(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=9أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=11فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=9أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=11فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا )
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن القوم تعجبوا من قصة
nindex.php?page=treesubj&link=32007_33679أصحاب الكهف ، وسألوا عنها الرسول على سبيل الامتحان ، فقال تعالى : أم حسبت أنهم كانوا عجبا من آياتنا فقط ، فلا تحسبن ذلك فإن آياتنا كلها عجب ، فإن من كان قادرا على تخليق السماوات والأرض ثم يزين الأرض بأنواع المعادن والنبات والحيوان ، ثم يجعلها بعد ذلك صعيدا جرزا خالية عن الكل كيف يستبعدون من قدرته وحفظه ورحمته حفظ طائفة مدة ثلاثمائة سنة وأكثر في النوم ، هذا هو الوجه في تقرير النظم ، والله أعلم .
المسألة الثانية : قد ذكرنا
nindex.php?page=treesubj&link=28861_29284_32007سبب نزول قصة أصحاب الكهف عند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ) ( الإسراء : 85 ) وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13114محمد بن إسحاق سبب نزول هذه القصة مشروحا ، فقال :
كان النضر بن الحارث من شياطين قريش ، وكان يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وينصب له العداوة ، وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث رستم وإسفنديار ، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جلس مجلسا ذكر فيه الله وحدث قومه ما أصاب من كان قبلهم من الأمم ، وكان النضر يخلفه في مجلسه إذا قام ، فقال : أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه ، فهلموا فأنا أحدثكم بأحسن من حديثه ، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ، ثم إن قريشا بعثوه وبعثوا معه عتبة بن [ ص: 70 ] أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة ، وقالوا لهما : سلوهم عن محمد وصفته وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم من العلم ما ليس عندنا من علم الأنبياء ، فخرجا حتى قدما إلى المدينة ، فسألوا أحبار اليهود عن أحوال محمد ، فقال أحبار اليهود : سلوه عن ثلاث : عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم فإن حديثهم عجب ، وعن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، ما كان نبؤه ، وسلوه عن الروح وما هو ؟ فإن أخبركم فهو نبي وإلا فهو متقول ، فلما قدم النضر وصاحبه مكة ، قالا : قد جئناكم بفصل ما بيننا وبين محمد ، وأخبروا بما قاله اليهود فجاءوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسألوه ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "أخبركم بما سألتم عنه غدا" ولم يستثن ، فانصرفوا عنه ومكث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يذكرون خمس عشرة ليلة حتى أرجف أهل مكة به ، وقالوا : وعدنا محمد غدا واليوم خمس عشرة ليلة فشق عليه ذلك ، ثم جاءه جبريل من عند الله بسورة أصحاب الكهف ، وفيها معاتبة الله إياه على حزنه عليهم ، وفيها خبر أولئك الفتية ، وخبر الرجل الطواف .
المسألة الثالثة : الكهف : الغار الواسع في الجبل فإذا صغر فهو الغار ، وفي الرقيم أقوال :
الأول : روى
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : كل القرآن أعلمه إلا أربعة : غسلين وحنانا والأواه والرقيم .
الثاني : روى
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه سئل عن الرقيم ، فقال : زعم
كعب أنها القرية التي خرجوا منها وهو قول
السدي .
الثالث : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد : الرقيم لوح من حجارة ، وقيل من رصاص كتب فيه أسماؤهم وقصتهم ، وشد ذلك اللوح على باب الكهف ، وهذا قول جميع أهل المعاني والعربية ، قالوا : الرقيم الكتاب ، والأصل فيه المرقوم ، ثم نقل إلى فعيل ، والرقم الكتابة ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=9كتاب مرقوم ) ( المطففين : 9 ) أي مكتوب ، قال
الفراء : الرقيم لوح كان فيه أسماؤهم وصفاتهم ، ونظن أنه إنما سمي رقيما ؛ لأن أسماءهم كانت مرقومة فيه ، وقيل : الناس رقموا حديثهم نقرا في جانب الجبل ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=9كانوا من آياتنا عجبا ) المراد أحسبت أن واقعتهم كانت عجيبة في أحوال مخلوقاتنا ؟ فلا تحسب ذلك ، فإن تلك الواقعة ليست عجيبة في جانب مخلوقاتنا ، والعجب ههنا مصدر سمي المفعول به ، والتقدير : كانوا معجوبا منهم ، فسموا بالمصدر والمفعول به من هذا يستعمل باسم المصدر ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10إذ أوى الفتية إلى الكهف ) لا يجوز أن يكون إذ هنا متعلقا بما قبله على تقدير : أم حسبت إذ أوى الفتية لأنه كان بين النبي وبينهم مدة طويلة ، فلم يتعلق الحسبان بذلك الوقت الذي أووا فيه إلى الكهف بل يتعلق بمحذوف ، والتقدير : اذكر إذ أوى ، ومعنى أوى الفتية في الكهف صاروا إليه وجعلوه مأواهم ، قال : فقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10ربنا آتنا من لدنك رحمة ) أي رحمة من خزائن رحمتك وجلائل فضلك وإحسانك وهي الهداية بالمعرفة والصبر والرزق والأمن من الأعداء ، وقوله : من لدنك يدل على عظمة تلك الرحمة ، وهي التي تكون لائقة بفضل الله تعالى وواسع جوده ، وهيئ لنا أي أصلح من قولك هيأت الأمر فتهيأ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10من أمرنا رشدا ) الرشد والرشاد نقيض الضلال ، وفي تفسير اللفظ وجهان :
الأول : التقدير وهيئ لنا أمرا ذا رشد حتى نكون بسببه راشدين مهتدين .
الثاني : اجعل أمرنا رشدا كله ، كقولك : رأيت منك رشدا ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=11فضربنا على آذانهم ) قال المفسرون : معناه أنمناهم وتقدير الكلام أنه تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=32007_33679ضرب على آذانهم حجابا يمنع من أن تصل إلى أسماعهم الأصوات الموقظة ، والتقدير : ضربنا عليهم حجابا إلا أنه حذف المفعول الذي هو الحجاب ، كما يقال : بنى على امرأته يريدون بنى عليها القبة ، ثم إنه تعالى بين أنه ضرب على آذانهم في الكهف ، وهو ظرف المكان ، وقوله : سنين عددا ظرف الزمان ، وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=11عددا ) بحثان :
الأول : قال
الزجاج : ذكر العدد ههنا يفيد كثرة السنين ، وكذلك كل شيء مما يعد إذا ذكر فيه العدد ووصف به أريد كثرته ؛ لأنه إذا قل فهم مقداره بدون
[ ص: 71 ] التعديد ، أما إذا أكثر فهناك يحتاج إلى التعديد ، فإذا قلت : أقمت أياما عددا أردت به الكثرة .
البحث الثاني : في انتصاب قوله : عددا وجهان :
أحدهما : نعت لسنين ، المعنى : سنين ذات عدد ، أي معدودة ، هذا قول
الفراء وقول
الزجاج ، وعلى هذا يجوز في الآية ضربان من التقدير :
أحدهما : حذف المضاف .
والثاني : تسمية المفعول باسم المصدر ، قال
الزجاج : ويجوز أن ينتصب على المصدر ، المعنى : تعد عدا ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12ثم بعثناهم ) يريد من بعد نومهم يعني أيقظناهم بعد نومهم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=9أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=11فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=9أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=11فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا )
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّ الْقَوْمَ تَعَجَّبُوا مِنْ قِصَّةِ
nindex.php?page=treesubj&link=32007_33679أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، وَسَأَلُوا عَنْهَا الرَّسُولَ عَلَى سَبِيلِ الِامْتِحَانِ ، فَقَالَ تَعَالَى : أَمْ حَسِبْتَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَجَبًا مِنْ آيَاتِنَا فَقَطْ ، فَلَا تَحْسَبَنَّ ذَلِكَ فَإِنَّ آيَاتِنَا كُلَّهَا عَجَبٌ ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى تَخْلِيقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ يُزَيِّنُ الْأَرْضَ بِأَنْوَاعِ الْمَعَادِنِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ ، ثُمَّ يَجْعَلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ صَعِيدًا جُرُزًا خَالِيَةً عَنِ الْكُلِّ كَيْفَ يَسْتَبْعِدُونَ مِنْ قُدْرَتِهِ وَحِفْظِهِ وَرَحْمَتِهِ حِفْظَ طَائِفَةٍ مُدَّةَ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَأَكْثَرَ فِي النَّوْمِ ، هَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي تَقْرِيرِ النَّظْمِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَدْ ذَكَرْنَا
nindex.php?page=treesubj&link=28861_29284_32007سَبَبَ نُزُولِ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) ( الْإِسْرَاءِ : 85 ) وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=13114مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْقِصَّةِ مَشْرُوحًا ، فَقَالَ :
كَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ ، وَكَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَنْصُبُ لَهُ الْعَدَاوَةَ ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ الْحَيْرَةَ وَتَعَلَّمَ بِهَا أَحَادِيثَ رُسْتُمَ وَإِسْفَنْدِيَارَ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا جَلَسَ مَجْلِسًا ذَكَرَ فِيهِ اللَّهَ وَحَدَّثَ قَوْمَهَ مَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ ، وَكَانَ النَّضْرُ يَخْلُفُهُ فِي مَجْلِسِهِ إِذَا قَامَ ، فَقَالَ : أَنَا وَاللَّهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَحْسَنُ حَدِيثًا مِنْهُ ، فَهَلُمُّوا فَأَنَا أُحَدِّثُكُمْ بِأَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِهِ ، ثُمَّ يُحَدِّثُهُمْ عَنْ مُلُوكِ فَارِسَ ، ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوهُ وَبَعَثُوا مَعَهُ عُتْبَةَ بْنَ [ ص: 70 ] أَبِي مُعَيْطٍ إِلَى أَحْبَارِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ ، وَقَالُوا لَهُمَا : سَلُوهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ وَصِفَتِهِ وَأَخْبِرُوهُمْ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ ، وَعِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ عِلْمِ الْأَنْبِيَاءِ ، فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَسَأَلُوا أَحْبَارَ الْيَهُودِ عَنْ أَحْوَالِ مُحَمَّدٍ ، فَقَالَ أَحْبَارُ الْيَهُودِ : سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثٍ : عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ فَإِنَّ حَدِيثَهُمْ عَجَبٌ ، وَعَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ، مَا كَانَ نَبَؤُهُ ، وَسَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ وَمَا هُوَ ؟ فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ فَهُوَ نَبِيٌّ وَإِلَّا فَهُوَ مُتَقَوِّلٌ ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّضْرُ وَصَاحِبُهُ مَكَّةَ ، قَالَا : قَدْ جِئْنَاكُمْ بِفَصْلِ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ ، وَأَخْبَرُوا بِمَا قَالَهُ الْيَهُودُ فَجَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَأَلُوهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : "أُخْبِرُكُمْ بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ غَدًا" وَلَمْ يَسْتَثْنِ ، فَانْصَرَفُوا عَنْهُ وَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى أَرْجَفَ أَهْلُ مَكَّةَ بِهِ ، وَقَالُوا : وَعَدَنَا مُحَمَّدٌ غَدًا وَالْيَوْمَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً فَشَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِسُورَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، وَفِيهَا مُعَاتَبَةُ اللَّهِ إِيَّاهُ عَلَى حُزْنِهِ عَلَيْهِمْ ، وَفِيهَا خَبَرُ أُولَئِكَ الْفِتْيَةِ ، وَخَبَرُ الرَّجُلِ الطَّوَّافِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْكَهْفُ : الْغَارُ الْوَاسِعُ فِي الْجَبَلِ فَإِذَا صَغُرَ فَهُوَ الْغَارُ ، وَفِي الرَّقِيمِ أَقْوَالٌ :
الْأَوَّلُ : رَوَى
عِكْرِمَةُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : كُلُّ الْقُرْآنِ أَعْلَمُهُ إِلَّا أَرْبَعَةً : غِسْلِينَ وَحَنَانًا وَالْأَوَّاهُ وَالرَّقِيمُ .
الثَّانِي : رَوَى
عِكْرِمَةُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّقِيمِ ، فَقَالَ : زَعَمَ
كَعْبٌ أَنَّهَا الْقَرْيَةُ الَّتِي خَرَجُوا مِنْهَا وَهُوَ قَوْلُ
السُّدِّيِّ .
الثَّالِثُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٌ : الرَّقِيمُ لَوْحٌ مِنْ حِجَارَةٍ ، وَقِيلَ مِنْ رَصَاصٍ كُتِبَ فِيهِ أَسْمَاؤُهُمْ وَقِصَّتُهُمْ ، وَشُدَّ ذَلِكَ اللَّوْحُ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ ، وَهَذَا قَوْلُ جَمِيعِ أَهْلِ الْمَعَانِي وَالْعَرَبِيَّةِ ، قَالُوا : الرَّقِيمُ الْكِتَابُ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْمَرْقُومُ ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى فَعِيلٍ ، وَالرَّقْمُ الْكِتَابَةُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=9كِتَابٌ مَرْقُومٌ ) ( الْمُطَفِّفِينَ : 9 ) أَيْ مَكْتُوبٌ ، قَالَ
الْفَرَّاءُ : الرَّقِيمُ لَوْحٌ كَانَ فِيهِ أَسْمَاؤُهُمْ وَصِفَاتُهُمْ ، وَنَظُنُّ أَنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ رَقِيمًا ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَهُمْ كَانَتْ مَرْقُومَةً فِيهِ ، وَقِيلَ : النَّاسُ رَقَمُوا حَدِيثَهُمْ نَقْرًا فِي جَانِبِ الْجَبَلِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=9كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) الْمُرَادُ أَحَسِبْتَ أَنَّ وَاقِعَتَهُمْ كَانَتْ عَجِيبَةً فِي أَحْوَالِ مَخْلُوقَاتِنَا ؟ فَلَا تَحْسَبْ ذَلِكَ ، فَإِنَّ تِلْكَ الْوَاقِعَةَ لَيْسَتْ عَجِيبَةً فِي جَانِبِ مَخْلُوقَاتِنَا ، وَالْعَجَبُ هَهُنَا مَصْدَرٌ سُمِّيَ الْمَفْعُولَ بِهِ ، وَالتَّقْدِيرُ : كَانُوا مَعْجُوبًا مِنْهُمْ ، فَسُمُّوا بِالْمَصْدَرِ وَالْمَفْعُولُ بِهِ مِنْ هَذَا يُسْتَعْمَلُ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ) لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِذْ هُنَا مُتَعَلِّقًا بِمَا قَبْلَهُ عَلَى تَقْدِيرِ : أَمْ حَسِبْتَ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ لِأَنَّهُ كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ وَبَيْنَهُمْ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ ، فَلَمْ يَتَعَلَّقِ الْحُسْبَانُ بِذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي أَوَوْا فِيهِ إِلَى الْكَهْفِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ ، وَالتَّقْدِيرُ : اذْكُرْ إِذْ أَوَى ، وَمَعْنَى أَوَى الْفِتْيَةُ فِي الْكَهْفِ صَارُوا إِلَيْهِ وَجَعَلُوهُ مَأْوَاهُمْ ، قَالَ : فَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ) أَيْ رَحْمَةً مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِكَ وَجَلَائِلِ فَضْلِكَ وَإِحْسَانِكَ وَهِيَ الْهِدَايَةُ بِالْمَعْرِفَةِ وَالصَّبْرِ وَالرِّزْقِ وَالْأَمْنِ مِنَ الْأَعْدَاءِ ، وَقَوْلُهُ : مِنْ لَدُنْكَ يَدُلُّ عَلَى عَظَمَةِ تِلْكَ الرَّحْمَةِ ، وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ لَائِقَةً بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَاسِعِ جُودِهِ ، وَهَيِّئْ لَنَا أَيْ أَصْلِحْ مِنْ قَوْلِكَ هَيَّأْتُ الْأَمْرَ فَتَهَيَّأَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ) الرَّشَدُ وَالرَّشَادُ نَقِيضُ الضَّلَالِ ، وَفِي تَفْسِيرِ اللَّفْظِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : التَّقْدِيرُ وَهَيِّئْ لَنَا أَمْرًا ذَا رَشَدٍ حَتَّى نَكُونَ بِسَبَبِهِ رَاشِدِينَ مُهْتَدِينَ .
الثَّانِي : اجْعَلْ أَمْرَنَا رَشَدًا كُلَّهُ ، كَقَوْلِكَ : رَأَيْتُ مِنْكَ رَشَدًا ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=11فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ ) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : مَعْنَاهُ أَنَمْنَاهُمْ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ أَنَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=32007_33679ضَرَبَ عَلَى آذَانِهِمْ حِجَابًا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ تَصِلَ إِلَى أَسْمَاعِهِمُ الْأَصْوَاتُ الْمُوقِظَةُ ، وَالتَّقْدِيرُ : ضَرَبْنَا عَلَيْهِمْ حِجَابًا إِلَّا أَنَّهُ حَذَفَ الْمَفْعُولَ الَّذِي هُوَ الْحِجَابُ ، كَمَا يُقَالُ : بَنَى عَلَى امْرَأَتِهِ يُرِيدُونَ بَنَى عَلَيْهَا الْقُبَّةَ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ ضَرَبَ عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ ، وَهُوَ ظَرْفُ الْمَكَانِ ، وَقَوْلُهُ : سِنِينَ عَدَدًا ظَرْفُ الزَّمَانِ ، وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=11عَدَدًا ) بَحْثَانِ :
الْأَوَّلُ : قَالَ
الزَّجَّاجُ : ذِكْرُ الْعَدَدِ هَهُنَا يُفِيدُ كَثْرَةَ السِّنِينَ ، وَكَذَلِكَ كَلُّ شَيْءٍ مِمَّا يُعَدُّ إِذَا ذُكِرَ فِيهِ الْعَدَدُ وَوُصِفَ بِهِ أُرِيدَ كَثْرَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا قَلَّ فُهِمَ مِقْدَارُهُ بِدُونِ
[ ص: 71 ] التَّعْدِيدِ ، أَمَّا إِذَا أُكْثِرَ فَهُنَاكَ يُحْتَاجُ إِلَى التَّعْدِيدِ ، فَإِذَا قُلْتَ : أَقَمْتُ أَيَّامًا عَدَدًا أَرَدْتَ بِهِ الْكَثْرَةَ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : فِي انْتِصَابِ قَوْلِهِ : عَدَدًا وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : نَعْتٌ لِسِنِينَ ، الْمَعْنَى : سِنِينَ ذَاتَ عَدَدٍ ، أَيْ مَعْدُودَةٌ ، هَذَا قَوْلُ
الْفَرَّاءِ وَقَوْلُ
الزَّجَّاجِ ، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ فِي الْآيَةِ ضَرْبَانِ مِنَ التَّقْدِيرِ :
أَحَدُهُمَا : حَذْفُ الْمُضَافِ .
وَالثَّانِي : تَسْمِيَةُ الْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ ، قَالَ
الزَّجَّاجُ : وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ ، الْمَعْنَى : تُعَدُّ عَدًّا ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ ) يُرِيدُ مِنْ بَعْدِ نَوْمِهِمْ يَعْنِي أَيْقَظْنَاهُمْ بَعْدَ نَوْمِهِمْ