[ ص: 546 ] فصل في قدوم وفد دوس  على رسول الله - صلى الله عليه وسلم   - قبل ذلك بخيبر  
قال  ابن إسحاق   : كان  الطفيل بن عمرو الدوسي  يحدث أنه قدم مكة  ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها ، فمشى إليه رجال من قريش  ، وكان الطفيل  رجلا شريفا شاعرا لبيبا ، قالوا له : إنك قدمت بلادنا ، وإن هذا الرجل - وهو الذي بين أظهرنا - فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وإنما قوله كالسحر يفرق بين المرء وابنه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجه ، وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد حل علينا ، فلا تكلمه ولا تسمع منه ، قال : فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ، ولا أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا ، فرقا من أن يبلغني شيء من قوله . 
قال : فغدوت إلى المسجد ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي عند الكعبة ، فقمت قريبا منه ، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله ، فسمعت كلاما حسنا فقلت في نفسي : واثكل أمياه ، والله إني لرجل لبيب شاعر ، ما يخفى علي الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ؟ فإن كان ما يقول حسنا قبلت ، وإن كان قبيحا تركت . 
قال : فمكثت حتى انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيته ، فتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه ، فقلت : يا محمد   ! إن قومك قد قالوا لي : كذا وكذا ، فوالله ما برحوا يخوفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه ، فسمعت قولا حسنا ، فاعرض علي أمرك ، فعرض علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإسلام ، وتلا علي القرآن ، فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ، ولا أمرا أعدل منه ، فأسلمت وشهدت شهادة الحق ، وقلت : يا نبي الله ؛ إني امرؤ مطاع في قومي ، وإني راجع إليهم ، فداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله لي أن يجعل لي آية تكون عونا لي عليهم ، فيما أدعوهم إليه ، فقال : ( اللهم اجعل له آية ) ، قال : فخرجت إلى قومي حتى إذا  [ ص: 547 ] كنت بثنية تطلعني على الحاضر ، وقع نور بين عيني مثل المصباح ، قلت : اللهم في غير وجهي إني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم ، قال : فتحول فوقع في رأس سوطي كالقنديل المعلق ، وأنا أنهبط إليهم من الثنية حتى جئتهم ، وأصبحت فيهم ، فلما نزلت ، أتاني أبي ، وكان شيخا كبيرا ، فقلت : إليك عني يا أبت ، فلست مني ، ولست منك ، قال : لم يا بني ؟ قلت : قد أسلمت وتابعت دين محمد   . قال : يا بني فديني دينك . قال فقلت : اذهب فاغتسل وطهر ثيابك ، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت . 
قال : فذهب فاغتسل وطهر ثيابه ، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام ، فأسلم ثم أتتني صاحبتي ، فقلت لها : إليك عني فلست منك ولست مني . قالت : لم بأبي أنت وأمي ؟ قلت فرق الإسلام بيني وبينك ، أسلمت وتابعت دينمحمد   . قالت : فديني دينك . قال : قلت : فاذهبي فاغتسلي ، ففعلت ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت ، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام ، فأبطئوا علي ، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : ( يا رسول الله ! إنه قد غلبني على دوس  الزنى ، فادع الله عليهم ، فقال : " اللهم اهد دوسا   " ، ثم قال : " ارجع إلى قومك فادعهم إلى الله ، وارفق بهم  " ، فرجعت إليهم ، فلم أزل بأرض دوس  أدعوهم إلى الله ، ثم قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر  ، فنزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس  ، ثم لحقنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر  ، فأسهم لنا مع المسلمين ) . 
قال  ابن إسحاق   : فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وارتدت العرب ، خرج الطفيل  مع المسلمين حتى فرغوا من طليحة  ، ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة  ومعه ابنه عمرو بن الطفيل  ، فقال لأصحابه : إني قد رأيت رؤيا ، فاعبروها لي : رأيت أن رأسي قد حلق ، وأنه قد خرج من فمي طائر ، وأن امرأة لقيتني ، فأدخلتني في فرجها ، ورأيت أن ابني يطلبني طلبا حثيثا ، ثم رأيته حبس عني . قالوا : خيرا رأيت . 
قال : أما والله إني قد أولتها . قالوا : وما أولتها ؟ قال : أما حلق رأسي ، فوضعه ، وأما الطائر الذي خرج من فمي فروحي ، وأما المرأة التي أدخلتني في  [ ص: 548 ] فرجها ، فالأرض تحفر ، فأغيب فيها ، وأما طلب ابني إياي وحبسه عني ، فإني أراه سيجهد لأن يصيبه من الشهادة ما أصابني ، فقتل الطفيل  شهيدا باليمامة  ، وجرح ابنه عمرو  جرحا شديدا ، ثم قتل عام اليرموك  شهيدا في زمن عمر  رضي الله عنه . 
				
						
						
