(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=95ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) .
قوله تعالى :
[ ص: 89 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=95ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) .
اعلم أنه تعالى لما حذر في الآية الأولى عن نقض العهود والأيمان على الإطلاق ، حذر في هذه الآية فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم ) . وليس المراد منه التحذير عن نقض مطلق الأيمان ، وإلا لزم التكرير الخالي عن الفائدة في موضع واحد ، بل المراد نهي أولئك الأقوام المخاطبين بهذا الخطاب عن نقض أيمان مخصوصة أقدموا عليها ، فلهذا المعنى قال المفسرون : المراد من هذه الآية
nindex.php?page=treesubj&link=18789_18783نهي الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقض عهده ؛ لأن هذا الوعيد هو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94فتزل قدم بعد ثبوتها ) لا يليق بنقض عهد قبله ، وإنما يليق بنقض عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإيمان به وشرائعه .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94فتزل قدم بعد ثبوتها ) مثل يذكر لكل من وقع في بلاء بعد عافية ، ومحنة بعد نعمة ، فإن من
nindex.php?page=treesubj&link=18783_18789نقض عهد الإسلام فقد سقط عن الدرجات العالية ووقع في مثل هذه الضلالة ، ويدل على هذا قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94وتذوقوا السوء ) أي العذاب : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94بما صددتم ) أي بصدكم (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ) أي ذلك السوء الذي تذوقونه سوء عظيم وعقاب شديد ، ثم أكد هذا التحذير فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=95ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا ) يريد عرض الدنيا وإن كان كثيرا ، إلا أن ما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون ، يعني : أنكم وإن وجدتم على نقض عهد الإسلام خيرا من خيرات الدنيا ، فلا تلتفتوا إليه ؛ لأن الذي أعده الله تعالى على البقاء على الإسلام خير وأفضل وأكمل مما يجدونه في الدنيا على نقض عهد الإسلام إن كنتم تعلمون التفاوت بين خيرات الدنيا وبين خيرات الآخرة ، ثم ذكر الدليل القاطع على أن ما عند الله خير مما يجدونه من طيبات الدنيا فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96ما عندكم ينفد وما عند الله باق ) وفيه بحثان :
البحث الأول : الحس شاهد بأن
nindex.php?page=treesubj&link=29497_19793خيرات الدنيا منقطعة ، والعقل دل على أن خيرات الآخرة باقية ، والباقي خير من المنقطع ، والدليل عليه أن هذا المنقطع إما أن يقال : إنه كان خيرا عاليا شريفا ، أو كان خيرا دنيا خسيسا ، فإن قلنا : إنه كان خيرا عاليا شريفا فالعلم بأنه سينقطع يجعله منغصا حال حصوله ، وأما حال حصول ذلك الانقطاع فإنها تعظم الحسرة والحزن ، وكون تلك النعمة العالية الشريفة كذلك ينغص فيها ويقلل مرتبتها ، وتفتر الرغبة فيها ، وأما إن قلنا : إن تلك النعمة المنقطعة كانت من الخيرات الخسيسة فهمنا من الظاهر أن ذلك الخير الدائم وجب أن يكون أفضل من ذلك الخير المنقطع ، فثبت بهذا أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96ما عندكم ينفد وما عند الله باق ) برهان قاطع على أن خيرات الآخرة أفضل من خيرات الدنيا .
البحث الثاني : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96وما عند الله باق ) يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30386_30387_30395_19889_19904نعيم أهل الجنة باق لا ينقطع . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15658جهم بن صفوان : إنه منقطع ، والآية حجة عليه .
واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28801_28649المؤمن إذا آمن بالله فقد التزم شرائع الإسلام والإيمان ، وحينئذ يجب عليه أمران :
أحدهما : أن يصبر على ذلك الالتزام ، وأن لا يرجع عنه وأن لا ينقضه بعد ثبوته .
والثاني : أن يأتي بكل ما هو من شرائع الإسلام ولوازمه .
إذا عرفت هذا فنقول : إنه تعالى رغب المؤمنين في القسم الأول وهو الصبر على ما التزموه ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96ولنجزين الذين صبروا ) . أي : على ما التزموه من شرائع الإسلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96بأحسن ما كانوا يعملون ) . أي : يجزيهم
[ ص: 90 ] على أحسن أعمالهم ، وذلك لأن المؤمن قد يأتي بالمباحات وبالمندوبات وبالواجبات ، ولا شك أنه على فعل المندوبات والواجبات يثاب ، لا على فعل المباحات ؛ فلهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) . ثم إنه تعالى رغب المؤمنين في القسم الثاني ، وهو الإتيان بكل ما كان من شرائع الإسلام فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) . وفي الآية سؤالات :
السؤال الأول : لفظة "من" في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97من عمل صالحا ) تفيد العموم فما الفائدة في ذكر الذكر والأنثى ؟
والجواب : أن هذه الآية للوعد بالخيرات ، والمبالغة في تقرير الوعد من أعظم دلائل الكرم والرحمة ؛ إثباتا للتأكيد وإزالة لوهم التخصيص .
السؤال الثاني : هل تدل هذه الآية على أن الإيمان مغاير للعمل الصالح ؟
والجواب : نعم . لأنه تعالى جعل
nindex.php?page=treesubj&link=29674_30515الإيمان شرطا في كون العمل الصالح موجبا للثواب ؛ وشرط الشيء مغاير لذلك الشيء .
السؤال الثالث : ظاهر الآية يقتضي أن العمل الصالح إنما يفيد الأثر بشرط الإيمان ، فظاهر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) [ الزلزلة : 7 ] يدل على أن العمل الصالح يفيد الأثر ، سواء كان مع الإيمان أو كان مع عدمه .
والجواب : أن إفادة العمل الصالح للحياة الطيبة مشروط بالإيمان ، أما إفادته لأثر غير هذه الحياة الطيبة وهو تخفيف العقاب فإنه لا يتوقف على الإيمان .
السؤال الرابع : هذه
nindex.php?page=treesubj&link=29680_29675_32928الحياة الطيبة تحصل في الدنيا أو في القبر أو في الآخرة ؟
والجواب : فيه ثلاثة أقوال :
القول الأول : قال القاضي : الأقرب أنها تحصل في الدنيا بدليل أنه تعالى أعقبه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) . ولا شبهة في أن المراد منه ما يكون في الآخرة .
ولقائل أن يقول : لا يبعد أن يكون المراد من الحياة الطيبة ما يحصل في الآخرة ، ثم إنه مع ذلك وعدهم الله على أنه إنما يجزيهم على ما هو أحسن أعمالهم ، فهذا لا امتناع فيه .
فإن قيل : بتقدير أن تكون هذه الحياة الطيبة إنما تحصل في الدنيا فما هي ؟
والجواب : ذكروا فيه وجوها :
قيل : هو الرزق الحلال الطيب ، وقيل : عبادة الله مع أكل الحلال ، وقيل : القناعة ، وقيل : رزق يوم بيوم ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013058كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه : "قنعني بما رزقتني" .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013059اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا " .
قال
الواحدي : وقول من يقول : إنه القناعة - حسن مختار ؛ لأنه لا يطيب عيش أحد في الدنيا إلا عيش القانع ، وأما الحريص فإنه يكون أبدا في الكد والعناء .
[ ص: 91 ] واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=29675_29680_19880_19886_19879_19876عيش المؤمن في الدنيا أطيب من عيش الكافر لوجوه :
الأول : أنه لما عرف أن رزقه إنما حصل بتدبير الله تعالى ، وعرف أنه تعالى محسن كريم لا يفعل إلا الصواب كان راضيا بكل ما قضاه وقدره ، وعلم أن مصلحته في ذلك ، أما الجاهل فلا يعرف هذه الأصول فكان أبدا في الحزن والشقاء .
وثانيها : أن المؤمن أبدا يستحضر في عقله أنواع المصائب والمحن ويقدر وقوعها وعلى تقدير وقوعها يرضى بها ؛ لأن الرضا بقضاء الله تعالى واجب ، فعند وقوعها لا يستعظمها ؛ بخلاف الجاهل فإنه يكون غافلا عن تلك المعارف ، فعند وقوع المصائب يعظم تأثيرها في قلبه .
وثالثها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30481قلب المؤمن منشرح بنور معرفة الله تعالى ، والقلب إذا كان مملوءا من هذه المعارف لم يتسع للأحزان الواقعة بسبب أحوال الدنيا ، أما قلب الجاهل فإنه خال عن معرفة الله تعالى فلا جرم يصير مملوءا من الأحزان الواقعة بسبب مصائب الدنيا .
ورابعها : أن المؤمن عارف بأن خيرات الحياة الجسمانية خسيسة ، فلا يعظم فرحه بوجدانها وغمه بفقدانها ، أما الجاهل فإنه لا يعرف سعادة أخرى تغايرها ، فلا جرم يعظم فرحه بوجدانها وغمه بفقدانها .
وخامسها : أن المؤمن يعلم أن خيرات الدنيا واجبة التغير سريعة التقلب فلولا تغيرها وانقلابها لم تصل من غيره إليه .
واعلم أن ما كان واجب التغير فإنه عند وصوله إليه لا تنقلب حقيقته ولا تتبدل ماهيته ، فعند وصوله إليه يكون أيضا واجب التغير ، فعند ذلك لا يطبع العاقل قلبه عليه ولا يقيم له في قلبه وزنا ، بخلاف الجاهل فإنه يكون غافلا عن هذه المعارف ، فيطبع قلبه عليها ويعانقها معانقة العاشق لمعشوقه ، فعند فوته وزواله يحترق قلبه ويعظم البلاء عنده ، فهذه وجوه كافية في بيان أن عيش المؤمن العارف أطيب من عيش الكافر ، هذا كله إذا فسرنا الحياة الطيبة بأنها في الدنيا .
والقول الثاني : وهو قول
السدي : إن هذه الحياة الطيبة إنما تحصل في القبر .
والقول الثالث : وهو قول
الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير : إن هذه الحياة الطيبة لا تحصل إلا في الآخرة ، والدليل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=6ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) [الانشقاق : 6] . فبين أن هذا الكدح باق إلى أن يصل إلى ربه وذلك ما قلناه ، وأما بيان أن الحياة الطيبة في الجنة ؛ فلأنها حياة بلا موت وغنى بلا فقر ، وصحة بلا مرض ، وملك بلا زوال ، وسعادة بلا شقاء ، فثبت أن الحياة الطيبة ليست إلا تلك الحياة . ثم إنه تعالى ختم الآية بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) ، وقد سبق تفسيره ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=95وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
[ ص: 89 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=95وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَذَّرَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى عَنْ نَقْضِ الْعُهُودِ وَالْأَيْمَانِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، حَذَّرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ ) . وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّحْذِيرَ عَنْ نَقْضِ مُطْلَقِ الْأَيْمَانِ ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّكْرِيرُ الْخَالِي عَنِ الْفَائِدَةِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، بَلِ الْمُرَادُ نَهْيُ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا الْخِطَابِ عَنْ نَقْضِ أَيْمَانٍ مَخْصُوصَةٍ أَقْدَمُوا عَلَيْهَا ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=18789_18783نَهْيُ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَقْضِ عَهْدِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَعِيدَ هُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا ) لَا يَلِيقُ بِنَقْضِ عَهْدٍ قَبْلَهُ ، وَإِنَّمَا يَلِيقُ بِنَقْضِ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَشَرَائِعِهِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا ) مَثَلٌ يُذْكَرُ لِكُلِّ مَنْ وَقَعَ فِي بَلَاءٍ بَعْدَ عَافِيَةٍ ، وَمِحْنَةٍ بَعْدَ نِعْمَةٍ ، فَإِنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=18783_18789نَقَضَ عَهْدَ الْإِسْلَامِ فَقَدْ سَقَطَ عَنِ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ وَوَقَعَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الضَّلَالَةِ ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94وَتَذُوقُوا السُّوءَ ) أَيِ الْعَذَابَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94بِمَا صَدَدْتُمْ ) أَيْ بِصَدِّكُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) أَيْ ذَلِكَ السُّوءُ الَّذِي تَذُوقُونَهُ سُوءٌ عَظِيمٌ وَعِقَابٌ شَدِيدٌ ، ثُمَّ أَكَّدَ هَذَا التَّحْذِيرَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=95وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ) يُرِيدُ عَرَضَ الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا ، إِلَّا أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، يَعْنِي : أَنَّكُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمْ عَلَى نَقْضِ عَهْدِ الْإِسْلَامِ خَيْرًا مِنْ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا ، فَلَا تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَعَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْبَقَاءِ عَلَى الْإِسْلَامِ خَيْرٌ وَأَفْضَلُ وَأَكْمَلُ مِمَّا يَجِدُونَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى نَقْضِ عَهْدِ الْإِسْلَامِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ التَّفَاوُتَ بَيْنَ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ خَيْرَاتِ الْآخِرَةِ ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّلِيلَ الْقَاطِعَ عَلَى أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا يَجِدُونَهُ مِنْ طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ) وَفِيهِ بَحْثَانِ :
البحث الْأَوَّلُ : الْحِسُّ شَاهِدٌ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29497_19793خَيْرَاتِ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ ، وَالْعَقْلُ دَلَّ عَلَى أَنَّ خَيْرَاتِ الْآخِرَةِ بَاقِيَةٌ ، وَالْبَاقِي خَيْرٌ مِنَ الْمُنْقَطِعِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْمُنْقَطِعَ إِمَّا أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ كَانَ خَيْرًا عَالِيًا شَرِيفًا ، أَوْ كَانَ خَيْرًا دَنِيًّا خَسِيسًا ، فَإِنْ قُلْنَا : إِنَّهُ كَانَ خَيْرًا عَالِيًا شَرِيفًا فَالْعِلْمُ بِأَنَّهُ سَيَنْقَطِعُ يَجْعَلُهُ مُنَغَّصًا حَالَ حُصُولِهِ ، وَأَمَّا حَالَ حُصُولِ ذَلِكَ الِانْقِطَاعِ فَإِنَّهَا تَعْظُمُ الْحَسْرَةُ وَالْحُزْنُ ، وَكَوْنُ تِلْكَ النِّعْمَةِ الْعَالِيَةِ الشَّرِيفَةِ كَذَلِكَ يُنَغِّصُ فِيهَا وَيُقَلِّلُ مَرْتَبَتَهَا ، وَتَفْتُرُ الرَّغْبَةُ فِيهَا ، وَأَمَّا إِنْ قُلْنَا : إِنَّ تِلْكَ النِّعْمَةَ الْمُنْقَطِعَةَ كَانَتْ مِنَ الْخَيْرَاتِ الْخَسِيسَةِ فَهَمُّنَا مِنَ الظَّاهِرِ أَنَّ ذَلِكَ الْخَيْرَ الدَّائِمَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ الْخَيْرِ الْمُنْقَطِعِ ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ) بُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ خَيْرَاتِ الْآخِرَةِ أَفْضَلُ مِنْ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا .
البحث الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30386_30387_30395_19889_19904نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَاقٍ لَا يَنْقَطِعُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15658جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ : إِنَّهُ مُنْقَطِعٌ ، وَالْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28801_28649الْمُؤْمِنَ إِذَا آمَنَ بِاللَّهِ فَقَدِ الْتَزَمَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَصْبِرَ عَلَى ذَلِكَ الِالْتِزَامِ ، وَأَنْ لَا يَرْجِعَ عَنْهُ وَأَنْ لَا يَنْقُضَهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَأْتِيَ بِكُلِّ مَا هُوَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَلَوَازِمِهِ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : إِنَّهُ تَعَالَى رَغَّبَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الصَّبْرُ عَلَى مَا الْتَزَمُوهُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا ) . أَيْ : عَلَى مَا الْتَزَمُوهُ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) . أَيْ : يَجْزِيهِمْ
[ ص: 90 ] عَلَى أَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ قَدْ يَأْتِي بِالْمُبَاحَاتِ وَبِالْمَنْدُوبَاتِ وَبِالْوَاجِبَاتِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ عَلَى فِعْلِ الْمَنْدُوبَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ يُثَابُ ، لَا عَلَى فِعْلِ الْمُبَاحَاتِ ؛ فَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) . ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى رَغَّبَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي ، وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) . وَفِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : لَفْظَةُ "مَنْ" فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97مَنْ عَمِلَ صَالِحًا ) تُفِيدُ الْعُمُومَ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ؟
وَالْجَوَابُ : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لِلْوَعْدِ بِالْخَيْرَاتِ ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي تَقْرِيرِ الْوَعْدِ مِنْ أَعْظَمِ دَلَائِلِ الْكَرَمِ وَالرَّحْمَةِ ؛ إِثْبَاتًا لِلتَّأْكِيدِ وَإِزَالَةً لِوَهْمِ التَّخْصِيصِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : هَلْ تَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ مُغَايِرٌ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ ؟
وَالْجَوَابُ : نَعَمْ . لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ
nindex.php?page=treesubj&link=29674_30515الْإِيمَانَ شَرْطًا فِي كَوْنِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ مُوجِبًا لِلثَّوَابِ ؛ وَشَرْطُ الشَّيْءِ مُغَايِرٌ لِذَلِكَ الشَّيْءِ .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : ظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ إِنَّمَا يُفِيدُ الْأَثَرَ بِشَرْطِ الْإِيمَانِ ، فَظَاهِرُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ) [ الزَّلْزَلَةِ : 7 ] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يُفِيدُ الْأَثَرَ ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَ الْإِيمَانِ أَوْ كَانَ مَعَ عَدَمِهِ .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ إِفَادَةَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لِلْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ مَشْرُوطٌ بِالْإِيمَانِ ، أَمَّا إِفَادَتُهُ لِأَثَرٍ غَيْرِ هَذِهِ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ وَهُوَ تَخْفِيفُ الْعِقَابِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِيمَانِ .
السُّؤَالُ الرَّابِعُ : هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=29680_29675_32928الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ تَحْصُلُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْقَبْرِ أَوْ فِي الْآخِرَةِ ؟
وَالْجَوَابُ : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : قَالَ الْقَاضِي : الْأَقْرَبُ أَنَّهَا تَحْصُلُ فِي الدُّنْيَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) . وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ مَا يَحْصُلُ فِي الْآخِرَةِ ، ثُمَّ إِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ وَعَدَهُمُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَجْزِيهِمْ عَلَى مَا هُوَ أَحْسَنُ أَعْمَالِهِمْ ، فَهَذَا لَا امْتِنَاعَ فِيهِ .
فَإِنْ قِيلَ : بِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ إِنَّمَا تَحْصُلُ فِي الدُّنْيَا فَمَا هِيَ ؟
وَالْجَوَابُ : ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا :
قِيلَ : هُوَ الرِّزْقُ الْحَلَالُ الطَّيِّبُ ، وَقِيلَ : عِبَادَةُ اللَّهِ مَعَ أَكْلِ الْحَلَالِ ، وَقِيلَ : الْقَنَاعَةُ ، وَقِيلَ : رِزْقُ يَوْمٍ بِيَوْمٍ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013058كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ : "قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي" .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013059اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ كَفَافًا " .
قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُ الْقَنَاعَةُ - حَسَنٌ مُخْتَارٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطِيبُ عَيْشُ أَحَدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا عَيْشَ الْقَانِعِ ، وَأَمَّا الْحَرِيصُ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَبَدًا فِي الْكَدِّ وَالْعَنَاءِ .
[ ص: 91 ] وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29675_29680_19880_19886_19879_19876عَيْشَ الْمُؤْمِنِ فِي الدَّنْيَا أَطْيَبُ مِنْ عَيْشِ الْكَافِرِ لِوُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ لَمَّا عَرَفَ أَنَّ رِزْقَهُ إِنَّمَا حَصَلَ بِتَدْبِيرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَعَرَفَ أَنَّهُ تَعَالَى مُحْسِنٌ كَرِيمٌ لَا يَفْعَلُ إِلَّا الصَّوَابَ كَانَ رَاضِيًا بِكُلِّ مَا قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ ، وَعَلِمَ أَنَّ مَصْلَحَتَهُ فِي ذَلِكَ ، أَمَّا الْجَاهِلُ فَلَا يَعْرِفُ هَذِهِ الْأُصُولَ فَكَانَ أَبَدًا فِي الْحُزْنِ وَالشَّقَاءِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْمُؤْمِنَ أَبَدًا يَسْتَحْضِرُ فِي عَقْلِهِ أَنْوَاعَ الْمَصَائِبِ وَالْمِحَنِ وَيُقَدِّرُ وُقُوعَهَا وَعَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهَا يَرْضَى بِهَا ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبٌ ، فَعِنْدَ وُقُوعِهَا لَا يَسْتَعْظِمُهَا ؛ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ فَإِنَّهُ يَكُونُ غَافِلًا عَنْ تِلْكَ الْمَعَارِفِ ، فَعِنْدَ وُقُوعِ الْمَصَائِبِ يَعْظُمُ تَأْثِيرُهَا فِي قَلْبِهِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30481قَلْبَ الْمُؤْمِنِ مُنْشَرِحٌ بِنُورِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْقَلْبُ إِذَا كَانَ مَمْلُوءًا مِنْ هَذِهِ الْمَعَارِفِ لَمْ يَتَّسِعْ لِلْأَحْزَانِ الْوَاقِعَةِ بِسَبَبِ أَحْوَالِ الدُّنْيَا ، أَمَّا قَلْبُ الْجَاهِلِ فَإِنَّهُ خَالٍ عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا جَرَمَ يَصِيرُ مَمْلُوءًا مِنَ الْأَحْزَانِ الْوَاقِعَةِ بِسَبَبِ مَصَائِبِ الدُّنْيَا .
وَرَابِعُهَا : أَنَّ الْمُؤْمِنَ عَارِفٌ بِأَنَّ خَيْرَاتِ الْحَيَاةِ الْجُسْمَانِيَّةِ خَسِيسَةٌ ، فَلَا يَعْظُمُ فَرَحُهُ بِوِجْدَانِهَا وَغَمُّهُ بِفُقْدَانِهَا ، أَمَّا الْجَاهِلُ فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ سَعَادَةً أُخْرَى تُغَايِرُهَا ، فَلَا جَرَمَ يَعْظُمُ فَرَحُهُ بِوِجْدَانِهَا وَغَمُّهُ بِفُقْدَانِهَا .
وَخَامِسُهَا : أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَعْلَمُ أَنَّ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا وَاجِبَةُ التَّغَيُّرِ سَرِيعَةُ التَّقَلُّبِ فَلَوْلَا تَغَيُّرُهَا وَانْقِلَابُهَا لَمْ تَصِلْ مِنْ غَيْرِهِ إِلَيْهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا كَانَ وَاجِبَ التَّغَيُّرِ فَإِنَّهُ عِنْدَ وُصُولِهِ إِلَيْهِ لَا تَنْقَلِبُ حَقِيقَتُهُ وَلَا تَتَبَدَّلُ مَاهِيَّتُهُ ، فَعِنْدَ وُصُولِهِ إِلَيْهِ يَكُونُ أَيْضًا وَاجِبَ التَّغَيُّرِ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَطْبَعُ الْعَاقِلُ قَلْبَهُ عَلَيْهِ وَلَا يُقِيمُ لَهُ فِي قَلْبِهِ وَزْنًا ، بِخِلَافِ الْجَاهِلِ فَإِنَّهُ يَكُونُ غَافِلًا عَنْ هَذِهِ الْمَعَارِفِ ، فَيَطْبَعُ قَلْبَهُ عَلَيْهَا وَيُعَانِقُهَا مُعَانَقَةَ الْعَاشِقِ لِمَعْشُوقِهِ ، فَعِنْدَ فَوْتِهِ وَزَوَالِهِ يَحْتَرِقُ قَلْبُهُ وَيَعْظُمُ الْبَلَاءُ عِنْدَهُ ، فَهَذِهِ وُجُوهٌ كَافِيَةٌ فِي بَيَانِ أَنَّ عَيْشَ الْمُؤْمِنِ الْعَارِفِ أَطْيَبُ مِنْ عَيْشِ الْكَافِرِ ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا فَسَّرْنَا الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ بِأَنَّهَا فِي الدُّنْيَا .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ
السُّدِّيِّ : إِنَّ هَذِهِ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ إِنَّمَا تَحْصُلُ فِي الْقَبْرِ .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : وَهُوَ قَوْلُ
الْحَسَنِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : إِنَّ هَذِهِ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا فِي الْآخِرَةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=6يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ) [الِانْشِقَاقِ : 6] . فَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْكَدْحَ بَاقٍ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى رَبِّهِ وَذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ ، وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ فِي الْجَنَّةِ ؛ فَلِأَنَّهَا حَيَاةٌ بِلَا مَوْتٍ وَغِنًى بِلَا فَقْرٍ ، وَصِحَّةٌ بِلَا مَرَضٍ ، وَمُلْكٌ بِلَا زَوَالٍ ، وَسَعَادَةٌ بِلَا شَقَاءٍ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ لَيْسَتْ إِلَّا تِلْكَ الْحَيَاةَ . ثَمَّ إِنَّهُ تَعَالَى خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .