(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=111وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=111وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا )
[ ص: 59 ]
قال صاحب "الكشاف" : المراد بهما الاسم لا المسمى والواو للتخيير بمعنى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ) أي : سموا بهذا الاسم أو بهذا أو اذكروا إما هذا وإما هذا ، والتنوين في " أيا " عوض عن المضاف إليه و " ما " صلة للإبهام المؤكد لما في أي ، والتقدير أي هذين الاسمين سميتم وذكرتم (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110فله الأسماء الحسنى ) والضمير في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110فله ) ليس براجع إلى أحد الاسمين المذكورين ولكن إلى مسماهما وهو ذاته عز وعلا ، والمعنى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110أيا ما تدعوا ) فهو حسن فوضع موضعه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110فله الأسماء الحسنى ) لأنه إذا حسنت أسماؤه فقد حسن هذان الاسمان لأنهما منها ، ومعنى
nindex.php?page=treesubj&link=29446حسن أسماء الله كونها مفيدة لمعاني التحميد والتقديس ، وقد سبق الاستقصاء في هذا الباب في آخر سورة الأعراف في تفسير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180ولله الأسماء الحسنى ) [ الأعراف : 180 ] فادعوه بها ، واحتج
الجبائي بهذه الآية فقال : لو كان تعالى هو الخالق للظلم والجور لصح أن يقال يا ظالم وحينئذ يبطل ما ثبت في هذه الآية من كون أسمائه بأسرها حسنة ، والجواب : أنا لا نسلم أنه لو كان خالقا لأفعال العباد لصح وصفه بأنه ظالم وجائر كما أنه لا يلزم من كونه خالقا للحركة والسكون والسواد والبياض أن يقال يا متحرك ويا ساكن ويا أسود ويا أبيض فإن قالوا : فيلزم جواز أن يقال يا خالق الظلم والجور ، قلنا : فيلزمكم أن تقولوا يا خالق العذرات والديدان والخنافس ، وكما أنكم تقولون أن ذلك حق في نفس الأمر ولكن الأدب أن يقال يا خالق السماوات والأرض فكذا قولنا هنا ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) وفيه مباحث :
البحث الأول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110ولا تجهر بصلاتك ) فيه أقوال :
الأول : روى
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في هذه الآية قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013119كان nindex.php?page=treesubj&link=19773_29281_30617رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع صوته بالقراءة فإذا سمعه المشركون سبوه وسبوا من جاء به فأوحى الله تعالى إليه : ( nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110ولا تجهر بصلاتك ) فيسمع المشركون فيسبوا الله عدوا بغير علم : ( nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110ولا تخافت بها ) فلا تسمع أصحابك ، وابتغ بين ذلك سبيلا .
القول الثاني :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013120روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف بالليل على دور الصحابة ، وكان أبو بكر يخفي صوته بالقراءة في صلاته وكان عمر يرفع صوته ، فلما جاء النهار وجاء أبو بكر وعمر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر لم تخفي صوتك ؟ فقال : أناجي ربي ، وقد علم حاجتي ، وقال لعمر لم ترفع صوتك ؟ فقال : أزجر الشيطان وأوقظ الوسنان ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أن يرفع صوته قليلا ، وعمر أن يخفض صوته قليلا .
القول الثالث : معناه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110ولا تجهر بصلاتك ) كلها (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110ولا تخافت بها ) كلها ، وابتغ بين ذلك سبيلا بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار .
والقول الرابع : أن المراد بالصلاة : الدعاء ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها -
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ، قالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - هي في الدعاء ، وروي هذا مرفوعا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في هذه الآية إنما ذلك في الدعاء والمسألة لا ترفع صوتك فتذكر ذنوبك فيسمع ذلك فتعير بها ، فالجهر بالدعاء منهي عنه ، والمبالغة في الإسرار غير جائزة ، والمستحب من ذلك التوسط وهو أن يسمع نفسه كما روي عن
ابن مسعود أنه قال : لم يخافت من أسمع أذنيه .
والقول الخامس : قال
الحسن : لا تراء بعلانيتها ولا تسئ بسريتها .
البحث الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=1567_843الصلاة عبارة عن مجموع الأفعال والأذكار والجهر والمخافتة من عوارض الصوت ،
[ ص: 60 ] فالمراد ههنا من الصلوات بعض أجزاء ماهية الصلاة وهو الأذكار والقرآن وهو من باب إطلاق اسم الكل لإرادة الجزء .
البحث الثالث : يقال خفت صوته يخفت خفتا وخفوتا إذا ضعف وسكن ، وصوت خفيت أي خفيض ، ومنه يقال للرجل إذا مات قد خفت أي انقطع كلامه ، وخفت الزرع إذا ذبل ، وخفت الرجل يخافت بقراءته إذا لم يبين قراءته برفع الصوت ، وقد تخافت القوم إذا تساروا بينهم ، وأقول : ثبت في كتب الأخلاق أن كلا طرفي الأمور ذميم والعدل هو رعاية الوسط ولهذا المعنى مدح الله هذه الأمة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) ( البقرة : 143 ) وقال في مدح المؤمنين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) ( الفرقان : 67 ) وأمر الله رسوله فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) ( الإسراء : 29 ) فكذا ههنا نهى عن الطرفين وهو الجهر والمخافتة وأمر بالتوسط بينهما فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110وابتغ بين ذلك سبيلا ) ومنهم من قال : الآية منسوخة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=55ادعوا ربكم تضرعا وخفية ) ( الأعراف : 55 ) وهو بعيد ، واعلم أنه تعالى لما أمر أن لا يذكر ولا ينادى إلا بأسمائه الحسنى علمه كيفية التحميد فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=111وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل ) فذكر ههنا من صفات التنزيه والجلال وهي السلوب ثلاثة أنواع من الصفات :
النوع الأول
nindex.php?page=treesubj&link=29705من الصفات : أنه لم يتخذ ولدا ، والسبب فيه وجوه :
الأول : أن الولد هو الشيء المتولد من جزء من أجزاء شيء آخر فكل من له ولد فهو مركب من الأجزاء ، والمركب محدث ، والمحدث محتاج لا يقدر على كمال الإنعام فلا يستحق كمال الحمد .
الثاني : أن كل من له ولد فإنه يمسك جميع النعم لولده فإذا لم يكن له ولد أفاض كل تلك النعم على عبيده .
الثالث : أن الولد هو الذي يقوم مقام الوالد بعد انقضائه وفنائه فلو كان له ولد لكان منقضيا ومن كان كذلك لم يقدر على كمال الإنعام في كل الأوقات فوجب أن لا يستحق الحمد على الإطلاق .
والنوع الثاني من الصفات السلبية قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=111ولم يكن له شريك في الملك ) والسبب في اعتبار هذه الصفة أنه لو كان له شريك فحينئذ لا يعرف كونه مستحقا للحمد والشكر .
والنوع الثالث : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=111ولم يكن له ولي من الذل ) والسبب في اعتبار هذه الصفة أنه لو جاز عليه ولي من الذل لم يجب شكره لتجويز أن غيره حمله على ذلك الإنعام أو منعه منه ، أما إذا كان منزها عن الولد وعن الشريك وكان منزها عن أن يكون له ولي يلي أمره كان مستوجبا لأعظم أنواع الحمد ومستحقا لأجل أقسام الشكر ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=111وكبره تكبيرا ) ومعناه أن التحميد يجب أن يكون مقرونا بالتكبير ، ويحتمل أنواعا من المعاني :
أولها : تكبيره في ذاته وهو أن يعتقد أنه واجب الوجود لذاته وأنه غني عن كل ما سواه .
وثانيها : تكبيره في صفاته وذلك من ثلاثة أوجه :
أولها : أن يعتقد أن كل ما كان صفة له فهو من صفات الجلال والعز والعظمة والكمال وهو منزه عن كل صفات النقائص .
وثالثها : أن يعتقد أن كل واحد من تلك الصفات متعلق بما لا نهاية له من المعلومات ، وقدرته متعلقة بما لا نهاية له من المقدورات والممكنات .
ورابعها : أن يعتقد أنه كما تقدست ذاته عن الحدوث وتنزهت عن التغير والزوال والتحول والانتقال فكذلك صفاته أزلية قديمة سرمدية منزهة عن التغير والزوال والتحول والانتقال .
النوع الثالث : من تكبير الله تكبيره في أفعاله وعند هذا تختلف أهل الجبر والقدر ، فقال أهل السنة : إنا نحمد الله ونكبره ونعظمه عن أن يجري في سلطانه شيء لا على وفق حكمه وإرادته فالكل واقع بقضاء الله وقدرته ومشيئته وإرادته ، وقالت
المعتزلة : إنا نكبر الله ونعظمه عن أن يكون فاعلا لهذه القبائح والفواحش بل نعتقد أن حكمته تقتضي التنزيه والتقديس عنها وعن إرادتها وسمعت
[ ص: 61 ] أن الأستاذ
nindex.php?page=showalam&ids=11812أبا إسحاق الإسفراييني كان جالسا في دار
nindex.php?page=showalam&ids=14620الصاحب بن عباد فدخل القاضي
عبد الجبار بن أحمد الهمداني فلما رآه قال : سبحان من تنزه عن الفحشاء ، فقال
الأستاذ أبو إسحاق : سبحان من لا يجري في ملكه إلا ما يشاء .
النوع الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=30491_29687_29682تكبير الله في أحكامه وهو أن يعتقد أنه ملك مطاع وله الأمر والنهي والرفع والخفض وأنه لا اعتراض لأحد عليه في شيء من أحكامه يعز من يشاء ويذل من يشاء .
النوع الخامس :
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29682تكبير الله في أسمائه وهو أن لا يذكر إلا بأسمائه الحسنى ولا يوصف إلا بصفاته المقدسة العالية المنزهة .
النوع السادس : من التكبير هو أن الإنسان بعد أن يبلغ في التكبير والتعظيم والتنزيه والتقديس مقدار عقله وفهمه وخاطره يعترف أن عقله وفهمه لا يفي بمعرفة جلال الله ، ولسانه لا يفي بشكره ، وجوارحه وأعضاؤه لا تفي بخدمته فكبر الله عن أن يكون تكبيره وافيا بكنه مجده وعزته ، وهذا أقصى ما يقدر عليه العبد الضعيف من التكبير والتعظيم ونسأل الله تعالى الرحمة قبل الموت وعند الموت وبعد الموت إنه الكريم الرحيم وبالله العصمة والتوفيق وحسبنا الله ونعم الوكيل . قال المصنف رحمه الله - : " تم تفسير هذه السورة يوم الثلاثاء بين الظهر والعصر يوم العشرين من شهر المحرم في بلدة غزنين سنة إحدى وستمائة ، والحمد لله والصلاة على نبيه
محمد وآله وصحبه وسلم تسليما " .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=111وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=111وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا )
[ ص: 59 ]
قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : الْمُرَادُ بِهِمَا الِاسْمُ لَا الْمُسَمَّى وَالْوَاوُ لِلتَّخْيِيرِ بِمَعْنَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ ) أَيْ : سَمُّوا بِهَذَا الِاسْمِ أَوْ بِهَذَا أَوِ اذْكُرُوا إِمَّا هَذَا وَإِمَّا هَذَا ، وَالتَّنْوِينُ فِي " أَيًّا " عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَ " مَا " صِلَةٌ لِلْإِبْهَامِ الْمُؤَكِّدِ لِمَا فِي أَيْ ، وَالتَّقْدِيرُ أَيُّ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ سَمَّيْتُمْ وَذَكَرْتُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110فَلَهُ ) لَيْسَ بِرَاجِعٍ إِلَى أَحَدِ الِاسْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَلَكِنْ إِلَى مُسَمَّاهُمَا وَهُوَ ذَاتُهُ عَزَّ وَعَلَا ، وَالْمَعْنَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110أَيًّا مَا تَدْعُوا ) فَهُوَ حَسَنٌ فَوَضَعَ مَوْضِعَهُ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) لِأَنَّهُ إِذَا حَسُنَتْ أَسْمَاؤُهُ فَقَدْ حَسُنَ هَذَانِ الِاسْمَانِ لِأَنَّهُمَا مِنْهَا ، وَمَعْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=29446حُسْنُ أَسْمَاءِ اللَّهِ كَوْنُهَا مُفِيدَةً لِمَعَانِي التَّحْمِيدِ وَالتَّقْدِيسِ ، وَقَدْ سَبَقَ الِاسْتِقْصَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي آخِرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) [ الْأَعْرَافِ : 180 ] فَادْعُوهُ بِهَا ، وَاحْتَجَّ
الْجُبَّائِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ : لَوْ كَانَ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِلظُّلْمِ وَالْجَوْرِ لَصَحَّ أَنْ يُقَالَ يَا ظَالِمُ وَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ مَا ثَبَتَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ كَوْنِ أَسْمَائِهِ بِأَسْرِهَا حَسَنَةً ، وَالْجَوَابُ : أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ خَالِقًا لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ لَصَحَّ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ ظَالِمٌ وَجَائِرٌ كَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ خَالِقًا لِلْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ أَنْ يُقَالَ يَا مُتَحَرِّكُ وَيَا سَاكِنُ وَيَا أَسْوَدُ وَيَا أَبْيَضُ فَإِنْ قَالُوا : فَيَلْزَمُ جَوَازُ أَنْ يُقَالَ يَا خَالِقَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ ، قُلْنَا : فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تَقُولُوا يَا خَالِقَ الْعَذِرَاتِ وَالدِّيدَانِ وَالْخَنَافِسِ ، وَكَمَا أَنَّكُمْ تَقُولُونَ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَكِنَّ الْأَدَبَ أَنْ يُقَالَ يَا خَالِقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَكَذَا قَوْلُنَا هُنَا ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا ) وَفِيهِ مَبَاحِثُ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ ) فِيهِ أَقْوَالٌ :
الْأَوَّلُ : رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013119كَانَ nindex.php?page=treesubj&link=19773_29281_30617رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ فَإِذَا سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوهُ وَسَبُّوا مَنْ جَاءَ بِهِ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ ) فَيَسْمَعُ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110وَلَا تُخَافِتْ بِهَا ) فَلَا تُسْمِعُ أَصْحَابَكَ ، وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا .
الْقَوْلُ الثَّانِي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013120رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ بِاللَّيْلِ عَلَى دُورِ الصَّحَابَةِ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُخْفِي صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صِلَاتِهِ وَكَانَ عُمَرُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ ، فَلَمَّا جَاءَ النَّهَارُ وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ لِمَ تُخْفِي صَوْتَكَ ؟ فَقَالَ : أُنَاجِي رَبِّي ، وَقَدْ عَلِمَ حَاجَتِي ، وَقَالَ لِعُمَرَ لِمَ تَرْفَعُ صَوْتَكَ ؟ فَقَالَ : أَزْجُرُ الشَّيْطَانَ وَأُوقِظُ الْوَسَنَانَ ، فَأَمْرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ قَلِيلًا ، وَعُمَرَ أَنْ يُخْفِضَ صَوْتَهُ قَلِيلًا .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ : مَعْنَاهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ ) كُلِّهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110وَلَا تُخَافِتْ بِهَا ) كُلِّهَا ، وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا بِأَنْ تَجْهَرَ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَتُخَافِتَ بِصَلَاةِ النَّهَارِ .
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ : الدُّعَاءُ ، وَهَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبِي هُرَيْرَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٍ ، قَالَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هِيَ فِي الدُّعَاءِ ، وَرُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فَتَذْكُرَ ذُنُوبَكَ فَيُسْمَعَ ذَلِكَ فَتُعَيَّرَ بِهَا ، فَالْجَهْرُ بِالدُّعَاءِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْإِسْرَارِ غَيْرُ جَائِزَةٍ ، وَالْمُسْتَحَبُّ مِنْ ذَلِكَ التَّوَسُّطُ وَهُوَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ كَمَا رُوِيَ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يُخَافِتْ مَنْ أَسْمَعَ أُذُنَيْهِ .
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ : قَالَ
الْحَسَنُ : لَا تُرَاءِ بِعَلَانِيَتِهَا وَلَا تُسِئْ بِسِرِّيَّتِهَا .
الْبَحْثُ الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=1567_843الصَّلَاةُ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الْأَفْعَالِ وَالْأَذْكَارِ وَالْجَهْرُ وَالْمُخَافَتَةُ مِنْ عَوَارِضِ الصَّوْتِ ،
[ ص: 60 ] فَالْمُرَادُ هَهُنَا مِنَ الصَّلَوَاتِ بَعْضُ أَجْزَاءِ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْأَذْكَارُ وَالْقُرْآنُ وَهُوَ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ لِإِرَادَةِ الْجُزْءِ .
الْبَحْثُ الثَّالِثُ : يُقَالُ خَفَتَ صَوْتُهُ يَخْفِتُ خَفْتًا وَخُفُوتًا إِذَا ضَعُفَ وَسَكَنَ ، وَصَوْتٌ خَفِيتٌ أَيْ خَفِيضٌ ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا مَاتَ قَدْ خَفَتَ أَيِ انْقَطَعَ كَلَامُهُ ، وَخَفَتَ الزَّرْعُ إِذَا ذَبُلَ ، وَخَفَتَ الرَّجُلُ يُخَافِتُ بِقِرَاءَتِهِ إِذَا لَمْ يُبَيِّنْ قِرَاءَتَهُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ ، وَقَدْ تَخَافَتَ الْقَوْمُ إِذَا تَسَارُّوا بَيْنَهُمْ ، وَأَقُولُ : ثَبَتَ فِي كُتُبِ الْأَخْلَاقِ أَنَّ كِلَا طَرَفَيِ الْأُمُورِ ذَمِيمٌ وَالْعَدْلُ هُوَ رِعَايَةُ الْوَسَطِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى مَدَحَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) ( الْبَقَرَةِ : 143 ) وَقَالَ فِي مَدْحِ الْمُؤْمِنِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) ( الْفُرْقَانِ : 67 ) وَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ) ( الْإِسْرَاءِ : 29 ) فَكَذَا هَهُنَا نَهَى عَنِ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ الْجَهْرُ وَالْمُخَافَتَةُ وَأَمَرَ بِالتَّوَسُّطِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ) وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=55ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) ( الْأَعْرَافِ : 55 ) وَهُوَ بَعِيدٌ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ أَنْ لَا يُذْكَرَ وَلَا يُنَادَى إِلَّا بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى عَلَّمَهُ كَيْفِيَّةَ التَّحْمِيدِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=111وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ) فَذَكَرَ هَهُنَا مِنْ صِفَاتِ التَّنْزِيهِ وَالْجَلَالِ وَهِيَ السُّلُوبُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ مِنَ الصِّفَاتِ :
النَّوْعُ الْأَوَّلُ
nindex.php?page=treesubj&link=29705مِنَ الصِّفَاتِ : أَنَّهُ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ، وَالسَّبَبُ فِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الشَّيْءُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ شَيْءٍ آخَرَ فَكُلُّ مَنْ لَهُ وَلَدٌ فَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْأَجْزَاءِ ، وَالْمُرَكَّبُ مُحْدَثٌ ، وَالْمُحْدَثُ مُحْتَاجٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى كَمَالِ الْإِنْعَامِ فَلَا يَسْتَحِقُّ كَمَالَ الْحَمْدِ .
الثَّانِي : أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ وَلَدٌ فَإِنَّهُ يُمْسِكُ جَمِيعَ النِّعَمِ لِوَلِدِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ أَفَاضَ كُلَّ تِلْكَ النِّعَمِ عَلَى عَبِيدِهِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ الْوَالِدِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ وَفَنَائِهِ فَلَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ لَكَانَ مُنْقَضِيًا وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى كَمَالِ الْإِنْعَامِ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ الْحَمْدَ عَلَى الْإِطْلَاقِ .
وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=111وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ) وَالسَّبَبُ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الصِّفَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فَحِينَئِذٍ لَا يُعْرَفُ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا لِلْحَمْدِ وَالشُّكْرِ .
وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=111وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ) وَالسَّبَبُ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الصِّفَةِ أَنَّهُ لَوْ جَازَ عَلَيْهِ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ لَمْ يَجِبْ شُكْرُهُ لِتَجْوِيزِ أَنَّ غَيْرَهُ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْإِنْعَامِ أَوْ مَنَعَهُ مِنْهُ ، أَمَّا إِذَا كَانَ مُنَزَّهًا عَنِ الْوَلَدِ وَعَنِ الشَّرِيكِ وَكَانَ مُنَزَّهًا عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلِيٌّ يَلِي أَمْرَهُ كَانَ مُسْتَوْجِبًا لِأَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْحَمْدِ وَمُسْتَحِقًّا لِأَجَلِّ أَقْسَامِ الشُّكْرِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=111وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ التَّحْمِيدَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَقْرُونًا بِالتَّكْبِيرِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْوَاعًا مِنَ الْمَعَانِي :
أَوَّلُهَا : تَكْبِيرُهُ فِي ذَاتِهِ وَهُوَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ وَأَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ .
وَثَانِيهَا : تَكْبِيرُهُ فِي صِفَاتِهِ وَذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَوَّلُهَا : أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ صِفَةً لَهُ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْعِزِّ وَالْعَظَمَةِ وَالْكَمَالِ وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ صِفَاتِ النَّقَائِصِ .
وَثَالِثُهَا : أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ ، وَقُدْرَتُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ مِنَ الْمَقْدُورَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ .
وَرَابِعُهَا : أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ كَمَا تَقَدَّسَتْ ذَاتُهُ عَنِ الْحُدُوثِ وَتَنَزَّهَتْ عَنِ التَّغَيُّرِ وَالزَّوَالِ وَالتَّحَوُّلِ وَالِانْتِقَالِ فَكَذَلِكَ صِفَاتُهُ أَزَلِيَّةٌ قَدِيمَةٌ سَرْمَدِيَّةٌ مُنَزَّهَةٌ عَنِ التَّغَيُّرِ وَالزَّوَالِ وَالتَّحَوُّلِ وَالِانْتِقَالِ .
النَّوْعُ الثَّالِثُ : مِنْ تَكْبِيرِ اللَّهِ تَكْبِيرُهُ فِي أَفْعَالِهِ وَعِنْدَ هَذَا تَخْتَلِفُ أَهْلُ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ ، فَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ : إِنَّا نَحْمَدُ اللَّهَ وَنَكْبُرُهُ وَنُعَظِّمُهُ عَنْ أَنْ يَجْرِيَ فِي سُلْطَانِهِ شَيْءٌ لَا عَلَى وَفْقِ حُكْمِهِ وَإِرَادَتِهِ فَالْكُلُّ وَاقِعٌ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ ، وَقَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : إِنَّا نُكَبِّرُ اللَّهَ وَنُعَظِّمُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا لِهَذِهِ الْقَبَائِحِ وَالْفَوَاحِشِ بَلْ نَعْتَقِدُ أَنَّ حِكْمَتَهُ تَقْتَضِي التَّنْزِيهَ وَالتَّقْدِيسَ عَنْهَا وَعَنْ إِرَادَتِهَا وَسَمِعْتُ
[ ص: 61 ] أَنَّ الْأُسْتَاذَ
nindex.php?page=showalam&ids=11812أَبَا إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِينِيَّ كَانَ جَالِسًا فِي دَارِ
nindex.php?page=showalam&ids=14620الصَّاحِبِ بْنِ عَبَّادٍ فَدَخَلَ الْقَاضِي
عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ الْهَمْدَانِيُّ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ : سُبْحَانَ مَنْ تَنَزَّهَ عَنِ الْفَحْشَاءِ ، فَقَالَ
الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ : سُبْحَانَ مَنْ لَا يُجْرِي فِي مُلْكِهِ إِلَّا مَا يَشَاءُ .
النَّوْعُ الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30491_29687_29682تَكْبِيرُ اللَّهِ فِي أَحْكَامِهِ وَهُوَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ مَلِكٌ مُطَاعٌ وَلَهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالرَّفْعُ وَالْخَفْضُ وَأَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ .
النَّوْعُ الْخَامِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29682تَكْبِيرُ اللَّهِ فِي أَسْمَائِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يُذْكَرَ إِلَّا بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَلَا يُوصَفَ إِلَّا بِصِفَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ الْعَالِيَةِ الْمُنَزَّهَةِ .
النَّوْعُ السَّادِسُ : مِنَ التَّكْبِيرِ هُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ فِي التَّكْبِيرِ وَالتَّعْظِيمِ وَالتَّنْزِيهِ وَالتَّقْدِيسِ مِقْدَارَ عَقْلِهِ وَفَهْمِهِ وَخَاطِرِهِ يَعْتَرِفُ أَنَّ عَقْلَهُ وَفَهْمَهُ لَا يَفِي بِمَعْرِفَةِ جَلَالِ اللَّهِ ، وَلِسَانَهُ لَا يَفِي بِشُكْرِهِ ، وَجَوَارِحَهُ وَأَعْضَاؤَهُ لَا تَفِي بِخِدْمَتِهِ فَكَبَّرَ اللَّهَ عَنْ أَنْ يَكُونَ تَكْبِيرُهُ وَافِيًا بِكُنْهِ مَجْدِهِ وَعِزَّتِهِ ، وَهَذَا أَقْصَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ مِنَ التَّكْبِيرِ وَالتَّعْظِيمِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الرَّحْمَةَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ إِنَّهُ الْكَرِيمُ الرَّحِيمُ وَبِاللَّهِ الْعِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ - : " تَمَّ تَفْسِيرُ هَذِهِ السُّورَةِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ يَوْمَ الْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ فِي بَلْدَةِ غِزْنِينَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّمِائَةٍ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى نَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا " .