ذكر حصر  رضوان  نصيبين  وعوده عنها  
في هذه السنة ، في شهر رمضان ، حصر   الملك رضوان بن تتش  نصيبين    . 
وسبب ذلك : أنه عزم على حرب الفرنج  ، واجتمع معه من الأمراء : 
 إيلغازي بن أرتق  ، الذي كان شحنة بغداذ  ، وأصبهبذ  صباوة ،  وألبي بن أرسلان تاش  ، صاحب سنجار  ، وهو صهر  جكرمش  ، صاحب الموصل  ، فقال   إيلغازي     : الرأي أننا نقصد بلاد جكرمش  ، وما والاها ، فنملكها ، ونتكثر بعسكرها والأموال . ووافقه  ألبي  ، فسار إلى نصيبين  في عشرة آلاف فارس ، مستهل رمضان ، وكان قد جعل فيها أميرين من أصحابه في عسكر ، فتحصنوا بالبلد ، وقاتلوا من وراء السور ، فرمي  ألبي بن أرسلان تاش  بنشابة ، فجرح جرحا شديدا ، فعاد إلى سنجار    . 
وأما  جكرمش  فإنه بلغه الخبر بنزولهم على نصيبين  ، وهو بالحامة  ، التي بالقرب من طنزة  ، يتداوى بمائها من مرضه ، فرحل إلى الموصل  ، وقد أجفل إليها أهل السواد ، فخيم على باب البلد ، عازما على حرب  رضوان  ، واستعمل المخادعة ،   [ ص: 522 ] فكاتب أعيان عسكر  رضوان  ، ورغبهم ، حتى أفسد نياتهم ، وتقدم إلى أصحابه بنصيبين  بخدمة الملك  رضوان  ، وبإخراج الإقامات إليه مع الاحتراز منه ، وأرسل إلى  رضوان  يبذل له خدمته ، والدخول في طاعته ، ويقول له : إن  السلطان محمدا  قد حصرني ، ولم يبلغ مني غرضا ، فترحل عن صلح ، وإن قبضت على   إيلغازي  الذي قد عرفت أنت وغيرك فساده وشره فأنا معك ، ومعينك بالرجال والأموال والسلاح . 
فاتفق هذا ،  ورضوان  قد تغيرت نيته مع   إيلغازي  ، فازداد تغيرا ، وعزم على قبضه ، فاستدعاه يوما ، وقال له : هذه بلاد ممتنعة ، وربما استولى الفرنج  على حلب  ، والمصلحة مصالحة  جكرمش  ، واستصحابه معنا ، فإنه يسير بعساكر كثيرة ظاهرة التجمل ، ونعود إلى قتال الفرنج  ، فإن ذلك مما يعود باجتماع شمل المسلمين . فقال له   إيلغازي     : إنك جئت بحكمك ، وأنت الآن بحكمي لا أمكنك من المسير بدون أخذ هذه البلاد ، فإن أقمت ، وإلا بدأت بقتالك . 
وكان   إيلغازي  قد قويت نفسه بكثرة من اجتمع عنده من التركمان  ، وكان الملك  رضوان  قد واعد قوما من أصحابه ليقبضوا عليه ، فلما جرى ما ذكرناه أمرهم  رضوان  فقبضوا عليه وقيدوه ، فلما سمع التركمان  الحال أظهروا الخلاف والامتعاض ، ففارقوا  رضوان  والتجأوا إلى سور المدينة ، وأصعد   إيلغازي  إلى قلعتها ، وخرج من بنصيبين  من العسكر فأعانوه ، فلما رأى التركمان  ذلك تفرقوا ، ونهبوا ما قدروا من المواشي وغيرها ، ورحل  رضوان  من وقته وسار إلى حلب    . 
وكان  جكرمش  قد رحل من الموصل  قاصدا لحرب القوم ، فلما بلغ تل يعفر  أتاه المبشرون بانصراف  رضوان  على اختلاف وافتراق ، فرحل عند ذلك إلى سنجار  ، ووصلت إليه رسل  رضوان  تستدعي منه النجدة ، ويعتد عليه ما فعل  بإيلغازي  ، فأجابه مغالطة ، ولم يف له بما وعده ، ونازل سنجار  ليشفي غيظه من صهره  ألبي بن أرسلان تاش  بما اعتمده من معاداته ، ومظاهرة أعدائه ، وكان ألبي على شدة من المرض بالسهم الذي أصابه على نصيبين  ، فلما نزل  جكرمش  عليها أمر  ألبي  أصحابه أن يحملوه إليه ، فحملوه في محفة ، فحضر عنده ، وأخذ يعتذر مما كان منه ، قال : جئت   [ ص: 523 ] مذنبا ، فافعل بي ما تراه . 
فرق له وأعاده إلى بلده ، فلما عاد قضى نحبه ، فلما مات عصى على  جكرمش  من كان بسنجار  ، وتمسكوا بالبلد ، فقاتلهم بقية رمضان ، وشوالا ، ولم يظفر منهم بشيء ، فجاء  تميرك  أخو  أرسلان تاش  ، عم  ألبي  ، فأصلح حاله مع  جكرمش  ، وبذل له الخدمة ، فعاد إلى الموصل    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					