بقي في الآية مباحث :
البحث الأول : في الآية حذف ؛ والتقدير : سيقولون هم ثلاثة ، فحذف المبتدأ لدلالة الكلام عليه .
البحث الثاني : خص القول الأول بسين الاستقبال ، وهو قوله : سيقولون ، والسبب فيه أن حرف العطف يوجب دخول القولين الآخرين فيه .
البحث الثالث : الرجم هو الرمي ، والغيب ما غاب عن الإنسان فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22رجما بالغيب ) معناه أن يرى ما غاب عنه ولا يعرفه بالحقيقة ، يقال : فلان يرمي بالكلام رميا ، أي يتكلم من غير تدبر .
البحث الرابع : ذكروا في
nindex.php?page=treesubj&link=34080_34077فائدة الواو في قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22وثامنهم كلبهم ) وجوها :
الوجه الأول : ما ذكرنا أنه يدل على أن هذا القول أولى من سائر الأقوال .
وثانيها : أن السبعة عند العرب أصل في المبالغة في العدد ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=80إن تستغفر لهم سبعين مرة ) ( التوبة : 80 ) وإذا كان كذلك فإذا وصلوا إلى الثمانية ذكروا لفظا يدل على الاستئناف ، فقالوا : وثمانية ، فجاء هذا الكلام على هذا القانون ، قالوا : ويدل عليه نظيره في ثلاث آيات ، وهي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112والناهون عن المنكر ) ( التوبة : 112 ) لأن هذا هو العدد الثامن من الأعداد المتقدمة ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ) ( الزمر : 73 ) لأن أبواب الجنة ثمانية ، وأبواب النار سبعة ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=5ثيبات وأبكارا ) ( التحريم : 5 ) هو العدد الثامن مما تقدم ، والناس يسمون هذه الواو واو الثمانية ، ومعناه ما ذكرناه ، قال
القفال : وهذا ليس بشيء ، والدليل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ) ( الحشر : 23 ) ولم يذكر الواو في النعت الثامن ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل ) وهذا هو الحق ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28781_30516العلم بتفاصيل كائنات العالم والحوادث التي حدثت في الماضي والمستقبل لا تحصل إلا عند الله تعالى ، وإلا عند من أخبره الله عنها ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنا من أولئك القليل ، قال القاضي : إن كان قد عرفه ببيان الرسول صح ، وإن كان قد تعلق فيه بحرف الواو فضعيف ، ويمكن أن يقال : الوجوه السبعة المذكورة ، وإن كانت لا تفيد الجزم إلا أنها تفيد الظن ، واعلم أنه تعالى لما ذكر هذه القصة أتبعه بأن نهى رسوله عن شيئين :
عن المراء والاستفتاء ، أما
nindex.php?page=treesubj&link=19153_32022النهي عن المراء ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ) والمراد من المراء الظاهر أن لا يكذبهم في تعيين ذلك العدد ، بل يقول : هذا التعيين لا دليل عليه ، فوجب التوقف وترك القطع ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=46ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) ( العنكبوت : 46 ) وأما النهي عن الاستفتاء ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22ولا تستفت فيهم منهم أحدا ) ، وذلك لأنه لما ثبت أنه ليس عندهم علم في هذا الباب وجب المنع من استفتائهم ، واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28368نفاة القياس تمسكوا بهذه الآية
[ ص: 92 ] قالوا : لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22رجما بالغيب ) وضع الرجم فيه موضع الظن ، فكأنه قيل : ظنا بالغيب ؛ لأنهم أكثروا أن يقولوا : رجم بالظن مكان قولهم : ظن ، حتى لم يبق عندهم فرق بين العبارتين ، ألا ترى إلى قوله :
وما هو عنها بالحديث المرجم
أي المظنون هكذا ، قاله صاحب الكشاف ، وذلك يدل على أن القول بالظن مذموم عند الله ، ثم إنه تعالى لما ذم هذه الطريقة رتب عليه من استفتاء هؤلاء الظانين ، فدل ذلك على أن الفتوى بالمظنون غير جائز عند الله ، وجواب مثبتي القياس عنه قد ذكرناه مرارا .
بَقِيَ فِي الْآيَةِ مَبَاحِثُ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : فِي الْآيَةِ حَذْفٌ ؛ وَالتَّقْدِيرُ : سَيَقُولُونَ هُمْ ثَلَاثَةٌ ، فَحُذِفَ الْمُبْتَدَأُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : خُصَّ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ بِسِينِ الِاسْتِقْبَالِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : سَيَقُولُونَ ، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ يُوجِبُ دُخُولَ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ فِيهِ .
الْبَحْثُ الثَّالِثُ : الرَّجْمُ هُوَ الرَّمْيُ ، وَالْغَيْبُ مَا غَابَ عَنِ الْإِنْسَانِ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22رَجْمًا بِالْغَيْبِ ) مَعْنَاهُ أَنْ يَرَى مَا غَابَ عَنْهُ وَلَا يَعْرِفُهُ بِالْحَقِيقَةِ ، يُقَالُ : فُلَانٌ يَرْمِي بِالْكَلَامِ رَمْيًا ، أَيْ يَتَكَلَّمُ مِنْ غَيْرِ تَدَبُّرٍ .
الْبَحْثُ الرَّابِعُ : ذَكَرُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=34080_34077فَائِدَةِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ) وُجُوهًا :
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ : مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْأَقْوَالِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ السَّبْعَةَ عِنْدَ الْعَرَبِ أَصْلٌ فِي الْمُبَالَغَةِ فِي الْعَدَدِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=80إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) ( التَّوْبَةِ : 80 ) وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِذَا وَصَلُوا إِلَى الثَّمَانِيَةِ ذَكَرُوا لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ ، فَقَالُوا : وَثَمَانِيَةٌ ، فَجَاءَ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْقَانُونِ ، قَالُوا : وَيَدُلُّ عَلَيْهِ نَظِيرُهُ فِي ثَلَاثِ آيَاتٍ ، وَهِيَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) ( التَّوْبَةِ : 112 ) لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْعَدَدُ الثَّامِنُ مِنَ الْأَعْدَادِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ) ( الزُّمَرِ : 73 ) لِأَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةٌ ، وَأَبْوَابُ النَّارِ سَبْعَةٌ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=5ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ) ( التَّحْرِيمِ : 5 ) هُوَ الْعَدَدُ الثَّامِنُ مِمَّا تَقَدَّمَ ، وَالنَّاسُ يُسَمُّونَ هَذِهِ الْوَاوَ وَاوَ الثَّمَانِيَةِ ، وَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَاهُ ، قَالَ
الْقَفَّالُ : وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ) ( الْحَشْرِ : 23 ) وَلَمْ يَذْكُرِ الْوَاوَ فِي النَّعْتِ الثَّامِنِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ) وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28781_30516الْعِلْمَ بِتَفَاصِيلِ كَائِنَاتِ الْعَالَمِ وَالْحَوَادِثِ الَّتِي حَدَثَتْ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِلَّا عِنْدَ مَنْ أَخْبَرَهُ اللَّهُ عَنْهَا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : أَنَا مِنْ أُولَئِكَ الْقَلِيلِ ، قَالَ الْقَاضِي : إِنْ كَانَ قَدْ عَرَفَهُ بِبَيَانِ الرَّسُولِ صَحَّ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَعَلَّقَ فِيهِ بِحَرْفِ الْوَاوِ فَضَعِيفٌ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : الْوُجُوهُ السَّبْعَةُ الْمَذْكُورَةُ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُفِيدُ الْجَزْمَ إِلَّا أَنَّهَا تُفِيدُ الظَّنَّ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ أَتْبَعَهُ بِأَنْ نَهَى رَسُولَهُ عَنْ شَيْئَيْنِ :
عَنِ الْمِرَاءِ وَالِاسْتِفْتَاءِ ، أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=19153_32022النَّهْيُ عَنِ الْمِرَاءِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا ) وَالْمُرَادُ مِنَ الْمِرَاءِ الظَّاهِرِ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُمْ فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْعَدَدِ ، بَلْ يَقُولُ : هَذَا التَّعْيِينُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ وَتَرْكُ الْقَطْعِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=46وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ( الْعَنْكَبُوتِ : 46 ) وَأَمَّا النَّهْيُ عَنِ الِاسْتِفْتَاءِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ فِي هَذَا الْبَابِ وَجَبَ الْمَنْعُ مِنَ اسْتِفْتَائِهِمْ ، وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28368نُفَاةَ الْقِيَاسِ تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ
[ ص: 92 ] قَالُوا : لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22رَجْمًا بِالْغَيْبِ ) وُضِعَ الرَّجْمُ فِيهِ مَوْضِعَ الظَّنِّ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : ظَنًّا بِالْغَيْبِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُوا أَنْ يَقُولُوا : رَجْمٌ بِالظَّنِّ مَكَانَ قَوْلِهِمْ : ظَنٌّ ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ فَرْقٌ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ :
وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ الْمُرَجَّمِ
أَيِ الْمَظْنُونِ هَكَذَا ، قَالَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالظَّنِّ مَذْمُومٌ عِنْدَ اللَّهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَمَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ رَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ اسْتِفْتَاءِ هَؤُلَاءِ الظَّانِّينَ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى بِالْمَظْنُونِ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ اللَّهِ ، وَجَوَابُ مُثْبِتِي الْقِيَاسِ عَنْهُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِرَارًا .