[ ص: 491 ] ذكر حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرضاعة وما يحرم بها ، وما لا يحرم  ، وحكمه في القدر المحرم منها ، وحكمه في إرضاع الكبير هل له تأثير أم لا ؟ 
ثبت في " الصحيحين " : من حديث  عائشة   - رضي الله عنها - عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة  ) . 
وثبت فيهما : من حديث  ابن عباس   - رضي الله عنهما - أن ( النبي - صلى الله عليه وسلم - أريد على ابنة حمزة  ، فقال : " إنها لا تحل لي ، إنها ابنة أخي من الرضاعة ، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم  ) . 
وثبت فيهما : أنه قال  لعائشة   - رضي الله عنها - : ( ائذني لأفلح أخي أبي القعيس  ، فإنه عمك " وكانت امرأته أرضعت  عائشة   - رضي الله عنها -  ) . 
وبهذا أجاب  ابن عباس  لما سئل عن : رجل له جاريتان أرضعت إحداهما جارية والأخرى غلاما ، أيحل للغلام أن يتزوج الجارية ؟ قال : لا ، اللقاح واحد  . 
 [ ص: 492 ] وثبت في " صحيح  مسلم   " عن  عائشة   - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( لا تحرم المصة والمصتان  ) . 
وفي رواية : ( لا تحرم الإملاجة والإملاجتان  ) . 
وفي لفظ له : ( أن رجلا قال : يا رسول الله ، هل تحرم الرضعة الواحدة  ؟ قال : لا  ) . 
وثبت في " صحيحه " أيضا : عن  عائشة   - رضي الله عنها - قالت : ( كان فيما نزل من القرآن : عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن فيما يقرأ من القرآن  ) . 
وثبت في " الصحيحين " : من حديث  عائشة   - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنما الرضاعة من المجاعة  ) . 
وثبت في " جامع  الترمذي   " : من حديث  أم سلمة   - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي ، وكان قبل الفطام  ) " وقال  الترمذي   : حديث صحيح . 
 [ ص: 493 ] وفي " سنن  الدارقطني   " بإسناد صحيح ، عن  ابن عباس  يرفعه : ( لا رضاع إلا ما كان في الحولين   ) . 
وفي " سنن أبي داود   " : من حديث  ابن مسعود  يرفعه : ( لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشر العظم  ) . 
وثبت في " صحيح  مسلم   " : عن  عائشة   - رضي الله عنها - قالت ( جاءت سهلة بنت سهيل  إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، إني أرى في وجه أبي حذيفة  من دخول سالم  وهو حليفه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أرضعيه تحرمي عليه  ) . 
وفي رواية له عنها قالت : ( جاءت سهلة بنت سهيل  إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، إني أرى في وجه أبي حذيفة  من دخول سالم  وهو حليفه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أرضعيه ، فقالت : وكيف أرضعه وهو رجل كبير ، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : قد علمت أنه كبير  ) . 
وفي لفظ لمسلم   ( أن  أم سلمة   - رضي الله عنها - قالت  لعائشة   - رضي الله عنها - : إنه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل علي ، فقالت  عائشة   - رضي الله عنها - : أما لك في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة ؟ إن امرأة أبي حذيفة  قالت : يا رسول الله ، إن سالما  يدخل علي وهو رجل ، وفي نفس أبي حذيفة  منه شيء ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أرضعيه حتى يدخل عليك  ) . 
 [ ص: 494 ] وساقه أبو داود  في " سننه " سياقة تامة مطولة ، فرواه من حديث  الزهري  عن عروة  عن  عائشة   وأم سلمة   - رضي الله عنهما : أن  أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس  كان تبنى سالما  ، وأنكحه ابنة أخيه هندا بنت الوليد بن عتبة  وهو مولى لامرأة من الأنصار  ، كما تبنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيدا  ، وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه حتى أنزل الله تعالى في ذلك : ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم   ) [ الأحزاب : 5 ] فردوا إلى آبائهم ، فمن لم يعلم له أب كان مولى وأخا في الدين ، ( فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري  ، وهي امرأة أبي حذيفة  ، فقالت : يا رسول الله ، إنا كنا نرى سالما  ولدا وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة  في بيت واحد ، ويراني فضلا ، وقد أنزل الله تعالى فيهم ما قد علمت ، فكيف ترى فيه ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أرضعيه "  ) فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة  ، فبذلك كانت  عائشة   - رضي الله عنها - تأمر بنات إخوتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت  عائشة   - رضي الله عنها - أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيرا خمس رضعات ، ثم يدخل عليها ، وأبت ذلك  أم سلمة  وسائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة من الناس حتى يرضع في المهد ، وقلن  لعائشة   : والله ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي - صلى الله عليه وسلم - لسالم  دون الناس . 
فتضمنت هذه السنن الثابتة أحكاما عديدة ، بعضها متفق عليه بين الأمة ، وفي بعضها نزاع . 
				
						
						
