أما قوله تعالى : ( قالوا نعم    ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : الآية تدل على أن الكفار يعترفون يوم القيامة بأن وعد الله ووعيده حق وصدق    , ولا يمكن ذلك إلا إذا كانوا عارفين يوم القيامة بذات الله وصفاته . 
فإن قيل : لما كانوا عارفين بذاته وصفاته ، وثبت أن من صفاته أنه يقبل التوبة عن عباده ، وعلموا بالضرورة أن عند قبول التوبة يتخلصون من العذاب ، فلم لا يتوبون ليخلصوا أنفسهم من العذاب ؟ 
وليس لقائل أن يقول : إنه تعالى إنما يقبل التوبة في الدنيا ؛ لأن قوله تعالى : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات    ) [الشورى : 25] عام في الأحوال كلها ، وأيضا فالتوبة اعتراف بالذنب وإقرار بالذلة والمسكنة, واللائق بالرحيم الحكيم التجاوز عن هذه الحالة سواء كان في الدنيا أو في الآخرة . 
أجاب المتكلمون : بأن شدة اشتغالهم بتلك الآلام الشديدة يمنعهم عن الإقدام على التوبة, ولقائل أن يقول : إذا كانت تلك الآلام لا تمنعهم عن هذه المناظرات ، فكيف تمنعهم عن التوبة التي بها يتخلصون عن تلك الآلام الشديدة ؟ 
واعلم أن المعتزلة  الذين يقولون : يجب على الله قبول التوبة  لا خلاص لهم عن هذا السؤال . أما أصحابنا لما قالوا : إن ذلك غير واجب عقلا . قالوا : لله تعالى أن يقبل التوبة في الدنيا ، وأن لا يقبلها في الآخرة ، فزال السؤال . والله أعلم . 
المسألة الثانية : قال  سيبويه    : ( نعم ) عدة وتصديق ، وقال الذين شرحوا كلامه : معناه أنه يستعمل تارة عدة ، وتارة تصديقا ، وليس معناه أنه عدة وتصديق معا ، ألا ترى أنه إذا قال : أتعطيني ؟ وقال : نعم . كان عدة ولا تصديق فيه ، وإذا قال : قد كان كذا وكذا . فقلت : نعم, فقد صدقت ولا عدة فيه ، وأيضا إذا استفهمت عن موجب كما يقال : أيقوم زيد ؟ قلت : نعم . ولو كان مكان الإيجاب نفيا لقلت : بلى ، ولم تقل : نعم . فلفظة نعم مختصة بالجواب عن الإيجاب ، ولفظة بلى مختصة بالنفي ، كما في قوله تعالى : ( ألست بربكم قالوا بلى    ) [الأعراف : 172] . 
المسألة الثالثة : قرأ الكسائي    ( نعم ) بكسر العين في كل القرآن . قال أبو الحسن    : هما لغتان ، قال أبو حاتم    : الكسر ليس بمعروف ، واحتج الكسائي  بأنه روي عن عمر  أنه سأل قوما عن شيء فقالوا : نعم . فقال عمر    : أما النعم فالإبل   . قال أبو عبيدة    : هذه الرواية عن عمر  غير مشهورة . 
أما قوله تعالى : ( فأذن مؤذن بينهم    ) ففيه مسألتان : 
المسألة الأولى : معنى التأذين في اللغة  النداء والتصويت بالإعلام ، والأذان للصلاة إعلام بها وبوقتها ، وقالوا في : ( أذن مؤذن    ) نادى مناد أسمع الفريقين . قال  ابن عباس    : وذلك المؤذن من الملائكة وهو صاحب الصور . 
المسألة الثانية : قوله : ( بينهم ) يحتمل أن يكون ظرفا لقوله : ( أذن ) والتقدير : أن المؤذن أوقع ذلك   [ ص: 71 ] الأذان بينهم ، وفي وسطهم ، ويحتمل أن يكون صفة لقوله : ( مؤذن ) والتقدير : أن مؤذنا من بينهم أذن بذلك الأذان ، والأول أولى . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					