(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا )
[ ص: 66 ] قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا )
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ) معطوف على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2لينذر بأسا شديدا من لدنه ) والمعطوف يجب كونه مغايرا للمعطوف عليه ، فالأول عام في حق كل من استحق العذاب ، والثاني خاص بمن أثبت لله ولدا ، وعادة القرآن جارية بأنه إذا ذكر قضية كلية عطف عليها بعض جزئياتها تنبيها على كونه أعظم جزئيات ذلك الكلي ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98وملائكته ورسله وجبريل وميكال ) ( البقرة : 98 ) فكذا ههنا العطف يدل على أن أقبح أنواع الكفر والمعصية
nindex.php?page=treesubj&link=29705_29434إثبات الولد لله تعالى .
المسألة الثانية : الذين أثبتوا الولد لله تعالى ثلاث طوائف :
أحدها : كفار العرب الذين قالوا : الملائكة بنات الله .
وثانيها :
النصارى حيث قالوا : المسيح ابن الله .
وثالثها :
اليهود الذين قالوا :
عزير ابن الله .
والكلام في أن إثبات الولد لله كفر عظيم ، ويلزم منه محالات عظيمة قد ذكرناه في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وخرقوا له بنين وبنات بغير علم ) ( الأنعام : 100 ) وتمامه مذكور في سورة مريم ، ثم إنه تعالى أنكر على القائلين بإثبات الولد لله تعالى من وجهين :
الأول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5ما لهم به من علم ولا لآبائهم ) فإن قيل : اتخاذ الله ولدا محال في نفسه ، فكيف قيل : ما لهم به من علم ؟ قلنا : انتفاء العلم بالشيء قد يكون للجهل بالطريق الموصل إليه ، وقد يكون لأنه في نفسه محال لا يمكن تعلق العلم به . ونظيره قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=117ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به ) ( المؤمنون : 117 ) واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28368نفاة القياس تمسكوا بهذه الآية ، فقالوا : هذه الآية تدل على أن القول في الدين بغير علم باطل ، والقول بالقياس الظني قول في الدين بغير علم ، فيكون باطلا ، وتمام تقريره مذكور في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم ) ( الإسراء : 36 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5ولا لآبائهم ) أي ولا أحد من أسلافهم ، وهذا مبالغة في كون تلك المقالة باطلة فاسدة .
النوع الثاني : مما ذكره الله في إبطاله ، قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كبرت كلمة تخرج من أفواههم ) وفيه مباحث :
البحث الأول : قرئ : ( كبرت كلمة ) بالنصب على التمييز وبالرفع على الفاعلية ، قال
الواحدي : ومعنى التمييز أنك إذا قلت : كبرت المقالة أو الكلمة جاز أن يتوهم أنها كبرت كذبا أو جهلا أو افتراء ، فلما قلت : كلمة ميزتها من محتملاتها ، فانتصبت على التمييز ، والتقدير : كبرت الكلمة كلمة فحصل فيه الإضمار ، أما من رفع فلم يضمر شيئا ، كما تقول : عظم فلان ، فلذلك قال النحويون والنصب أقوى وأبلغ ، وفيه معنى التعجب ، كأنه قيل : ما أكبرها كلمة .
البحث الثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كبرت كلمة ) أي كبرت الكلمة ، والمراد من هذه الكلمة ما حكاه الله تعالى عنهم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4قالوا اتخذ الله ولدا ) فصارت مضمرة في كبرت ، وسميت كلمة كما يسمون القصيدة كلمة .
البحث الثالث : احتج
النظام في إثبات قوله : أن الكلام جسم بهذه الآية ، قال : أنه تعالى وصف الكلمة بأنها تخرج من أفواههم والخروج عبارة عن الحركة والحركة لا تصح إلا على الأجسام . والجواب : أن الحروف إنما تحدث بسبب خروج النفس عن الحلق ، فلما كان خروج النفس سببا لحدوث الكلمة أطلق لفظ الخروج على الكلمة .
[ ص: 67 ] البحث الرابع : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5تخرج من أفواههم ) يدل على أن هذا الكلام مستكره جدا عند العقل كأنه يقول : هذا الذي يقولونه لا يحكم به عقلهم وفكرهم البتة ، لكونه في غاية الفساد والبطلان ، فكأنه شيء يجري به لسانهم على سبيل التقليد ؛ لأنهم مع أنها قولهم عقولهم وفكرهم تأباها وتنفر عنها ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5إن يقولون إلا كذبا ) ومعناه ظاهر ، واعلم أن الناس قد اختلفوا في
nindex.php?page=treesubj&link=18980حقيقة الكذب ، فعندنا أنه الخبر الذي لا يطابق المخبر عنه سواء اعتقد المخبر أنه مطابق أم لا ، ومن الناس من قال : شرط كونه كذبا أن لا يطابق المخبر عنه مع علم قائله بأنه غير مطابق ، وهذا القيد عندنا باطل ، والدليل عليه هذه الآية ، فإنه تعالى وصف قولهم بإثبات الولد لله بكونه كذبا ، مع أن الكثير منهم يقول ذلك ، ولا يعلم كونه باطلا ، فعلمنا أن كل خبر لا يطابق المخبر عنه فهو كذب سواء علم القائل بكونه مطابقا أو لم يعلم ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) وفيه مباحث :
البحث الأول : المقصود منه أن يقال للرسول : لا يعظم حزنك وأسفك بسبب كفرهم ، فإنا بعثناك منذرا ومبشرا ، فأما تحصيل الإيمان في قلوبهم فلا قدرة لك عليه ، والغرض
nindex.php?page=treesubj&link=31037_31033تسلية الرسول -صلى الله عليه وسلم - عنه .
البحث الثاني : قال
الليث : بخع الرجل نفسه إذا قتلها غيظا من شدة وجده بالشيء ، وقال
الأخفش والفراء : أصل البخع الجهد ، يقال : بخعت لك نفسي أي جهدتها ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت
عمر ، فقالت : بخع الأرض أي جهدها ، حتى أخذ ما فيها من أموال الملوك ، وقال
الكسائي : بخعت الأرض بالزراعة إذا جعلتها ضعيفة بسبب متابعة الحراثة ، وبخع الرجل نفسه إذا نهكها ، وعلى هذا معنى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6باخع نفسك ) أي ناهكها وجاهدها حتى تهلكها ، ولكن أهل التأويل كلهم قالوا : قاتل نفسك ومهلكها ، والأصل ما ذكرناه ، هكذا قال
الواحدي .
البحث الثالث : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6على آثارهم ) أي من بعدهم ، يقال : مات فلان على أثر فلان أي بعده ، وأصل هذا أن الإنسان إذا مات بقيت علاماته وآثاره بعد موته مدة ، ثم إنها تنمحي وتبطله بالكلية ، فإذا كان موته قريبا من موت الأول كان موته حاصلا حال بقاء آثار الأول ، فصح أن يقال : مات فلان على أثر فلان .
البحث الرابع : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6إن لم يؤمنوا بهذا الحديث ) المراد بالحديث القرآن ، قال القاضي : وهذا يقتضي
nindex.php?page=treesubj&link=29453وصف القرآن بأنه حديث ، وذلك يدل على فساد قول من يقول : إنه قديم ، وجوابه أنه محمول على الألفاظ وهي حادثة .
البحث الخامس : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6أسفا ) الأسف المبالغة في الحزن ، وذكرنا الكلام فيه عند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=150غضبان أسفا ) في سورة الأعراف ، وعند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=99فلما دخلوا على يوسف ) وفي انتصابه وجوه :
الأول : أنه نصب على المصدر ودل ما قبله من الكلام على أنه يأسف .
الثاني : يجوز أن يكون مفعولا له أي للأسف ، كقولك : جئتك ابتغاء الخير . والثالث : قال
الزجاج : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6أسفا ) منصوب لأنه مصدر في موضع الحال .
البحث السادس : الفاء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6فلعلك ) جواب الشرط ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6إن لم يؤمنوا ) قدم عليه ومعناه التأخير .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا )
[ ص: 66 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا )
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ ) وَالْمَعْطُوفُ يَجِبُ كَوْنُهُ مُغَايِرًا لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، فَالْأَوَّلُ عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ مَنِ اسْتَحَقَّ الْعَذَابَ ، وَالثَّانِي خَاصٌّ بِمَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ وَلَدًا ، وَعَادَةُ الْقُرْآنِ جَارِيَةٌ بِأَنَّهُ إِذَا ذَكَرَ قَضِيَّةً كُلِّيَّةً عَطَفَ عَلَيْهَا بَعْضَ جُزْئِيَّاتِهَا تَنْبِيهًا عَلَى كَوْنِهِ أَعْظَمَ جُزْئِيَّاتِ ذَلِكَ الْكُلِّيِّ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ) ( الْبَقَرَةِ : 98 ) فَكَذَا هَهُنَا الْعَطْفُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَقْبَحَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=29705_29434إِثْبَاتُ الْوَلَدِ لِلَّهِ تَعَالَى .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الَّذِينَ أَثْبَتُوا الْوَلَدَ لِلَّهِ تَعَالَى ثَلَاثُ طَوَائِفَ :
أَحَدُهَا : كُفَّارُ الْعَرَبِ الَّذِينَ قَالُوا : الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ .
وَثَانِيهَا :
النَّصَارَى حَيْثُ قَالُوا : الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ .
وَثَالِثُهَا :
الْيَهُودُ الَّذِينَ قَالُوا :
عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ .
وَالْكَلَامُ فِي أَنَّ إِثْبَاتَ الْوَلَدِ لِلَّهِ كُفْرٌ عَظِيمٌ ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالَاتٌ عَظِيمَةٌ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ( الْأَنْعَامِ : 100 ) وَتَمَامُهُ مَذْكُورٌ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَنْكَرَ عَلَى الْقَائِلِينَ بِإِثْبَاتِ الْوَلَدِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ) فَإِنْ قِيلَ : اتِّخَاذُ اللَّهِ وَلَدًا مُحَالٌ فِي نَفْسِهِ ، فَكَيْفَ قِيلَ : مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ؟ قُلْنَا : انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ لِلْجَهْلِ بِالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ إِلَيْهِ ، وَقَدْ يَكُونُ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مُحَالٌ لَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُ الْعِلْمِ بِهِ . وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=117وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ) ( الْمُؤْمِنُونَ : 117 ) وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28368نُفَاةَ الْقِيَاسِ تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ ، فَقَالُوا : هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ بَاطِلٌ ، وَالْقَوْلُ بِالْقِيَاسِ الظَّنِّيِّ قَوْلٌ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَيَكُونُ بَاطِلًا ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) ( الْإِسْرَاءِ : 36 ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5وَلَا لِآبَائِهِمْ ) أَيْ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَسْلَافِهِمْ ، وَهَذَا مُبَالَغَةٌ فِي كَوْنِ تِلْكَ الْمَقَالَةِ بَاطِلَةً فَاسِدَةً .
النَّوْعُ الثَّانِي : مِمَّا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي إِبْطَالِهِ ، قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) وَفِيهِ مَبَاحِثُ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : قُرِئَ : ( كَبُرَتْ كَلِمَةٌ ) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ ، قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : وَمَعْنَى التَّمْيِيزِ أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ : كَبُرَتِ الْمَقَالَةُ أَوِ الْكَلِمَةُ جَازَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّهَا كَبُرَتْ كَذِبًا أَوْ جَهْلًا أَوِ افْتِرَاءً ، فَلَمَّا قُلْتَ : كَلِمَةً مَيَّزْتَهَا مِنْ مُحْتَمَلَاتِهَا ، فَانْتَصَبَتْ عَلَى التَّمْيِيزِ ، وَالتَّقْدِيرُ : كَبُرَتِ الْكَلِمَةُ كَلِمَةً فَحَصَلَ فِيهِ الْإِضْمَارُ ، أَمَّا مَنْ رَفَعَ فَلَمْ يُضْمِرْ شَيْئًا ، كَمَا تَقُولُ : عَظُمَ فُلَانٌ ، فَلِذَلِكَ قَالَ النَّحْوِيُّونَ وَالنَّصْبُ أَقْوَى وَأَبْلَغُ ، وَفِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّبِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : مَا أَكْبَرَهَا كَلِمَةً .
الْبَحْثُ الثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كَبُرَتْ كَلِمَةً ) أَيْ كَبُرَتِ الْكَلِمَةُ ، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ) فَصَارَتْ مُضْمَرَةً فِي كَبُرَتْ ، وَسُمِّيَتْ كَلِمَةً كَمَا يُسَمُّونَ الْقَصِيدَةَ كَلِمَةً .
الْبَحْثُ الثَّالِثُ : احْتَجَّ
النَّظَّامُ فِي إِثْبَاتِ قَوْلِهِ : أَنَّ الْكَلَامَ جِسْمٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، قَالَ : أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الْكَلِمَةَ بِأَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَالْخُرُوجُ عِبَارَةٌ عَنِ الْحَرَكَةِ وَالْحَرَكَةُ لَا تَصِحُّ إِلَّا عَلَى الْأَجْسَامِ . وَالْجَوَابُ : أَنَّ الْحُرُوفَ إِنَّمَا تَحْدُثُ بِسَبَبِ خُرُوجِ النَّفَسِ عَنِ الْحَلْقِ ، فَلَمَّا كَانَ خُرُوجُ النَّفَسِ سَبَبًا لِحُدُوثِ الْكَلِمَةِ أُطْلِقَ لَفْظُ الْخُرُوجِ عَلَى الْكَلِمَةِ .
[ ص: 67 ] الْبَحْثُ الرَّابِعُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُسْتَكْرَهٌ جِدًّا عِنْدَ الْعَقْلِ كَأَنَّهُ يَقُولُ : هَذَا الَّذِي يَقُولُونَهُ لَا يَحْكُمُ بِهِ عَقْلُهُمْ وَفِكْرُهُمُ الْبَتَّةَ ، لِكَوْنِهِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ ، فَكَأَنَّهُ شَيْءٌ يَجْرِي بِهِ لِسَانُهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّقْلِيدِ ؛ لِأَنَّهُمْ مَعَ أَنَّهَا قَوْلُهُمْ عُقُولُهُمْ وَفِكْرُهُمْ تَأْبَاهَا وَتَنْفِرُ عَنْهَا ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ) وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=18980حَقِيقَةِ الْكَذِبِ ، فَعِنْدَنَا أَنَّهُ الْخَبَرُ الَّذِي لَا يُطَابِقُ الْمُخْبَرَ عَنْهُ سَوَاءٌ اعْتَقَدَ الْمُخْبِرُ أَنَّهُ مُطَابِقٌ أَمْ لَا ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ : شَرْطُ كَوْنِهِ كَذِبًا أَنْ لَا يُطَابِقَ الْمُخْبَرَ عَنْهُ مَعَ عِلْمِ قَائِلِهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ ، وَهَذَا الْقَيْدُ عِنْدَنَا بَاطِلٌ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ ، فَإِنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ قَوْلَهُمْ بِإِثْبَاتِ الْوَلَدِ لِلَّهِ بِكَوْنِهِ كَذِبًا ، مَعَ أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْهُمْ يَقُولُ ذَلِكَ ، وَلَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ بَاطِلًا ، فَعَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ خَبَرٍ لَا يُطَابِقُ الْمُخْبَرَ عَنْهُ فَهُوَ كَذِبٌ سَوَاءٌ عَلِمَ الْقَائِلُ بِكَوْنِهِ مُطَابِقًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ) وَفِيهِ مَبَاحِثُ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : الْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ لِلرَّسُولِ : لَا يَعْظُمُ حُزْنُكَ وَأَسَفُكَ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ ، فَإِنَّا بَعَثْنَاكَ مُنْذِرًا وَمُبَشِّرًا ، فَأَمَّا تَحْصِيلُ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ فَلَا قُدْرَةَ لَكَ عَلَيْهِ ، وَالْغَرَضُ
nindex.php?page=treesubj&link=31037_31033تَسْلِيَةُ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : قَالَ
اللَّيْثُ : بَخَعَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ إِذَا قَتَلَهَا غَيْظًا مِنْ شَدَّةِ وَجْدِهِ بِالشَّيْءِ ، وَقَالَ
الْأَخْفَشُ وَالْفَرَّاءُ : أَصْلُ الْبَخْعِ الْجَهْدُ ، يُقَالُ : بَخَعْتُ لَكَ نَفْسِي أَيْ جَهَدْتُهَا ، وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا ذَكَرَتْ
عُمَرَ ، فَقَالَتْ : بَخَعَ الْأَرْضَ أَيْ جَهَدَهَا ، حَتَّى أَخَذَ مَا فِيهَا مِنْ أَمْوَالِ الْمُلُوكِ ، وَقَالَ
الْكِسَائِيُّ : بَخَعْتُ الْأَرْضَ بِالزِّرَاعَةِ إِذَا جَعَلْتَهَا ضَعِيفَةً بِسَبَبِ مُتَابَعَةِ الْحِرَاثَةِ ، وَبَخَعَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ إِذَا نَهَكَهَا ، وَعَلَى هَذَا مَعْنَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6بَاخِعٌ نَفْسَكَ ) أَيْ نَاهِكُهَا وَجَاهِدُهَا حَتَّى تُهْلِكَهَا ، وَلَكِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ كُلَّهُمْ قَالُوا : قَاتِلٌ نَفْسَكَ وَمُهْلِكُهَا ، وَالْأَصْلُ مَا ذَكَرْنَاهُ ، هَكَذَا قَالَ
الْوَاحِدِيُّ .
الْبَحْثُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6عَلَى آثَارِهِمْ ) أَيْ مِنْ بَعْدِهِمْ ، يُقَالُ : مَاتَ فُلَانٌ عَلَى أَثَرِ فُلَانٍ أَيْ بَعْدَهُ ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ بَقِيَتْ عَلَامَاتُهُ وَآثَارُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُدَّةً ، ثُمَّ إِنَّهَا تَنْمَحِي وَتُبْطِلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَإِذَا كَانَ مَوْتُهُ قَرِيبًا مِنْ مَوْتِ الْأَوَّلِ كَانَ مَوْتُهُ حَاصِلًا حَالَ بَقَاءِ آثَارِ الْأَوَّلِ ، فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ : مَاتَ فُلَانٌ عَلَى أَثَرِ فُلَانٍ .
الْبَحْثُ الرَّابِعُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ ) الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْقُرْآنُ ، قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا يَقْتَضِي
nindex.php?page=treesubj&link=29453وَصْفَ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُ قَدِيمٌ ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَهِيَ حَادِثَةٌ .
الْبَحْثُ الْخَامِسُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6أَسَفًا ) الْأَسَفُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْحُزْنِ ، وَذَكَرْنَا الْكَلَامَ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=150غَضْبَانَ أَسِفًا ) فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ ، وَعِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=99فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ ) وَفِي انْتِصَابِهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ وَدَلَّ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُ يَأْسَفُ .
الثَّانِي : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ أَيْ لِلْأَسَفِ ، كَقَوْلِكَ : جِئْتُكَ ابْتِغَاءَ الْخَيْرِ . وَالثَّالِثُ : قَالَ
الزَّجَّاجُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6أَسَفًا ) مَنْصُوبٌ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ .
الْبَحْثُ السَّادِسُ : الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6فَلَعَلَّكَ ) جَوَابُ الشَّرْطِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا ) قُدِّمَ عَلَيْهِ وَمَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ .