إذا قال : المودع استهلكت من غير إذني وقال المودع : بل استهلكتها أنت ، أو غيرك بأمرك ، أن القول قول المودع ; لما قلنا ولو
nindex.php?page=treesubj&link=6619_6612_6605قال : إنها قد ضاعت ، ثم قال بعد ذلك : بل كنت رددتها إليك ، لكنى أوهمت لم يصدق ، وهو ضامن ; لأنه نفى الرد بدعوى الهلاك ، ونفى الهلاك بدعوى الرد ، فصار نافيا ما أثبته مثبتا ما نفاه ، وهذا تناقض ، فلا تسمع منه دعوى الضياع والرد ; لأن المناقض لا قول له ; ولأنه لما ادعى دعوتين وأكذب نفسه في كل واحدة منهما فقد ذهبت أمانته ، فلا يقبل قوله .
( فَصْلٌ ) :
وَأَمَّا بَيَانُ حَالِ الْوَدِيعَةِ فَحَالُهَا أَنَّهَا فِي يَدِ الْمُودَعِ أَمَانَةٌ ; لِأَنَّ الْمُودَعَ مُؤْتَمَنٌ ، فَكَانَتْ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ ، وَيَتَعَلَّقُ بِكَوْنِهَا أَمَانَةً أَحْكَامٌ : مِنْهَا : وُجُوبُ الرَّدِّ عِنْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى - جَلَّ شَأْنُهُ - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا } .
حَتَّى لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=6618_6619حَبَسَهَا بَعْدَ الطَّلَبِ فَضَاعَتْ ضَمِنَ هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُشَاعًا لِرَجُلَيْنِ ، فَجَاءَ أَحَدُهُمَا ، وَطَلَبَ حِصَّتَهُ - لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ ; بِأَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=6619_6618أَوَدَعَ رَجُلَانِ رَجُلًا وَدِيعَةً ، دَرَاهِمَ ، أَوْ دَنَانِيرَ وَثِيَابًا ، وَغَابَ ثُمَّ جَاءَهُ أَحَدُهُمَا ، وَطَلَبَ بَعْضَهَا ، وَأَبَى الْمُسْتَوْدَعُ ذَلِكَ ، لَمْ يَأْمُرْ الْقَاضِي بِدَفْعِ شَيْءٍ إلَيْهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْغَائِبُ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٌ : يُقَسِّمُ ذَلِكَ ، وَيَدْفَعُ إلَيْهِ حِصَّتَهُ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قِسْمَةً جَائِزَةً عَلَى الْغَائِبِ بِلَا خِلَافٍ ; حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْبَاقِي فِي يَدِ الْمُودَعِ ، ثُمَّ جَاءَ الْغَائِبُ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ صَاحِبَهُ فِي الْمَقْبُوضِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَلَوْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْقَابِضِ ثُمَّ جَاءَ الْغَائِبِ فَلَيْسَ لِلْقَابِضِ أَنْ يُشَارِكَ صَاحِبَهُ فِي الْبَاقِي .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا ; أَنَّ الْآخِذَ بِأَخْذِ حِصَّتِهِ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ ، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حَضْرَةِ الْغَائِبِ ، كَمَا إذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ دَيْنٌ مُشْتَرَكٌ عَلَى رَجُلٍ ، فَجَاءَ أَحَدُهُمَا وَطَلَبَ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ ; فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ حِصَّتَهُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا .
( وَجْهُ ) قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّ الْمُودَعَ لَوْ دَفَعَ شَيْئًا إلَى الشَّرِيكِ الْحَاضِرِ ، لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِنْ النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا ، وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِنْ نَصِيبِهِ خَاصَّةً ، لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ دَفْعَ نَصِيبِ الْغَائِبِ إلَيْهِ مُمْتَنِعٌ شَرْعًا .
وَلَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي ; لِأَنَّ نَصِيبَهُ شَائِعٌ فِي كُلِّ الْأَلْفِ ; لِكَوْنِ الْأَلْفِ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا ، وَلَا تَتَمَيَّزُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ ، وَالْقِسْمَةُ عَلَى الْغَائِبِ غَيْرُ جَائِزَةٍ ; وَلَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ حَتَّى قَالَا : إذَا جَاءَ الْغَائِبُ وَقَدْ هَلَكَ الْبَاقِي ، لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْقَابِضَ فِي الْمَقْبُوضِ .
وَلَوْ نَفَذَتْ الْقِسْمَةُ لَمَا شَارَكَهُ فِيهِ ; لِتَمَيُّزِ حَقِّهِ عَنْ حَقِّ صَاحِبِهِ بِالْقِسْمَةِ ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ غَيْرُ سَدِيدٍ ; لِأَنَّ الْغَرِيمَ يَدْفَعُ نَصِيبَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ ، بِدَفْعِ مَالِ نَفْسِهِ لَا مَالِ شَرِيكِهِ الْغَائِبِ ، وَهُنَا يَدْفَعُ مَالَ الْغَائِبِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَلَا يَسْتَقِيمُ الْقِيَاسُ .
وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=6621_6622كَانَ فِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَجَاءَهُ رَجُلَانِ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا ، فَقَالَ الْمُودَعُ أَوْدَعَهَا أَحَدُكُمَا وَلَسْتُ أَدْرِي أَيُّكُمَا هُوَ ، فَهَذَا فِي الْأَصْلِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ اصْطَلَحَ الْمُتَدَاعِيَانِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَا الْأَلْفَ وَتَكُونَ بَيْنَهُمَا .
وَأَمَّا إنْ لَمْ يَصْطَلِحَا ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ الْأَلْفَ لَهُ خَاصَّةً لَا لِصَاحِبِهِ ، فَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى ذَلِكَ فَلَهُمَا ذَلِكَ ، وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَسْلِيمِ الْأَلْفِ إلَيْهِمَا ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْأَلْفَ لِأَحَدِهِمَا وَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ بَيْنَهُمَا ، لَا يُمْنَعَانِ عَنْ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَسْتَحْلِفَا
[ ص: 211 ] الْمُودَعَ بَعْدَ الصُّلْحِ ، وَإِنْ لَمْ يَصْطَلِحَا وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ الْأَلْفَ لَهُ ، لَا يَدْفَعُ إلَى أَحَدِهِمَا شَيْئًا ; لِجَهَالَةِ الْمُقِرِّ لَهُ الْوَدِيعَةِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمُودَعَ فَإِنْ اسْتَحْلَفَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَالْأَمْرُ لَا يَخْلُو ، إمَّا أَنْ يَحْلِفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِمَّا أَنْ يَنْكُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِمَّا أَنْ يَحْلِفَ لِأَحَدِهِمَا وَيَنْكُلَ لِلْآخَرِ ، فَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا فَقَدْ انْقَطَعَتْ خُصُومَتُهُمَا لِلْحَالِ إلَى وَقْتِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ ، وَهَلْ يَمْلِكَانِ الِاصْطِلَاحَ عَلَى أَخْذِ الْأَلْفِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الِاسْتِحْلَافِ ، فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ ، وَالْمَعْرُوفُ بَيْنَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14954وَأَبِي يُوسُفَ ، وَبَيْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٍ ، عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَمْلِكَانِ وَعَلَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٍ يَمْلِكَانِ وَهِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=15261_26425_15255مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ بَعْدَ الْحَلِفِ ، وَقَدْ مَرَّتْ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ .
وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا يُقْضَى بِالْأَلْفِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَيَضْمَنُ أَلْفًا أُخْرَى بَيْنَهُمَا ، فَيَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّ كُلَّ الْأَلْفِ لَهُ فَإِذَا نَكَلَ لَهُ وَالنُّكُولُ بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ ، فَكَأَنَّهُ بَذَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا ، أَوْ أَقَرَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَلْفٍ ، فَيُقْضَى عَلَيْهِ بَيْنَهُمَا بِأَلْفٍ ، وَيَضْمَنُ أَيْضًا أَلْفًا أُخْرَى ، تَكُونُ بَيْنَهُمَا ; لِيَحْصُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ كَامِلَةٌ ، لَوْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا وَنَكَلَ لِلْآخَرِ ، قَضَى بِالْأَلْفِ لِلَّذِي نَكَلَ لَهُ ، وَلَا شَيْءَ لِلَّذِي حَلَفَ لَهُ ; لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةُ مَنْ نَكَلَ لَهُ لَا حُجَّةَ مَنْ حَلَفَ لَهُ ، وَمِنْهَا وُجُوبُ الْأَدَاءِ إلَى الْمَالِكِ ; لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِأَدَاءِ الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا ، وَأَهْلُهَا مَالِكُهَا .
حَتَّى لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=6614_6618_6619رَدَّهَا إلَى مَنْزِلِ الْمَالِكِ ، فَجَعَلَهَا فِيهِ ، أَوْ دَفَعَهَا إلَى مَنْ هُوَ فِي عِيَالِ الْمَالِكِ ، دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ ، حَتَّى لَوْ ضَاعَتْ ; يَضْمَنُ ، بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ ، فَإِنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَوْ جَاءَ بِمَتَاعِ الْعَارِيَّةِ وَأَلْقَاهَا فِي دَارِ الْمُعِيرِ ، أَوْ جَاءَ بِالدَّابَّةِ فَأَدْخَلَهَا فِي إصْطَبْلِهِ - كَانَ رَدًّا صَحِيحًا ; لِأَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ الَّذِي تَلَوْنَا أَنْ لَا يَصِحَّ ، إلَّا أَنَّهَا صَارَتْ مَخْصُوصَةً عَنْ عُمُومِ الْآيَاتِ ، فَبَقِيَتْ الْوَدِيعَةُ عَلَى ظَاهِرِهِ ; وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَا ذَكَرنَا مِنْ لُزُومِ الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ ، إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا فِي الْعَارِيَّةِ لِلْعَادَةِ الْجَارِيَةِ فِيهَا بِرَدِّهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِكِ ، أَوْ بِدَفْعِهَا إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ شَيْئًا نَفِيسًا ، كَعِقْدِ جَوْهَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ; لَا يَصِحُّ الرَّدُّ ; لِانْعِدَامِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ فِي الْأَشْيَاءِ النَّفِيسَةِ ، وَلَمْ تَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ فِي مَالِ الْوَدِيعَةِ ، فَتَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ ; وَلِأَنَّ مَبْنَى الْإِيدَاعِ عَلَى السِّتْرِ وَالْإِغْفَاءِ عَادَةً ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يُودَعُ مَالَ غَيْرِهِ سِرًّا عَنْ النَّاسِ ، لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ ، فَلَوْ رَدَّهُ عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ لَانْكَشَفَ .
إذْ السِّرُّ إذَا جَاوَزَ اثْنَيْنِ يَفْشُو ، فَيَفُوتُ الْمَعْنَى الْمَجْعُولُ لَهُ الْإِيدَاعُ ، بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ ; لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْإِعْلَانِ ، وَالْإِظْهَارِ ; لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِحَاجَةِ الْمُسْتَعِيرِ إلَى اسْتِعْمَالِهَا فِي حَوَائِجِهِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِعْمَالُ سِرًّا عَنْ النَّاسِ عَادَةً ، وَالرَّدُّ إلَى غَيْرِ الْمَالِكِ لَا يُفَوِّتُ مَا شُرِعَتْ لَهُ الْعَارِيَّةُ ، فَهُوَ الْفَرْقُ ، وَمِنْهَا : أَنَّهُ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=6614_6610ضَاعَتْ فِي يَدِ الْمُودَعِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ ، لَا يَضْمَنُ ، لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33852 : لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغَلِّ الضَّمَانُ وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغَلِّ الضَّمَانُ } ; وَلِأَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ ، فَالْهَلَاكُ فِي يَدِهِ كَالْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمَالِكِ ، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَهَا نَقْصٌ ; لِأَنَّ النُّقْصَانَ هَلَاكُ بَعْضِ الْوَدِيعَةِ ، وَهَلَاكُ الْكُلِّ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ، فَهَلَاكُ الْبَعْضِ أَوْلَى وَمِنْهَا أَنَّ الْمُودَعَ مَعَ الْمُودِعِ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=6605اخْتَلَفَا ، فَقَالَ الْمُودَعُ : هَلَكَتْ أَوْ ; قَالَ : رَدَدْتُهَا إلَيْكَ وَقَالَ الْمَالِكُ : بَلْ اسْتَهْلَكْتُهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ ; لِأَنَّ الْمَالِكَ يَدَّعِي عَلَى الْأَمِينِ أَمْرًا عَارِضًا ، وَهُوَ التَّعَدِّي ، وَالْمُودَعُ مُسْتَصْحِبٌ لِحَالِ الْأَمَانَةِ ، فَكَانَ مُتَمَسِّكًا بِالْأَصْلِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، لَكِنَّ مَعَ الْيَمِينِ ; لِأَنَّ التُّهْمَةَ قَائِمَةٌ ، فَيُسْتَحْلَفُ دَفْعًا لِلتُّهْمَةِ ، وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=6605إذَا قَالَ : الْمُودِعُ اُسْتُهْلِكَتْ مِنْ غَيْرِ إذْنِي وَقَالَ الْمُودَعُ : بَلْ اسْتَهْلَكْتَهَا أَنْتَ ، أَوْ غَيْرُكَ بِأَمْرِكَ ، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُودَعِ ; لِمَا قُلْنَا وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=6619_6612_6605قَالَ : إنَّهَا قَدْ ضَاعَتْ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : بَلْ كُنْتُ رَدَدْتُهَا إلَيْكَ ، لَكَنَّى أُوهِمْتُ لَمْ يُصَدَّقْ ، وَهُوَ ضَامِنٌ ; لِأَنَّهُ نَفَى الرَّدَّ بِدَعْوَى الْهَلَاكِ ، وَنَفَى الْهَلَاكَ بِدَعْوَى الرَّدِّ ، فَصَارَ نَافِيًا مَا أَثْبَتَهُ مُثْبِتًا مَا نَفَاهُ ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ ، فَلَا تُسْمَعُ مِنْهُ دَعْوَى الضَّيَاعِ وَالرَّدِّ ; لِأَنَّ الْمُنَاقِضَ لَا قَوْلَ لَهُ ; وَلِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى دَعْوَتَيْنِ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَقَدْ ذَهَبَتْ أَمَانَتُهُ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ .