( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون    ) 
قوله تعالى :( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون    ) 
اعلم أنه تعالى لما ذكر أصناف المنافقين وطرائقهم المختلفة قال :( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : قرأ نافع  وابن عامر    ( الذين اتخذوا ) بغير واو ، وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة  ، والباقون بالواو ، وكذلك هو في مصاحف مكة  والعراق    . فالأول : على أنه بدل من قوله :( وآخرون مرجون    ) والثاني أن يكون التقدير : ومنهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا . 
المسألة الثانية : قال الواحدي    : قال  ابن عباس   ومجاهد  وقتادة  وعامة أهل التفسير - رضي الله عنهم - : الذين اتخذوا مسجدا ضرارا كانوا اثني عشر رجلا من المنافقين بنوا مسجدا يضارون به مسجد قباء  ، وأقول إنه تعالى وصفه بصفات أربعة : 
الصفة الأولى : ضرارا ، والضرار محاولة الضر ، كما أن الشقاق محاولة ما يشق . قال الزجاج    : وانتصب قوله :( ضرارا    ) لأنه مفعول له ، والمعنى : اتخذوه للضرار ولسائر الأمور المذكورة بعده ، فلما حذفت اللام اقتضاه الفعل فنصب . قال : وجائز أن يكون مصدرا محمولا على المعنى ، والتقدير : اتخذوا مسجدا ضروا به ضرارا . 
والصفة الثانية : قوله :( وكفرا    ) قال  ابن عباس    - رضي الله عنهما - : يريد به ضرارا للمؤمنين وكفرا بالنبي - عليه السلام - ، وبما جاء به . وقال غيره اتخذوه ليكفروا فيه بالطعن على النبي - عليه السلام - ، والإسلام . 
الصفة الثالثة : قوله :( وتفريقا بين المؤمنين    ) أي يفرقون بواسطته جماعة المؤمنين ، وذلك لأن   [ ص: 154 ] المنافقين قالوا : نبني مسجدا فنصلي فيه ، ولا نصلي خلف محمد  ، فإن أتانا فيه صلينا معه . وفرقنا بينه وبين الذين يصلون في مسجده ، فيؤدي ذلك إلى اختلاف الكلمة ، وبطلان الألفة . 
والصفة الرابعة : قوله :( وإرصادا لمن حارب الله ورسوله    ) قالوا : المراد أبو عامر الراهب ، والد حنظلة  الذي غسلته الملائكة ، وسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفاسق ، وكان قد تنصر في الجاهلية ، وترهب وطلب العلم ، فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاداه ؛ لأنه زالت رياسته وقال : لا أجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك معهم ، ولم يزل يقاتله إلى يوم حنين  ، فلما انهزمت هوازن  خرج إلى الشأم  ، وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح ، وابنوا لي مسجدا فإني ذاهب إلى قيصر ، وآت من عنده بجند ، فأخرج محمدا  وأصحابه . فبنوا هذا المسجد ، وانتظروا مجيء أبي عامر  ليصلي بهم في ذلك المسجد . قال الزجاج    : الإرصاد : الانتظار .وقال  ابن قتيبة    : الإرصاد : الانتظار مع العداوة . وقال الأكثرون : الإرصاد ، الإعداد . قال تعالى :( إن ربك لبالمرصاد    ) ( الفجر : 14 ) . 
وقوله :( من قبل    ) يعني من قبل بناء مسجد الضرار  ، ثم إنه تعالى لما وصف هذا المسجد بهذه الصفات الأربعة قال :( وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى    ) أي : ليحلفن ما أردنا ببنائه إلا الفعلة الحسنى وهو الرفق بالمسلمين في التوسعة على أهل الضعف والعلة والعجز عن المصير إلى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وذلك أنهم قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة الممطرة والليلة الشاتية . 
ثم قال تعالى :( والله يشهد إنهم لكاذبون    ) والمعنى : أن الله تعالى أطلع الرسول على أنهم حلفوا كاذبين . 
واعلم أن قوله :( والذين    ) محله الرفع على الابتداء وخبره محذوف ، أي وممن ذكرنا الذين . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					