ثم يلبي في دبر كل صلاة  ، وهو الأفضل عندنا ، وقال  الشافعي  الأفضل أن يلبي بعد ما استوى على راحلته ، وقال  مالك  بعد ما استوى على البيداء ، وإنما اختلفوا فيه لاختلاف الرواية في أول تلبية النبي صلى الله عليه وسلم ، روي عن  ابن عباس  رضي الله عنه { أنه لبى دبر صلاته   } . 
وروي عن  ابن عمر  رضي الله عنه { أنه لبى حين ما استوى على راحلته   } . 
وروى  جابر بن عبد الله  رضي الله عنه { أنه صلى الله عليه وسلم لبى حين استوى على البيداء   } ، وأصحابنا أخذوا برواية  ابن عباس  رضي الله عنه ; لأنها محكمة في الدلالة على الأولية ، ورواية  ابن عمر   وجابر  رضي الله عنهما محتملة لجواز أن  ابن عمر  رضي الله عنه لم يشهد تلبية النبي صلى الله عليه وسلم دبر الصلاة ، وإنما شهد تلبيته حال استوائه على الراحلة فظن أن ذلك أول تلبيته فروى ما رأى ،  وجابر  لم ير تلبيته إلا عند استوائه على البيداء فظن أنه أول تلبيته فروى ما رأى . 
والدليل على صحة هذا التأويل ما روي عن  سعيد بن جبير  أنه قال : قلت  لابن عباس  كيف اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله ؟ فقال : أنا أعلم بذلك ، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد ذي الحليفة  ركعتين ، وأهل بالحج ، وكانت ناقته مسرجة على باب المسجد ،  وابن عمر  عندها فرآه قوم فقالوا : أهل عقيب الصلاة ثم استوى على راحلته ، وأهل فكان الناس يأتونه أرسالا فأدركه قوم ، فقالوا : إنما أهل حين استوى على راحلته ثم ارتفع على البيداء فأهل فأدركه قوم فقالوا إنما أهل حين ارتفع على البيداء ، وأيم الله لقد أوجبه في مصلاه ، ويكثر التلبية بعد ذلك في أدبار الصلوات فرائض كانت أو نوافل ، وذكر  الطحاوي  أنه يكثر في أدبار المكتوبات دون النوافل والفوائت ، وأجراها مجرى التكبير في أيام التشريق ، والمذكور في ظاهر الرواية في أدبار الصلوات عاما من غير تخصيص ، ولأن فضيلة التلبية عقيب الصلاة لاتصالها بالصلاة التي هي ذكر الله عز وجل إذ الصلاة من أولها إلى آخرها ذكر الله تعالى ، وهذا يوجد في التلبية عقيب كل صلاة ، وكلما علا شرفا ، وكلما هبط واديا ، وكلما لقي ركبا ، وكلما استيقظ من منامه ، وبالأسحار لما روي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا كانوا يفعلون ، ويرفع صوته بالتلبية  لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { أفضل الحج العج ، والثج   } ، والعج هو رفع الصوت بالتلبية ، والثج هو سيلان الدم ، وعن خلاد بن السائب الأنصاري  عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { أتاني جبريل  ، وأمرني أن آمر أصحابي ، ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج   } أمر برفع الصوت في التلبية ، وأشار إلى المعنى ، وهو أنها من شعائر الحج ، والسبيل في أذكار هي من شعائر الحج إشهارها ، وإظهارها كالأذان ونحوه ، والسنة أن يأتي بتلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وهي أن يقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد ، والنعمة لك ، والملك ، لا شريك لك كذا روي عن  ابن مسعود  ،  وابن عمر  هذه الألفاظ في تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم فالسنة أن يأتي بها ، ولا ينقص شيئا منها ، وإن زاد عليها فهو مستحب عندنا ، وعند  الشافعي  لا يزيد عليها كما لا ينقص منها ، وهذا غير سديد ; لأنه لو نقص منها لترك شيئا من السنة ، ولو زاد عليها فقد أتى بالسنة ، وزيادة . 
والدليل عليه ما روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يزيدون على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان  ابن مسعود  رضي الله تعالى عنه يزيد : لبيك عدد التراب ، لبيك لبيك ذا المعارج ، لبيك لبيك إله الحق لبيك ، وكان  ابن عمر  يزيد : لبيك وسعديك ، والخير كله بيديك ، لبيك والرغباء إليك ، ويروى : والعمل والرغباء إليك ، ولأن هذا من باب الحمد لله تعالى ، والثناء عليه فالزيادة عليه تكون مستحبة لا مكروهة ، ثم اختلفت الرواية في تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الكلمة ، وهي قوله : لبيك ، إن الحمد ، والنعمة لك . 
ورويت بالكسر والفتح ، والكسر أصح ، وهكذا ذكر  محمد  في الأصل أن الأفضل أن يقول بالكسر ، وإنما كان كذلك ; لأن معنى الفتح فيها يكون على التفسير أو التعليل ، أي ألبي بأن الحمد لك أو ألبي لأن الحمد لك ، أي لأجل أن الحمد لك ، وإذا كسرتها صار ما بعدها ثناء وذكرا ، مبتدأ لا تفسيرا ، ولا تعليلا ، فكان أبلغ في الذكر ، والثناء فكان أفضل . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					