ثم قال
[ ص: 95 ] تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=28989_32456وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا ) وفيه وجوه :
الأول : أن ترك قوله : ( إن شاء الله ) ليس بحسن وذكره أحسن من تركه ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24لأقرب من هذا رشدا ) المراد منه ذكر هذه الجملة .
الثاني : إذا وعدهم بشيء ، وقال معه : إن شاء الله ، فيقول : عسى أن يهديني ربي لشيء أحسن وأكمل مما وعدتكم به .
والثالث : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24لأقرب من هذا رشدا ) إشارة إلى نبأ أصحاب الكهف ، ومعناه : لعل الله يؤتيني من البينات والدلائل على صحة أني نبي من عند الله صادق القول في ادعاء النبوة ما هو أعظم في الدلالة وأقرب رشدا من نبأ أصحاب الكهف .
وقد فعل الله ذلك حيث آتاه من قصص الأنبياء والإخبار بالغيوب ما هو أعظم من ذلك ، وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25nindex.php?page=treesubj&link=28989_32007_29705ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا ) فاعلم أن هذه الآية آخر الآيات المذكورة في قصة أصحاب الكهف وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25ولبثوا في كهفهم ) قولان :
الأول : أن هذا حكاية كلام القوم ، والدليل عليه أنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ) وكذا إلى أن قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25ولبثوا في كهفهم ) أي أن أولئك الأقوام قالوا ذلك ، ويؤكده أنه تعالى قال بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26قل الله أعلم بما لبثوا ) وهذا يشبه الرد على الكلام المذكور قبله ويؤكده أيضا ما روي في مصحف
عبد الله : وقالوا ولبثوا في كهفهم .
والقول الثاني : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25ولبثوا في كهفهم ) هو كلام الله تعالى ، فإنه أخبر عن كمية تلك المدة ، وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ) فهو كلام قد تقدم ، وقد تخلل بينه وبين هذه الآية ما يوجب انقطاع أحدهما عن الآخر ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض ) لا يوجب أن ما قبله حكاية ؛ وذلك لأنه تعالى أراد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض ) فارجعوا إلى خبر الله دون ما يقوله
أهل الكتاب .
المسألة الثانية : قرأ
حمزة والكسائي ثلاثمائة سنين بغير تنوين والباقون بالتنوين وذلك ؛ لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25سنين ) عطف بيان لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25ثلاث مائة ) لأنه لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25ولبثوا في كهفهم ) لم يعرف أنها أيام أم شهور أم سنون ، فلما قال : سنين صار هذا بيانا لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25ثلاث مائة ) فكان هذا عطف بيان له ، وقيل : هو على التقديم والتأخير أي لبثوا سنين ثلثمائة ، وأما وجه قراءة
حمزة ، فهو أن الواجب في الإضافة : ثلاث مائة سنة إلا أنه يجوز وضع الجمع موضع الواحد في التمييز ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=103بالأخسرين أعمالا ) ( الكهف : 103 ) .
المسألة الثالثة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25وازدادوا تسعا ) المعنى وازدادوا تسع سنين فإن قالوا : لم لم يقل ثلاث مائة وتسع سنين ؟ وما الفائدة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25وازدادوا تسعا ) ؟ قلنا : قال بعضهم : كانت المدة ثلاث مائة سنة من السنين الشمسية وثلثمائة وتسع سنين من القمرية ، وهذا مشكل لأنه لا يصح بالحساب هذا القول ، ويمكن أن يقال : لعلهم لما استكملوا ثلاث مائة سنة قرب أمرهم من الأنبياء ، ثم اتفق ما أوجب بقاءهم في النوم بعد ذلك تسع سنين ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26قل الله أعلم بما لبثوا ) معناه : أنه تعالى أعلم بمقدار هذه المدة من الناس الذين اختلفوا فيها ، وإنما كان أولى بأن يكون عالما به ؛ لأنه موجد للسماوات والأرض ومدبر للعالم ، وإذا كان كذلك كان عالما بغيب
[ ص: 96 ] السماوات والأرض فيكون عالما بهذه الواقعة لا محالة ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26أبصر به وأسمع ) وهذه كلمة تذكر في التعجب ، والمعنى ما أبصره وما أسمعه ، وقد بالغنا في تفسير كلمة التعجب في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=175فما أصبرهم على النار ) ( البقرة : 175 ) ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26ما لهم من دونه من ولي ) وفيه وجوه :
الأول : ما لأصحاب الكهف من دون الله من ولي ، فإنه هو الذي يتولى حفظهم في ذلك النوم الطويل .
الثاني : ليس لهؤلاء المختلفين في مدة لبث أهل الكهف ولي من دون الله يتولى أمرهم ، ويقيم لهم تدبير أنفسهم ، فإذا كانوا محتاجين إلى تدبير الله وحفظه ، فكيف يعلمون هذه الواقعة من غير إعلامه ؟ .
الثالث : أن بعض القوم لما ذكروا في هذا الباب أقوالا على خلاف قول الله فقد استوجبوا العقاب ، فبين الله أنه ليس لهم من دونه ولي يمنع الله من إنزال العقاب عليهم ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26ولا يشرك في حكمه أحدا ) والمعنى : أنه تعالى لما حكم أن لبثهم هو هذا المقدار ، فليس لأحد أن يقول قولا بخلافه ، والأصل أن الاثنين إذا كانا لشريكين ، فإن الاعتراض من كل واحد منهما على صاحبه يكثر ، ويصير ذلك مانعا لكل واحد منهما من إمضاء الأمر على وفق ما يريده ، وحاصله يرجع إلى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) ( الأنبياء : 22 ) فالله تعالى نفى ذلك عن نفسه بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26ولا يشرك في حكمه أحدا ) وقرأ
ابن عامر : ولا تشرك بالتاء والجزم على النهي والخطاب عطفا على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23ولا تقولن لشيء ) أو على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24واذكر ربك إذا نسيت ) والمعنى ولا تسأل أحدا عما أخبرك الله به من عدة أصحاب الكهف ، واقتصر على حكمه وبيانه ولا تشرك أحدا في طلب معرفة تلك الواقعة ، وقرأ الباقون بالياء والرفع على الخبر والمعنى : أنه تعالى لا يفعل ذلك .
ثُمَّ قَالَ
[ ص: 95 ] تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=28989_32456وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ) وَفِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ تَرْكَ قَوْلِهِ : ( إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) لَيْسَ بِحَسَنٍ وَذِكْرُهُ أَحْسَنُ مِنْ تَرْكِهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ) الْمُرَادُ مِنْهُ ذِكْرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ .
الثَّانِي : إِذَا وَعَدَهُمْ بِشَيْءٍ ، وَقَالَ مَعَهُ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَيَقُولُ : عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِشَيْءٍ أَحْسَنَ وَأَكْمَلَ مِمَّا وَعَدْتُكُمْ بِهِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ) إِشَارَةٌ إِلَى نَبَأِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، وَمَعْنَاهُ : لَعَلَّ اللَّهَ يُؤْتِينِي مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالدَّلَائِلِ عَلَى صِحَّةِ أَنِّي نَبِيٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ صَادِقُ الْقَوْلِ فِي ادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ فِي الدَّلَالَةِ وَأَقْرَبُ رَشَدًا مِنْ نَبَأِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ .
وَقَدْ فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَيْثُ آتَاهُ مِنْ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25nindex.php?page=treesubj&link=28989_32007_29705وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ) فَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ آخِرُ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ) قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذَا حِكَايَةُ كَلَامِ الْقَوْمِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ) وَكَذَا إِلَى أَنْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ) أَيْ أَنَّ أُولَئِكَ الْأَقْوَامَ قَالُوا ذَلِكَ ، وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ) وَهَذَا يُشْبِهُ الرَّدَّ عَلَى الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ وَيُؤَكِّدُهُ أَيْضًا مَا رُوِيَ فِي مُصْحَفِ
عَبْدِ اللَّهِ : وَقَالُوا وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ) هُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ كَمِّيَّةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ) فَهُوَ كَلَامٌ قَدْ تَقَدَّمَ ، وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ مَا يُوجِبُ انْقِطَاعَ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) لَا يُوجِبُ أَنَّ مَا قَبْلَهُ حِكَايَةٌ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) فَارْجِعُوا إِلَى خَبَرِ اللَّهِ دُونَ مَا يَقُولُهُ
أَهْلُ الْكِتَابِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ ثَلَاثَمِائَةِ سِنِينَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَالْبَاقُونَ بِالتَّنْوِينِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25سِنِينَ ) عَطْفُ بَيَانٍ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25ثَلَاثَ مِائَةٍ ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ) لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهَا أَيَّامٌ أَمْ شُهُورٌ أَمْ سُنُونَ ، فَلَمَّا قَالَ : سِنِينَ صَارَ هَذَا بَيَانًا لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25ثَلَاثَ مِائَةٍ ) فَكَانَ هَذَا عَطْفَ بَيَانٍ لَهُ ، وَقِيلَ : هُوَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَيْ لَبِثُوا سِنِينَ ثَلَثَمِائَةٍ ، وَأَمَّا وَجْهُ قِرَاءَةِ
حَمْزَةَ ، فَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْإِضَافَةِ : ثَلَاثُ مِائَةٍ سَنَةٍ إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ وَضْعُ الْجَمْعِ مَوْضِعَ الْوَاحِدِ فِي التَّمْيِيزِ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=103بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ) ( الْكَهْفِ : 103 ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25وَازْدَادُوا تِسْعًا ) الْمَعْنَى وَازْدَادُوا تِسْعَ سِنِينَ فَإِنْ قَالُوا : لِمَ لَمْ يَقُلْ ثَلَاثَ مِائَةٍ وَتِسْعَ سِنِينَ ؟ وَمَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25وَازْدَادُوا تِسْعًا ) ؟ قُلْنَا : قَالَ بَعْضُهُمْ : كَانَتِ الْمُدَّةُ ثَلَاثَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنَ السِّنِينَ الشَّمْسِيَّةِ وَثَلَثَمِائَةٍ وَتِسْعَ سِنِينَ مِنَ الْقَمَرِيَّةِ ، وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْحِسَابِ هَذَا الْقَوْلُ ، وَيُمْكِنْ أَنْ يُقَالَ : لَعَلَّهُمْ لَمَّا اسْتَكْمَلُوا ثَلَاثَ مِائَةِ سَنَةٍ قَرُبَ أَمْرُهُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، ثُمَّ اتَّفَقَ مَا أَوْجَبَ بَقَاءَهُمْ فِي النَّوْمِ بَعْدَ ذَلِكَ تِسْعَ سِنِينَ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ) مَعْنَاهُ : أَنَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمِقْدَارِ هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهَا ، وَإِنَّمَا كَانَ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُوجِدٌ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمُدَبِّرٌ لِلْعَالَمِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ عَالِمًا بِغَيْبِ
[ ص: 96 ] السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَيَكُونُ عَالِمًا بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ لَا مَحَالَةَ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ) وَهَذِهِ كَلِمَةٌ تُذْكَرُ فِي التَّعَجُّبِ ، وَالْمَعْنَى مَا أَبْصَرَهُ وَمَا أَسْمَعُهُ ، وَقَدْ بَالَغْنَا فِي تَفْسِيرِ كَلِمَةِ التَّعَجُّبِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=175فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) ( الْبَقَرَةِ : 175 ) ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ) وَفِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : مَا لِأَصْحَابِ الْكَهْفِ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى حِفْظَهُمْ فِي ذَلِكَ النَّوْمِ الطَّوِيلِ .
الثَّانِي : لَيْسَ لِهَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي مُدَّةِ لُبْثِ أَهْلِ الْكَهْفِ وَلِيٌّ مِنْ دُونِ اللَّهِ يَتَوَلَّى أَمْرَهُمْ ، وَيُقِيمُ لَهُمْ تَدْبِيرَ أَنْفُسِهِمْ ، فَإِذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى تَدْبِيرِ اللَّهِ وَحِفْظِهِ ، فَكَيْفَ يَعْلَمُونَ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ مِنْ غَيْرِ إِعْلَامِهِ ؟ .
الثَّالِثُ : أَنَّ بَعْضَ الْقَوْمِ لَمَّا ذَكَرُوا فِي هَذَا الْبَابِ أَقْوَالًا عَلَى خِلَافِ قَوْلِ اللَّهِ فَقَدِ اسْتَوْجَبُوا الْعِقَابَ ، فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ يَمْنَعُ اللَّهَ مِنْ إِنْزَالِ الْعِقَابِ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ) وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَمَ أَنَّ لُبْثَهُمْ هُوَ هَذَا الْمِقْدَارُ ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ قَوْلًا بِخِلَافِهِ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الِاثْنَيْنِ إِذَا كَانَا لِشَرِيكَيْنِ ، فَإِنَّ الِاعْتِرَاضَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ يَكْثُرُ ، وَيَصِيرُ ذَلِكَ مَانِعًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ إِمْضَاءِ الْأَمْرِ عَلَى وَفْقِ مَا يُرِيدُهُ ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) ( الْأَنْبِيَاءِ : 22 ) فَاللَّهُ تَعَالَى نَفَى ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ) وَقَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ : وَلَا تُشْرِكْ بِالتَّاءِ وَالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ وَالْخِطَابِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ ) أَوْ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) وَالْمَعْنَى وَلَا تَسْأَلْ أَحَدًا عَمَّا أَخْبَرَكَ اللَّهُ بِهِ مِنْ عِدَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، وَاقْتَصِرْ عَلَى حُكْمِهِ وَبَيَانِهِ وَلَا تُشْرِكْ أَحَدًا فِي طَلَبِ مَعْرِفَةِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وَالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ .