17 - جعفر بن أبي طالب   
قال أبو نعيم    : ومنهم الخطيب المقدام ، السخي المطعام ، خطيب العارفين ، ومضيف المساكين ، ومهاجر الهجرتين ، ومصلي القبلتين ، البطل الشجاع ، الجواد الشعشاع ،  جعفر بن أبي طالب  عليه السلام ، فارق الخلق ، ورامق الحق . 
وقد قيل : إن التصوف الانفراد بالحق عن ملابسة الخلق . 
حدثنا سليمان بن أحمد  ، ثنا محمد بن زكريا الغلابي  ، ثنا عبد الله بن رجاء  ، ثنا إسرائيل  ، عن أبي إسحاق  ، عن بردة  ، عن أبيه قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق مع  جعفر بن أبي طالب  إلى أرض  النجاشي   ، فبلغ ذلك قريشا  ، فبعثوا  عمرو بن العاص  ، وعمارة بن الوليد  ، فجمعوا  للنجاشي  هدية ، فقدمنا وقدما على  النجاشي  ، فأتياه بالهدية فقبلها ، وسجدا له ، ثم قال له  عمرو بن العاص    : إن أناسا من أرضنا رغبوا عن ديننا وهم في أرضك ، قال لهم  النجاشي    : في أرضي ؟ قالوا : نعم ، فبعث إلينا ، فقال لنا جعفر    : لا يتكلم منكم أحد ، أنا خطيبكم اليوم ، فانتهينا إلى  النجاشي  وهو جالس في مجلس ،  وعمرو بن العاص  عن يمينه ، وعمارة  عن يساره ، والقسيسون والرهبان جلوس سماطين سماطين ، وقد قال لهم عمرو  وعمارة    : إنهم لا يسجدون لك ، فلما انتهينا بدرنا من عنده من القسيسين والرهبان : اسجدوا للملك ، فقال جعفر    : لا نسجد إلا لله عز وجل . قال له  النجاشي    : وما ذاك ؟ قال : إن الله تعالى بعث فينا رسولا وهو الرسول الذي بشر به عيسى  عليه السلام ، قال : ( من بعدي اسمه أحمد    ) فأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ، ونقيم الصلاة ، ونؤتي الزكاة ، وأمرنا بالمعروف   [ ص: 115 ] ونهانا عن المنكر ، فأعجب  النجاشي  قوله ، فلما رأى ذلك  عمرو بن العاص  قال : أصلح الله الملك ، إنهم يخالفونك في ابن مريم  ، فقال  النجاشي  لجعفر    : ما يقول صاحبكم في ابن مريم  ؟ قال : يقول فيه قول الله عز وجل : هو روح الله وكلمته ، أخرجه من البتول العذراء التي لم يقربها بشر ، ولم يفترضها ولد . فتناول  النجاشي  عودا من الأرض فرفعه ، فقال : يا معشر القسيسين والرهبان ، ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم  ما يزن هذه ، مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده ، وأنا أشهد أنه رسول الله ، وأنه الذي بشر به عيسى  عليه السلام ، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبل نعله ، امكثوا في أرضي ما شئتم . وأمر لنا بطعام وكسوة ، وقال : ردوا على هذين هديتهما . رواه  إسماعيل بن جعفر  ويحيى بن أبي زائدة  في آخرين ، عن إسرائيل    . 
حدثنا حبيب بن الحسن  ، ثنا محمد بن يحيى  ، ثنا أحمد بن محمد بن أيوب  ، ثنا إبراهيم بن سعد  ، عن محمد بن إسحاق  ، عن  ابن شهاب الزهري  ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام  ، عن  أم سلمة  قالت : لما نزلنا أرض الحبشة  ، جاورنا بها خير جار  النجاشي  ، آمنا على ديننا وعبدنا الله ، لا نؤذى ، ولا نسمع شيئا نكرهه ، فلما بعثت قريش  عبد الله بن أبي ربيعة   وعمرو بن العاص  بهداياهم إلى  النجاشي  وإلى بطارقته ، أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم ، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ، ثم قال بعضهم لبعض : ما تقولون للرجل إذا جئتموه ؟ قالوا : نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن ، فلما جاءوه وقد دعا  النجاشي  أساقفته ، فنشروا مصاحفهم حوله ، [ ثم ] سألهم فقال لهم : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم ؟ قال : فكان الذي كلمه  جعفر بن أبي طالب  ، فقال له : أيها الملك ، كنا قوما أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيئ الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، وكنا على ذلك حتى بعث الله تعالى إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه ، وصدقه ، وأمانته ، وعفافه ، فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة   [ ص: 116 ] والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنة ، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام - قال : فعدد عليه أمور الإسلام -فصدقناه وآمنا به ، واتبعناه على ما جاء به من الله عز وجل ، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا ، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا ، فعذبونا وفتنونا عن ديننا ؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله عز وجل ، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا ، وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا - خرجنا إلى بلادك ، فاخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك . فقال له  النجاشي    : هل معك مما جاء به عن الله من شيء ؟ فقال له جعفر    : نعم ، فقال له : اقرأ علي ، فقرأ عليه صدرا من " كهيعص    " ، فبكى  النجاشي  والله حتى أخضل لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم ، ثم قال  النجاشي    : إن هذا هو والذي جاء به موسى  ليخرج من مشكاة واحدة  ، انطلقا ، فوالله لا أسلمهم إليكما ولا أكاد ، ثم قال : اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم الآمنون - من مسكم غرم ، من مسكم غرم ، من مسكم غرم ، ما أحب أن لي دبر ذهب وأني آذيت رجلا منكم - والدبر بلسان الحبشة    : الجبل - ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها ، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه ، فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به . وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار   . 
حدثنا محمد بن علي  ، ثنا الحسين بن مودود الحراني  ، ثنا محمد بن يسار  ، ثنا  معاذ بن معاذ  ، ثنا ابن عون  ، عن عمير بن إسحاق  ، حدثني  عمرو بن العاص  قال : انطلقنا ، فلما أتينا الباب - يعني باب  النجاشي    - ناديت ائذن  لعمرو بن العاص   ، فنادى جعفر  من خلفي ائذن لحزب الله ، فسمع صوته فأذن له قبلي ، ودخلت فإذا  النجاشي  قاعد على سرير   [ ص: 117 ] وجعفر  قاعد بين يديه وحوله أصحابه على الوسائد ، فلما رأيت مقعده حسدته ، فقعدت بينه وبين السرير ، فجعلته خلف ظهري ، وأقعدت بين كل رجلين من أصحابه رجلا من أصحابي   . 
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن  ، ثنا  محمد بن عثمان بن أبي شيبة  ، ثنا عمي أبو بكر بن أبي شيبة  ، ثنا  خالد بن مخلد  ، ثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز  ، ثنا  الزهري  ، ثنا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام  قال : دعا  النجاشي   جعفر بن أبي طالب  وجمع له النصارى   ، ثم قال لجعفر    : اقرأ عليهم ما معك من القرآن ، فقرأ عليهم " كهيعص    " ففاضت أعينهم ، فنزلت : ( ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق    ) . 
				
						
						
