ذكر قتل أبي رافع  
في هذه السنة في جمادى الآخرة قتل  أبو رافع سلام بن أبي الحقيق اليهودي  ، وكان يظاهر  كعب بن الأشرف  على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قتل  كعب بن الأشرف  ، وكان قتلته من الأوس  ، قالت الخزرج    : والله لا يذهبون بها علينا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانا يتصاولان تصاول الفحلين ، فتذاكر الخزرج  من يعادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  كابن الأشرف  ، فذكروا  ابن أبي الحقيق  ، وهو بخيبر  ، فاستأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتله ، فأذن لهم ، فخرج إليه من الخزرج  عبد الله بن عتيك  ،  ومسعود بن سنان  ،  وعبد الله بن أنيس  ،  وأبو قتادة  ،  وخزاعي بن الأسود  حليف لهم ، وأمر عليهم  عبد الله بن عتيك  ، فخرجوا حتى قدموا خيبر  فأتوا دار  أبي رافع  ليلا فلم يدعوا بابا في الدار إلا أغلقوه على أهله ، وكان في علية ، فاستأذنوا عليه ، فخرجت امرأته فقالت : من أنتم ؟ قالوا : نفر من العرب يلتمسون الميرة . قالت : ذاك صاحبكم فادخلوا عليه ، فدخلوا . فلما دخلوا أغلقوا باب العلية ، ووجدوه على فراشه ، وابتدروه ، فصاحت المرأة ، فجعل الرجل منهم يريد قتلها ،   [ ص: 38 ] فيذكر نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - إياهم عن قتل النساء والصبيان ، فيمسك عنها ، وضربوه بأسيافهم ، وتحامل عليه  عبد الله بن أنيس  بسيفه في بطنه حتى أنفذه ، ثم خرجوا من عنده . 
وكان  عبد الله بن عتيك  سيئ البصر ، فوقع من الدرجة فوثئت رجله وثأ شديدا ، فاحتملوه واختفوا ، وطلبتهم يهود في كل وجه فلم يروهم ، فرجعوا إلى صاحبهم ، فقال المسلمون : كيف نعلم أن عدو الله قد مات ؟ فعاد بعضهم ودخل في الناس ، فرأى الناس حوله وهو يقول : لقد عرفت صوت   ابن عتيك  ، ثم قلت : أين   ابن عتيك  ؟ ثم صاحت امرأته وقالت : مات والله . قال : فما سمعت كلمة ألذ إلى نفسي منها . ثم عاد إلى أصحابه وأخبرهم الخبر ، وسمع صوت الناعي يقول : أنعى  أبا رافع  تاجر أهل الحجاز    . وساروا حتى قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - واختلفوا في قتله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : هاتوا أسيافكم ، فجاءوا بها ، فنظر إليها فقال لسيف  عبد الله بن أنيس     : هذا قتله ، أرى فيه أثر العظام . 
وقيل في قتله : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى  أبي رافع اليهودي  ، وكان بأرض الحجاز  رجالا من الأنصار  ، وأمر عليهم  عبد الله بن عتيك  ، وكان  أبو رافع  يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما دنوا منه غربت الشمس ، وراح الناس بسرجهم ، فقال  عبد الله بن عتيك  لأصحابه : أقيموا مكانكم ؛ فإني أنطلق وأتلطف للبواب لعلي أدخل . فانطلق فأقبل حتى دنا من الباب فتقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته ، فهتف به البواب : إن كنت تريد أن تدخل فادخل فإني أريد أن أغلق الباب ، فدخل وأغلق الباب وعلق المفاتيح على وتد ، قال : فقمت فأخذتها ففتحت بها الباب ، وكان  أبو رافع  يسمر عنده في علالي له . فلما أراد النوم ذهب عنه السمار ، فصعدت إليه ، فجعلت كلما فتحت بابا أغلقته علي من داخل ، وقلت : إن علموا بي لم يخلصوا إلي حتى أقتله . قال : فانتهيت إليه ، فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله ، لا أدري أي هو . فقلت :  أبا رافع     ! قال : من هذا ؟ فأهويت نحو الصوت فضربته ضربة بالسيف وأنا دهش ، فما أغنى عني شيئا وصاح ، فخرجت من البيت غير بعيد ثم دخلت عليه فقلت : ما هذا الصوت ؟ قال : لأمك الويل ! إن رجلا في البيت ضربني بالسيف . قال : فضربته فأثخنته فلم أقتله ، ثم وضعت حد السيف في بطنه حتى أخرجته من ظهره ، فعرفت أني قتلته ، فجعلت أفتح الأبواب وأخرج حتى   [ ص: 39 ] انتهيت إلى درجة ، فوضعت رجلي وأنا أظن أني انتهيت إلى الأرض ، فوقعت في ليلة مقمرة وانكسرت ساقي ، فعصبتها بعمامتي وجلست عند الباب فقلت : والله لا أبرح حتى أعلم أقتلته أم لا . فلما صاح الديك قام الناعي فقال : أنعى  أبا رافع  تاجر أهل الحجاز   ، فانطلقت إلى أصحابي فقلت : النجاء ! قد قتل الله  أبا رافع  ، فانتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثته . فقال : ابسط رجلك . فبسطتها فمسحها ، فكأني لم أشتكها قط . 
قيل : كان قتل  أبي رافع  في ذي الحجة سنة أربع من الهجرة ، والله أعلم . 
(  سلام  بتشديد اللام .  وحقيق  بضم الحاء المهملة ، وفتح القاف الأولى ، تصغير حق ) . 
وفيها تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  حفصة بنت عمر بن الخطاب  في شعبان  ، وكانت قبله تحت  خنيس     ( بضم الخاء المعجمة ، وبالنون المفتوحة ، وبالياء المعجمة باثنتين من تحت ، وبالسين المهملة ) وهو   ابن حذافة السهمي  ، فتوفي فيها . 
				
						
						
