وعلى هذا فكل من ملك أمة لا يعلم حالها قبل الملك ، هل اشتمل رحمها على حمل أم لا  ؟ لم يطأها حتى يستبرئها بحيضة ، هذا أمر معقول ، وليس بتعبد محض لا معنى له ، فلا معنى لاستبراء العذراء والصغيرة التي لا يحمل مثلها ، والتي اشتراها من امرأته وهي في بيته لا تخرج أصلا ، ونحوها ممن يعلم براءة رحمها ، فكذلك إذا زنت المرأة وأرادت أن تتزوج ، استبرأها بحيضة ، ثم تزوجت ، وكذلك إذا زنت وهي مزوجة ، أمسك عنها زوجها حتى تحيض حيضة ، وكذلك أم الولد إذا مات عنها سيدها ، اعتدت بحيضة . 
قال عبد الله بن أحمد   : سألت أبي ، كم عدة أم الولد إذا توفي عنها مولاها أو أعتقها  ؟ قال : عدتها حيضة ، وإنما هي أمة في كل أحوالها ، إن جنت ، فعلى سيدها قيمتها ، وإن جني عليها ، فعلى الجاني ما نقص من قيمتها . وإن ماتت ، فما تركت من شيء فلسيدها ، وإن أصابت حدا ، فحد أمة ، وإن زوجها سيدها فما ولدت فهم بمنزلتها يعتقون بعتقها ، ويرقون برقها . 
وقد اختلف الناس في عدتها ، فقال بعض الناس : أربعة أشهر وعشرا ، فهذه عدة الحرة وهذه عدة أمة خرجت من الرق إلى الحرية ، فيلزم من قال : أربعة أشهر وعشرا أن يورثها ، وأن يجعل حكمها حكم الحرة ؛ لأنه قد أقامها في العدة مقام الحرة . 
وقال بعض الناس : عدتها ثلاث حيض ، وهذا قول ليس له وجه ، إنما تعتد ثلاث حيض المطلقة ، وليست هي بمطلقة ولا حرة ، وإنما ذكر الله العدة فقال : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا   ) [ البقرة : 234 ] ، وليست أم الولد بحرة ولا زوجة ، فتعتد بأربعة أشهر وعشر . قال : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء   )  [ ص: 639 ] ، وإنما هي أمة خرجت من الرق إلى الحرية ، وهذا لفظ أحمد   - رحمه الله - . 
وكذلك قال في رواية صالح   : تعتد أم الولد إذا توفي عنها مولاها ، أو أعتقها حيضة ، وإنما هي أمة في كل أحوالها . 
وقال في رواية محمد بن العباس   : عدة أم الولد أربعة أشهر وعشر إذا توفي عنها سيدها . 
وقال الشيخ في ( المغني ) : وحكى أبو الخطاب  رواية ثالثة عن أحمد   : أنها تعتد بشهرين وخمسة أيام . قال : ولم أجد هذه الرواية عن أحمد   - رحمه الله - في ( الجامع ) ولا أظنها صحيحة عن أحمد   - رحمه الله - وروي ذلك عن عطاء  وطاووس  وقتادة  ؛ لأنها حين الموت أمة فكانت عدتها عدة الأمة ، كما لو مات رجل عن زوجته الأمة ، فعتقت بعد موته ، فليست هذه رواية  إسحاق بن منصور  عن أحمد   . 
قال أبو بكر عبد العزيز  في ( زاد المسافر ) : باب القول في عدة أم الولد من الطلاق والوفاة . قال أبو عبد الله  في رواية ابن القاسم   : إذا مات السيد وهي عند زوج ، فلا عدة عليها ، كيف تعتد وهي مع زوجها ؟ وقال في رواية مهنا : إذا أعتق أم الولد ، فلا يتزوج أختها حتى تخرج من عدتها . وقال في رواية  إسحاق بن منصور   : وعدة أم الولد عدة الأمة في الوفاة والطلاق والفرقة ، انتهى كلامه . 
وحجة من قال : عدتها أربعة أشهر وعشر ، ما رواه أبو داود  عن  عمرو بن العاص  ، أنه قال لا تفسدوا علينا سنة نبينا محمد   - صلى الله عليه وسلم - عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر . وهذا قول السعيدين ،  [ ص: 640 ]  ومحمد بن سيرين  ، ومجاهد  ،  وعمر بن عبد العزيز  ،  وخلاس بن عمرو  ،  والزهري  ،  والأوزاعي  ، وإسحاق   . قالوا : لأنها حرة تعتد للوفاة ، فكانت عدتها أربعة أشهر وعشرا ، كالزوجة الحرة . 
وقال عطاء  ،  والنخعي  ،  والثوري  ،  وأبو حنيفة  ، وأصحابه : تعتد بثلاث حيض ، وحكي عن علي  ،  وابن مسعود  ، قالوا : لأنها لا بد لها من عدة ، وليست زوجة ، فتدخل في آية الأزواج المتوفى عنهن ، ولا أمة ، فتدخل في نصوص استبراء الإماء بحيضة ، فهي أشبه شيء بالمطلقة فتعتد بثلاثة أقراء . 
والصواب من هذه الأقوال أنها تستبرأ بحيضة ، وهو قول  عثمان بن عفان   وعائشة  ،  وعبد الله بن عمر  ، والحسن  ،  والشعبي  ،  والقاسم بن محمد  ، وأبي قلابة  ، ومكحول  ، ومالك  ،  والشافعي  ،  وأحمد بن حنبل  في أشهر الروايات عنه ، وهو قول أبي عبيد  ،  وأبي ثور  ، وابن المنذر  ، فإن هذا إنما هو لمجرد الاستبراء لزوال الملك عن الرقبة فكان حيضة واحدة في حق من تحيض ، كسائر استبراءات المعتقات ، والمملوكات ، والمسبيات . 
وأما حديث  عمرو بن العاص  ، فقال ابن المنذر   : ضعف أحمد  وأبو عبيد  حديث  عمرو بن العاص   . 
وقال محمد بن موسى   : سألت أبا عبد الله  عن حديث  عمرو بن العاص  ، فقال لا يصح . وقال الميموني   : رأيت أبا عبد الله  يعجب من حديث  عمرو بن العاص  هذا ، ثم قال : أين سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا ؟ وقال : ( أربعة أشهر وعشرا   ) إنما هي عدة الحرة من النكاح ، وإنما هذه أمة خرجت من الرق إلى الحرية ، ويلزم من قال بهذا أن يورثها ، وليس لقول من قال : تعتد ثلاث حيض وجه إنما تعتد بذلك المطلقة . انتهى كلامه . 
وقال  المنذري   : في إسناد حديث عمرو  ،  مطر بن طهمان أبو رجاء الوراق  ، وقد ضعفه غير واحد ، وأخبرنا شيخنا أبو الحجاج  الحافظ في كتاب ( التهذيب ) قال أبو طالب   : سألت  أحمد بن حنبل  عن  مطر الوراق   . فقال : كان  يحيى بن سعيد  يضعف حديثه عن عطاء  ، وقال  عبد الله بن أحمد بن  [ ص: 641 ] حنبل   : سألت أبي عن  مطر الوراق  ، قال : كان  يحيى بن سعيد  يشبه حديث  مطر الوراق   بابن أبي ليلى  في سوء الحفظ ، قال عبد الله   : فسألت أبي عنه ؟ فقال ما أقربه من  ابن أبي ليلى  في عطاء  خاصة ، وقال مطر  في عطاء   : ضعيف الحديث ، قال عبد الله   : قلت  ليحيى بن معين   :  مطر الوراق  ؟ فقال : ضعيف في حديث  عطاء بن أبي رباح  ، وقال  النسائي   : ليس بالقوي . وبعد ، فهو ثقة ، قال  أبو حاتم الرازي   : صالح الحديث ، وذكره  ابن حبان  في كتاب الثقات ، واحتج به  مسلم  ، فلا وجه لضعف الحديث به . 
وإنما علة الحديث أنه من رواية  قبيصة بن ذؤيب  ، عن  عمرو بن العاص   - رضي الله عنه - ولم يسمع منه ، قاله  الدارقطني  ، وله علة أخرى ، وهي أنه موقوف لم يقل : لا تلبسوا علينا سنة نبينا . 
قال  الدارقطني   : والصواب : لا تلبسوا علينا ديننا . موقوف . وله علة أخرى ، وهي اضطراب الحديث ، واختلافه عن عمرو  على ثلاثة أوجه : 
أحدها : هذا . 
والثاني : عدة أم الولد  عدة الحرة . 
والثالث : عدتها إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر ، فإذا أعتقت ، فعدتها ثلاث حيض ، والأقاويل الثلاثة عنه ذكرها  البيهقي   . 
قال  الإمام أحمد   : هذا حديث منكر حكاه  البيهقي  عنه ، وقد روى خلاس  ، عن علي  مثل رواية قبيصة  عن عمرو  ، أن عدة أم الولد أربعة أشهر وعشر ، ولكن  خلاس بن عمرو  قد تكلم في حديثه ، فقال أيوب   : لا يروى عنه ؛ فإنه صحفي ، وكان مغيرة لا يعبأ بحديثه . 
وقال أحمد   : روايته عن علي  يقال : إنه كتاب ، وقال  البيهقي   : روايات خلاس  عن علي  ضعيفة عند أهل العلم بالحديث ، فقال : هي من صحيفة . ومع ذلك فقد روى مالك  ، عن نافع  ، عن  ابن عمر  في أم الولد يتوفى عنها سيدها ، قال : تعتد بحيضة . 
فإن ثبت عن  [ ص: 642 ] علي  وعمرو  ما روي عنهما ، فهي مسألة نزاع بين الصحابة ، والدليل هو الحاكم ، وليس مع من جعلها أربعة أشهر وعشرا إلا التعلق بعموم المعنى ، إذ لم يكن معهم لفظ عام ، ولكن شرط عموم المعنى تساوي الأفراد في المعنى الذي ثبت الحكم لأجله ، فما لم يعلم ذلك لا يتحقق الإلحاق ، والذين ألحقوا أم الولد بالزوجة رأوا أن الشبه الذي بين أم الولد وبين الزوجة أقوى من الشبه الذي بينها وبين الأمة من جهة أنها بالموت صارت حرة ، فلزمتها العدة مع حريتها ، بخلاف الأمة ؛ ولأن المعنى الذي جعلت له عدة الزوجة أربعة أشهر وعشرا ، موجود في أم الولد ، وهو أدنى الأوقات الذي يتيقن فيها خلق الولد ، وهذا لا يفترق الحال فيه بين الزوجة وأم الولد ، والشريعة لا تفرق بين متماثلين ، ومنازعوهم يقولون : أم الولد أحكامها أحكام الإماء ، لا أحكام الزوجات ، ولهذا لم تدخل في قوله : ( ولكم نصف ما ترك أزواجكم   ) [ النساء : 12 ] ، وغيرها . فكيف تدخل في قوله : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا   ) [ البقرة : 234 ] ؟ قالوا : والعدة لم تجعل أربعة أشهر وعشرا لأجل مجرد براءة الرحم ، فإنها تجب على من يتيقن براءة رحمها وتجب قبل الدخول والخلوة فهي من حريم عقد النكاح وتمامه . 
وأما استبراء الأمة  ، فالمقصود منه العلم ببراءة رحمها ، وهذا يكفي فيه حيضة ، ولهذا لم يجعل استبراؤها ثلاثة قروء ، كما جعلت عدة الحرة كذلك تطويلا لزمان الرجعة ، ونظرا للزوج ، وهذا المعنى مقصود في المستبرأة ، فلا نص يقتضي إلحاقها بالزوجات ولا معنى ، فأولى الأمور بها أن يشرع لها ما شرعه صاحب الشرع في المسبيات والمملوكات ، ولا تتعداه ، وبالله التوفيق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					