ذكر خبر ردة اليمن  ثانية  
وكان ممن ارتد ثانية  قيس بن عبد يغوث بن مكشوح  ، وذلك أنه لما بلغه موت   [ ص: 228 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - عمل في قتل  فيروز  وجشنس  ، وكتب  أبو بكر  إلى  عمر  ذي مران  ، وإلى  سعيد  ذي زود  ، وإلى  الكلاع  ، وإلى  حوشب  ذي ظليم  ، وإلى  شهر  ذي نياف  يأمرهم بالتمسك بدينهم والقيام بأمر الله ، ويأمرهم بإعانة الأبناء على من ناوأهم ، والسمع  لفيروز  ، وكان  فيروز  وداذويه  وقيس  قبل ذلك متساندين . فلما سمع  قيس  بذلك كتب إلى  ذي الكلاع  وأصحابه يدعوهم إلى قتل الأبناء وإخراج أهلهم من اليمن  ، فلم يجيبوه ولم ينصروا الأبناء . فاستعد لهم  قيس  ، وكاتب أصحاب  الأسود  المترددين في البلاد سرا ، يدعوهم ليجتمعوا معه ، فجاءوا إليه ، فسمع بهم أهل صنعاء   ، فقصد  قيس  فيروز  وداذويه  ، فاستشارهما في أمره خديعة منه ليلبس عليهما ، فاطمأنا إليه ، ثم إن  قيسا  صنع من الغد طعاما ودعا  داذويه  وفيروز  وجشنس  ، فخرج  داذويه  فدخل عليه فقتله ، وجاء إليه  فيروز  ، فلما دنا منه سمع امرأتين تتحدثان ، فقالت إحداهما : هذا مقتول كما قتل  داذويه  ، فخرج . فطلبه أصحاب  قيس  ، فخرج يركض ، ولقيه  جشنس  فرجع معه ، فتوجها نحو جبل خولان  ، وهم أخوال  فيروز  ، فصعدا الجبل ، ورجعت خيول  قيس  فأخبروه ، فثار بصنعاء  وما حولها ، وأتته خيول  الأسود     . 
واجتمع إلى  فيروز  جماعة من الناس ، وكتب إلى  أبي بكر  يخبره ، واجتمع إلى  قيس  عوام قبائل من كتب  أبو بكر  إلى رؤسائهم ، واعتزل الرؤساء ، وعمد  قيس  إلى الأنباء ففرقهم ثلاث فرق : من أقام أقر عياله ، والذين ساروا مع  فيروز  فرق عيالهم فرقتين ، فوجه إحداها إلى عدن ليحملوا في البحر ، وحمل الأخرى في البر ، وقال لهم جميعهم : الحقوا بأرضكم . 
فلما علم  فيروز  ذلك جد في حربه وتجرد لها ، وأرسل إلى بني عقيل بن ربيعة بن عامر  يستمدهم ، وإلى عك  يستمدهم ، فركبت عقيل  ، فلقوا خيل  قيس بن عامر  ومعهم عيالات الأبناء الذين كان قد سيرهم  قيس  ، فاستنقذوهم وقتلوا خيل  قيس     . وسارت عك  فاستنقذوا طائفة أخرى من عيالات الأبناء ، وقتلوا من معهم من أصحاب  قيس  ، وأمدت عقيل  وعك  فيروز  بالرجال . فلما أتته أمدادهم خرج بهم وبمن اجتمع عنده ، فلقوا  قيسا  دون صنعاء  ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، وانهزم  قيس  وأصحابه ، وتذبذب أصحاب  العنسي  وقيس  معهم فيما بين صنعاء  ونجران    . 
 [ ص: 229 ] قيل : وكان  فروة بن مسيك  قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلما ، فاستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على صدقات مراد  ، ومن نازلهم ونزل دارهم . 
وكان  عمرو بن معدي كرب الزبيدي  قد فارق قومه سعد العشيرة ، وانحاز إليهم وأسلم معهم ، فلما ارتد  العنسي  ومعه  مذحج  ارتد  عمرو  فيمن ارتد ، وكان  عمرو  مع   خالد بن سعيد بن العاص  ، فلما ارتد سار إليه  خالد  فلقيه ، فضربه  خالد  على عاتقه فهرب منه ، وأخذ  خالد  سيفه الصمصامة وفرسه ، فلما ارتد  عمرو  جعله  العنسي  بإزاء  فروة  ، فامتنع كل واحد منهما من البراح لمكان صاحبه . فبينما هم كذلك قدم   عكرمة بن أبي جهل  أبين من مهرة  ، وقد تقدم ذكر قتال مهرة  ، ومعه بشر كثير من مهرة  وغيرهم ، فاستبرى النخع  وحمير  ، وقدم أيضا  المهاجر بن أبي أمية  في جمع من مكة  والطائف  وبجيلة  مع  جرير  إلى نجران  ، فانضم إليه  فروة بن مسيك المرادي  ، فأقبل  عمرو بن معدي كرب  مستجيبا ، حتى دخل على  المهاجر  من غير أمان ، فأوثقه  المهاجر  ، وأخذ  قيسا  أيضا فأوثقه ، وسيرهما إلى  أبي بكر  ، فقال : يا  قيس  ، قتلت عباد الله ، واتخذت المرتدين وليجة من دون المؤمنين ! فانتفى  قيس  من أن يكون قارف من أمر  داذويه  شيئا ، وكان قتله سرا ، فتجافى له عن دمه ، وقال  لعمرو     : أما تستحي أنك كل يوم مهزوم أو مأسور ؟ لو نصرت هذا الدين لرفعك الله ، فقال : لا جرم ، لأقبلن ولا أعود . ورجعا إلى عشائرهما . فسار  المهاجر  من نجران  والتقت الخيول على أصحاب  العنسي  ، فاستأمنوا فلم يؤمنهم ، وقتلهم بكل سبيل ، ثم سار إلى صنعاء  فدخلها ، وكتب إلى  أبي بكر  بذلك . 
				
						
						
