واعلم أن فائدة هذا الاختلاف لا تظهر في تفرقة الصدقات ، وإنما تظهر في الوصايا ، وهو أن رجلا لو ، وجب دفع المائتين عند قال : أوصيت للفقراء بمائتين ، وللمساكين بخمسين رحمه الله إلى من كان أشد حاجة ، وعند الشافعي رحمه الله إلى من كان أقل حاجة ، وحجة أبي حنيفة رحمه الله وجوه : الشافعي
الوجه الأول : أنه تعالى إنما أثبت الصدقات لهؤلاء الأصناف ؛ دفعا لحاجتهم وتحصيلا لمصلحتهم ، وهذا يدل على أن الذي وقع الابتداء بذكره يكون أشد حاجة ؛ لأن الظاهر وجوب تقديم الأهم على المهم ، ألا ترى أنه يقال : أبو بكر وعمر ؛ ومن فضل عثمان على علي عليه السلام قال في ذكرهما : عثمان وعلي ، ومن فضل عليا على عثمان يقول : علي وعثمان ، وأنشد عمر قول الشاعر :
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
فقال : هلا قدم الإسلام على الشيب ! فلما وقع الابتداء بذكر الفقراء وجب أن تكون حاجتهم أشد من حاجة المساكين .
الوجه الثاني : قال أحمد بن عبيد : الفقير أسوأ حالا من المسكين ؛ لأن : المفقور الذي نزعت فقرة من فقار ظهره ، فصرف عن مفقور إلى فقير ، كما قيل : مطبوخ وطبيخ ، ومجروح وجريح ، فثبت أن الفقير إنما سمي فقيرا لزمانته مع حاجته الشديدة ، وتمنعه الزمانة من التقلب في الكسب ، ومعلوم أنه لا حال في الإقلال والبؤس آكد من هذه الحال . وأنشدوا الفقير أصله في اللغة للبيد :
لما رأى لبد النسور تطايرت رفع القوادم كالفقير الأعزل
قال : في هذا البيت : الفقير المكسور الفقار ، يضرب مثلا لكل ضعيف لا يتقلب في الأمور . ومما يدل على إشعار لفظ الفقير بالشدة العظيمة قوله تعالى :( ابن الأعرابي ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة ) [ القيامة : 24 - 25 ] . جعل لفظ الفاقرة كناية عن أعظم أنواع الشر والدواهي .
الوجه الثالث : ما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يتعوذ من الفقر ، وقال : " كاد الفقر أن يكون كفرا " ، ثم قال : ، فلو كان المسكين أسوأ حالا من الفقير لتناقض الحديثان ؛ لأنه تعوذ من الفقر ، ثم سأل حالا أسوأ منه ، أما إذا قلنا : الفقر أشد من المسكنة فلا تناقض البتة . " اللهم أحيني مسكينا ، وأمتني مسكينا ، واحشرني في زمرة المساكين "
الوجه الرابع : أن كونه مسكينا ، لا ينافي كونه مالكا للمال ، بدليل قوله تعالى :( أما السفينة فكانت لمساكين ) [ الكهف : 79 ] . فوصف بالمسكنة من له سفينة من سفن البحر تساوي جملة من الدنانير ، ولم نجد في كتاب الله ما يدل على أن الإنسان سمي فقيرا مع أنه يملك شيئا .
فإن قالوا : الدليل عليه قوله تعالى :( والله الغني وأنتم الفقراء ) [ محمد : 38 ] . فوصف الكل بالفقر مع أنهم يملكون أشياء .
[ ص: 87 ] قلنا : هذا بالضد أولى ؛ لأنه تعالى وصفهم بكونهم فقراء بالنسبة إلى الله تعالى ، فإن أحدا سوى الله تعالى لا يملك البتة شيئا بالنسبة إلى الله ، فصح قولنا .
الوجه الخامس : قوله تعالى :( أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ) [ البلد : 16 ] . : الفقير الذي قد ألصق بالتراب من شدة الفقر ، فتقييد المسكين بهذا القيد يدل على أنه قد يحصل مسكين خال عن وصف كونه ذا متربة ؛ وإنما يكون كذلك بتقدير أن يملك شيئا ، فهذا يدل على أن كونه مسكينا لا ينافي كونه مالكا لبعض الأشياء . والمراد من المسكين ذي المتربة
الوجه السادس : قال رضي الله عنهما : الفقير هو المحتاج الذي لا يجد شيئا . قال : وهم ابن عباس أهل الصفة ، صفة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا نحو أربعمائة رجل لا منزل لهم ، فمن كان من المسلمين عنده فضل أتاهم به إذا أمسوا ، والمساكين : هم الطوافون الذين يسألون الناس .
وجه الاستدلال : أن شدة فقر أهل الصفة معلومة بالتواتر ، فلما فسر الفقراء بهم ، وفسر المساكين بالطوافين ، ثم ثبت أن أحوال المحتاج الذي لا يسأل أحدا شيئا أشد من أحوال من يحتاج ثم يسأل الناس ويطوف عليهم ، ظهر أن الفقير يجب أن يكون أسوأ حالا من المسكين . ابن عباس
الوجه السابع : أن المسكنة لفظ مأخوذ من السكون ، فالفقير إذا سأل الناس وتضرع إليهم وعلم أنه متى تضرع إليهم أعطوه شيئا فقد سكن قلبه ، وزال عنه الخوف والقلق ، ويحتمل أنه سمي بهذا الاسم لأنه إذا أجيب بالرد ومنع سكن ، ولم يضطرب وأعاد السؤال ؛ فلهذا السبب جعل التمسكن كناية عن السؤال والتضرع عند الغير ، ويقال : تمسكن الرجل إذا لان وتواضع ، ومنه ، ويريد تواضع وتخشع ، فدل هذا على أن المسكين هو السائل . قوله عليه الصلاة والسلام للمصلي : " تأن وتمسكن "
إذا ثبت هذا فنقول : إنه تعالى قال في آية أخرى :( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) [ الذاريات : 19 ] . فلما ثبت بما ذكرنا ههنا أن المسكين هو السائل ، وجب أن يكون المحروم هو الفقير ، ولا شك أن المحروم مبالغة في تقرير أمر الحرمان ، فثبت أن الفقير أسوأ حالا من المسكين .
الوجه الثامن : أنه عليه الصلاة والسلام قال : " " الحديث ، والظاهر أنه تعالى أجاب دعاءه فأماته مسكينا ، وهو عليه الصلاة والسلام حين توفي كان يملك أشياء كثيرة ، فدل هذا على أن كونه مسكينا لا ينافي كونه مالكا لبعض الأشياء ، أما الفقير فإنه يدل على الحاجة الشديدة ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : أحيني مسكينا " كاد الفقر أن يكون كفرا " ، فثبت بهذا أن الفقر أشد حالا من المسكنة .
الوجه التاسع : أن الناس اتفقوا على أن الفقر والغنى ضدان ، كما أن السواد والبياض ضدان ، ولم يقل أحد : إن الغنى والمسكنة ضدان ، بل قالوا : الترفع والتمسكن ضدان ؛ فمن كان منقادا لكل أحد ، خائفا منهم ، متحملا لشرهم ، ساكتا عن جوابهم ، متضرعا إليهم ، قالوا : إن فلانا يظهر الذل والمسكنة ، وقالوا : إنه مسكين عاجز ، وأما الفقير فجعلوه عبارة عن ضد الغني ، وعلى هذا فقد يصفون الرجل الغني بكونه مسكينا ، إذا كان يظهر من نفسه الخضوع والطاعة وترك المعارضة ، وقد يصفون الرجل الفقير بكونه مترفعا عن التواضع والمسكنة ، فثبت أن الفقر عبارة عن عدم المال ، والمسكنة عبارة عن إظهار التواضع ، والأول ينافي حصول المال ، والثاني لا ينافي حصوله .
[ ص: 88 ] الوجه العاشر : لمعاذ في الزكاة : " خذها من أغنيائهم ، وردها على فقرائهم " ، ولو كانت الحاجة في المساكين أشد لوجب أن يقول : وردها على مساكينهم ؛ لأن ذكر الأهم أولى ، فهذه الوجوه التي ذكرناها تدل على أن الفقير أسوأ من المسكين ، واحتج القائلون بأن المسكين أسوأ حالا من الفقير بوجوه : قوله عليه الصلاة والسلام
الأول : احتجوا بقوله تعالى :( أو مسكينا ذا متربة ) [ البلد : 16 ] . وصف المسكين بكونه ذا متربة ، وذلك يدل على نهاية الضر والشدة ، وأيضا أنه تعالى جعل الكفارات من الأطعمة له ، ولا فاقة أعظم من الحاجة إلى إزالة الجوع .
الثاني : احتجوا بقول الراعي :
أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد
سماه فقيرا وله حلوبة .
الثالث : قالوا : المسكين هو الذي يسكن حيث يحضر لأجل أنه ليس له بيت يسكن فيه ، وذلك يدل على نهاية الضر والبؤس .
الرابع : نقلوا عن ، وعن الأصمعي أنهما قالا : الفقير الذي له ما يأكل ، والمسكين الذي لا شيء له ، وقال أبي عمرو بن العلاء يونس : الفقير قد يكون له بعض ما يكفيه ، والمسكين هو الذي لا شيء له ، وقلت لأعرابي : أفقير أنت ؟ قال : لا والله بل مسكين .
والجواب عن تمسكهم بالآية : أنا بينا أن هذه الآية حجة لنا ، فإنه لما قيد المسكين المذكور ههنا بكونه ذا متربة دل ذلك على أنه قد يوجد مسكين لا بهذه الصفة ، وإلا لم يبق لهذا القيد فائدة . قوله : إنه صرف الطعام الواجب في الكفارات إليه ، قلنا : نعم إنه أوجب صرفه إلى المسكين المقيد بقيد كونه ذا متربة ، وهذا لا يدل على أنه أوجب الصرف إلى مطلق المسكين .
والجواب عن استدلالهم ببيت الراعي : أنه ذكر أن هذا الذي هو الآن موصوف بكونه فقيرا فقد كانت له حلوبة ، ثم السيد لم يترك له شيئا ، فلم لا يجوز أن يقال : كانت له حلوبة ، ثم لما لم يترك له شيء وصف بكونه فقيرا ؟
والجواب عن قولهم : المسكين هو الذي يسكن حيث يحضر لأجل أنه ليس له بيت .
قلنا : بل المسكين هو الطواف على الناس الذي يكثر إقدامه على السؤال ، وسمي مسكينا إما لسكونه عندما ينتهرونه ويردونه ، وإما لسكون قلبه بسبب علمه أن الناس لا يضيعونه مع كثرة سؤاله إياهم ، وأما الروايات التي ذكروها عن أبي عمرو ويونس ، فهذا معارض بقول ، الشافعي رحمهما الله ، وأيضا نقل وابن الأنباري القفال في " تفسيره " عن أنه قال : الفقراء فقراء جابر بن عبد الله المهاجرين ، والمساكين الذين لم يهاجروا ، وعن الحسن : الفقير الجالس في بيته ، والمسكين الذي يسعى ، وعن : الفقير الذي لا يسأل ، والمسكين الذي يسأل ، وعن مجاهد : الفقراء هم المتعففون الذين لا يخرجون ، والمساكين الذين يسألون . قال مولانا الداعي إلى الله : هذه الأقوال كلها متوافقة على أن الفقير لا يسأل ، والمسكين يسأل ، ومن سأل وجد ، فكان المسكين أسهل وأقل حاجة . الزهري
الصنف الثالث : قوله تعالى :( والعاملين عليها ) وهم ، وهؤلاء يعطون من الصدقات بقدر أجور أعمالهم ، وهو قول السعاة لجباية الصدقة رحمه الله ، وقول الشافعي عبد الله بن عمر وابن زيد ، وقال مجاهد والضحاك : يعطون الثمن من الصدقات ، وظاهر اللفظ مع إلا أن مجاهد رحمه الله يقول : هذا أجرة [ ص: 89 ] العمل ، فيتقدر بقدر العمل ، والصحيح أن مولى الهاشمي والمطلبي لا يجوز أن يكون عاملا على الصدقات ليناله منها ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى أن يبعث الشافعي أبا رافع عاملا على الصدقات ، وقال : أما علمت أن مولى القوم منهم . وإنما قال :( والعاملين عليها ) ؛ لأن كلمة على تفيد الولاية ، كما يقال : فلان على بلد كذا إذا كان واليا عليه .
الصنف الرابع : قوله تعالى :( والمؤلفة قلوبهم ) قال : هم قوم أشراف من الأحياء ، أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، وكانوا خمسة عشر رجلا : ابن عباس أبو سفيان ، والأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن ، ، وحويطب بن عبد العزى وسهل بن عمرو من بني عامر ، ، والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو الجهني ، وأبو السنابل ، ، وحكيم بن حزام ومالك بن عوف ، ، وصفوان بن أمية وعبد الرحمن بن يربوع ، والجد بن قيس ، وعمرو بن مرداس ، والعلاء بن الحارث ؛ أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل رجل منهم مائة من الإبل ، ورغبهم في الإسلام ، إلا عبد الرحمن بن يربوع أعطاه خمسين من الإبل ، وأعطى سبعين من الإبل ، فقال : يا رسول الله ، ما كنت أرى أن أحدا من الناس أحق بعطائك مني . فزاده عشرة ، ثم سأله فزاده عشرة ، وهكذا حتى بلغ مائة ، ثم قال حكيم بن حزام حكيم : يا رسول الله ، أعطيتك الأولى التي رغبت عنها خير أم هذه التي قنعت بها ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : " بل التي رغبت عنها " فقال : والله لا آخذ غيرها . فقيل : مات حكيم وهو أكثر قريش مالا . وشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك العطايا لكن ألفهم بذلك . قال المصنف رحمه الله : هذه العطايا إنما كانت يوم حنين ولا تعلق لها بالصدقات ، ولا أدري لأي سبب ذكر رضي الله عنهما هذه القصة في تفسير هذه الآية ، ولعل المراد بيان أنه لا يمتنع في الجملة ابن عباس ، فأما أن يجعل ذلك تفسيرا لصرف الزكاة إليهم فلا يليق صرف الأموال إلى المؤلفة . ونقل بابن عباس القفال أن أبا بكر - رضي الله عنه - أعطى لما جاءه بصدقاته وصدقات قومه أيام الردة ، وقال : المقصود أن يستعين الإمام بهم على استخراج الصدقات من الملاك . عدي بن حاتم
قال الواحدي : إن الله تعالى أغنى المسلمين عن تألف قلوب المشركين ، فإن رأى الإمام أن يؤلف قلوب قوم لبعض المصالح التي يعود نفعها على المسلمين إذا كانوا مسلمين جاز ؛ إذ لا يجوز ، فأما المؤلفة من المشركين فإنما يعطون من مال الفيء ، لا من الصدقات ، وأقول : إن قول صرف شيء من زكوات الأموال إلى المشركين الواحدي : إن الله أغنى المسلمين عن تألف قلوب المشركين ؛ بناء على أنه ربما يوهم أنه عليه الصلاة والسلام دفع قسما من الزكاة إليهم ، لكنا بينا أن هذا لم يحصل البتة ، وأيضا فليس في الآية ما يدل على كون المؤلفة مشركين ، بل قال :( والمؤلفة قلوبهم ) ، وهذا عام في المسلم وغيره ، والصحيح أن هذا الحكم غير منسوخ ، وأن للإمام أن يتألف قوما على هذا الوصف ، ويدفع إليهم سهم المؤلفة ؛ لأنه لا دليل على نسخه البتة .
الصنف الخامس : قوله :( وفي الرقاب ) قال الزجاج : وفيه محذوف ، والتقدير : وفي فك الرقاب . وقد مضى الاستقصاء في " تفسيره " في سورة البقرة في قوله :( والسائلين وفي الرقاب ) [ البقرة : 177 ] . ثم في تفسير الرقاب أقوال :
القول الأول : إن موضوع في المكاتبين ليعتقوا به ، وهذا مذهب سهم الرقاب رحمه الله ، الشافعي ، واحتجوا بما روي عن والليث بن سعد رضي الله عنهما أنه قال : قوله :( ابن عباس وفي الرقاب ) يريد المكاتب ، وتأكد هذا بقوله تعالى :( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) [ النور : 33 ] .
[ ص: 90 ] والقول الثاني : وهو مذهب مالك ، وأحمد ، وإسحاق أنه موضوع لعتق الرقاب يشترى به عبيد فيعتقون .
والقول الثالث : قول وأصحابه ، وقول أبي حنيفة ، سعيد بن جبير ، أنه لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة ، ولكن يعطى منها في رقبة ، ويعان بها مكاتب ؛ لأن قوله :( والنخعي وفي الرقاب ) يقتضي أن يكون له فيه مدخل ، وذلك ينافي كونه تاما فيه .
والقول الرابع : قول ، قال : سهم الرقاب نصفان ؛ نصف للمكاتبين من المسلمين ، ونصف يشترى به رقاب ممن صلوا وصاموا ، وقدم إسلامهم ، فيعتقون من الزكاة ، قال أصحابنا : والاحتياط في سهم الرقاب دفعه إلى السيد بإذن المكاتب ، والدليل عليه أنه تعالى أثبت الصدقات للأصناف الأربعة الذين تقدم ذكرهم بلام التمليك ، وهو قوله :( الزهري إنما الصدقات للفقراء ) ولما ذكر الرقاب أبدل حرف اللام بحرف في فقال :( وفي الرقاب ) فلا بد لهذا الفرق من فائدة ، وتلك الفائدة هي أن تلك الأصناف الأربعة المتقدمة يدفع إليهم نصيبهم من الصدقات ، حتى يتصرفوا فيها كما شاءوا ، وأما :( وفي الرقاب ) فيوضع نصيبهم في تخليص رقبتهم عن الرق ، ولا يدفع إليهم ولا يمكنوا من التصرف في ذلك النصيب كيف شاءوا ، بل يوضع في الرقاب بأن يؤدى عنهم ، وكذا القول في ، وفي الغارمين يصرف المال في قضاء ديونهم ، وابن السبيل كذلك . الغزاة يصرف المال إلى إعداد ما يحتاجون إليه في الغزو
والحاصل : أن في الأصناف الأربعة الأول يصرف المال إليهم حتى يتصرفوا فيه كما شاءوا ، وفي الأربعة الأخيرة لا يصرف المال إليهم ، بل يصرف إلى جهات الحاجات المعتبرة في الصفات التي لأجلها استحقوا سهم الزكاة .
الصنف السادس : قوله تعالى :( والغارمين ) قال الزجاج : : لزوم ما يشق ، والغرام : العذاب اللازم ، وسمي العشق غراما ؛ لكونه أمرا شاقا ولازما ، ومنه : فلان مغرم بالنساء إذا كان مولعا بهن ، وسمي الدين غراما ؛ لكونه شاقا على الإنسان ولازما له ، أصل الغرم في اللغة : المديونون ، ونقول : الدين إن حصل بسبب معصية لا يدخل في الآية ؛ لأن المقصود من صرف المال المذكور في الآية الإعانة ، والمعصية لا تستوجب الإعانة ، وإن حصل لا بسبب معصية فهو قسمان : دين حصل بسبب نفقات ضرورية أو في مصلحة ، ودين حصل بسبب حمالات وإصلاح ذات بين ، والكل داخل في الآية ، وروى فالمراد بالغارمين الأصم في " تفسيره " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قضى بالغرة في الجنين ، قالت العاقلة : لا نملك الغرة يا رسول الله ، قال لحمد بن مالك بن النابغة : " أعنهم بغرة من صدقاتهم " . وكان حمد على الصدقة يومئذ .
الصنف السابع : قوله تعالى :( وفي سبيل الله ) قال المفسرون : يعني الغزاة . قال رحمه الله : يجوز له أن يأخذ من مال الزكاة وإن كان غنيا ، وهو مذهب الشافعي مالك ، وإسحاق ، وأبي عبيد . وقال وصاحباه رحمهم الله : لا يعطى الغازي إلا إذا كان محتاجا . أبو حنيفة
واعلم أن ظاهر اللفظ في قوله :( وفي سبيل الله ) لا يوجب القصر على كل الغزاة ، فلهذا المعنى نقل القفال في تفسيره عن بعض الفقهاء : أنهم أجازوا ؛ من تكفين الموتى ، وبناء الحصون ، وعمارة المساجد ؛ لأن قوله :( صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير وفي سبيل الله ) عام في الكل .
والصنف الثامن : ابن السبيل قال رحمه الله : الشافعي ، وهو الذي يريد السفر في غير معصية فيعجز عن بلوغ سفره إلا بمعونة . قال الأصحاب : ومن أنشأ السفر من بلده لحاجة ، [ ص: 91 ] جاز أن يدفع إليه سهم ابن السبيل ، فهذا هو الكلام في شرح هذه الأصناف الثمانية . ابن السبيل المستحق للصدقة