[ ص: 172 ] حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الزوجين يقع الشقاق بينهما   . 
روى أبو داود  في " سننه " : من حديث  عائشة  رضي الله عنها : ( أن حبيبة بنت سهل  كانت عند  ثابت بن قيس بن شماس  ، فضربها فكسر بعضها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصبح فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ثابتا  فقال : خذ بعض مالها وفارقها " فقال : ويصلح ذلك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قال : فإني أصدقتها حديقتين ، وهما بيدها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : خذهما وفارقها ففعل  ) . 
وقد حكم الله تعالى بين الزوجين يقع الشقاق بينهما بقوله تعالى : ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا   ) [ النساء 35 ] 
وقد اختلف السلف والخلف في الحكمين : هل هما حاكمان أو وكيلان  ؟ على قولين : 
أحدهما : أنهما وكيلان ، وهو قول  أبي حنيفة   والشافعي  في قول وأحمد  في رواية . 
والثاني : أنهما حاكمان ، وهذا قول أهل المدينة  ومالك  وأحمد  في الرواية الأخرى  والشافعي  في القول الآخر وهذا هو الصحيح . 
والعجب كل العجب ممن يقول هما وكيلان لا حاكمان ، والله تعالى قد نصبهما حكمين ، وجعل نصبهما إلى غير الزوجين ، ولو كانا وكيلين ، لقال : فليبعث وكيلا من أهله ولتبعث وكيلا من أهلها . 
وأيضا فلو كانا وكيلين لم يختصا بأن يكونا من الأهل . 
 [ ص: 173 ] وأيضا فإنه جعل الحكم إليهما فقال : ( إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما   ) والوكيلان لا إرادة لهما إنما يتصرفان بإرادة موكليهما . 
وأيضا فإن الوكيل لا يسمى حكما في لغة القرآن ، ولا في لسان الشارع ولا في العرف العام ولا الخاص . 
وأيضا فالحكم من له ولاية الحكم والإلزام وليس للوكيل شيء من ذلك . 
وأيضا فإن الحكم أبلغ من حاكم ؛ لأنه صفة مشبهة باسم الفاعل دالة على الثبوت ولا خلاف بين أهل العربية في ذلك ، فإذا كان اسم الحاكم لا يصدق على الوكيل المحض فكيف بما هو أبلغ منه . 
وأيضا فإنه سبحانه خاطب بذلك غير الزوجين ، وكيف يصح أن يوكل عن الرجل والمرأة غيرهما ، وهذا يحوج إلى تقدير الآية هكذا : ( وإن خفتم شقاق بينهما   ) فمروهما أن يوكلا وكيلين : وكيلا من أهله ووكيلا من أهلها ، ومعلوم بعد لفظ الآية ومعناها عن هذا التقدير ، وأنها لا تدل عليه بوجه ، بل هي دالة على خلافه وهذا بحمد الله واضح . 
( وبعث  عثمان بن عفان   عبد الله بن عباس  ومعاوية  حكمين بين  عقيل بن أبي طالب  وامرأته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة  فقيل لهما : إن رأيتما أن تفرقا فرقتما  ) . 
وصح عن  علي بن أبي طالب  أنه قال للحكمين بين الزوجين عليكما ( إن رأيتما أن تفرقا فرقتما وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما  )  [ ص: 174 ] فهذا عثمان  وعلي   وابن عباس  ومعاوية  جعلوا الحكم إلى الحكمين ، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف وإنما يعرف الخلاف بين التابعين فمن بعدهم والله أعلم . 
وإذا قلنا : إنهما وكيلان ، فهل يجبر الزوجان على توكيل الزوج في الفرقة بعوض وغيره ، وتوكيل الزوجة في بذل العوض أو لا يجبران ؟ على روايتين ، فإن قلنا : يجبران فلم يوكلا جعل الحاكم ذلك إلى الحكمين بغير رضى الزوجين ، وإن قلنا : إنهما حكمان لم يحتج إلى رضى الزوجين . 
وعلى هذا النزاع ينبني ما لو غاب الزوجان أو أحدهما فإن قيل : إنهما وكيلان ، لم ينقطع نظر الحكمين ، وإن قيل : حكمان انقطع نظرهما لعدم الحكم على الغائب ، وقيل : يبقى نظرهما على القولين ؛ لأنهما يتطرفان لحظهما فهما كالناظرين . وإن جن الزوجان ، انقطع نظر الحكمين ، إن قيل : إنهما وكيلان ؛ لأنهما فرع الموكلين ، ولم ينقطع إن قيل : إنهما حكمان لأن الحاكم يلي على المجنون . وقيل : ينقطع أيضا لأنهما منصوبان عنهما فكأنهما وكيلان ، ولا ريب أنهما حكمان فيهما شائبة الوكالة ، ووكيلان منصوبان للحكم ، فمن العلماء من رجح جانب الحكم ، ومنهم من رجح جانب الوكالة ومنهم من اعتبر الأمرين . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					