المسألة الثانية : اختلف العلماء في أن الإيمان بهؤلاء الأنبياء الذين تقدموا ونسخت شرائعهم كيف يكون  ؟ وحقيقة الخلاف ، أن شرعه لما صار منسوخا ، فهل تصير نبوته منسوخة ؟ فمن قال إنها تصير منسوخة قال : نؤمن أنهم كانوا أنبياء ورسلا ، ولا نؤمن بأنهم الآن أنبياء ورسل ، ومن قال : إن نسخ الشريعة لا يقتضي نسخ النبوة ، قال : نؤمن أنهم أنبياء ورسل في الحال . فتنبه لهذا الموضع . 
المسألة الرابعة : قوله : ( لا نفرق بين أحد منهم    ) فيه وجوه : 
الأول : قال الأصم    : التفرق قد يكون بتفضيل البعض على البعض ، وقد يكون لأجل القول بأنهم ما كانوا على سبيل واحد في الطاعة لله ، والمراد   [ ص: 110 ] من هذا الوجه يعني : نقر بأنهم كانوا بأسرهم على دين واحد في الدعوة إلى الله وفي الانقياد لتكاليف الله . 
الثاني : قال بعضهم المراد : ( لا نفرق بين أحد منهم    ) بأن نؤمن ببعض دون بعض كما تفرقت اليهود  والنصارى    . 
الثالث : قال أبو مسلم    " لا نفرق بين أحد منهم    " أي لا نفرق ما أجمعوا عليه ، وهو كقوله : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا    ) [ آل عمران : 103 ] ، وذم قوما وصفهم بالتفرق فقال : ( لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون    ) [ الأنعام : 94 ] . 
أما قوله : ( ونحن له مسلمون    ) ففيه وجوه : 
الأول : إن إقرارنا بنبوة هؤلاء الأنبياء إنما كان لأجل كوننا منقادين لله تعالى مستسلمين لحكمه وأمره ، وفيه تنبيه على أن حاله على خلاف الذين خاطبهم الله بقوله : ( أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض    ) . 
والثاني : قال أبو مسلم    : " ونحن له مسلمون    " أي مستسلمون لأمر الله بالرضا وترك المخالفة  وتلك صفة المؤمنين بالله وهم أهل السلم والكافرون يوصفون بالمحاربة لله ، كما قال : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله    ) [ المائدة : 33 ] . الثالث : أن قوله : ( ونحن له مسلمون    ) يفيد الحصر ، والتقدير : له أسلمنا لا لغرض آخر من سمعة ورياء وطلب مال ، وهذا تنبيه على أن حالهم بالضد من ذلك فإنهم لا يفعلون ولا يقولون إلا للسمعة والرياء وطلب الأموال والله أعلم . 
				
						
						
