فصل في غزوة أحد   
ولما قتل الله أشراف قريش  ببدر  ، وأصيبوا بمصيبة لم يصابوا بمثلها ، ورأس فيهم  أبو سفيان بن حرب  لذهاب أكابرهم ، وجاء كما ذكرنا إلى أطراف المدينة  في غزوة السويق ، ولم ينل ما في نفسه ، أخذ يؤلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين ، ويجمع الجموع ، فجمع قريبا من ثلاثة آلاف من قريش  ، والحلفاء ، والأحابيش ، وجاءوا بنسائهم لئلا يفروا ، وليحاموا عنهن ، ثم أقبل بهم نحو المدينة   . فنزل قريبا من جبل أحد  بمكان يقال له : عينين  ، وذلك في  [ ص: 173 ] شوال من السنة الثالثة ، واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أيخرج إليهم ، أم يمكث في المدينة  ؟ وكان رأيه ألا يخرجوا من المدينة  ، وأن يتحصنوا بها ، فإن دخلوها ، قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة ، والنساء من فوق البيوت ، ووافقه على هذا الرأي عبد الله بن أبي  ، وكان هو الرأي ، فبادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر  ، وأشاروا عليه بالخروج ، وألحوا عليه في ذلك ، وأشار عبد الله بن أبي  بالمقام في المدينة  ، وتابعه على ذلك بعض الصحابة ، فألح أولئك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهض ودخل بيته ولبس لأمته ، وخرج عليهم ، وقد انثنى عزم أولئك ، وقالوا : أكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج ، فقالوا : يا رسول الله إن أحببت أن تمكث في المدينة  فافعل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه  ) . 
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف من الصحابة ، واستعمل  ابن أم مكتوم  على الصلاة بمن بقي في المدينة  ، وكان رسول الله رأى رؤيا  وهو بالمدينة  ، رأى أن في سيفه ثلمة ، ورأى أن بقرا تذبح ، وأنه أدخل يده في درع حصينة ، فتأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته ، وتأول البقر بنفر من أصحابه يقتلون وتأول الدرع بالمدينة   . 
فخرج يوم الجمعة ، فلما صار بالشوط بين المدينة  وأحد  ، انخزل عبد الله بن أبي  بنحو ثلث العسكر ، وقال : تخالفني وتسمع من غيري ، فتبعهم  عبد الله بن عمرو بن حرام  ، والد  جابر بن عبد الله  يوبخهم ويحضهم على الرجوع ، ويقول : تعالوا قاتلوا في سبيل الله ، أو ادفعوا . قالوا : لو نعلم أنكم  [ ص: 174 ] تقاتلون ، لم نرجع ، فرجع عنهم ، وسبهم ، وسأله قوم من الأنصار  أن يستعينوا بحلفائهم من يهود ، فأبى ، وسلك حرة بني حارثة  ، وقال : ( من رجل يخرج بنا على القوم من كثب  ) ؟ ، فخرج به بعض الأنصار  حتى سلك في حائط لبعض المنافقين ، وكان أعمى ، فقام يحثو التراب في وجوه المسلمين ، ويقول : لا أحل لك أن تدخل في حائطي إن كنت رسول الله ، فابتدره القوم ليقتلوه ، فقال : ( لا تقتلوه فهذا أعمى القلب أعمى البصر  ) . 
ونفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد  في عدوة الوادي ، وجعل ظهره إلى أحد  ، ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم ، فلما أصبح يوم السبت ، تعبى للقتال ، وهو في سبعمائة ، فيهم خمسون فارسا ، واستعمل على الرماة - وكانوا خمسين -  عبد الله بن جبير  ، وأمره وأصحابه أن يلزموا مركزهم ، وألا يفارقوه ، ولو رأى الطير تتخطف العسكر ، وكانوا خلف الجيش ، وأمرهم أن ينضحوا المشركين بالنبل ، لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم . 
فظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين يومئذ ، وأعطى اللواء  مصعب بن عمير  ، وجعل على إحدى المجنبتين  الزبير بن العوام  ، وعلى الأخرى المنذر بن عمرو  ، واستعرض الشباب يومئذ فرد من استصغره عن القتال ، وكان منهم  عبد الله بن عمر  ،  وأسامة بن زيد  ، وأسيد بن ظهير  ،  والبراء بن عازب  ،  وزيد بن أرقم  ،  [ ص: 175 ]  وزيد بن ثابت  ، وعرابة بن أوس  ، وعمرو بن حزم  ، وأجاز من رآه مطيقا ، وكان منهم  سمرة بن جندب  ،  ورافع بن خديج  ، ولهما خمس عشرة سنة . فقيل : أجاز من أجاز لبلوغه بالسن خمس عشرة سنة ، ورد من رد لصغره عن سن البلوغ ، وقالت طائفة : إنما أجاز من أجاز لإطاقته ، ورد من رد لعدم إطاقته ، ولا تأثير للبلوغ وعدمه في ذلك قالوا : وفي بعض ألفاظ حديث  ابن عمر   : ( فلما رآني مطيقا أجازني  ) . 
وتعبت قريش  للقتال ، وهم في ثلاثة آلاف ، وفيهم مائتا فارس ، فجعلوا على ميمنتهم  خالد بن الوليد  ، وعلى الميسرة  عكرمة بن أبي جهل  ، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه إلى  أبي دجانة سماك بن خرشة  ، وكان شجاعا بطلا يختال عند الحرب . 
				
						
						
