(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=87قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=88وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86nindex.php?page=treesubj&link=33980_28989حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=87قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=88وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا )
اعلم أن المعنى أنه أراد بلوغ المغرب فأتبع سببا يوصله إليه حتى بلغه ، أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86وجدها تغرب في عين حمئة ) ففيه مباحث :
الأول : قرأ
ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن
عاصم في عين حامية بالألف من غير همزة أي حارة ، وعن
أبي ذر ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013148كنت رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جمل فرأى الشمس حين غابت فقال : أتدري يا أبا ذر أين تغرب هذه ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تغرب في عين حامية ؛ وهي قراءة
ابن مسعود وطلحة [ ص: 142 ] وابن عامر ، والباقون " حمئة " ، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس واتفق أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كان عند
معاوية فقرأ
معاوية " حامية " بألف فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " حمئة " ، فقال
معاوية nindex.php?page=showalam&ids=12لعبد الله بن عمر : كيف تقرأ ؟ قال : كما يقرأ أمير المؤمنين ، ثم وجه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب ؟ قال : في ماء وطين كذلك نجده في التوراة ، والحمئة ما فيه ماء ، وحمأة سوداء ، واعلم أنه لا تنافي بين الحمئة والحامية ، فجائز أن تكون العين جامعة للوصفين جميعا .
البحث الثاني : أنه ثبت بالدليل أن
nindex.php?page=treesubj&link=32442الأرض كرة وأن السماء محيطة بها ، ولا شك أن الشمس في الفلك ، وأيضا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86ووجد عندها قوما ) ومعلوم أن جلوس قوم في قرب الشمس غير موجود ، وأيضا الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض ، إذا ثبت هذا فنقول : تأويل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86تغرب في عين حمئة ) من وجوه :
الأول : أن
ذا القرنين لما بلغ موضعها في المغرب ولم يبق بعده شيء من العمارات وجد الشمس كأنها تغرب في عين وهدة مظلمة وإن لم تكن كذلك في الحقيقة كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر ، إذا لم ير الشط ، وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر ، هذا هو التأويل الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13980أبو علي الجبائي في تفسيره .
الثاني : أن للجانب الغربي من الأرض مساكن يحيط البحر بها ؛ فالناظر إلى الشمس يتخيل كأنها تغيب في تلك البحار ، ولا شك أن البحار الغربية قوية السخونة فهي حامية وهي أيضا حمئة لكثرة ما فيها من الحمأة السوداء والماء فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86تغرب في عين حمئة ) إشارة إلى أن الجانب الغربي من الأرض قد أحاط به البحر وهو موضع شديد السخونة .
الثالث : قال أهل الأخبار : إن الشمس تغيب في عين كثيرة الماء والحمأة وهذا في غاية البعد ، وذلك لأنا إذا رصدنا كسوفا قمريا فإذا اعتبرناه ورأينا أن المغربيين قالوا : حصل هذا الكسوف في أول الليل ورأينا المشرقيين قالوا : حصل في أول النهار فعلمنا أن أول الليل عند أهل المغرب هو أول النهار الثاني عند أهل المشرق بل ذلك الوقت الذي هو أول الليل عندنا فهو وقت العصر في بلد ووقت الظهر في بلد آخر ، ووقت الضحوة في بلد ثالث . ووقت طلوع الشمس في بلد رابع ، ونصف الليل في بلد خامس ، وإذا كانت هذه الأحوال معلومة بعد الاستقراء والاعتبار . وعلمنا أن الشمس طالعة ظاهرة في كل هذه الأوقات كان الذي يقال : إنها تغيب في الطين والحمأة كلاما على خلاف اليقين ، وكلام الله تعالى مبرأ عن هذه التهمة ، فلم يبق إلا أن يصار إلى التأويل الذي ذكرناه ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86ووجد عندها قوما ) الضمير في قوله عندها إلى ماذا يعود ؟ فيه قولان :
الأول : أنه عائد إلى الشمس ويكون التأنيث للشمس لأن الإنسان لما تخيل أن الشمس تغرب هناك كان سكان هذا الموضع كأنهم سكنوا بالقرب من الشمس .
والقول الثاني : أن يكون الضمير عائدا إلى العين الحامية ، وعلى هذا القول فالتأويل ما ذكرناه ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ) وفيه مباحث :
الأول : أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ) يدل على أنه تعالى تكلم معه من غير واسطة ، وذلك يدل على أنه كان نبيا وحمل هذا اللفظ على أن المراد أنه خاطبه على ألسنة بعض الأنبياء فهو عدول عن الظاهر .
البحث الثاني : قال أهل الأخبار في صفة ذلك الموضع أشياء عجيبة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : هناك مدينة لها اثنا عشر ألف باب لولا أصوات أهلها سمع الناس وجبة الشمس حين تغيب .
البحث الثالث : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ) يدل على أن
[ ص: 143 ] سكان آخر المغرب كانوا كفارا ؛ فخير الله
ذا القرنين فيهم بين التعذيب لهم إن أقاموا على كفرهم وبين المن عليهم والعفو عنهم ، وهذا التخيير على معنى الاجتهاد في أصلح الأمرين ، كما خير نبيه عليه السلام بين المن على المشركين وبين قتلهم ، وقال الأكثرون : هذا التعذيب هو القتل ، وأما اتخاذ الحسنى فيهم فهو تركهم أحياء ، ثم قال
ذو القرنين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=87أما من ظلم ) أي
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30525ظلم نفسه بالإقامة على الكفر ، والدليل على أن هذا هو المراد أنه ذكر في مقابلته : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=88وأما من آمن وعمل صالحا ) ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=87فسوف نعذبه ) أي بالقتل في الدنيا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=87ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ) أي منكرا فظيعا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=88وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى ) قرأ
حمزة والكسائي وحفص عن
عاصم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=88جزاء الحسنى ) بالنصب والتنوين ، والباقون بالرفع والإضافة ، فعلى القراءة الأولى يكون التقدير فله الحسنى جزاء كما تقول : لك هذا الثوب هبة ، وأما على القراءة الثانية ففي التفسير وجهان :
الأول : فله
nindex.php?page=treesubj&link=29680_30495جزاء الفعلة الحسنى ، والفعلة الحسنى هي الإيمان والعمل الصالح .
والثاني : أن يكون التقدير فله جزاء المثوبة الحسنى ، ويكون المعنى فله ذا الجزاء الذي هو المثوبة الحسنى والجزاء موصوف بالمثوبة الحسنى ، وإضافة الموصوف إلى الصفة مشهورة كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=32وللدار الآخرة ) ( الأنعام : 32 ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=95حق اليقين ) ( الواقعة : 95 ) ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=88وسنقول له من أمرنا يسرا ) أي لا نأمره بالصعب الشاق ولكن بالسهل الميسر من الزكاة والخراج وغيرهما ، وتقدير هذا يسر كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=28قولا ميسورا ) ( الإسراء : 28 ) وقرئ يسرا بضمتين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=87قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=88وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86nindex.php?page=treesubj&link=33980_28989حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=87قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=88وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا )
اعْلَمْ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ أَرَادَ بُلُوغَ الْمَغْرِبِ فَأَتْبَعَ سَبَبًا يُوصِّلُهُ إِلَيْهِ حَتَّى بَلَغَهُ ، أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ) فَفِيهِ مَبَاحِثُ :
الْأَوَّلُ : قَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ
عَاصِمٍ فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ بِالْأَلِفِ مِنْ غَيْرِ هُمَزَةٍ أَيْ حَارَّةٍ ، وَعَنْ
أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013148كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى جَمَلٍ فَرَأَى الشَّمْسَ حِينَ غَابَتْ فَقَالَ : أَتَدْرِي يَا أَبَا ذَرٍّ أَيْنَ تَغْرُبُ هَذِهِ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنَّهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ ؛ وَهِيَ قِرَاءَةُ
ابْنِ مَسْعُودٍ وَطَلْحَةَ [ ص: 142 ] وَابْنِ عَامِرٍ ، وَالْبَاقُونَ " حَمِئَةٍ " ، وَهِيَ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَاتَّفَقَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ عِنْدَ
مُعَاوِيَةَ فَقَرَأَ
مُعَاوِيَةُ " حَامِيَةٍ " بِأَلِفٍ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : " حَمِئَةٍ " ، فَقَالَ
مُعَاوِيَةُ nindex.php?page=showalam&ids=12لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : كَيْفَ تَقْرَأُ ؟ قَالَ : كَمَا يَقْرَأُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، ثُمَّ وَجَّهَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16850كَعْبِ الْأَحْبَارِ كَيْفَ تَجِدُ الشَّمْسَ تَغْرُبُ ؟ قَالَ : فِي مَاءٍ وَطِينٍ كَذَلِكَ نَجِدُهُ فِي التَّوْرَاةِ ، وَالْحَمِئَةُ مَا فِيهِ مَاءٌ ، وَحَمْأَةٌ سَوْدَاءُ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْحَمِئَةِ وَالْحَامِيَةِ ، فَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ جَامِعَةً لِلْوَصْفَيْنِ جَمِيعًا .
الْبَحْثُ الثَّانِي : أَنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32442الْأَرْضَ كُرَةٌ وَأَنَّ السَّمَاءَ مُحِيطَةٌ بِهَا ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّمْسَ فِي الْفَلَكِ ، وَأَيْضًا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ جُلُوسَ قَوْمٍ فِي قُرْبِ الشَّمْسِ غَيْرُ مَوْجُودٍ ، وَأَيْضًا الشَّمْسُ أَكْبَرُ مِنَ الْأَرْضِ بِمَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ فَكَيْفَ يُعْقَلُ دُخُولُهَا فِي عَيْنٍ مِنْ عُيُونِ الْأَرْضِ ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : تَأْوِيلُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ) مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
ذَا الْقَرْنَيْنِ لَمَّا بَلَغَ مَوْضِعَهَا فِي الْمَغْرِبِ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعِمَارَاتِ وَجَدَ الشَّمْسَ كَأَنَّهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ وَهْدَةٍ مُظْلِمَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا أَنَّ رَاكِبَ الْبَحْرِ يَرَى الشَّمْسَ كَأَنَّهَا تَغِيبُ فِي الْبَحْرِ ، إِذَا لَمْ يَرَ الشَّطَّ ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ تَغِيبُ وَرَاءَ الْبَحْرِ ، هَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13980أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ .
الثَّانِي : أَنَّ لِلْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ مِنَ الْأَرْضِ مَسَاكِنَ يُحِيطُ الْبَحْرُ بِهَا ؛ فَالنَّاظِرُ إِلَى الشَّمْسِ يَتَخَيَّلُ كَأَنَّهَا تَغِيبُ فِي تِلْكَ الْبِحَارِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبِحَارَ الْغَرْبِيَّةَ قَوِيَّةُ السُّخُونَةِ فَهِيَ حَامِيَةٌ وَهِيَ أَيْضًا حَمِئَةٌ لِكَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الْحَمْأَةِ السَّوْدَاءِ وَالْمَاءِ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْجَانِبَ الْغَرْبِيَّ مِنَ الْأَرْضِ قَدْ أَحَاطَ بِهِ الْبَحْرُ وَهُوَ مَوْضِعٌ شَدِيدُ السُّخُونَةِ .
الثَّالِثُ : قَالَ أَهْلُ الْأَخْبَارِ : إِنَّ الشَّمْسَ تَغِيبُ فِي عَيْنٍ كَثِيرَةِ الْمَاءِ وَالْحَمْأَةِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّا إِذَا رَصَدْنَا كُسُوفًا قَمَرِيًّا فَإِذَا اعْتَبَرْنَاهُ وَرَأَيْنَا أَنَّ الْمَغْرِبِيِّينَ قَالُوا : حَصَلَ هَذَا الْكُسُوفُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَرَأَيْنَا الْمَشْرِقِيِّينَ قَالُوا : حَصَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَعَلِمْنَا أَنَّ أَوَّلَ اللَّيْلِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغْرِبِ هُوَ أَوَّلُ النَّهَارِ الثَّانِي عِنْدَ أَهْلِ الْمَشْرِقِ بَلْ ذَلِكَ الْوَقْتُ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ اللَّيْلِ عِنْدَنَا فَهُوَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي بَلَدٍ وَوَقْتُ الظُّهْرِ فِي بَلَدٍ آخَرَ ، وَوَقْتُ الضَّحْوَةِ فِي بَلَدٍ ثَالِثٍ . وَوَقْتُ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي بَلَدٍ رَابِعٍ ، وَنِصْفُ اللَّيْلِ فِي بَلَدٍ خَامِسٍ ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ مَعْلُومَةً بَعْدَ الِاسْتِقْرَاءِ وَالِاعْتِبَارِ . وَعَلِمْنَا أَنَّ الشَّمْسَ طَالِعَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كَانَ الَّذِي يُقَالُ : إِنَّهَا تَغِيبُ فِي الطِّينِ وَالْحَمْأَةِ كَلَامًا عَلَى خِلَافِ الْيَقِينِ ، وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مُبَرَّأٌ عَنْ هَذِهِ التُّهْمَةِ ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُصَارَ إِلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ) الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ عِنْدَهَا إِلَى مَاذَا يَعُودُ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الشَّمْسِ وَيَكُونُ التَّأْنِيثُ لِلشَّمْسِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَمَّا تَخَيَّلَ أَنَّ الشَّمْسَ تَغْرُبُ هُنَاكَ كَانَ سُكَّانُ هَذَا الْمَوْضِعِ كَأَنَّهُمْ سَكَنُوا بِالْقُرْبِ مِنَ الشَّمْسِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى الْعَيْنِ الْحَامِيَةِ ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَالتَّأْوِيلُ مَا ذَكَرْنَاهُ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ) وَفِيهِ مَبَاحِثُ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى تَكَلَّمَ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا وَحُمِلَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ خَاطَبَهُ عَلَى أَلْسِنَةِ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ فَهُوَ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : قَالَ أَهْلُ الْأَخْبَارِ فِي صِفَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَشْيَاءَ عَجِيبَةً ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ : هُنَاكَ مَدِينَةٌ لَهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَابٍ لَوْلَا أَصْوَاتُ أَهْلِهَا سَمِعَ النَّاسُ وَجْبَةَ الشَّمْسِ حِينَ تَغِيبُ .
الْبَحْثُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=86قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
[ ص: 143 ] سُكَّانَ آخِرِ الْمَغْرِبِ كَانُوا كُفَّارًا ؛ فَخَيَّرَ اللَّهُ
ذَا الْقَرْنَيْنِ فِيهِمْ بَيْنَ التَّعْذِيبِ لَهُمْ إِنْ أَقَامُوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَبَيْنَ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ ، وَهَذَا التَّخْيِيرُ عَلَى مَعْنَى الِاجْتِهَادِ فِي أَصْلَحِ الْأَمْرَيْنِ ، كَمَا خَيَّرَ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْنَ الْمَنِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَبَيْنَ قَتْلِهِمْ ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ : هَذَا التَّعْذِيبُ هُوَ الْقَتْلُ ، وَأَمَّا اتِّخَاذُ الْحُسْنَى فِيهِمْ فَهُوَ تَرْكُهُمْ أَحْيَاءً ، ثُمَّ قَالَ
ذُو الْقَرْنَيْنِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=87أَمَّا مَنْ ظَلَمَ ) أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30525ظَلَمَ نَفْسَهُ بِالْإِقَامَةِ عَلَى الْكُفْرِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مُقَابَلَتِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=88وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ) ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=87فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ) أَيْ بِالْقَتْلِ فِي الدُّنْيَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=87ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ) أَيْ مُنْكَرًا فَظِيعًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=88وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ) قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=88جَزَاءً الْحُسْنَى ) بِالنَّصْبِ وَالتَّنْوِينِ ، وَالْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ وَالْإِضَافَةِ ، فَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى يَكُونُ التَّقْدِيرُ فَلَهُ الْحُسْنَى جَزَاءً كَمَا تَقُولُ : لَكَ هَذَا الثَّوْبُ هِبَةً ، وَأَمَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ فَفِي التَّفْسِيرِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : فَلَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29680_30495جَزَاءُ الْفَعْلَةِ الْحُسْنَى ، وَالْفَعْلَةُ الْحُسْنَى هِيَ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ فَلَهُ جَزَاءً الْمَثُوبَةُ الْحُسْنَى ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى فَلَهُ ذَا الْجَزَاءُ الَّذِي هُوَ الْمَثُوبَةُ الْحُسْنَى وَالْجَزَاءُ مَوْصُوفٌ بِالْمَثُوبَةِ الْحُسْنَى ، وَإِضَافَةُ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ مَشْهُورَةٌ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=32وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ ) ( الْأَنْعَامِ : 32 ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=95حَقُّ الْيَقِينِ ) ( الْوَاقِعَةِ : 95 ) ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=88وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ) أَيْ لَا نَأْمُرُهُ بِالصَّعْبِ الشَّاقِّ وَلَكِنْ بِالسَّهْلِ الْمُيَسَّرِ مِنَ الزَّكَاةِ وَالْخَرَاجِ وَغَيْرِهِمَا ، وَتَقْدِيرُ هَذَا يُسْرٌ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=28قَوْلًا مَيْسُورًا ) ( الْإِسْرَاءِ : 28 ) وَقُرِئَ يُسُرًا بِضَمَّتَيْنِ .