[ ص: 30 ] المسألة السابعة : قوله تعالى : ( ما منعك ألا تسجد    ) لا شك أن قائل هذا القول هو الله ؛ لأن قوله : ( إذ أمرتك    ) لا يليق إلا بالله سبحانه . 
وأما قوله : ( خلقتني من نار    ) فلا شك أن قائل هذا القول هو إبليس . 
وأما قوله : ( قال فاهبط منها    ) فلا شك أن قائل هذا القول هو الله تعالى ، ومثل هذه المناظرة بين الله سبحانه وبين إبليس مذكور في سورة ( ص ) على سبيل الاستقصاء . 
إذا ثبت هذا فنقول : إنه لم يتفق لأحد من أكابر الأنبياء -عليهم السلام- مكالمة مع الله مثل ما اتفق لإبليس ، وقد عظم الله تشريف موسى  بأن كلمه حيث قال : ( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه    ) ( الأعراف : 143 ) وقال : ( وكلم الله موسى تكليما    ) ( النساء : 164 ) فإن كانت هذه المكالمة تفيد الشرف العظيم ، فكيف حصلت على أعظم الوجوه لإبليس  ؟ وإن لم توجب الشرف العظيم ، فكيف ذكره الله تعالى في معرض التشريف الكامل لموسى  عليه السلام ؟ 
والجواب : أن بعض العلماء قال : إنه تعالى قال لإبليس على لسان من يؤدي إليه من الملائكة : ما منعك من السجود ؟ ولم يسلم أنه تعالى تكلم مع إبليس بلا واسطة . قالوا : لأنه ثبت أن غير الأنبياء لا يخاطبهم الله تعالى إلا بواسطة ، ومنهم من قال : إنه تعالى تكلم مع إبليس بلا واسطة ، ولكن على وجه الإهانة بدليل أنه تعالى قال له : ( فاخرج إنك من الصاغرين    ) وتكلم مع موسى  ومع سائر الأنبياء -عليهم السلام- على سبيل الإكرام . ألا ترى أنه تعالى قال لموسى    : ( وأنا اخترتك    ) ( طه : 13 ) وقال له ( واصطنعتك لنفسي    ) ( طه : 41 ) وهذا نهاية الإكرام . 
المسألة الثامنة : قوله تعالى : ( فاهبط منها    ) قال  ابن عباس    : يريد من الجنة ، وكانوا في جنة عدن وفيها خلق آدم    . وقال بعض المعتزلة    : إنه إنما أمر بالهبوط من السماء ، وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة في سورة البقرة : ( فما يكون لك أن تتكبر فيها    ) أي في السماء . قال  ابن عباس    : يريد أن أهل السماوات ملائكة متواضعون خاشعون فاخرج إنك من الصاغرين ، والصغار : الذلة   . قال الزجاج    : إن إبليس طلب التكبر فابتلاه الله تعالى بالذلة والصغار تنبيها على صحة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم : من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله وقال بعضهم : لما أظهر الاستكبار ألبس الصغار . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					