[ ص: 40 ]  ( قالوا ياشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز    ) 
قوله تعالى : ( قالوا ياشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز    ) . 
اعلم أنه - عليه السلام - لما بالغ في التقرير والبيان ، أجابوه بكلمات فاسدة . فالأول : قولهم : ( قالوا ياشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : لقائل أن يقول : إنه - عليه السلام - كان يخاطبهم بلسانهم ، فلم قالوا : ( ما نفقه    ) ؟ والعلماء ذكروا عنه أنواعا من الجوابات : 
فالأول : أن المراد : ما نفهم كثيرا مما تقول ؛ لأنهم كانوا لا يلقون إليه أفهامهم لشدة نفرتهم عن كلامه ، وهو كقوله : ( وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه    ) [الأنعام : 25 ] . 
الثاني : أنهم فهموه بقلوبهم ، ولكنهم ما أقاموا له وزنا ، فذكروا هذا الكلام على وجه الاستهانة ، كما يقول الرجل لصاحبه إذ لم يعبأ بحديثه : ما أدري ما تقول . 
الثالث : أن هذه الدلائل التي ذكرها ما أقنعتهم في صحة التوحيد والنبوة والبعث ، وما يجب من ترك الظلم والسرقة ، فقولهم : ( ما نفقه    ) أي لم نعرف صحة الدلائل التي ذكرتها على صحة هذه المطالب . 
المسألة الثانية : من الناس من قال : الفقه اسم لعلم مخصوص  ، وهو معرفة غرض المتكلم من كلامه ، واحتجوا بهذه الآية وهي قوله : ( ما نفقه كثيرا مما تقول    ) فأضاف الفقه إلى القول ، ثم صار اسما لنوع معين من علوم الدين ، ومنهم من قال : إنه اسم لمطلق الفهم ، يقال : أوتي فلان فقها في الدين ، أي فهما ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين   " أي يفهمه تأويله . 
والنوع الثاني من الأشياء التي ذكروها : قولهم : ( وإنا لنراك فينا ضعيفا    ) وفيه وجهان : 
الأول : أنه الضعيف الذي يتعذر عليه منع القوم عن نفسه . 
والثاني : أن الضعيف هو الأعمى بلغة حمير ، واعلم أن هذا القول ضعيف ؛ لوجوه : 
الأول : أنه ترك للظاهر من غير دليل . 
والثاني : أن قوله : ( فينا    ) يبطل هذا الوجه ؛ ألا ترى أنه لو قال : إنا لنراك أعمى فينا كان فاسدا ؛ لأن الأعمى أعمى فيهم وفي غيرهم . 
الثالث : أنهم قالوا بعد ذلك : ( ولولا رهطك لرجمناك    ) فنفوا عنه القوة التي أثبتوها في رهطه ، ولما كان المراد بالقوة التي أثبتوها للرهط هي النصرة ، وجب أن تكون القوة التي نفوها عنه هي النصرة ، والذين حملوا اللفظ على ضعف البصر لعلهم إنما حملوه عليه ؛ لأنه سبب للضعف . 
واعلم أن أصحابنا يجوزون العمى على الأنبياء  ، إلا أن هذا اللفظ لا يحسن الاستدلال به في إثبات هذا المعنى ؛ لما بيناه . 
وأما المعتزلة  فقد اختلفوا فيه ، فمنهم من قال : إنه لا يجوز ؛ لكونه متعبدا ، فإنه لا يمكنه الاحتراز عن النجاسات ، ولأنه يخل بجواز كونه حاكما وشاهدا ، فلأن يمنع من النبوة كان أولى ، والكلام فيه لا يليق بهذه الآية ، لأنا بينا أن الآية لا دلالة فيها على هذا المعنى . 
والنوع الثالث من الأشياء التي ذكروها : قولهم : ( ولولا رهطك لرجمناك    ) وفيه مسألتان :   [ ص: 41 ] المسألة الأولى : قال صاحب "الكشاف" : الرهط من الثلاثة إلى العشرة  ، وقيل إلى السبعة ، وقد كان رهطه على ملتهم . قالوا : لولا حرمة رهطك عندنا بسبب كونهم على ملتنا لرجمناك ، والمقصود من هذا الكلام أنهم بينوا أنه لا حرمة له عندهم ، ولا وقع له في صدورهم ، وأنهم إنما لم يقتلوه لأجل احترامهم رهطه . 
المسألة الثانية : الرجم في اللغة عبارة عن الرمي ، وذلك قد يكون بالحجارة عند قصد القتل ، ولما كان هذا الرجم سببا للقتل لا جرم سموا القتل رجما ، وقد يكون بالقول الذي هو القذف ، كقوله : ( رجما بالغيب    ) [الكهف : 22 ] ، وقوله : ( ويقذفون بالغيب من مكان بعيد    ) [سبأ : 53 ] وقد يكون بالشتم واللعن ، ومنه قوله : ( الشيطان الرجيم    ) [آل عمران : 36 ] وقد يكون بالطرد كقوله : ( رجوما للشياطين    ) [الملك : 5 ] . 
إذا عرفت هذا ففي الآية وجهان : 
الأول : ( لرجمناك    ) لقتلناك . 
الثاني : لشتمناك وطردناك . 
النوع الرابع من الأشياء التي ذكروها : قولهم : ( وما أنت علينا بعزيز    ) ومعناه أنك لما لم تكن علينا عزيزا ، سهل علينا الإقدام على قتلك وإيذائك . 
واعلم أن كل هذه الوجوه التي ذكروها ليست دافعا لما قرره شعيب    - عليه السلام - من الدلائل والبينات ، بل هي جارية مجرى مقابلة الدليل والحجة بالشتم والسفاهة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					