الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( صلى عريانا ) ثم وجد ثوبا والمعتمد الإعادة في الوقت وهو ظاهر لأن المصلي بالحرير والنجس عاجزا إذا كان يطلب بالإعادة مع تقديمهما وجوبا على العري فتطلب من المصلي عريانا عاجزا بالأولى ( كفائتة ) صلاها بنجس أو حرير ثم وجد ثوبا طاهرا غير حرير فلا يعيدها لانقضاء وقتها بفراغها ( وكره ) لباس ( محدد ) للعورة بذاته لرقته أو بغيره كحزام بالزاي أو لضيقه وإحاطته [ ص: 218 ] كسراويل ولو بغير صلاة لأنه ليس من زي السلف ( لا ) إن كان التحديد ( بريح ) أو بلل فلا يكره وكره صلاة بثوب ليس على أكتافه منه شيء ( و ) كره ( انتقاب امرأة ) أي تغطية وجهها بالنقاب وهو ما يصل للعيون في الصلاة لأنه من الغلو والرجل أولى ما لم يكن من قوم عادتهم ذلك ( ككف ) أي ضم وتشمير ( كم وشعر لصلاة ) راجع لما بعد الكاف فالنقاب مكروه مطلقا وكان الأولى تأخيره عن قوله ( و ) كره ( تلثم ) ولو لامرأة واللثام ما يصل لآخر الشفة السفلى ( ك ) كراهة ( كشف ) رجل ( مشتر ) لأمة ( صدرا أو ساقا ) أو معصما خشية التلذذ وإنما ينظر الوجه والكفين وحرم الجس [ ص: 219 ] ( و ) كره ( صماء ) أي اشتمالها وهي كما في كتب اللغة أن يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانيا من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا وقال بعضهم وهي عند الفقهاء أن يشتمل بثوب يلقيه على منكبيه مخرجا يده اليسرى من تحته أو إحدى يديه من تحته وإنما كره لأنه في معنى المربوط فلا يتمكن من إتمام الركوع والسجود ولأنه يظهر منه جنبه بناء على ما للفقهاء فهو كمن صلى بثوب ليس على أكتافه منه شيء لأن كشف البعض وهو الجنب ككشف الكل ومحل الكراهة إن كانت ( بستر ) أي معها ستر كإزار تحتها و ( إلا ) تكن بساتر تحتها ( منعت ) لحصول كشف العورة وهو ظاهر على تفسير الفقهاء ولعله أراد بالصماء ما يشمل الاضطجاع قال الإمام هو أن يرتدي ويخرج ثوبه من تحت يده اليمنى أي يبدي كتفه الأيمن بأن يجعل حاشية الرداء تحت إبطه ثم يلقي طرفه على الكتف الأيسر قال ابن القاسم وهو من ناحية الصماء ( كاحتباء لا ستر معه ) فيمنع في غير صلاة وكذا فيها في بعض أحوالها كحالة التشهد أو في النفل إذا صلى من جلوس أو الفرض كذلك وهو إدارة الجالس بظهره وركبتاه إلى صدره ثوبه معتمدا عليه فإن كان بستر أجاز وهو ظاهر في غير الصلاة .

التالي السابق


( قوله : صلاها بنجس ) أي عاجزا أو ناسيا ( قوله : وكره لباس محدد ) أي كره لبس لباس محدد للعورة ولو بغير صلاة وإنما قدرنا اللبس لأن الأحكام إنما تتعلق بالأفعال .

( قوله : لرقته ) أي وإنما حددها بذاته لأجل رقته أي والفرض أنه لا تبدو منه العورة أصلا أو تبدو منه مع التأمل وتقدم أن كراهة لبسه للتنزيه على المعتمد لا للتحريم ( قوله : كحزام ) أي على ثوب غير رقيق فالثوب المذكور محدد للعورة بسبب الحزام وأما الحزام على القفطان فلا تحديد فيه للعورة المغلظة فلا كراهة ويحتمل أن المراد بالعورة ما يشمل المغلظة والمخففة كالأليتين فيكون الحزام على القفطان مكروها ومحل كراهة الاحتزام على الثوب ما لم يكن ذلك عادة قوم أو فعل ذلك لشغل وإلا فلا كراهة ولو في الصلاة كما لو كان محتزما فحضرت الصلاة وهو كذلك فلا كراهة في صلاته محتزما ومحل كراهة لبس المحدد للعورة ما لم يلبس فوق ذلك المحدد شيئا كقباء [ ص: 218 ] وإلا فلا كراهة ( قوله : كسراويل ) هذا هو المسموع لغة دون سروال وقد علمت أن كراهة لبسه إذا لم يلبس فوقه ثوبا ولو تردى على ذلك برداء وإلا فلا كراهة وأول من لبس السراويل سيدنا إبراهيم وهل لبسه نبينا عليه الصلاة والسلام أو لا ؟ فيه خلاف وصح أنه اشتراها كما في السنن الأربع .

( قوله : لأنه ليس من زي السلف ) هذا تعليل لكراهة السراويل لا لكراهة المحدد مطلقا لأن العلة في كراهته التحديد للعورة . والحاصل أن العلة في كراهة السراويل أمران التحديد وكونه ليس من زي السلف فكان الأولى للشارح أن يقول ولأنه إلخ بالواو وأما كراهة المحدد غيره فللتحديد نفسه ولذا قيل بكراهة لبس المئزر وإن كان من زي السلف والمراد بالمئزر على هذا الملحفة التي تجعل في الوسط كفوطة الحمام أما إن أريد بالمئزر الملحفة التي يلتحف جميعه بها كبردة أو حرام فلا كراهة في لبسه كما قال ابن العربي لانتفاء التحديد ولكونه من زي السلف . والحاصل أن بعضهم فسر المئزر بالملحفة التي يلتحف جميعه بها كابن العربي فحكم بعدم كراهته وفسره بعضهم بما يشد في الوسط كفوطة الحمام فحكم بكراهته ( قوله : لا إن كان التحديد بريح ) أي بسبب ضرب ريح أو بسبب بلل ( قوله : ليس على أكتافه منه شيء ) أي مع القدرة على الثياب التي يستر أكتافه بها وإلا فلا كراهة ( قوله : وانتقاب امرأة ) أي سواء كانت في صلاة أو في غيرها كان الانتقاب فيها لأجلها أو لا ( قوله : لأنه من الغلو ) أي الزيادة في الدين إذ لم ترد به السنة السمحة ( قوله : والرجل أولى ) أي من المرأة بالكراهة ( قوله : ما لم يكن من قوم عادتهم ذلك ) أي الانتقاب فإن كان من قوم عادتهم ذلك كأهل نفوسة بالمغرب فإن النقاب من دأبهم ومن عادتهم لا يتركونه أصلا فلا يكره لهم الانتقاب إذا كان في غير صلاة وأما فيها فيكره وإن اعتيد كما في المج ( قوله : فالنقاب مكروه مطلقا ) أي كان في الصلاة أو خارجها سواء كان فيها لأجلها أو لغيرها ما لم يكن لعادة وإلا فلا كراهة فيه خارجها بخلاف تشمير الكم وضم الشعر فإنه إنما يكره فيها إذا كان فعله لأجلها وأما فعله خارجها أو فيها لا لأجلها فلا كراهة فيه ومثل ذلكتشمير الذيل عن الساق فإن فعله لأجل شغل فحضرت الصلاة فصلى الصلاة وهو كذلك فلا كراهة وظاهر المدونة عاد لشغله أم لا وحملها الشبيبي على ما إذا عاد لشغله وصوبه ابن ناجي .

( قوله : وكان الأولى تأخيره ) أي تأخير قوله لصلاة عن قوله وتلثم أي وذلك لأن اللثام إنما يكره إذا فعل في الصلاة لأجلها لا مطلقا كما هو ظاهره والحق كما في بن أن اللثام يكره في الصلاة وخارجها سواء فعل فيها لأجلها أو لا لأنه أولى بالكراهة من النقاب وحينئذ فلا اعتراض على المصنف ( قوله : ككشف رجل مشتر ) أي مريد الشراء ومفهومه أن المرأة لا كراهة في حقها في الكشف المذكور إذا أرادت شراء أمة وأما إذا أرادت شراء عبد فلا تنظر منه إلا الوجه والأطراف ولا يجوز لها أن تكشف غير ذلك ( قوله : صدرا أو ساقا ) لا مفهوم له بل وكذلك كشف معصمها وأكتافها ثم ما ذكره المصنف من كراهة كشف الرجل لما ذكر من الأمة التي أراد شراءها ضعيف والمعتمد عدم الكراهة ففي بن لم يعرف المواق ولا غيره القول بالكراهة إلا اللخمي وهو إنما ذكره على وجه يفيد أنه مقابل للمشهور وجواز نظر الرجل لما عدا ما بين السرة والركبة من الأمة بلا شهوة ( قوله : خشية التلذذ ) يقال عليه الغالب على المشتري أنه إنما قصد بالكشف التقليب لا اللذة فهو علة ضعيفة [ ص: 219 ] قوله : وكره صماء ) أي لأجل الصلاة ( قوله : أي اشتمالها ) الإضافة بيانية أي الاشتمال بالثوب الذي هو الصماء ( قوله : أن يرد الكساء إلخ ) محصله أن يلتف بثوب كحرام مثلا ويستر به جميع بدنه بأن يضعه على كتفيه وفوق يديه ولا يخرج من تحته شيئا من يديه وهذه الصورة مكروهة لأنه صار كالمربوط لا يتمكن من كمال الأركان وإن كانت ليست صماء عند الفقهاء .

( قوله : وعاتقه الأيسر ) هو منكبه وكتفه ( قوله : فيغطيهما ) أي العاتقين ( قوله : وإحدى يديه ) أي أو مخرجا إحدى يديه أي اليمنى أو اليسرى من تحته وأو لحكاية الخلاف فالقول الأول يعين كون اليد المخرجة من تحته اليسرى والثاني لا يعين ( قوله : لأنه في معنى المربوط ) هذا التعليل يأتي على تفسير اللغويين والفقهاء وقوله : ولأنه إلخ إنما يظهر على كلام الفقهاء كما قال الشارح ( قوله : ولأنه يظهر منه جنبه ) أي جهة اليد التي أخرجها من تحت الثوب المشتمل بها وهذا التعليل إنما يتأتى فيما إذا كان ليس لابسا لقميص تحت الثوب المشتمل بها بل لابسا لإزار وأما إذا كان لابسا لقميص فعلة الكراهة كونه في معنى المربوط ( قوله : لأن كشف البعض وهو الجنب ككشف الكل ) فيه أنه لا معنى للبعضية هنا لأن الفرض أن الكتفين مستوران والذي يبدو منه إنما هو جنبه فقط فكان الأولى أن يقول لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه قاله شيخنا ( قوله : وهو ظاهر ) أي والتعليل بحصول كشف العورة ظاهر على تفسير الفقهاء وأما على تفسير اللغويين فلا يظهر ذلك التعليل وهو حصول الكشف بالفعل نعم يخاف حصوله وذلك إذا أخرج إحدى يديه من تحت الثوب الساتر لها وأراد إظهارها للسجود ( قوله : ولعله أراد بالصماء ما يشمل الاضطباع ) أي لأن كلا منهما مكروه في الصلاة إن كان معه ساتر وإلا منع فلا وجه للنص على أحدهما دون الآخر ( قوله : هو أن يرتدي ) أي يجعل الرداء على كتفيه ( قوله : ويخرج ثوبه ) أي وهو الرداء ( قوله : وهو من ناحية الصماء ) أي من جهة أن كلا يمنع إتمام الأركان لأنه كالمربوط ولأنه إذا أخرج يده المستورة بالرداء انكشفت جنبه إن كان لابسا لإزار تحت الرداء وانكشفت عورته إن لم يكن ساتر تحته ( قوله : كاحتباء لا ستر معه ) هذا تشبيه في المنع والفرض أن الثوب الذي احتبى به غير ساتر لعورته وإلا فالكراهة لاحتمال انحلال حبوته فتبدو عورته ( قوله : فيمنع في غير صلاة ) أي إذا كان يراه الناس وإلا كره وقوله : وكذا فيها أي سواء كان يراه أحد من الناس أو لا والحاصل أن الاحتباء الذي لا ستر معه يمنع إذا كان في صلاة كأن يراه الناس أو لا وتبطل به لظهور عورته وإن كان في غير صلاة فيمنع إذا كان يراه الناس وإلا كره فقط ( قوله : بظهره ) الباء بمعنى على وقوله : إلى صدره حال أي حال كونهما مضمومين لصدره وقوله : ثوبه أي ثوبا صغيرة غير لابس لها كفوطة حمام أو حبل مثلا ( قوله : فإن كان بستر ) أي فإن كان الاحتباء معه ساترا لعورته كسروال أو ثوب لابس له جاز وقوله : وهو أي الجواز ظاهر وقوله : في غير الصلاة أي إذا كان الاحتباء في غير الصلاة وأما إذا كان فيها فلا يظهر الجواز هذا ظاهره وفيه نظر إذ قد صرح في المدونة بجواز الاحتباء في النوافل مع الساتر فقال ولا بأس بالاحتباء في النوافل للجالس .




الخدمات العلمية