ذكر ما جرى   للشعبي  مع  الحجاج   
لما انهزم أصحاب  عبد الرحمن  بالجماجم  نادى منادي  الحجاج     : من لحق   بقتيبة بن مسلم  فهو آمن ، وكان قد ولاه الري  وسار إليه ، فلحق به ناس كثير ، وكان منهم   الشعبي  ، فذكره  الحجاج  يوما فسأل عنه ، فقال له   يزيد بن أبي مسلم     : إنه لحق  بقتيبة  بالري  ، فكتب  الحجاج  إلى  قتيبة  يأمره بإرسال   الشعبي  ، فأرسله . 
قال   الشعبي     : فلما قدمت على  الحجاج  لقيت  ابن أبي مسلم  ، وكان صديقا لي ، فاستشرته [ فقال ] : اعتذر مهما استطعت . وأشار بمثل ذلك إخواني ونصحائي ، فلما دخلت على  الحجاج  رأيت غير ما ذكروا لي ، فسلمت عليه بالإمرة وقلت : أيها الأمير ، إن الناس قد أمروني أن أعتذر بغير ما يعلم الله أنه الحق ، وايم الله لا أقول في هذا المقام   [ ص: 513 ] إلا الحق ، قد والله مردنا عليك ، وحرضنا وجهدنا ، فما كنا بالأقوياء الفجرة ، ولا بالأتقياء البررة ، ولقد نصرك الله علينا وأظفرك بنا ، فإن سطوت فبذنوبنا وما جرت إليه أيدينا ، وإن عفوت عنا فبحلمك ، وبعد فالحجة لك علينا . 
فقال  الحجاج     : أنت والله أحب إلي قولا ممن يدخل علينا يقطر سيفه من دمائنا ، ثم يقول : ما فعلت ولا شهدت ، وقد أمنت يا  شعبي  ، كيف وجدت الناس بعدنا ؟ فقلت : أصلح الله الأمير ، اكتحلت بعدك السهر ، واستوعرت الجناب ، واستحلست الخوف ، وفقدت صالح الإخوان ، ولم أجد من الأمير خلفا . قال : انصرف يا  شعبي     . فانصرفت . 
				
						
						
