[ ص: 115 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=49وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=50سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=51ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=52هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام ) .
اعلم أنه تعالى قال في الآية الأولى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=42ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ) [ إبراهيم : 42 ] وقال في هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ) والمقصود منه التنبيه على أنه تعالى لو لم يقم القيامة ولم ينتقم للمظلومين من الظالمين ، لزم إما كونه غافلا وإما كونه مخلفا في الوعد ، ولما تقرر في العقول السليمة أن كل ذلك محال كان القول بأنه لا يقيم القيامة باطلا . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47مخلف وعده رسله ) يعني قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=51إنا لننصر رسلنا ) [ غافر : 51 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=21كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) [ المجادلة : 21 ] .
فإن قيل : هلا قيل : مخلف رسله وعده ؟ ولم قدم المفعول الثاني على الأول ؟
قلنا : ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلا ،
nindex.php?page=treesubj&link=29682_33678إن الله لا يخلف الميعاد ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47رسله ) ليدل به على أنه تعالى لما لم يخلف وعده أحدا وليس من شأنه إخلاف المواعيد فكيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته ، وقرئ : " مخلف وعد رسله " بجر الرسل ونصب الوعد ، والتقدير : مخلف رسله وعده ، وهذه القراءة في الضعف ، كمن قرأ " قتل أولادهم شركائهم " ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47إن الله عزيز ) أي غالب لا يماكر " ذو انتقام " لأوليائه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=49وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=50سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=51ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=52هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب ) .
اعلم أن الله تعالى لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47عزيز ذو انتقام ) بين وقت انتقامه فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يوم تبدل الأرض غير الأرض ) وعظم من حال ذلك اليوم ؛ لأنه
nindex.php?page=treesubj&link=30296لا أمر أعظم في العقول والنفوس من تغيير السماوات والأرض ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : ذكر
الزجاج في نصب " يوم " وجهين ، إما على الظرف لانتقام أو على البدل من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44يوم يأتيهم العذاب ) .
المسألة الثانية : اعلم أن التبديل يحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون الذات باقية وتتبدل صفتها بصفة أخرى .
والثاني : أن تفنى الذات الأولى وتحدث ذات أخرى ، والدليل على أن ذكر لفظ التبدل لإرادة التغير في الصفة جائز أنه يقال : بدلت الحلقة خاتما إذا أذبتها وسويتها خاتما فنقلتها من شكل إلى شكل ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) [ الفرقان : 70 ] ويقال : بدلت قميصي جبة أي نقلت العين من
[ ص: 116 ] صفة إلى صفة أخرى ، ويقال : تبدل زيد إذا تغيرت أحواله ، وأما ذكر لفظ التبديل عند وقوع التبدل في الذوات فكقولك بدلت الدراهم دنانير ، ومنه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=56بدلناهم جلودا غيرها ) [ النساء : 56 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=16وبدلناهم بجنتيهم جنتين ) [ سبأ : 16 ] إذا عرفت أن اللفظ محتمل لكل واحد من هذين المفهومين ففي الآية قولان :
القول الأول : أن المراد تبديل الصفة لا تبديل الذات . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : هي تلك الأرض إلا أنها تغيرت في صفاتها ، فتسير عن الأرض جبالها وتفجر بحارها وتسوى ، فلا يرى فيها عوج ولا أمت . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013023 " يبدل الله الأرض غير الأرض فيبسطها ويمدها مد الأديم العكاظي فلا ترى فيها عوجا ولا أمتا " . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48والسماوات ) أي تبدل السماوات غير السماوات ، وهو كقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013024 " لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده " والمعنى : ولا ذو عهد في عهده بكافر ، وتبديل السماوات بانتثار كواكبها وانفطارها ، وتكوير شمسها ، وخسوف قمرها ، وكونها أبوابا ، وأنها تارة تكون كالمهل وتارة تكون كالدهان .
والقول الثاني : أن المراد تبديل الذات . قال
ابن مسعود : تبدل بأرض كالفضة البيضاء النقية لم يسفك عليها دم ولم تعمل عليها خطيئة ، فهذا شرح هذين القولين . ومن الناس من رجح القول الأول قال : لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يوم تبدل الأرض ) المراد هذه الأرض ، والتبدل صفة مضافة إليها ، وعند حصول الصفة لا بد وأن يكون الموصوف موجودا ، فلما كان الموصوف بالتبدل هو هذه الأرض وجب كون هذه الأرض باقية عند حصول ذلك التبدل ، ولا يمكن أن تكون هذه الأرض باقية مع صفاتها عند حصول ذلك التبدل ، وإلا لامتنع حصول التبدل ، فوجب أن يكون الباقي هو الذات . فثبت أن هذه الآية تقتضي كون الذات باقية ، والقائلون بهذا القول هم الذين يقولون : إن عند قيام القيامة لا يعدم الله الذوات والأجسام ، وإنما يعدم صفاتها وأحوالها .
واعلم أنه لا يبعد أن يقال : المراد من تبديل الأرض والسماوات هو أنه تعالى يجعل الأرض جهنم ويجعل السماوات الجنة ، والدليل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=18كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين ) [ المطففين : 18 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=7كلا إن كتاب الفجار لفي سجين ) [ المطففين : 7 ] . والله أعلم .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48وبرزوا لله الواحد القهار ) فنقول : أما البروز لله فقد فسرناه في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=21وبرزوا لله جميعا ) [ إبراهيم : 2 ] وإنما ذكر الواحد القهار ههنا لأن الملك إذا كان لمالك واحد غلاب لا يغالب قهار لا يقهر فلا مستغاث لأحد إلى غيره فكان الأمر في غاية الصعوبة ، ونظيره قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=16لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) [ غافر : 16 ] ولما وصف نفسه سبحانه بكونه قهارا بين عجزهم وذلتهم ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=49وترى المجرمين يومئذ ) .
[ ص: 115 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=49وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=50سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=51لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=52هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=42وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) [ إِبْرَاهِيمَ : 42 ] وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ) وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ لَمْ يُقِمِ الْقِيَامَةَ وَلَمْ يَنْتَقِمْ لِلْمَظْلُومِينَ مِنَ الظَّالِمِينَ ، لَزِمَ إِمَّا كَوْنُهُ غَافِلًا وَإِمَّا كَوْنُهُ مُخْلِفًا فِي الْوَعْدِ ، وَلَمَّا تَقَرَّرَ فِي الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُحَالٌ كَانَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُقِيمُ الْقِيَامَةَ بَاطِلًا . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ) يَعْنِي قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=51إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا ) [ غَافِرٍ : 51 ] وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=21كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) [ الْمُجَادَلَةِ : 21 ] .
فَإِنْ قِيلَ : هَلَّا قِيلَ : مُخْلِفَ رُسُلِهِ وَعْدَهُ ؟ وَلِمَ قَدَّمَ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ ؟
قُلْنَا : لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُخْلِفُ الْوَعْدَ أَصْلًا ،
nindex.php?page=treesubj&link=29682_33678إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47رُسُلَهُ ) لِيَدُلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا لَمْ يُخْلِفْ وَعْدَهُ أَحَدًا وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ إِخْلَافُ الْمَوَاعِيدِ فَكَيْفَ يُخْلِفُهُ رُسُلَهُ الَّذِينَ هُمْ خِيرَتُهُ وَصَفْوَتُهُ ، وَقُرِئَ : " مُخْلِفَ وَعْدَ رُسُلِهِ " بِجَرِّ الرُّسُلِ وَنَصْبِ الْوَعْدِ ، وَالتَّقْدِيرُ : مُخْلِفَ رُسُلِهِ وَعْدَهُ ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ فِي الضَّعْفِ ، كَمَنْ قَرَأَ " قَتْلُ أَوْلَادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ " ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ) أَيْ غَالِبٌ لَا يُمَاكِرُ " ذُو انْتِقَامٍ " لِأَوْلِيَائِهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=49وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=50سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=51لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=52هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) .
اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ) بَيَّنَ وَقْتَ انْتِقَامِهِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ) وَعَظَّمَ مِنْ حَالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ ؛ لِأَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=30296لَا أَمْرَ أَعْظَمُ فِي الْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ مِنْ تَغْيِيرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : ذَكَرَ
الزَّجَّاجُ فِي نَصْبِ " يَوْمَ " وَجْهَيْنِ ، إِمَّا عَلَى الظَّرْفِ لِانْتِقَامٍ أَوْ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ ) .
المسألة الثَّانِيَةُ : اعْلَمْ أَنَّ التَّبْدِيلَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ الذَّاتُ بَاقِيَةً وَتَتَبَدَّلَ صِفَتُهَا بِصِفَةٍ أُخْرَى .
وَالثَّانِي : أَنْ تَفْنَى الذَّاتُ الْأُولَى وَتَحْدُثَ ذَاتٌ أُخْرَى ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ لَفْظِ التَّبَدُّلِ لِإِرَادَةِ التَّغَيُّرِ فِي الصِّفَةِ جَائِزٌ أَنَّهُ يُقَالُ : بَدَّلْتُ الْحَلْقَةَ خَاتَمًا إِذَا أَذَبْتَهَا وَسَوَّيْتَهَا خَاتَمًا فَنَقَلْتَهَا مِنْ شَكْلٍ إِلَى شَكْلٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) [ الْفُرْقَانِ : 70 ] وَيُقَالُ : بَدَّلْتُ قَمِيصِي جُبَّةً أَيْ نَقَلْتُ الْعَيْنَ مِنْ
[ ص: 116 ] صِفَةٍ إِلَى صِفَةٍ أُخْرَى ، وَيُقَالُ : تَبَدَّلَ زَيْدٌ إِذَا تَغَيَّرَتْ أَحْوَالُهُ ، وَأَمَّا ذِكْرُ لَفْظِ التَّبْدِيلِ عِنْدَ وُقُوعِ التَّبَدُّلِ فِي الذَّوَاتِ فَكَقَوْلِكَ بَدَّلْتُ الدَّرَاهِمَ دَنَانِيرَ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=56بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا ) [ النِّسَاءِ : 56 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=16وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ) [ سَبَأٍ : 16 ] إِذَا عَرَفْتَ أَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْمَفْهُومَيْنِ فَفِي الْآيَةِ قَوْلَانِ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمُرَادَ تَبْدِيلُ الصِّفَةِ لَا تَبْدِيلُ الذَّاتِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : هِيَ تِلْكَ الْأَرْضُ إِلَّا أَنَّهَا تَغَيَّرَتْ فِي صِفَاتِهَا ، فَتَسِيرُ عَنِ الْأَرْضِ جِبَالُهَا وَتُفَجَّرُ بِحَارُهَا وَتُسَوَّى ، فَلَا يُرَى فِيهَا عِوَجٌ وَلَا أَمْتٌ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013023 " يُبَدِّلُ اللَّهُ الْأَرْضَ غَيْرَ الْأَرْضِ فَيَبْسُطُهَا وَيَمُدُّهَا مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ فَلَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا " . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48وَالسَّمَاوَاتُ ) أَيْ تُبَدَّلُ السَّمَاوَاتُ غَيْرَ السَّمَاوَاتِ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013024 " لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ " وَالْمَعْنَى : وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ ، وَتَبْدِيلُ السَّمَاوَاتِ بِانْتِثَارِ كَوَاكِبِهَا وَانْفِطَارِهَا ، وَتَكْوِيرِ شَمْسِهَا ، وَخُسُوفِ قَمَرِهَا ، وَكَوْنِهَا أَبْوَابًا ، وَأَنَّهَا تَارَةً تَكُونُ كَالْمُهْلِ وَتَارَةً تَكُونُ كَالدِّهَانِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ تَبْدِيلُ الذَّاتِ . قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ : تُبَدَّلُ بِأَرْضٍ كَالْفِضَّةِ الْبَيْضَاءِ النَّقِيَّةِ لَمْ يُسْفَكْ عَلَيْهَا دَمٌ وَلَمْ تُعْمَلْ عَلَيْهَا خَطِيئَةٌ ، فَهَذَا شَرْحُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ رَجَّحَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَالَ : لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ ) الْمُرَادُ هَذِهِ الْأَرْضُ ، وَالتَّبَدُّلُ صِفَةٌ مُضَافَةٌ إِلَيْهَا ، وَعِنْدَ حُصُولِ الصِّفَةِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْمَوْصُوفُ مَوْجُودًا ، فَلَمَّا كَانَ الْمَوْصُوفُ بِالتَّبَدُّلِ هُوَ هَذِهِ الْأَرْضَ وَجَبَ كَوْنُ هَذِهِ الْأَرْضِ بَاقِيَةً عِنْدَ حُصُولِ ذَلِكَ التَّبَدُّلِ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَرْضُ بَاقِيَةً مَعَ صِفَاتِهَا عِنْدَ حُصُولِ ذَلِكَ التَّبَدُّلِ ، وَإِلَّا لَامْتَنَعَ حُصُولُ التَّبَدُّلِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي هُوَ الذَّاتَ . فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَقْتَضِي كَوْنَ الذَّاتِ بَاقِيَةً ، وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إِنَّ عِنْدَ قِيَامِ الْقِيَامَةِ لَا يُعْدِمُ اللَّهُ الذَّوَاتِ وَالْأَجْسَامَ ، وَإِنَّمَا يُعْدِمُ صِفَاتِهَا وَأَحْوَالَهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ : الْمُرَادُ مِنْ تَبْدِيلِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُ الْأَرْضَ جَهَنَّمَ وَيَجْعَلُ السَّمَاوَاتِ الْجَنَّةَ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=18كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ) [ الْمُطَفِّفِينَ : 18 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=7كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) [ الْمُطَفِّفِينَ : 7 ] . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
أما قوله تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) فَنَقُولُ : أَمَّا الْبُرُوزُ لِلَّهِ فَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=21وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا ) [ إِبْرَاهِيمَ : 2 ] وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْوَاحِدَ الْقَهَّارَ هَهُنَا لِأَنَّ الْمُلْكَ إِذَا كَانَ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ غَلَّابٍ لَا يُغَالَبُ قَهَّارٌ لَا يُقْهَرُ فَلَا مُسْتَغَاثَ لِأَحَدٍ إِلَى غَيْرِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ فِي غَايَةِ الصُّعُوبَةِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=16لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) [ غَافِرٍ : 16 ] وَلَمَّا وَصَفَ نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ بِكَوْنِهِ قَهَّارًا بَيْنَ عَجْزِهِمْ وَذِلَّتِهِمْ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=49وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ ) .