أما قوله تعالى : ( لا تأخذه سنة ولا نوم    ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : " السنة " ما يتقدم من الفتور الذي يسمى النعاس . 
فإن قيل : إذا كانت السنة عبارة عن مقدمة النوم ، فإذا قال : ( لا تأخذه سنة    ) فقد دل ذلك على أنه لا يأخذه نوم بطريق الأولى ، وكان ذكر النوم تكريرا . 
قلنا : تقدير الآية : لا تأخذه سنة فضلا عن أن يأخذه النوم . 
المسألة الثانية : الدليل العقلي دل على أن النوم والسهو والغفلة محالات على الله تعالى  ؛ لأن هذه الأشياء ، إما أن تكون عبارات عن عدم العلم ، أو عن أضداد العلم ، وعلى التقديرين فجواز طريانها يقتضي جواز زوال علم الله تعالى ، فلو كان كذلك لكانت ذاته تعالى بحيث يصح أن يكون عالما ، ويصح أن لا يكون عالما ، فحينئذ يفتقر حصول صفة العلم له إلى الفاعل ، والكلام فيه كما في الأول ، والتسلسل محال فلا بد وأن ينتهي إلى من يكون علمه صفة واجبة الثبوت ممتنعة الزوال ، وإذا كان كذلك كان النوم والغفلة والسهو عليه محالا . 
المسألة الثالثة : يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه حكى عن موسى  عليه السلام أنه وقع في نفسه : هل ينام الله تعالى أم لا ؟ فأرسل الله إليه ملكا فأرقه ثلاثا ، ثم أعطاه قارورتين في كل يد واحدة ، وأمره بالاحتفاظ بهما ، وكان يتحرز بجهده إلى أن نام في آخر الأمر ، فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان ، فضرب الله تعالى ذلك مثلا له في بيان أنه لو كان ينام لم يقدر على حفظ السماوات والأرض   . 
 [ ص: 9 ] واعلم أن مثل هذا لا يمكن نسبته إلى موسى  عليه السلام ، فإن من جوز النوم على الله أو كان شاكا في جوازه كان كافرا ، فكيف يجوز نسبة هذا إلى موسى  ، بل إن صحت الرواية ، فالواجب نسبة هذا السؤال إلى جهال قومه . 
أما قوله تعالى : ( له ما في السماوات وما في الأرض    ) فالمراد من هذه الإضافة إضافة الخلق والملك ، وتقديره ما ذكرنا من أنه لما كان واجب الوجود واحدا كان ما عداه ممكن الوجود لذاته ، وكل ممكن فله مؤثر ، وكل ما له مؤثر فهو محدث ، فإذن كل ما سواه فهو محدث بإحداثه مبدع بإبداعه ، فكانت هذه الإضافة إضافة الملك والإيجاد . 
فإن قيل : لم قال : ( له ما في السماوات    ) ولم يقل : له من في السماوات ؟ . 
قلنا : لما كان المراد إضافة ما سواه إليه بالمخلوقية ، وكان الغالب عليه ما لا يعقل ، أجرى الغالب مجرى الكل فعبر عنه بلفظ " ما " ، وأيضا فهذه الأشياء إنما أسندت إليه من حيث إنها مخلوقة ، وهي من حيث إنها مخلوقة غير عاقلة ، فعبر عنها بلفظ " ما " للتنبيه على أن المراد من هذه الإضافة إليه الإضافة من هذه الجهة . 
واعلم أن الأصحاب قد احتجوا بهذه الآية على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى  ، قالوا : لأن قوله : ( له ما في السماوات وما في الأرض    ) يتناول كل ما في السماوات والأرض ، وأفعال العباد من جملة ما في السماوات والأرض ، فوجب أن تكون منتسبة إلى الله تعالى انتساب الملك والخلق ، وكما أن اللفظ يدل على هذا المعنى فالعقل يؤكده ، وذلك لأن كل ما سواه فهو ممكن لذاته ، والممكن لذاته لا يترجح إلا بتأثير واجب الوجود لذاته ، وإلا لزم ترجح الممكن من غير مرجح وهو محال . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					