الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( وإن احتكرا ) معا رب المال فيما بيده والعامل في القراض ( أو ) احتكر ( العامل ) فقط ( فكالدين ) وأفاد به فائدتين الأولى أنه لا يزكيه قبل رجوعه لربه بالانفصال ولو نض بيد العامل والثانية أنه إنما يزكيه بعد قبضه لسنة واحدة ولو أقام أعواما وهذا إذا كان ما بيد العامل مساويا لما بيد رب المال أو أكثر وإلا كان تابعا للأكثر الذي بيد ربه حيث كان يتجر به وإلا فالعبرة بما بيد العامل فقط ( وعجلت زكاة ماشية القراض ) المشتراة به أو منه وكذا زكاة حرثه ( مطلقا ) حضر أو غاب أدارا أو احتكرا أو اختلفا ( وحسبت على ربه ) من رأس ماله فلا تجبر بالربح كالخسارة وهذا إن غابت وأما إن حضرت فهل يأخذها الساعي أو ربها منها وتحسب على ربها أيضا أو من عند ربها تأويلان ( وهل عبيده ) أي زكاة فطر رقيق القراض إذا أخرجها العامل ( كذلك ) تحسب على ربه ولا تجبر بالربح ( أو تلغى كالنفقة ) والخسر وتجبر بالربح ( تأويلان ) هذا تقرير كلامه وهو غير صحيح لقوله فيها زكاة الفطر عن عبيد القراض على رب المال خاصة وأما نفقتهم فمن مال القراض انتهى فهذا صريح لا يقبل التأويل ولم يتأوله أحد وإنما التأويلان في ماشية القراض الحاضرة هل تزكى منها وتحسب على ربها أو من عند ربها كما تقدم فلو قال بعد قوله مطلقا وأخذت من عينها إن غابت وحسبت على ربه ، وهو كذلك إن حضرت أو من ربها كزكاة فطر رقيقه تأويلان لو أبق النقل ( وزكي ) بالبناء للمفعول ونائبه ( ربح العامل ) أي يزكيه العامل [ ص: 480 ] ( وإن قل ) عن النصاب ولو لم يكن عنده ما يضمه إليه بناء على أنه أجير بشروط خمسة أشار لها بقوله ( إن أقام ) مال القراض ( بيده حولا ) فأكثر من يوم التجر ( وكانا حرين مسلمين بلا دين ) عليهما ( وحصة ربه بربحه نصاب ) فإن نقص عنه فلا زكاة على العامل وإن نابه نصاب ويستقبل حولا كالفائدة إلا أن يكون عند ربه ما لو ضم إليه هذا الناقص لكان نصابا وحال الحول عليهما فإنه يزكي ويزكي العامل أيضا ربحه وإن قل ففي مفهوم قوله وحصة ربه إلخ تفصيل وبقي شرط سادس وهو أن ينض ويقبضه ( وفي كونه ) أي العامل ( شريكا ) لكونه يضمنه حصته من الربح لو تلف فلا يرجع على رب المال بشيء ولو اشترى من يعتق عليه عتق ولا حد عليه إن وطئ أمة القراض ويلحقه الولد وتقوم عليه ويشترط فيه أهلية الزكاة بالنسبة لزكاة حصته ( أو أجيرا ) إذ ليس له في أصل المال شرك وحول ربح المال حول أصله ويزكي نصيبه وإن قل وتسقط عنه تبعا لسقوطها عن رب المال ( خلاف ) فليس الخلاف في كونه شريكا أو أجيرا كما هو ظاهر بل في مسائل مبنية على كل منهما كما شرحنا عليه فتدبر .

التالي السابق


( قوله فقط ) أي وكان رب المال مديرا وقوله فكالدين أي فلا يزكيه ربه إلا لسنة واحدة بعد قبضه له ولو طالت إقامته بيد العامل ( قوله وإلا كان تابعا للأكثر ) أي ويبطل حكم الاحتكار وحينئذ فيقوم رب المال ما بيد العامل كل سنة ويزكيه إن علم به ( قوله وإنما يعتبر ما بيد ربه ) أي من جهة كونه أقل مما بيد العامل أو مساويا أو أكثر منه وقوله ما بيد العامل فقط أي قليلا كان أو كثيرا فإن كان العامل مديرا زكاه ربه كل عام وإن كان محتكرا زكاه لعام واحد بعد قبضه ( قوله وعجلت زكاة إلخ ) أي فتخرج من عينها كل عام حيث كانت نصابا ولا ينتظر بها المفاصلة والعلم بحالها لتعلق الزكاة بعينها ( قوله حضر ) أي ببلد ربه ( قوله وحسبت إلخ ) فلو كان رأس المال أربعين دينارا اشترى بها العامل أربعين شاة أخذ الساعي منها بعد مرور الحول شاة تساوي دينارا ثم باع الباقي بستين دينارا فالربح على المشهور أحد وعشرون دينارا ورأس المال تسعة وثلاثون لحسبان الشاة على رب المال وعلى مقابله الربح عشرون ويجبر رأس المال ويبقى المال على حاله الأول أربعين ( قوله فلا تجبر بالربح ) أي فلا تلغى عليهما وتجبر بالربح كما أن الخسارة إن كانت تلغى عليهما وتجبر بالربح وهذا هو المشهور ومقابله قول أشهب أنها تلغى عليهما وتجبر بالربح كالخسارة ( قوله وهذا ) أي أخذ الزكاة من رقابها وحسابها على رب المال إن كانت تلك الماشية غائبة عن بلد رب المال ( قوله فهل يأخذها ) أي زكاة تلك الماشية وقوله منها أي من رقابها ( قوله أو من عند ربها ) أي أو تؤخذ من عند رب المال ولا تؤخذ من رقابها ( قوله وتجبر بالربح ) بيان لمعنى إلغائها ( قوله أي يزكيه العامل ) أي لا رب المال خلافا لبهرام حيث قال إن ما خص العامل من الربح يزكيه رب المال ولو قال المصنف وزكى العامل ربحه لكان أولى لتصريحه بأن ما ينو به من الزكاة على العامل كما هو مذهب المدونة وابن رشد لا على رب المال لأنه خلاف المشهور كما في ح وقوله وزكى ربح العامل أي لسنة واحدة بعد القبض كما في المواق عن ابن يونس سواء كان العامل ورب المال مديرين أو محتكرين أو مختلفين

والحاصل أن العامل هو الذي يزكي ما نابه من الربح الحاصل في مال القراض عن المقاسمة لسنة واحدة ولو أقام مال القراض بيده أعواما سواء كان العامل مديرا أو محتكرا سواء كان في حصته نصاب أو أقل لكن الذي لابن رشد في البيان والمقدمات أنهما إن أدارا أو العامل لزم العامل زكاة حصته لكل عام بعد المفاصلة واقتصر [ ص: 480 ] عليه ابن عرفة ورجحه بعضهم وقال إنه مذهب المدونة ( قوله وإن قل ) لو عبر بلو كان أولى لرد قول الموازية لا زكاة فيما قل وقصر عن النصاب قال في التوضيح والمشهور مبني على أنه أجير ومقابله مبني على أنه شريك ا هـ قال الناصر وفيه بحث ظاهر لأن كونه أجيرا يقتضي استقباله لا زكاته لسنة وكونه شريكا يقتضي سقوط الزكاة عنه إذا كان جزؤه أقل من نصاب إذ لا زكاة على شريك حتى تبلغ حصته نصابا قلت أصل الزكاة في ربح العامل مع قطع النظر عن قلته مبني على أنه شريك ووجوبها في القليل مع قطع النظر عن كونها على العامل مبني على أنه أجير هذا هو الذي عناه في التوضيح فلا بحث ويدل لذلك أن الزكاة كما علم مبنية على أنه شريك وبعض شروطها مبني على أنه أجير وما ذاك إلا لقطع النظر عن كونها على العامل ( قوله بناء على أنه أجير ) أي فربح العامل منظور فيه لكونه بعضا من المال الذي اتجر فيه ، أخذه أجرة فزكاة ذلك الربح تبعا للمال فلذا لم يشترط كونه نصابا ( قوله إن قام بيده حولا ) اشتراط هذا الشرط في العامل مبني على أنه شريك لرب المال لا أجير له وإلا فلا يشترط الاكتفاء بحول الأصل ( قوله بلا دين ) اعلم أن اشتراط هذه الشروط الثلاثة في رب المال بناء على أن العامل أجير أما لو نظرنا لكونه شريكا فلا يشترط ما ذكر في رب المال بالنسبة لتزكية حصة العامل لأن المنظور له ذات المالك واشتراطها في العامل بناء على أنه شريك إذ لو قلنا إنه أجير لاكتفى بحصول ما ذكر في رب المال ( قوله وحصة ربه ) أي وكان رأس المال مع ربح رب المال مجموعهما نصاب والواو في قوله وحصة واو الحال أي زكي ربح العامل إن أقام بيده حولا والحال أن حصة ربه إلخ والمراد بالحصة رأس المال وقوله وإن نابه نصاب بناء على أن العامل أجير فإذا كان رأس المال عشرة دنانير ودفعها ربها للعامل على أن يكون لربها جزء من مائة جزء من الربح فربح المال مائة فإن ربه لا يزكي لأن مجموع رأس المال وحصته من الربح أحد عشر وكذا العامل لا يزكي بل يستقبل بما خصه وهو تسعة وتسعون حولا من وقت قبضه ( قوله إلا أن يكون إلخ ) هذا في نقل ابن يونس ونصه قال ابن المواز قال أشهب فيمن عنده أحد عشر دينارا فربح فيها خمسة وله مال حال حوله إن ضمه إلى هذا صار فيه الزكاة يريد وقد حال على أصل هذا المال حول فليزك العامل حصته لأن المال وجبت فيه الزكاة وبه أخذ سحنون قال أبو محمد قال ابن القاسم ولا يضم العامل ما ربح إلى مال له آخر ليزكي بخلاف رب المال وقاله أصبغ في العتبية ا هـ بن ( قوله أن ينض ) أي يبيع بنقد ( قوله بالنسبة لزكاة حصته ) أي فكل هذه المسائل مبنية على أنه شريك وينبني على أنه أجير خلاف ما ذكر .

( قوله وحول ربح المال إلخ ) هذه المسائل مبنية على أنه أجير وينبني على أنه شريك خلاف ما ذكره فيها ( قوله وتسقط عنه تبعا ) كما إذا كان رأس المال مع حصة ربه من الربح أقل من نصاب وناب العامل من الربح نصاب ( قوله فليس الخلاف إلخ ) حاصله أنه اعترض على المصنف بأن ظاهره أن الخلاف في التشهير في كونه شريكا أو أجيرا وليس كذلك لأن المشهور منهما أنه أجير ، وأما القول بأنه شريك فلم يشهر وإنما الخلاف في المبني على القولين فبعضهم شهر ما انبنى على هذا القول وبعضهم شهر ما انبنى على الآخر هذا حاصله لكن اللقاني ذكر أن في الذخيرة ما يشهد لظاهر المتن وحينئذ فلا حاجة لجعل الخلاف في التشهير في المسائل المبنية على القولين




الخدمات العلمية