فصل 
في فقه هذه القصة 
فيها : أن عادة المسلمين كانت غسل الإسلام قبل دخولهم فيه  ، وقد صح أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به . وأصح الأقوال : وجوبه على من أجنب في حال كفره ومن لم يجنب . 
وفيها : أنه لا ينبغي للعاقل أن يقلد الناس في المدح والذم  ، ولا سيما تقليد من يمدح بهوى ويذم بهوى ، فكم حال هذا التقليد بين القلوب وبين الهدى ، ولم ينج منه إلا من سبقت له من الله الحسنى . 
ومنها : أن المدد إذا لحق بالجيش قبل انقضاء الحرب  ، أسهم لهم . 
ومنها : وقوع كرامات الأولياء ، وأنها إنما تكون لحاجة في الدين ، أو لمنفعة للإسلام والمسلمين ، فهذه هي الأحوال الرحمانية ، سببها متابعة الرسول ، ونتيجتها إظهار الحق وكسر الباطل ، والأحوال الشيطانية ضدها سببا ونتيجة . 
ومنها : التأني والصبر في الدعوة إلى الله ، وأن لا يعجل بالعقوبة والدعاء على العصاة ، وأما تعبيره حلق رأسه بوضعه ، فهذا لأن حلق الرأس وضع شعره على الأرض ، وهو لا يدل بمجرده على وضع رأسه ، فإنه دال على خلاص من هم أو مرض ، أو شدة لمن يليق به ذلك ، وعلى فقر ونكد ، وزوال رياسة وجاه لمن لا يليق به ذلك ، ولكن في منام الطفيل  قرائن اقتضت أنه وضع رأسه ، منها أنه  [ ص: 549 ] كان في الجهاد ، ومقاتلة العدو ذي الشوكة والبأس . 
ومنها : أنه دخل في بطن المرأة التي رآها ، وهي الأرض التي هي بمنزلة أمه ، ورأى أنه قد دخل في الموضع الذي خرج منه ، وهذا هو إعادته إلى الأرض ، كما قال تعالى : ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم   ) [ طه : 155 ] ، فأول المرأة بالأرض إذ كلاهما محل الوطء ، وأول دخوله في فرجها بعوده إليها كما خلق منها ، وأول الطائر الذي خرج من فيه بروحه ، فإنها كالطائر المحبوس في البدن ، فإذا خرجت منه كانت كالطائر الذي فارق حبسه ، فذهب حيث شاء ، ولهذا أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم ( أن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة  ) ، وهذا هو الطائر الذي رئي داخلا في قبر  ابن عباس  لما دفن ، وسمع قارئ يقرأ : ( ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية   ) [ الفجر : 27 ] . وعلى حسب بياض هذا الطائر وسواده وحسنه وقبحه تكون الروح ، ولهذا كانت أرواح آل فرعون في صورة طيور سود ترد النار بكرة وعشية ، وأول طلب ابنه له باجتهاده في أن يلحق به في الشهادة وحبسه عنه هو مدة حياته بين وقعة اليمامة  واليرموك   . والله أعلم . 
				
						
						
