فصل
وأما المسألة الثانية : وهي الأمة المطاوعة ، فهل يجب لها المهر ؟ فيه قولان . أحدهما : يجب ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأكثر أصحاب
أحمد - رحمه الله - . قالوا : لأن هذه المنفعة لغيرها ، فلا يسقط بدلها مجانا ، كما لو أذنت في قطع طرفها . والصواب المقطوع به : أنه لا مهر لها ، وهذه هي
nindex.php?page=treesubj&link=27026البغي التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مهرها ، وأخبر أنه خبيث ، وحكم عليه وعلى ثمن الكلب ، وأجر الكاهن بحكم واحد ، والأمة داخلة في هذا الحكم دخولا أوليا ، فلا يجوز تخصيصها من عمومه ؛ لأن الإماء هن اللاتي كن يعرفن بالبغاء ، وفيهن وفي ساداتهن أنزل الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ) [ النور : 33 ] ، فكيف يجوز أن تخرج الإماء من نص أردن به قطعا ، ويحمل على غيرهن .
وأما قولكم : إن منفعتها لسيدها ، ولم يأذن في استيفائها ، فيقال : هذه المنفعة يملك السيد استيفاءها بنفسه ، ويملك المعاوضة عليها بعقد النكاح أو شبهته ، ولا يملك المعاوضة عليها إلا إذا أذنت ، ولم يجعل الله ورسوله للزنى عوضا قط غير العقوبة ، فيفوت على السيد حتى يقضى له بل هذا تقويم مال
[ ص: 690 ] أهدره الله ورسوله ، وإثبات عوض حكم الشارع بخبثه ، وجعله بمنزلة ثمن الكلب ، وأجر الكاهن ، وإن كان عوضا خبيثا شرعا ، لم يجز أن يقضي به .
ولا يقال :
nindex.php?page=treesubj&link=17380فأجر الحجام خبيث ، ويقضى له به ؛ لأن منفعة الحجامة منفعة مباحة ، وتجوز ، بل يجب على مستأجره أن يوفيه أجره ، فأين هذا من المنفعة الخبيثة المحرمة التي عوضها من جنسها ، وحكمه حكمها ، وإيجاب عوض في مقابلة هذه المعصية ، كإيجاب عوض في مقابلة اللواط ، إذ الشارع لم يجعل في مقابلة هذا الفعل عوضا .
فإن قيل : فقد جعل في مقابلة الوطء في الفرج عوضا ، وهو المهر من حيث الجملة بخلاف اللواطة .
قلنا : إنما جعل في مقابلته عوضا ، إذا استوفي بعقد أو بشبهة عقد ، ولم يجعل له عوضا إذا استوفي بزنى محض لا شبهة فيه ، وبالله التوفيق . ولم يعرف في الإسلام قط أن زانيا قضي عليه بالمهر للمزني بها ، ولا ريب أن المسلمين يرون هذا قبيحا ، فهو عند الله - عز وجل - قبيح .
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : وَهِيَ الْأَمَةُ الْمُطَاوِعَةُ ، فَهَلْ يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا : يَجِبُ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ
أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - . قَالُوا : لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ لِغَيْرِهَا ، فَلَا يَسْقُطُ بَدَلُهَا مَجَّانًا ، كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ طَرَفِهَا . وَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ : أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا ، وَهَذِهِ هِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=27026الْبَغِيُّ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَهْرِهَا ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ خَبِيثٌ ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ وَعَلَى ثَمَنِ الْكَلْبِ ، وَأَجْرِ الْكَاهِنِ بِحُكْمٍ وَاحِدٍ ، وَالْأَمَةُ دَاخِلَةٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا ، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا مِنْ عُمُومِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِمَاءَ هُنَّ اللَّاتِي كُنَّ يُعْرَفْنَ بِالْبِغَاءِ ، وَفِيهِنَّ وَفِي سَادَاتِهِنَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ) [ النُّورِ : 33 ] ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُخْرَجَ الْإِمَاءُ مِنْ نَصٍّ أُرِدْنَ بِهِ قَطْعًا ، وَيُحْمَلَ عَلَى غَيْرِهِنَّ .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : إِنَّ مَنْفَعَتَهَا لِسَيِّدِهَا ، وَلَمْ يَأْذَنْ فِي اسْتِيفَائِهَا ، فَيُقَالُ : هَذِهِ الْمَنْفَعَةُ يَمْلِكُ السَّيِّدُ اسْتِيفَاءَهَا بِنَفْسِهِ ، وَيَمْلِكُ الْمُعَاوَضَةَ عَلَيْهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُعَاوَضَةَ عَلَيْهَا إِلَّا إِذَا أَذِنَتْ ، وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِلزِّنَى عِوَضًا قَطُّ غَيْرَ الْعُقُوبَةِ ، فَيَفُوتُ عَلَى السَّيِّدِ حَتَّى يُقْضَى لَهُ بَلْ هَذَا تَقْوِيمُ مَالٍ
[ ص: 690 ] أَهْدَرَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَإِثْبَاتُ عِوَضٍ حَكَمَ الشَّارِعُ بِخُبْثِهِ ، وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ ثَمَنِ الْكَلْبِ ، وَأَجْرِ الْكَاهِنِ ، وَإِنْ كَانَ عِوَضًا خَبِيثًا شَرْعًا ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ .
وَلَا يُقَالُ :
nindex.php?page=treesubj&link=17380فَأَجْرُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ ، وَيُقْضَى لَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْحِجَامَةِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ ، وَتَجُوزُ ، بَلْ يَجِبُ عَلَى مُسْتَأْجِرِهِ أَنْ يُوَفِّيَهُ أَجْرَهُ ، فَأَيْنَ هَذَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ الْخَبِيثَةِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي عِوَضُهَا مِنْ جِنْسِهَا ، وَحُكْمُهُ حُكْمُهَا ، وَإِيجَابُ عِوَضٍ فِي مُقَابَلَةِ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ ، كَإِيجَابِ عِوَضٍ فِي مُقَابَلَةِ اللِّوَاطِ ، إِذِ الشَّارِعُ لَمْ يَجْعَلْ فِي مُقَابَلَةِ هَذَا الْفِعْلِ عِوَضًا .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ جَعَلَ فِي مُقَابَلَةِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ عِوَضًا ، وَهُوَ الْمَهْرُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ اللِّوَاطَةِ .
قُلْنَا : إِنَّمَا جَعَلَ فِي مُقَابَلَتِهِ عِوَضًا ، إِذَا اسْتُوفِيَ بِعَقْدٍ أَوْ بِشُبْهَةِ عَقْدٍ ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَضًا إِذَا اسْتُوفِيَ بِزِنًى مَحْضٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ . وَلَمْ يُعْرَفْ فِي الْإِسْلَامِ قَطُّ أَنَّ زَانِيًا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ لِلْمَزْنِيِّ بِهَا ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَرَوْنَ هَذَا قَبِيحًا ، فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - قَبِيحٌ .