الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( ومن عجز ) ( صلى عريانا ) وجوبا وأعاد بوقت على المذهب وقد مر ( فإن ) ( اجتمعوا ) أي العراة ( بظلام ) ( فكالمستورين ) ويجب عليهم تحصيله بطفء السراج إلا لضرورة ( وإلا ) يكونوا بظلام ( تفرقوا ) وجوبا إن أمكن وصلوا أفذاذا فإن تركوه أعادوا أبدا فيما يظهر كذا قيل وفيه نظر ( فإن لم يمكن ) تفرقهم ( صلوا ) جماعة ( قياما ) أي على هيئتها من ركوع وسجود صفا واحدا ( غاضين ) أبصارهم وجوبا ( إمامهم وسطهم ) بسكون السين فإن لم يغضوا لم تبطل فيما يظهر [ ص: 222 ] إلا أن يتعمد عورته أو عورة إمامه لأن الغض ليس بمنزلة الستر بل لحرمة النظر للعورة فتأمل ( وإن علمت في صلاة بعتق ) سابق على الدخول فيها أو متأخر عنه أمة ( مكشوفة رأس ) فاعل علمت ( أو وجد عريان ) وهو فيها ( ثوبا استترا ) وجوبا ( إن قرب ) الساتر كقرب المشي للسترة يدب كالصفين ولا يحسب الذي خرج منه ولا الذي يأخذ منه الثوب ( وإلا ) يستترا مع القرب ( أعادا ) ندبا ( بوقت ) وإن وجب الستر لدخولهما بوجه جائز ( وإن كان لعراة ثوب ) يملكون ذاته أو منفعته بإجارة أو إعارة ( صلوا أفذاذا ) به واحد بعد واحد إن اتسع الوقت وإلا فالظاهر القرعة كما لو تنازعوا في التقدم ( و ) إن كان الثوب ( لأحدهم ندب له ) أي لربه ( إعارتهم ) أي إعارته لهم ويمكث عريانا حتى يصلى به فإن كان فيه فضل عن ستر عورته وجب إعارتهم .

التالي السابق


( قوله : ومن عجز ) أي عن كل ما يجب الاستتار به ( قوله : صلى عريانا ) أي بالركوع والسجود . فإن قيل كل من الطهارة وستر العورة شرط من شروط الصلاة وقد تقدم أن الصلاة تسقط عند فقد ما يتطهر به ولم يقولوا بسقوط الصلاة عند فقد الساتر بل قالوا يطالب بالصلاة عريانا فما الفرق . قلت إن الفرق أن الطهارة شرط في الوجوب والصحة معا فإذا عدم ما يتطهر به سقط عنه الوجوب وأما ستر العورة فهو شرط في الصحة إن ذكر وقدر ( قوله : فإن اجتمعوا بظلام ) أي سواء كان ظلام ليل أو ظلمة مكان ( قوله : فكالمستورين ) أي وحينئذ فيصلون الصلاة على هيئتها من قيام وركوع وسجود ويتقدمهم إمامهم ( قوله : ويجب عليهم تحصيله ) أي فإن تركوا تحصيله مع القدرة عليه بطلت صلاتهم لأنه بمنزلة ترك الستر مع القدرة عليه كذا قيل والحق أنها صحيحة وإنما يعيدون في الوقت إذ غايته أنهم إنما تركوا واجبا غير شرط ( قوله : وإلا يكونوا بظلام ) أي بأن كان اجتماعهم في ضوء كنهار أو ليل مقمر ( قوله : فإن تركوه ) أي التفرق مع إمكانه وقوله : أعادوا أبدا أي لأنهم بمنزلة من صلى عريانا مع القدرة على الستر ( قوله : كذا قيل ) قائله عج ومن تبعه .

( قوله : وفيه نظر ) أي في الإعادة أبدا نظر إذ غايته أنهم تركوا أمرا واجبا ليس بشرط لأن وجوب التفرق إنما هو لحرمة الرؤية والنظر للعورة لا لكونه بمنزلة الستر فالأحسن ما قاله غيره من أنهم إذا تركوا التفرق مع القدرة عليه يعيدون في الوقت لتركهم الأمر الواجب الذي ليس بشرط والمراد يعيدون في الوقت إن وجد ساتر لا يتفرق ولا في ظلام كذا قرر شيخنا ( قوله : فإن لم يمكن تفرقهم ) أي لخوف على مال أو على نفس من عدو أو سبع أو لضيق مكان كسفينة ( قوله : جماعة ) إنما أمروا بصلاتهم جماعة لأنهم لو صلوا أفذاذا نظر بعضهم من بعض ما ينظر لو صلوا جماعة فالجماعة أولى ( قوله : أي على هيئتها من ركوع وسجود ) تقديما للركن المجمع عليه على الشرط المختلف فيه وما ذكره المصنف من صلاتهم قياما على هيئتها هو المعتمد خلافا لمن قال يصلون من جلوس بالإيماء ولم يقل أحد إنهم يصلون قياما بالإيماء فقول البساطي صلوا قياما يومئون للركوع والسجود فيه نظر لأن الموضوع أنهم غاضون أبصارهم فلا وجه للإيماء وأيضا من قال بالإيماء يقول بصلاتهم جلوسا ( قوله : إمامهم وسطهم ) أي إمامهم كائن بينهم فهو مبتدأ وخبر والجملة حال ( قوله : لم تبطل فيما يظهر ) وذلك لأن الفرض أنهم عاجزون عن الستر والغض إنما وجب لحرمة النظر فغاية الأمر [ ص: 222 ] أنهم تركوا واجبا غير شرط وهذا هو الذي ارتضاه بن خلافا لما قاله عج من البطلان لترك الغض لأن الغض بمثابة الساتر فإذا ترك الغض صار كمن صلى عريانا مع القدرة على الستر كذا قال ورده الشارح بقوله لأن الغض ليس إلخ ( قوله : إلا أن يتعمد إلخ ) أي فإن تعمد بطلت ولكن قد تقدم لك أن المعتمد أنه لا بطلان ولو تعمد النظر لعورته أو لعورة إمامه أو لعورة أحد من المأمومين كما قال التونسي إلا أن يتلذذ بذلك .

( قوله : وإن علمت في صلاة إلخ ) أي وأما لو علمت بالعتق قبل إحرامها لجرى فيها ما مر من قوله وأعادت لصدرها وأطرافها بوقت ( قوله : مكشوفة رأس ) أي أو ساق أو صدر أو عنق أو نحو ذلك مما يجوز لها كشفه ( قوله : استترا وجوبا إن قرب ) أي بخلاف واجد الماء بعد تيممه ودخوله فيها فإنه يتمادى ولا يستعمل الماء ولا إعادة عليه لأن واجد الماء لا يمكنه تحصيل الشرط إلا بإبطال ما هو فيه وهو قد دخلها بوجه جائز بخلاف ما هنا فإنه يمكنه تحصيل الشرط من غير إبطال ومفهوم إن قرب أنه إن بعد الساتر أو لم تجد الأمة ساترا فإنهما يكملان صلاتهما على ما هما عليه ثم يعيدان في الوقت كما في ح ورجحه بعضهم وهو قول ابن القاسم في سماع موسى بن معاوية وقيل إنهما يكملان صلاتهما ولا إعادة عليهما كما في الشيخ سالم واستظهره طفى قال لأنه قول ابن القاسم في سماع عيسى وصوبه ابن الحاجب وما ذكره المصنف من التفصيل بين قرب الساتر وبعده هو المعتمد ومقابله أن العريان إذا وجد في صلاته ثوبا فإنه يقطع صلاته مطلقا سواء كان الساتر قريبا أو بعيدا وهو قول سحنون . والحاصل أن العريان إذا وجد في صلاته ثوبا فقيل يقطع مطلقا وقيل إنه يتمادى على صلاته ويستتر به إن كان قريبا لا إن كان بعيدا وعليه هل يعيد في الوقت أو لا قولان ( قوله : كالصفين ) أدخلت الكاف صفا ثالثا ( قوله : وإلا يستترا مع القرب أعادا ندبا بوقت ) أي لا أنهما يعيدان أبدا وإن كان الستر واجبا لدخولهما بوجه جائز وحينئذ فلا منافاة بين وجوب الستر ابتداء وندب الإعادة .

( قوله : وإن كان لعراة ثوب ) أي وليس عندهم ما يواري العورة غيره ( قوله : يملكونه ذاته أو منفعته ) أي وأما لو كان بعضهم يملك ذاته وبعضهم يملك منفعته فإنه يقدم في هذه الحالة صاحب المنفعة ولا يقع النزاع في هذه كما في بن ( قوله : صلوا أفذاذا به واحدا بعد واحد إن اتسع الوقت ) أي لأنهم قادرون على الستر ولا يجوز للقادر أن يصلي عريانا ( قوله : وإلا فالظاهر القرعة ) أي وإلا يتسع الوقت بل كان ضيقا فالظاهر القرعة ولا يجوز لأحدهم أن يسلم لغيره بدون قرعة كما لو قالوا في ماء المتيممين فإن ضاق الوقت عن القرعة فالظاهر تركها ويصلون عراة ( قوله : كما لو تنازعوا في التقدم ) أي كما لو اتسع الوقت وتنازعوا في التقدم أي فإنه يقرع بينهم ( قوله : وإن كان الثوب لأحدهم ) أي والحال أنه لا فضل فيه عن ستر عورته ( قوله : ندب له إعارتهم ) أي بعد صلاته به تعاونا على البر ويجب على المعار له القبول ولو تحقق المنة ليسارة سببها وهو المنفعة بالثوب المعار ولا تجب الإعارة لأنه لا يجب على الشخص كشف عورته لأجل ستر غيره ( قوله : ويمكث ) أي ربه بعد إعارته عريانا حتى يصلي به بقية أصحابه ( قوله : فإن كان فيه فضل ) أي من غير إتلاف كرداء فلقتين ( قوله : وجب إعارتهم ) أي كما قال ابن رشد وهو المعتمد وحينئذ فيجبر عليها وقال اللخمي تستحب الإعارة وهو ضعيف .




الخدمات العلمية