(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=3إذ نادى ربه نداء خفيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=3إذ نادى ربه نداء خفيا )
nindex.php?page=treesubj&link=31976_19775راعى سنة الله في إخفاء دعوته لأن الجهر والإخفاء عند الله سيان ؛ فكان الإخفاء أولى ؛ لأنه أبعد عن الرياء ، وأدخل في الإخلاص .
وثانيها : أخفاه لئلا يلام على طلب الولد في زمان الشيخوخة .
وثالثها : أسره من مواليه الذين خافهم .
ورابعها : خفي صوته لضعفه وهرمه كما جاء في صفة الشيخ : صوته خفات وسمعه تارات ، فإن قيل من شرط النداء الجهر ؛ فكيف الجمع بين كونه نداء وخفيا ، والجواب من وجهين :
الأول : أنه أتى بأقصى ما قدر عليه من رفع الصوت إلا أن الصوت كان ضعيفا لنهاية الضعف بسبب الكبر ؛ فكان نداء نظرا إلى قصده ، وخفيا نظرا إلى الواقع .
الثاني : أنه دعا في الصلاة لأن الله تعالى أجابه في الصلاة لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=39فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى ) ( آل عمران : 39 ) فكون الإجابة في الصلاة يدل على كون الدعاء في الصلاة ؛ فوجب أن يكون النداء فيها خفيا .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=19775_33177_19769_31976_28990قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا )
القراءة فيها مسائل :
المسألة الأولى : قرئ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4وهن ) بالحركات الثلاث .
المسألة الثانية : إدغام السين في الشين ( من الرأس شيبا ) عن
أبي عمرو .
المسألة الثالثة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وإني خفت الموالي ) بفتح الياء وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري بإسكان الياء من الموالي وقرأ
عثمان [ ص: 154 ] وعلي بن الحسين ومحمد بن علي nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس : خفت بفتح الخاء والفاء مشددة وكسر التاء ، وهذا يدل على معنيين :
أحدهما : أن يكون ورائي بمعنى بعدي ، والمعنى أنهم قلوا وعجزوا عن إقامة الدين بعده ؛ فسأل ربه تقويتهم بولي يرزقه .
والثاني : أن يكون بمعنى قدامي والمعنى أنهم خفوا قدامه ودرجوا ولم يبق من به تقو واعتضاد .
المسألة الرابعة : القراءة المعروفة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5من ورائي ) بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة وعن
حميد بن مقسم كذلك لكن بفتح الياء وقرأ
ابن كثير ( وراي ) كعصاي .
المسألة الخامسة : في يرثني ويرث وجوه :
أحدها : القراءة المعروفة بالرفع فيهما صفة .
وثانيها : وهي قراءة
أبي عمرو والكسائي nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وطلحة بالجزم فيهما جوابا للدعاء .
وثالثها : عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وجعفر بن محمد والحسن وقتادة : ( وليا يرثني ) جزم ، وارث بوزن فاعل .
ورابعها : عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ( يرثني ) وارث من
آل يعقوب .
وخامسها : عن
الجحدري ( ويرث ) تصغير وارث على وزن أفيعل ( اللغة ) الوهن ضعف القوة ، قال في "الكشاف" شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته وانتشاره في الشعر وفشوه فيه ، وأخذه كل مأخذ كاشتعال النار ثم أخرجه مخرج الاستعارة ، ثم أسند الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس ، وأخرج الشيب مميزا ولم يضف الرأس اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس
زكريا ، فمن ثم فصحت هذه الجملة ، وأما الدعاء فطلب الفعل ومقابله الإجابة ، كما أن مقابل الأمر الطاعة ، وأما أصل التركيب في ( ولي ) فيدل على معنى القرب والدنو ؛ يقال : وليته أليه وليا أي دنوت ، وأوليته أدنيته منه وتباعد ما بعده وولي ومنه قول ساعدة [ابن جؤية] :
وعدت عواد دون وليك تشغب
وكل مما يليك ، وجلست مما يليه ، ومنه الولي وهو المطر الذي يلي الوسمي ، والولية البرذعة ؛ لأنها تلي ظهر الدابة ، وولي اليتيم والقتيل ، وولي البلد لأن من تولى أمرا ؛ فقد قرب منه ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144فول وجهك شطر المسجد الحرام ) من قولهم ولاه بركنه أي جعله مما يليه ، أما ولى عني إذا أدبر ؛ فهو من باب تثقيل الحشو للسلب ، وقولهم : فلان أولى من فلان أي أحق ، أفعل التفضيل من الوالي أو الولي كالأدنى والأقرب من الداني والقريب ، وفيه معنى القرب أيضا ؛ لأن من كان أحق بالشيء ؛ كان أقرب إليه ، والمولى اسم لموضع الولي كالمرمى والمبنى اسم لموضع الرمي والبناء ، وأما العاقر فهي التي لا تلد ،
nindex.php?page=treesubj&link=34077والعقر في اللغة الجرح ، ومنه أخذ العاقر ؛ لأنه نقص أصل الخلقة ، وعقرت الفرس بالسيف إذا ضربت قوائمه ، وأما الآل فهم خاصة الرجل الذين يؤول أمرهم إليه ثم قد يؤول أمرهم إليه للقرابة تارة وللصحبة أخرى كآل فرعون ، وللموافقة في الدين كآل النبي -صلى الله عليه وسلم- واعلم
nindex.php?page=treesubj&link=31976_33177_19775أن زكرياء عليه السلام قدم على السؤال أمورا ثلاثة :
أحدها : كونه ضعيفا .
والثاني : أن الله تعالى ما رد دعاءه البتة .
والثالث : كون المطلوب بالدعاء سببا للمنفعة في الدين ثم بعد تقرير هذه الأمور الثلاثة صرح بالسؤال .
[ ص: 155 ] أما المقام الأول : وهو كونه ضعيفا فأثر الضعف ، إما أن يظهر في الباطن أو في الظاهر ، والضعف الذي يظهر في الباطن يكون أقوى مما يظهر في الظاهر فلهذا السبب ابتدأ ببيان الضعف الذي في الباطن وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4وهن العظم مني ) وتقريره هو أن العظام أصلب الأعضاء التي في البدن وجعلت كذلك لمنفعتين :
إحداهما : لأن تكون أساسا وعمدا يعتمد عليها سائر الأعضاء الأخر إذ كانت الأعضاء كلها موضوعة على العظام ، والحامل يجب أن يكون أقوى من المحمول .
والثانية : أنه احتيج إليها في بعض المواضع ؛ لأن تكون جنة يقوى بها ما سواها من الأعضاء بمنزلة قحف الرأس وعظام الصدر ، وما كان كذلك فيجب أن يكون صلبا ليكون صبورا على ملاقاة الآفات بعيدا من القبول لها إذا ثبت هذا فنقول : إذا كان العظم أصلب الأعضاء فمتى وصل الأمر إلى ضعفها كان ضعف ما عداها مع رخاوتها أولى ، ولأن العظم إذا كان حاملا لسائر الأعضاء ؛ كان تطرق الضعف إلى الحامل موجبا لتطرقه إلى المحمول ؛ فلهذا السبب خص العظم بالوهن من بين سائر الأعضاء ؛ وأما أثر الضعف في الظاهر ؛ فذلك استيلاء الشيب على الرأس فثبت أن هذا الكلام يدل على استيلاء الضعف على الباطن والظاهر وذلك مما يزيد الدعاء توكيدا لما فيه من الارتكان على حول الله وقوته والتبري عن الأسباب الظاهرة .
المقام الثاني : أنه ما كان مردود الدعاء البتة ، ووجه التوسل به من وجهين :
أحدهما : ما روي أن محتاجا سأل واحدا من الأكابر وقال : أنا الذي أحسنت إلي وقت كذا ، فقال : مرحبا بمن توسل بنا إلينا ثم قضى حاجته .
وذلك أنه إذا قبله أولا فلو أنه رده ثانيا لكان الرد محبطا للإنعام الأول ، والمنعم لا يسعى في إحباط إنعامه .
والثاني : وهو أن مخالفة العادة شاقة على النفس فإذا تعود الإنسان إجابة الدعاء فلو صار مردودا بعد ذلك ؛ لكان في غاية المشقة ولأن الجفاء ممن يتوقع منه الإنعام ؛ يكون أشق فقال
زكرياء عليه السلام : إنك ما رددتني في أول الأمر مع أني ما تعودت لطفك ، وكنت قوي البدن قوي القلب فلو رددتني الآن بعد ما عودتني القبول مع نهاية ضعفي ؛ لكان ذلك بالغا إلى الغاية القصوى في ألم القلب ، واعلم أن العرب تقول : سعد فلان بحاجته إذا ظفر بها وشقي بها إذا خاب ولم ينلها ، ومعنى بدعائك أي بدعائي إياك ، فإن الفعل قد يضاف إلى الفاعل تارة وإلى المفعول أخرى .
المقام الثالث : بيان كون المطلوب منتفعا به في الدين وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وإني خفت الموالي من ورائي ) وفيه أبحاث :
الأول : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والحسن : إني خفت الموالي أي : الورثة من بعدي وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : العصبة ، وعن
أبي صالح : الكلالة ، وعن
الأصم بنو العم وهم الذين يلونه في النسب ، وعن
أبي مسلم المولى يراد به الناصر وابن العم والمالك والصاحب وهو ههنا من يقوم بميراثه مقام الولد ، والمختار أن المراد من الموالي الذين يخلفون بعده إما في السياسة أو في المال الذي كان له أو في القيام بأمر الدين فقد كانت العادة جارية أن كل من كان إلى صاحب الشرع أقرب ؛ فإنه كان متعينا في الحياة .
الثاني : اختلفوا في خوفه من الموالي فقال بعضهم : خافهم على إفساد الدين ، وقال بعضهم بل خاف أن ينتهي أمره إليهم بعد موته في مال وغيره ، مع أنه عرف من حالهم قصورهم في العلم والقدرة عن القيام بذلك المنصب .
وفيه قول ثالث ، وهو أنه يحتمل أن يكون الله تعالى قد أعلمه أنه لم يبق من أنبياء
بني إسرائيل نبي له أب إلا واحد ؛ فخاف أن يكون ذلك من بني عمه إذ لم يكن له ولد فسأل الله تعالى أن يهب له ولدا يكون هو ذلك النبي ، وذلك يقتضي أن
[ ص: 156 ] يكون خائفا من أمر يهتم بمثله الأنبياء وإن لم يدل على تفصيل ذلك .
ولا يمتنع أن
زكرياء كان إليه مع النبوة السياسة من جهة الملك وما يتصل بالإمامة فخاف منهم بعده على أحدهما أو عليهما .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وإني خفت ) فهو وإن خرج على لفظ الماضي لكنه يفيد أنه في المستقبل أيضا ، كذلك يقول الرجل : قد خفت أن يكون كذا وخشيت أن يكون كذا أي أنا خائف لا يريد أنه قد زال الخوف عنه ، وهكذا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وكانت امرأتي عاقرا ) أي أنها عاقر في الحال وذلك لأن العاقر لا تحول ولودا في العادة ففي الإخبار عنه بلفظ الماضي إعلام بتقادم العهد في ذلك ، وغرض زكرياء من هذا الكلام بيان استبعاد حصول الولد ؛ فكان إيراده بلفظ الماضي أقوى وإلى هذا يرجع الأمر في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وإني خفت الموالي من ورائي ) ؛ لأنه إنما قصد به الإخبار ، وعن تقادم الخوف ثم استغنى بدلالة الحال وما يوجب مسألة الوارث وإظهار الحاجة عن الإخبار بوجود الخوف في الحال ، وأيضا فقد يوضع الماضي مكان المستقبل وبالعكس قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين ) ( المائدة : 116 ) والله أعلم .
وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5من ورائي ففيه قولان :
الأول : قال
أبو عبيدة أي : قدامي وبين يدي وقال آخرون أي : بعد موتي ، وكلاهما محتمل فإن قيل كيف خافهم من بعده ؟ وكيف علم أنهم يبقون بعده فضلا من أن يخاف شرهم ؟ قلنا : إن ذلك قد يعرف بالأمارات والظن وذلك كاف في حصول الخوف فربما عرف ببعض الإمارات استمرارهم على عادتهم في الفساد والشر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=3إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=3إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا )
nindex.php?page=treesubj&link=31976_19775رَاعَى سُنَّةَ اللَّهِ فِي إِخْفَاءِ دَعْوَتِهِ لِأَنَّ الْجَهْرَ وَالْإِخْفَاءَ عِنْدَ اللَّهِ سِيَّانِ ؛ فَكَانَ الْإِخْفَاءُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنِ الرِّيَاءِ ، وَأَدْخَلُ فِي الْإِخْلَاصِ .
وَثَانِيهَا : أَخْفَاهُ لِئَلَّا يُلَامَ عَلَى طَلَبِ الْوَلَدِ فِي زَمَانِ الشَّيْخُوخَةِ .
وَثَالِثُهَا : أَسَرَّهُ مِنْ مَوَالِيهِ الَّذِينَ خَافَهُمْ .
وَرَابِعُهَا : خَفِيَ صَوْتُهُ لِضَعْفِهِ وَهَرَمِهِ كَمَا جَاءَ فِي صِفَةِ الشَّيْخِ : صَوْتُهُ خُفَاتٌ وَسَمْعُهُ تَارَاتٌ ، فَإِنْ قِيلَ مِنْ شَرْطِ النِّدَاءِ الْجَهْرُ ؛ فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ كَوْنِهِ نِدَاءً وَخَفِيًّا ، وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ أَتَى بِأَقْصَى مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ إِلَّا أَنَّ الصَّوْتَ كَانَ ضَعِيفًا لِنِهَايَةِ الضَّعْفِ بِسَبَبِ الْكِبَرِ ؛ فَكَانَ نِدَاءً نَظَرًا إِلَى قَصْدِهِ ، وَخَفِيًّا نَظَرًا إِلَى الْوَاقِعِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ دَعَا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَابَهُ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=39فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ) ( آلِ عِمْرَانَ : 39 ) فَكَوْنُ الْإِجَابَةِ فِي الصَّلَاةِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ النِّدَاءُ فِيهَا خَفِيًّا .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=19775_33177_19769_31976_28990قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا )
الْقِرَاءَةُ فِيهَا مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قُرِئَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4وَهَنَ ) بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : إِدْغَامُ السِّينِ فِي الشِّينِ ( مِنَ الرَّأْسِ شَيْبًا ) عَنْ
أَبِي عَمْرٍو .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ بِإِسْكَانِ الْيَاءِ مِنَ الْمَوَالِي وَقَرَأَ
عُثْمَانُ [ ص: 154 ] وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=47وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ : خَفَّتِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْفَاءِ مُشَدَّدَةً وَكَسْرِ التَّاءِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ وَرَائِي بِمَعْنَى بَعْدِي ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ قَلُّوا وَعَجَزُوا عَنْ إِقَامَةِ الدِّينِ بَعْدَهُ ؛ فَسَأَلَ رَبَّهُ تَقْوِيَتَهُمْ بِوَلِيٍّ يُرْزَقُهُ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى قُدَّامِي وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ خَفُّوا قُدَّامَهُ وَدَرَجُوا وَلَمْ يَبْقَ مَنْ بِهِ تَقَوٍّ وَاعْتِضَادٌ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5مِنْ وَرَائِي ) بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ وَعَنْ
حُمَيْدِ بْنِ مِقْسَمٍ كَذَلِكَ لَكِنْ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ ( وَرَايَ ) كَعَصَايَ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : فِي يَرِثُنِي وَيَرِثُ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا صِفَةً .
وَثَانِيهَا : وَهِيَ قِرَاءَةُ
أَبِي عَمْرٍو وَالْكِسَائِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشِ وَطَلْحَةَ بِالْجَزْمِ فِيهِمَا جَوَابًا لِلدُّعَاءِ .
وَثَالِثُهَا : عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ : ( وَلِيًّا يَرِثْنِي ) جُزِمَ ، وَارِثٌ بِوَزْنِ فَاعِلٍ .
وَرَابِعُهَا : عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : ( يَرِثُنِي ) وَارِثٌ مِنْ
آلِ يَعْقُوبَ .
وَخَامِسُهَا : عَنِ
الْجَحْدَرِيِّ ( وَيَرِثُ ) تَصْغِيرُ وَارِثٍ عَلَى وَزْنِ أُفَيْعَلٍ ( اللُّغَةُ ) الْوَهْنُ ضَعْفُ الْقُوَّةِ ، قَالَ فِي "الْكَشَّافِ" شَبَّهَ الشَّيْبَ بِشُوَاظِ النَّارِ فِي بَيَاضِهِ وَإِنَارَتِهِ وَانْتِشَارِهِ فِي الشَّعْرِ وَفُشُوِّهِ فِيهِ ، وَأَخْذِهِ كُلَّ مَأْخَذٍ كَاشْتِعَالِ النَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الِاسْتِعَارَةِ ، ثُمَّ أَسْنَدَ الِاشْتِعَالَ إِلَى مَكَانِ الشَّعْرِ وَمَنْبَتِهِ وَهُوَ الرَّأْسُ ، وَأَخْرَجَ الشَّيْبَ مُمَيَّزًا وَلَمْ يُضِفِ الرَّأْسَ اكْتِفَاءً بِعِلْمِ الْمُخَاطَبِ أَنَّهُ رَأْسُ
زَكَرِيَّا ، فَمِنْ ثَمَّ فَصُحَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَطَلَبُ الْفِعْلِ وَمُقَابِلُهُ الْإِجَابَةِ ، كَمَا أَنَّ مُقَابِلَ الْأَمْرِ الطَّاعَةُ ، وَأَمَّا أَصْلُ التَّرْكِيبِ فِي ( وَلِيٍّ ) فَيَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْقُرْبِ وَالدُّنُوِّ ؛ يُقَالُ : وَلَيْتُهُ أَلِيهِ وَلْيًا أَيْ دَنَوْتُ ، وَأَوْلَيْتُهُ أَدْنَيْتُهُ مِنْهُ وَتَبَاعَدَ مَا بَعْدَهُ وَوَلِيَ وَمِنْهُ قَوْلُ سَاعِدَةَ [ابْنِ جُؤَيَّةَ] :
وَعَدَتْ عَوَادٍ دُونَ وَلْيِكَ تَشْغَبُ
وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ، وَجَلَسْتُ مِمَّا يَلِيهِ ، وَمِنْهُ الْوَلْيُ وَهُوَ الْمَطَرُ الَّذِي يَلِي الْوَسْمِيَّ ، وَالْوَلِيَّةُ الْبَرْذَعَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَلِي ظَهْرَ الدَّابَّةِ ، وَوَلِيَ الْيَتِيمَ وَالْقَتِيلَ ، وَوَلِيَ الْبَلَدَ لِأَنَّ مَنْ تَوَلَّى أَمْرًا ؛ فَقَدْ قَرُبَ مِنْهُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) مِنْ قَوْلِهِمْ وَلَاهُ بِرُكْنِهِ أَيْ جَعَلَهُ مِمَّا يَلِيهِ ، أَمَّا وَلَّى عَنِّي إِذَا أَدْبَرَ ؛ فَهُوَ مِنْ بَابِ تَثْقِيلِ الْحَشْوِ لِلسَّلْبِ ، وَقَوْلُهُمْ : فُلَانٌ أَوْلَى مِنْ فُلَانٍ أَيْ أَحَقُّ ، أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ مِنَ الْوَالِي أَوِ الْوَلِيِّ كَالْأَدْنَى وَالْأَقْرَبِ مِنَ الدَّانِي وَالْقَرِيبِ ، وَفِيهِ مَعْنَى الْقُرْبِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ أَحَقَّ بِالشَّيْءِ ؛ كَانَ أَقْرَبَ إِلَيْهِ ، وَالْمَوْلَى اسْمٌ لِمَوْضِعِ الْوَلِيِّ كَالْمَرْمَى وَالْمَبْنَى اسْمٌ لِمَوْضِعِ الرَّمْيِ وَالْبِنَاءِ ، وَأَمَّا الْعَاقِرُ فَهِيَ الَّتِي لَا تَلِدُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=34077وَالْعَقْرُ فِي اللُّغَةِ الْجَرْحُ ، وَمِنْهُ أُخِذَ الْعَاقِرُ ؛ لِأَنَّهُ نَقْصُ أَصْلِ الْخِلْقَةِ ، وَعَقَرْتُ الْفَرَسَ بِالسَّيْفِ إِذَا ضَرَبْتَ قَوَائِمَهُ ، وَأَمَّا الْآلُ فَهُمْ خَاصَّةُ الرَّجُلِ الَّذِينَ يَؤُولُ أَمْرُهُمْ إِلَيْهِ ثُمَّ قَدْ يَؤُولُ أَمْرُهُمْ إِلَيْهِ لِلْقَرَابَةِ تَارَةً وَلِلصُّحْبَةِ أُخْرَى كَآلِ فِرْعَوْنَ ، وَلِلْمُوَافَقَةِ فِي الدِّينِ كَآلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاعْلَمْ
nindex.php?page=treesubj&link=31976_33177_19775أَنْ زَكَرِيَّاءَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدَّمَ عَلَى السُّؤَالِ أُمُورًا ثَلَاثَةً :
أَحَدُهَا : كَوْنُهُ ضَعِيفًا .
وَالثَّانِي : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا رَدَّ دُعَاءَهُ الْبَتَّةَ .
وَالثَّالِثُ : كَوْنُ الْمَطْلُوبِ بِالدُّعَاءِ سَبَبًا لِلْمَنْفَعَةِ فِي الدِّينِ ثُمَّ بَعْدَ تَقْرِيرِ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ صَرَّحَ بِالسُّؤَالِ .
[ ص: 155 ] أَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ : وَهُوَ كَوْنُهُ ضَعِيفًا فَأَثَرُ الضَّعْفِ ، إِمَّا أَنْ يَظْهَرَ فِي الْبَاطِنِ أَوْ فِي الظَّاهِرِ ، وَالضَّعْفُ الَّذِي يَظْهَرُ فِي الْبَاطِنِ يَكُونُ أَقْوَى مِمَّا يَظْهَرُ فِي الظَّاهِرِ فَلِهَذَا السَّبَبِ ابْتَدَأَ بِبَيَانِ الضَّعْفِ الَّذِي فِي الْبَاطِنِ وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ) وَتَقْرِيرُهُ هُوَ أَنَّ الْعِظَامَ أَصْلَبُ الْأَعْضَاءِ الَّتِي فِي الْبَدَنِ وَجُعِلَتْ كَذَلِكَ لِمَنْفَعَتَيْنِ :
إِحْدَاهُمَا : لِأَنْ تَكُونَ أَسَاسًا وَعُمُدًا يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا سَائِرُ الْأَعْضَاءِ الْأُخَرِ إِذْ كَانَتِ الْأَعْضَاءُ كُلُّهَا مَوْضُوعَةً عَلَى الْعِظَامِ ، وَالْحَامِلُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنَ الْمَحْمُولِ .
وَالثَّانِيَةُ : أَنَّهُ احْتِيجَ إِلَيْهَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ؛ لِأَنْ تَكُونَ جُنَّةً يَقْوَى بِهَا مَا سِوَاهَا مِنَ الْأَعْضَاءِ بِمَنْزِلَةِ قِحْفِ الرَّأْسِ وَعِظَامِ الصَّدْرِ ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ صُلْبًا لِيَكُونَ صَبُورًا عَلَى مُلَاقَاةِ الْآفَاتِ بَعِيدًا مِنَ الْقَبُولِ لَهَا إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : إِذَا كَانَ الْعَظْمُ أَصْلَبَ الْأَعْضَاءِ فَمَتَى وَصَلَ الْأَمْرُ إِلَى ضَعْفِهَا كَانَ ضَعْفُ مَا عَدَاهَا مَعَ رَخَاوَتِهَا أَوْلَى ، وَلِأَنَّ الْعَظْمَ إِذَا كَانَ حَامِلًا لِسَائِرِ الْأَعْضَاءِ ؛ كَانَ تَطْرُّقُ الضَّعْفِ إِلَى الْحَامِلِ مُوجِبًا لِتَطَرُّقِهِ إِلَى الْمَحْمُولِ ؛ فَلِهَذَا السَّبَبِ خَصَّ الْعَظْمَ بِالْوَهْنِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ ؛ وَأَمَّا أَثَرُ الضَّعْفِ فِي الظَّاهِرِ ؛ فَذَلِكَ اسْتِيلَاءُ الشَّيْبِ عَلَى الرَّأْسِ فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَى اسْتِيلَاءِ الضَّعْفِ عَلَى الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ وَذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُ الدُّعَاءَ تَوْكِيدًا لِمَا فِيهِ مِنَ الِارْتِكَانِ عَلَى حَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ وَالتَّبَرِّي عَنِ الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ .
الْمَقَامُ الثَّانِي : أَنَّهُ مَا كَانَ مَرْدُودَ الدُّعَاءِ الْبَتَّةَ ، وَوَجْهُ التَّوَسُّلِ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : مَا رُوِيَ أَنَّ مُحْتَاجًا سَأَلَ وَاحِدًا مِنَ الْأَكَابِرِ وَقَالَ : أَنَا الَّذِي أَحْسَنْتَ إِلَيَّ وَقْتَ كَذَا ، فَقَالَ : مَرْحَبًا بِمَنْ تَوَسَّلَ بِنَا إِلَيْنَا ثُمَّ قَضَى حَاجَتَهُ .
وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا قَبِلَهُ أَوَّلًا فَلَوْ أَنَّهُ رَدَّهُ ثَانِيًا لَكَانَ الرَّدُّ مُحْبِطًا لِلْإِنْعَامِ الْأَوَّلِ ، وَالْمُنْعِمُ لَا يَسْعَى فِي إِحْبَاطِ إِنْعَامِهِ .
وَالثَّانِي : وَهُوَ أَنَّ مُخَالَفَةَ الْعَادَةِ شَاقَّةٌ عَلَى النَّفْسِ فَإِذَا تَعَوَّدَ الْإِنْسَانُ إِجَابَةَ الدُّعَاءِ فَلَوْ صَارَ مَرْدُودًا بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لَكَانَ فِي غَايَةِ الْمَشَقَّةِ وَلِأَنَّ الْجَفَاءَ مِمَّنْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الْإِنْعَامُ ؛ يَكُونُ أَشَقَّ فَقَالَ
زَكَرِيَّاءُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : إِنَّكَ مَا رَدَدْتَنِي فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مَعَ أَنِّي مَا تَعَوَّدْتُ لُطْفَكَ ، وَكُنْتُ قَوِيَّ الْبَدَنِ قَوِيَّ الْقَلْبِ فَلَوْ رَدَدْتَنِي الْآنَ بَعْدَ مَا عَوَّدْتَنِي الْقَبُولَ مَعَ نِهَايَةِ ضَعْفِي ؛ لَكَانَ ذَلِكَ بَالِغًا إِلَى الْغَايَةِ الْقُصْوَى فِي أَلَمِ الْقَلْبِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ : سَعِدَ فُلَانٌ بِحَاجَتِهِ إِذَا ظَفِرَ بِهَا وَشَقِيَ بِهَا إِذَا خَابَ وَلَمْ يَنَلْهَا ، وَمَعْنَى بِدُعَائِكَ أَيْ بِدُعَائِي إِيَّاكَ ، فَإِنَّ الْفِعْلَ قَدْ يُضَافُ إِلَى الْفَاعِلِ تَارَةً وَإِلَى الْمَفْعُولِ أُخْرَى .
الْمَقَامُ الثَّالِثُ : بَيَانُ كَوْنِ الْمَطْلُوبِ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي الدِّينِ وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ) وَفِيهِ أَبْحَاثٌ :
الْأَوَّلُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ : إِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ أَيِ : الْوَرَثَةَ مِنْ بَعْدِي وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ : الْعَصَبَةُ ، وَعَنْ
أَبِي صَالِحٍ : الْكَلَالَةُ ، وَعَنِ
الْأَصَمِّ بَنُو الْعَمِّ وَهُمُ الَّذِينَ يَلُونَهُ فِي النَّسَبِ ، وَعَنْ
أَبِي مُسْلِمٍ الْمَوْلَى يُرَادُ بِهِ النَّاصِرُ وَابْنُ الْعَمِّ وَالْمَالِكُ وَالصَّاحِبُ وَهُوَ هَهُنَا مَنْ يَقُومُ بِمِيرَاثِهِ مَقَامَ الْوَلَدِ ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمَوَالِي الَّذِينَ يَخْلُفُونَ بَعْدَهُ إِمَّا فِي السِّيَاسَةِ أَوْ فِي الْمَالِ الَّذِي كَانَ لَهُ أَوْ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرِ الدِّينِ فَقَدْ كَانَتِ الْعَادَةُ جَارِيَةً أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ إِلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ أَقْرَبَ ؛ فَإِنَّهُ كَانَ مُتَعَيِّنًا فِي الْحَيَاةِ .
الثَّانِي : اخْتَلَفُوا فِي خَوْفِهِ مِنَ الْمَوَالِي فَقَالَ بَعْضُهُمْ : خَافَهُمْ عَلَى إِفْسَادِ الدِّينِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ خَافَ أَنْ يَنْتَهِيَ أَمْرُهُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي مَالٍ وَغَيْرِهِ ، مَعَ أَنَّهُ عَرَفَ مِنْ حَالِهِمْ قُصُورَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ عَنِ الْقِيَامِ بِذَلِكَ الْمَنْصِبِ .
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَنْبِيَاءِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ نَبِيٌّ لَهُ أَبٌ إِلَّا وَاحِدٌ ؛ فَخَافَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَنِي عَمِّهِ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَهَبَ لَهُ وَلَدًا يَكُونُ هُوَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ
[ ص: 156 ] يَكُونَ خَائِفًا مِنْ أَمْرٍ يَهْتَمُّ بِمِثْلِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى تَفْصِيلِ ذَلِكَ .
وَلَا يَمْتَنِعُ أَنَّ
زَكَرِيَّاءَ كَانَ إِلَيْهِ مَعَ النُّبُوَّةِ السِّيَاسَةُ مِنْ جِهَةِ الْمُلْكِ وَمَا يَتَّصِلُ بِالْإِمَامَةِ فَخَافَ مِنْهُمْ بَعْدَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ عَلَيْهِمَا .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وَإِنِّي خِفْتُ ) فَهُوَ وَإِنْ خَرَجَ عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي لَكِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا ، كَذَلِكَ يَقُولُ الرَّجُلُ : قَدْ خِفْتُ أَنْ يَكُونَ كَذَا وَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ كَذَا أَيْ أَنَا خَائِفٌ لَا يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ زَالَ الْخَوْفُ عَنْهُ ، وَهَكَذَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ) أَيْ أَنَّهَا عَاقِرٌ فِي الْحَالِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَاقِرَ لَا تُحَوَّلُ وَلُودًا فِي الْعَادَةِ فَفِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي إِعْلَامٌ بِتَقَادُمِ الْعَهْدِ فِي ذَلِكَ ، وَغَرَضُ زَكَرِيَّاءَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ بَيَانُ اسْتِبْعَادِ حُصُولِ الْوَلَدِ ؛ فَكَانَ إِيرَادُهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي أَقْوَى وَإِلَى هَذَا يَرْجِعُ الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ) ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ بِهِ الْإِخْبَارَ ، وَعَنْ تَقَادُمِ الْخَوْفِ ثُمَّ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَمَا يُوجِبُ مَسْأَلَةَ الْوَارِثِ وَإِظْهَارَ الْحَاجَةِ عَنِ الْإِخْبَارِ بِوُجُودِ الْخَوْفِ فِي الْحَالِ ، وَأَيْضًا فَقَدْ يُوضَعُ الْمَاضِي مَكَانَ الْمُسْتَقْبَلِ وَبِالْعَكْسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ ) ( الْمَائِدَةِ : 116 ) وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5مِنْ وَرَائِي فَفِيهِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ أَيْ : قُدَّامِي وَبَيْنَ يَدَيَّ وَقَالَ آخَرُونَ أَيْ : بَعْدَ مَوْتِي ، وَكِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ خَافَهُمْ مِنْ بَعْدِهِ ؟ وَكَيْفَ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَبْقَوْنَ بَعْدَهُ فَضْلًا مِنْ أَنْ يَخَافَ شَرَّهُمْ ؟ قُلْنَا : إِنْ ذَلِكَ قَدْ يُعْرَفُ بِالْأَمَارَاتِ وَالظَّنِّ وَذَلِكَ كَافٍ فِي حُصُولِ الْخَوْفِ فَرُبَّمَا عَرَفَ بِبَعْضِ الْإِمَارَاتِ اسْتِمْرَارَهُمْ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي الْفَسَادِ وَالشَّرِّ .