واعلم أن جملة هذه القيود التسعة هي القيود المذكورة في الشرط ، أما القيود المذكورة في الجزاء فهي أربعة :
القيد الأول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22أولئك لهم عقبى الدار ) أي عاقبة الدار وهي الجنة ؛ لأنها هي التي أراد الله أن تكون عاقبة الدنيا ومرجع أهلها ، قال
الواحدي : العقبى كالعاقبة ، ويجوز أن تكون مصدرا كالشورى والقربى والرجعى ، وقد يجيء مثل هذا أيضا على فعلى كالنجوى والدعوى ، وعلى فعلى كالذكرى والضيزى ، ويجوز أن يكون اسما ، وهو هاهنا مصدر مضاف إلى الفاعل ، والمعنى : أولئك لهم أن تعقب أعمالهم الدار التي هي الجنة.
القيد الثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23جنات عدن يدخلونها ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال
الزجاج : جنات عدن بدل من عقبى والكلام في جنات عدن ذكرناه مستقصى عند
[ ص: 36 ] قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=72ومساكن طيبة في جنات عدن ) [ التوبة : 72 ] ، وذكرنا هناك مذهب المفسرين ، ومذهب أهل اللغة .
المسألة الثانية : قرأ
ابن كثير وأبو عمرو [يدخلونها] بضم الياء وفتح الخاء على ما لم يسم فاعله ، والباقون بفتح الياء وضم الخاء على إسناد الدخول إليهم.
القيد الثالث : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية [صلح] بضم اللام ، قال صاحب الكشاف : والفتح أفصح.
المسألة الثانية : قال
الزجاج : موضع "من" رفع ؛ لأجل العطف على الواو في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23يدخلونها ) ويجوز أن يكون نصبا كما تقول : قد دخلوا وزيدا أي مع زيد.
المسألة الثالثة : في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23ومن صلح ) قولان :
الأول : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يريد من صدق بما صدقوا به ، وإن لم يعمل مثل أعمالهم ، وقال
الزجاج : بين تعالى أن الأنساب لا تنفع إذا لم يحصل معها أعمال صالحة ، بل الآباء والأزواج والذريات لا يدخلون الجنة إلا بالأعمال الصالحة ، قال
الواحدي : والصحيح ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=30491_30495_30512_29680الله تعالى جعل من ثواب المطيع سروره بحضور أهله معه في الجنة ، وذلك يدل على أنهم يدخلونها كرامة للمطيع الآتي بالأعمال الصالحة ، ولو دخلوها بأعمالهم الصالحة لم يكن في ذلك كرامة للمطيع ولا فائدة في الوعد به ، إذ كل من كان مصلحا في عمله فهو يدخل الجنة.
واعلم أن هذه الحجة ضعيفة ؛ لأن المقصود بشارة المطيع بكل ما يزيده سرورا وبهجة ، فإذا بشر الله المكلف بأنه إذا دخل الجنة فإنه يحضر معه آباؤه وأزواجه وأولاده ، فلا شك أنه يعظم سرور المكلف بذلك وتقوى بهجته به ، ويقال : إن من أعظم موجبات سرورهم أن يجتمعوا فيتذاكروا أحوالهم في الدنيا ، ثم يشكرون الله على الخلاص منها والفوز بالجنة ، ولذلك قال تعالى في صفة أهل الجنة إنهم يقولون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26ياليت قومي يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) [يس : 27].
المسألة الرابعة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23وأزواجهم ) ليس فيه ما يدل على التمييز بين زوجة وزوجة ، ولعل الأولى من مات عنها أو ماتت عنه ، وما روي
عن nindex.php?page=showalam&ids=93سودة أنه لما هم الرسول صلى الله عليه وسلم بطلاقها قالت : دعني يا رسول الله أحشر في زمرة نسائك ، كالدليل على ما ذكرناه.
والقيد الرابع : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23والملائكة يدخلون عليهم من كل باب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لهم خيمة من درة مجوفة طولها فرسخ وعرضها فرسخ ، لها ألف باب مصاريعها من ذهب ، يدخلون عليهم الملائكة من كل باب يقولون لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سلام عليكم بما صبرتم ) على أمر الله . وقال
أبو بكر الأصم : من كل باب من أبواب البر كباب الصلاة وباب الزكاة وباب الصبر ، ويقولون : ونعم ما أعقبكم الله بعد الدار الأولى.
واعلم أن دخول الملائكة إن حملناه على الوجه الأول فهو مرتبة عظيمة ، وذلك لأن الله تعالى أخبر عن هؤلاء المطيعين أنهم يدخلون جنة الخلد ، ويجتمعون بآبائهم وأزواجهم وذرياتهم على أحسن وجه ، ثم إن الملائكة مع جلالة مراتبهم يدخلون عليهم لأجل التحية والإكرام عند الدخول عليهم يكرمونهم بالتحية
[ ص: 37 ] والسلام ويبشرونهم بقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24فنعم عقبى الدار ) ولا شك أن هذا غير ما يذكره المتكلمون من أن الثواب منفعة خالصة دائمة مقرونة بالإجلال والتعظيم ،
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يأتي قبور الشهداء رأس كل حول فيقول : السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار والخلفاء الأربعة هكذا كانوا يفعلون ، وأما إن حملناه على الوجه الثاني فتفسير الآية أن الملائكة طوائف ، منهم روحانيون ، ومنهم كروبيون ، فالعبد إذا راض نفسه بأنواع الرياضات كالصبر والشكر والمراقبة والمحاسبة ، ولكل مرتبة من هذه المراتب جوهر قدسي وروح علوي يختص بتلك الصفة مزيد اختصاص ؛ فعند الموت إذا أشرقت تلك الجواهر القدسية تجلت فيها من كل روح من الأرواح السماوية ما يناسبها من الصفة المخصوصة بها فيفيض عليها من
nindex.php?page=treesubj&link=29747ملائكة الصبر كمالات مخصوصة نفسانية لا تظهر إلا في مقام الصبر ، ومن ملائكة الشكر كمالات روحانية لا تتجلى إلا من مقام الشكر وهكذا القول في جميع المراتب.
وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْلَةَ هَذِهِ الْقُيُودِ التِّسْعَةِ هِيَ الْقُيُودُ الْمَذْكُورَةُ فِي الشَّرْطِ ، أَمَّا الْقُيُودُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْجَزَاءِ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ :
الْقَيْدُ الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=22أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ) أَيْ عَاقِبَةُ الدَّارِ وَهِيَ الْجَنَّةُ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي أَرَادَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ عَاقِبَةَ الدُّنْيَا وَمَرْجِعَ أَهْلِهَا ، قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : الْعُقْبَى كَالْعَاقِبَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرًا كَالشُّورَى وَالْقُرْبَى وَالرُّجْعَى ، وَقَدْ يَجِيءُ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا عَلَى فَعْلَى كَالنَّجْوَى وَالدَّعْوَى ، وَعَلَى فِعْلَى كَالذِّكْرَى وَالضِّيزَى ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا ، وَهُوَ هَاهُنَا مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ ، وَالْمَعْنَى : أُولَئِكَ لَهُمْ أَنْ تُعْقُبَ أَعْمَالَهُمُ الدَّارُ الَّتِي هِيَ الْجَنَّةُ.
الْقَيْدُ الثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : قَالَ
الزَّجَّاجُ : جَنَّاتُ عَدْنٍ بَدَلٌ مِنْ عُقْبَى وَالْكَلَامُ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَكَرْنَاهُ مُسْتَقْصًى عِنْدَ
[ ص: 36 ] قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=72وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ) [ التَّوْبَةِ : 72 ] ، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مَذْهَبَ الْمُفَسِّرِينَ ، وَمَذْهَبَ أَهْلِ اللُّغَةِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو [يُدْخَلُونَهَا] بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْخَاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ ، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْخَاءِ عَلَى إِسْنَادِ الدُّخُولِ إِلَيْهِمْ.
الْقَيْدُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : قَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابْنُ عُلَيَّةَ [صَلُحَ] بِضَمِّ اللَّامِ ، قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ.
المسألة الثَّانِيَةُ : قَالَ
الزَّجَّاجُ : مَوْضِعُ "مَنْ" رَفْعٌ ؛ لِأَجْلِ الْعَطْفِ عَلَى الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23يَدْخُلُونَهَا ) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا كَمَا تَقُولُ : قَدْ دَخَلُوا وَزَيْدًا أَيْ مَعَ زَيْدٍ.
المسألة الثَّالِثَةُ : فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23وَمَنْ صَلَحَ ) قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يُرِيدُ مَنْ صَدَقَ بِمَا صَدَقُوا بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ مِثْلَ أَعْمَالِهِمْ ، وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْأَنْسَابَ لَا تَنْفَعُ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ مَعَهَا أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ ، بَلِ الْآبَاءُ وَالْأَزْوَاجُ وَالذُّرِّيَّاتُ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : وَالصَّحِيحُ مَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30491_30495_30512_29680اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مِنْ ثَوَابِ الْمُطِيعِ سُرُورَهُ بِحُضُورِ أَهْلِهِ مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَهَا كَرَامَةً لِلْمُطِيعِ الْآتِي بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَلَوْ دَخَلُوهَا بِأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ كَرَامَةٌ لِلْمُطِيعِ وَلَا فَائِدَةٌ فِي الْوَعْدِ بِهِ ، إِذْ كُلُّ مَنْ كَانَ مُصْلِحًا فِي عَمَلِهِ فَهُوَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ ضَعِيفَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِشَارَةُ الْمُطِيعِ بِكُلِّ مَا يَزِيدُهُ سُرُورًا وَبَهْجَةً ، فَإِذَا بَشَّرَ اللَّهُ الْمُكَلَّفَ بِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَإِنَّهُ يَحْضُرُ مَعَهُ آبَاؤُهُ وَأَزْوَاجُهُ وَأَوْلَادُهُ ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَعْظُمُ سُرُورُ الْمُكَلَّفِ بِذَلِكَ وَتَقْوَى بَهْجَتُهُ بِهِ ، وَيُقَالُ : إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مُوجِبَاتِ سُرُورِهِمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا فَيَتَذَاكَرُوا أَحْوَالَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، ثُمَّ يَشْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهَا وَالْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) [يس : 27].
المسألة الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23وَأَزْوَاجِهِمْ ) لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ زَوْجَةٍ وَزَوْجَةٍ ، وَلَعَلَّ الْأَوْلَى مَنْ مَاتَ عَنْهَا أَوْ مَاتَتْ عَنْهُ ، وَمَا رُوِيَ
عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=93سَوْدَةَ أَنَّهُ لَمَّا هَمَّ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَلَاقِهَا قَالَتْ : دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أُحْشَرُ فِي زُمْرَةِ نِسَائِكَ ، كَالدَّلِيلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَالْقَيْدُ الرَّابِعُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : لَهُمْ خَيْمَةٌ مِنْ دُرَّةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا فَرْسَخٌ وَعَرْضُهَا فَرْسَخٌ ، لَهَا أَلْفُ بَابٍ مَصَارِيعُهَا مِنْ ذَهَبٍ ، يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ كُلِّ بَابٍ يَقُولُونَ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ ) عَلَى أَمْرِ اللَّهِ . وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ : مِنْ كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ كَبَابِ الصَّلَاةِ وَبَابِ الزَّكَاةِ وَبَابِ الصَّبْرِ ، وَيَقُولُونَ : وَنِعْمَ مَا أَعْقَبَكُمُ اللَّهُ بَعْدَ الدَّارِ الْأُولَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ إِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الوجه الْأَوَّلِ فَهُوَ مَرْتَبَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُطِيعِينَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ جَنَّةَ الْخُلْدِ ، وَيَجْتَمِعُونَ بِآبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ ، ثُمَّ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ مَعَ جَلَالَةِ مَرَاتِبِهِمْ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ التَّحِيَّةِ وَالْإِكْرَامِ عِنْدَ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ يُكْرِمُونَهُمْ بِالتَّحِيَّةِ
[ ص: 37 ] وَالسَّلَامِ وَيُبَشِّرُونَهُمْ بِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَا يَذْكُرُهُ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَنَّ الثَّوَابَ مَنْفَعَةٌ خَالِصَةٌ دَائِمَةٌ مَقْرُونَةٌ بِالْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ ،
وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي قُبُورَ الشُّهَدَاءِ رَأْسَ كُلِّ حَوْلٍ فَيَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ وَالْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ هَكَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ، وَأَمَّا إِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الوجه الثَّانِي فَتَفْسِيرُ الْآيَةِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ طَوَائِفُ ، مِنْهُمْ رُوحَانِيُّونَ ، وَمِنْهُمْ كَرُوبِيُّونَ ، فَالْعَبْدُ إِذَا رَاضَ نَفْسَهُ بِأَنْوَاعِ الرِّيَاضَاتِ كَالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَالْمُحَاسَبَةِ ، وَلِكُلِّ مَرْتَبَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ جَوْهَرٌ قُدُسِيٌّ وَرُوحٌ عُلْوِيٌّ يَخْتَصُّ بِتِلْكَ الصِّفَةِ مَزِيدَ اخْتِصَاصٍ ؛ فَعِنْدَ الْمَوْتِ إِذَا أَشْرَقَتْ تِلْكَ الْجَوَاهِرُ الْقُدُسِيَّةُ تَجَلَّتْ فِيهَا مِنْ كُلِّ رُوحٍ مِنَ الْأَرْوَاحِ السَّمَاوِيَّةِ مَا يُنَاسِبُهَا مِنَ الصِّفَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِهَا فَيَفِيضُ عَلَيْهَا مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29747مَلَائِكَةِ الصَّبْرِ كِمَالَاتٌ مَخْصُوصَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ لَا تَظْهَرُ إِلَّا فِي مَقَامِ الصَّبْرِ ، وَمِنْ مَلَائِكَةِ الشُّكْرِ كِمَالَاتٌ رُوحَانِيَّةٌ لَا تَتَجَلَّى إِلَّا مِنْ مَقَامِ الشُّكْرِ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الْمَرَاتِبِ.