[ ص: 398 ] ذكر حصر الفرنج  بانياس  وعودهم عنها  
لما مات   نور الدين محمود  ، صاحب الشام  ، اجتمعت الفرنج  وساروا إلى قلعة بانياس  من أعمال دمشق  فحصروها ، فجمع  شمس الدين محمد بن المقدم  العسكر عنده بدمشق  ، فخرج عنها ، فراسلهم ، ولاطفهم ، ثم أغلظ لهم في القول ، وقال لهم : إن أنتم صالحتمونا وعدتم عن بانياس  ، فنحن على ما كنا عليه ، وإلا فنرسل إلى  سيف الدين  ، صاحب الموصل  ، ونصالحه ، ونستنجده ، ونرسل إلى  صلاح الدين  بمصر  فنستنجده ، ونقصد بلادكم من جهاتها كلها ، ولا تقومون لنا . وأنتم تعلمون أن  صلاح الدين  كان يخاف أن يجتمع  بنور الدين  ، والآن فقد زال ذلك الخوف ، وإذا طلبناه إلى بلادكم فلا يمتنع . فعلموا صدقه ، فصالحوه على شيء من المال أخذوه وأسرى أطلقوا لهم كانوا عند المسلمين وتقررت الهدنة . 
فلما سمع  صلاح الدين  بذلك أنكره واستعظمه ، وكتب إلى  الملك الصالح  والأمراء الذين معه يقبح لهم ما فعلوه ويبذل من نفسه قصد بلاد الفرنج  ومقارعتهم وإزعاجهم عن قصد شيء من بلاد  الملك الصالح  ، وكان قصده أن يصير له طريق إلى بلاد الشام  ليتملك البلاد ، والأمراء الشاميون إنما صالحوا الفرنج  خوفا منه ومن   سيف الدين غازي  ، صاحب الموصل  ، فإنه كان قد أخذ البلاد الجزرية ، وخافوا منه أن يعبر إلى الشام  ، فرأوا صلح الفرنج  أصلح من أن يجيء هذا من الغرب ، وهذا من الشرق ، وهم مشغولون عن ردهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					