الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال الله تعالى : ( وكفلها زكريا ) وفيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : يقال : كفل يكفل كفالة وكفلا فهو كافل ، وهو الذي ينفق على إنسان ويهتم بإصلاح مصالحه ، وفي الحديث " أنا وكافل اليتيم كهاتين " وقال الله تعالى : ( أكفلنيها ) [ص : 23] .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قرأ عاصم وحمزة والكسائي " وكفلها " بالتشديد ، ثم اختلفوا في زكريا فقرأ عاصم بالمد ، وقرأ حمزة والكسائي بالقصر على معنى ضمها الله تعالى إلى زكريا ، فمن قرأ " زكرياء " بالمد أظهر النصب ومن قرأ بالقصر كان في محل النصب والباقون قرءوا بالمد والرفع على معنى ضمها زكرياء إلى نفسه وهو الاختيار ، لأن هذا مناسب لقوله تعالى : ( أيهم يكفل مريم ) [ آل عمران : 44] وعليه الأكثر ، وعن ابن كثير في رواية " كفلها " بكسر الفاء ، وأما القصر والمد في زكريا فهما لغتان ، كالهيجاء والهيجا ، وقرأ مجاهد " فتقبلها ربها ، وأنبتها ، وكفلها " على لفظ الأمر في الأفعال الثلاثة ، ونصب ( ربها ) كأنها كانت تدعو الله فقالت : اقبلها يا ربها ، وأنبتها يا ربها ، واجعل زكريا كافلا لها .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : اختلفوا في كفالة زكريا - عليه السلام - إياها متى كانت ، فقال الأكثرون : كان ذلك حال طفوليتها ، وبه جاءت الروايات ، وقال بعضهم : بل إنما كفلها بعد أن فطمت ، واحتجوا عليه بوجهين : الأول : أنه تعالى قال : ( وأنبتها نباتا حسنا ) ثم قال : ( وكفلها زكريا ) وهذا يوهم أن تلك الكفالة بعد ذلك النبات الحسن . والثاني : أنه تعالى قال : ( وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يامريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله ) وهذا يدل على أنها كانت قد فارقت الرضاع وقت تلك الكفالة ، وأصحاب القول الأول أجابوا بأن الواو لا توجب الترتيب ، فلعل الإنبات الحسن وكفالة زكرياء حصلا معا .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما الحجة الثانية : فلعل دخوله عليها وسؤاله منها هذا السؤال إنما وقع في آخر زمان الكفالة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية