الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( وعصى ) الرجل ( وصحت ) صلاته ( إن ) ( لبس حريرا ) خالصا مع وجود غيره وأعاد بوقت [ ص: 220 ] كما مر كحرمة لبسه بغيرها على رجل أو التحاف به أو ركوب أو جلوس عليه ولو بحائل أو تبعا لزوجته أو في جهاد أو لحكة إلا أن يتعين للدواء فإنه يجوز كتعليقه ستورا من غير استناد وكذا البشخانة المعلقة بلا مس وخط العلم والخياطة به ويلحق بذلك قيطان الجوخ والسبحة وتجوز الراية في الحرب وفي السجاف إذا عظم نظر لا إن كان كأربعة أصابع فالأظهر الجواز والأرجح كراهة الخز والورع التنزه عن ذلك كله والآخرة عند ربك للمتقين ( أو ) لبس ( ذهبا ) خاتما أو غيره لا إن حمل ذلك بكم أو جيب ( أو سرق أو نظر محرما ) أي محرم كان وقوله : ( فيها ) تنازعه الأفعال الثلاثة إلا تعمد نظر لعورة إمامه فيبطلها وإن ذهل عن كونه في صلاة كعورته هو إلا أن يذهل عن كونه فيها ( وإن لم يجد إلا سترا لأحد فرجيه [ ص: 221 ] فثالثها ) أي الأقوال ( يخير ) في ستر أيهما وثانيها القبل وأولها الدبر .

التالي السابق


( قوله : وعصى الرجل ) أي وأما الصبي فالحرير والذهب في حقه مكروهان كما ذكره ابن يونس وفي المدخل المنع أولى وأما إلباسه الفضة فجائز على المعتمد خلافا لمن قال بالكراهة ( قوله : إن لبس حريرا ) أي وأما حمل الحرير فيها من غير لبس فجائز ( قوله : مع وجود غيره ) أي وأما عند عدم وجود غيره فالصلاة فيه متعينة عليه وإن كان يعيد أيضا بوقت كما مر [ ص: 220 ] قوله : كما مر ) أي في قوله كمصل بحرير وإن انفرد فالمصنف بين هنا العصيان مع الصحة وفيما تقدم الإعادة في الوقت فالغرض من ذكر هذه المسألة هنا مخالف للغرض من ذكرها سابقا فلا تكرار ولا يقال إن الإعادة في الوقت تستلزم العصيان لأن الإعادة في الوقت قد تكون لارتكاب مكروه نعم تستلزم الصحة تأمل ( قوله : أو ركوب أو جلوس عليه ) أي أو ارتفاق به خلافا لعبد الملك بن الماجشون القائل بجواز الجلوس والركوب عليه والارتفاق به ولو من غير حائل لما في ذلك من امتهانه ( قوله : ولو بحائل ) أي خلافا لمن أجاز الركوب والجلوس عليه والارتفاق به إذا كان عليه حائل وهو موافق للحنفية .

( قوله : أو تعبا لزوجته ) أي خلافا لابن العربي حيث قال بجواز افتراشه والغطاء به تبعا لزوجته وعليه فإذا قامت من على ذلك الفرش لضرورة وجب عليه الانتقال من عليه لموضع يباح له حتى ترجع لفراشها وإن كان نائما أيقظته أو أزالت اللحاف عنه ( قوله : أو في جهاد أو لحكة ) أي لأن زوال الحكة به وإرهاب العدو به غير محقق وما ذكره من حرمة لبسه لهما هو المشهور وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك خلافا لابن حبيب في الحكة فقد أجاز لبسه لها ومحل الخلاف ما لم يتعين طريقا للدواء وإلا جاز لبسه لها اتفاقا وخلافالابن الماجشون في الجهاد فقد أجاز لبسه له معللا ذلك بأن فيه إرهابا للعدو في الحرب ( قوله : كتعليقه ستورا إلخ ) أي كما يجوز تعليق الحرير ستورا للحيطان من غير استناد عليه للرجال ( قوله : وكذا البشخانة ) أي وكذا يجوز اتخاذ البشخانة وهي الناموسية من الحرير ( قوله : وخط العلم ) أي فلا بأس به وإن عظم كما قال ابن حبيب وقيل إنه مكروه والخلاف المذكور فيما إذا كان قدر أربعة أصابع أو ثلاثة أو اثنين أو واحد أما الخط الرقيق دون الإصبع فجائز اتفاقا كما أن ما زاد على الأربع أصابع فحرام اتفاقا وهذا كله في العلم المتصل بالثوب على وجه النسج كالطراز الذي يكون بالثوب وأما المتصل به لا على وجه النسج فأشار له بقوله بعد وفي السجاف إلخ ( قوله : قيطان الجوخ والسبحة ) أي وأما ما يفعل فيها من التسابيح فلا يجوز إذا كانت من الحرير .

( قوله : وتجوز الراية في الحرب ) أي يجوز اتخاذ راية الحرب من الحرير وأما رايات الفقراء من الحرير فممنوعة ومثل ما ذكر في الجواز الطوق واللبنة كما قال بعض أصحاب المازري والمراد بالطوق القبة والمراد باللبنة البنيقة التي تجعل تحت الإبط كالرقعة فيجوز جعلها من الحرير ومنع ابن حبيب الجيب وهو الطوق والزر أي زر الجوخة والقفطان وقد يقال إنه أولى بالجواز من القيطان ولذا قال شيخنا إنه ضعيف والمعتمد جوازهما من الحرير ( قوله : وفي السجاف ) أي وفي جواز السجاف من الحرير إذا عظم بأن كان قدر ربع الجوخة كما نقله سيدي محمد الزرقاني عن بعضهم ( قوله : لا إن كان كأربعة أصابع فالأظهر الجواز ) أي كما اختاره الشيخ أحمد النفراوي في شرح الرسالة كما يجوز اتخاذ غطاء العمامة وكيس الدراهم من الحرير قياسا على الناموسية ولا يعد هذا استعمالا للحرير كما استظهره بعضهم ( قوله : والأرجح كراهة الخز ) أي وهو ما سداه حرير ولحمته من الوبر ومثل الخز ما في معناه وهي الثياب التي سداها حرير ولحمتها قطن أو كتان كما في خش تبعا لشراح الرسالة وقال بعضهم بحرمتها وحرمة الخز وهو مقابل الراجح في كلام الشارح وقال بعضهم بجواز الخز وما في معناه وقيل بجواز الخز وحرمة ما في معناه فالأقوال أربعة أرجحها الكراهة في الخز وما في معناه كما قال الشارح ( قوله : أي محرم كان ) أي كما لو نظر لعورة شخص غيره وغير إمامه ولو عمدا ( قوله : إلا أن يذهل عن كونه فيها ) أي فإن ذهل فلا بطلان هذا كله تبعا لعج واعترضه الشيخ أبو علي المسناوي بأن النصوص تدل على أن البطلان في مجرد العمد من غير تفصيل بين كونه ينسى أنه في الصلاة أو لا فالحق أنه لا فرق بين عورة الإمام وعورة نفسه من أنه إن تعمد الرؤية بطلت فيهما كان عالما بأنه في صلاة أم لا وإن لم يتعمد فلا بطلان [ ص: 221 ] فيهما كان عالما أنه في صلاة أم لا وهذا كله ما لم يلتذ وإلا بطلت لأن اللذة تنزل منزلة الأفعال الكثيرة هذا هو الفقه وأما ما ذكره الشارح تبعا لعج من التفرقة فلا وجه له . والحاصل أنه إن نظر في الصلاة لعورة نفسه أو لعورة إمامه فإن كان عمدا بطلت وإلا فلا كان عالما بأنه في صلاة أو ذاهلا عن ذلك وأما إن نظر لعورة شخص آخر غير نفسه وغير إمامه فلا تبطل ولو تعمد النظر لها كان عالما بأنه في صلاة أم لا لأنه لا علقة للمنظور له بالصلاة وهذا التفصيل طريقة لسحنون وهي ضعيفة والمعتمد ما قاله التونسي من عدم البطلان مطلقا نظر لعورة نفسه أو إمامه ، أو لعورة غيرهما سواء تعمد النظر أو لا ، كان عالما بأنه في صلاة أو لا ، وحينئذ فيبقى قول المصنف أو نظر محرما فيها على إطلاقه .

( قوله : فثالثها يخير ) لتساويهما في الفحش ولما لم يكن في تلك الأقوال قول مشهور ولا مرجح عنده أطلق تلك الأقوال والظاهر منها أنه يستر القبل لأنه ظاهر دائما بخلاف الدبر فإنه إنما يظهر في حال الركوع والسجود ومحل الخلاف إذا لم يكن وراءه حائط وإلا ستر بها الدبر وستر القبل بالثوب اتفاقا أو يكن أمامه شجرة وإلا ستر بها القبل وستر بها الدبر بالثوب اتفاقا كما قال البساطي وتعقبه تت بأنه مخالف للظاهر إطلاقهم من جريان الأقوال ولو كان في ليل مظلم أو في محل منفرد أو صلى خلف حائط أو لشجرة تأمل .




الخدمات العلمية