(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا )
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : أنها إنما تعجبت بما بشرها
جبريل عليه السلام ؛ لأنها عرفت بالعادة أن الولادة لا تكون إلا من رجل والعادات عند أهل المعرفة معتبرة في الأمور وإن جوزوا خلاف ذلك في القدرة فليس في قولها هذا دلالة على أنها لم تعلم أنه تعالى قادر على خلق الولد ابتداء وكيف وقد عرفت أنه تعالى خلق أبا البشر على هذا الحد ؛ ولأنها كانت منفردة بالعبادة ومن يكون كذلك لا بد من أن يعرف
nindex.php?page=treesubj&link=33679قدرة الله تعالى على ذلك .
المسألة الثانية : لقائل أن يقول : قولها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20ولم يمسسني بشر ) يدخل تحته قولها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20ولم أك بغيا ) فلماذا أعادتها ومما يؤكد هذا السؤال أن في سورة آل عمران قالت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=47رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء ) [آل عمران : 47] فلم تذكر البغاء ، والجواب من وجوه :
أحدها : أنها جعلت المس عبارة عن النكاح الحلال ؛ لأنه كناية عنه لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=49من قبل أن تمسوهن ) [الأحزاب : 49] والزنا ليس كذلك إنما يقال فجر بها أو ما أشبه ذلك ولا يليق به رعاية الكنايات .
وثانيها : أن إعادتها لتعظيم حالها كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) [البقرة : 238] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98وملائكته ورسله وجبريل وميكال ) فكذا ههنا أن من لم تعرف من النساء بزوج فأغلظ أحوالها إذا أتت بولد أن تكون زانية فأفرد ذكر البغاء بعد دخوله في الكلام الأول ؛ لأنه أعظم ما في بابه .
المسألة الثالثة : قال صاحب "الكشاف" البغي الفاجرة التي تبغي الرجال وهو فعول عند المبرد : بغوي فأدغمت الواو في الياء ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني في كتاب "التمام" هو فعيل ولو كان فعولا لقيل بغوا كما قيل نهوا عن المنكر .
[ ص: 171 ] المسألة الرابعة : أن
جبريل عليه السلام أجابها بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21قال كذلك قال ربك هو علي هين ) وهو كقوله في آل عمران : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=47كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ( آل عمران : 47 )
nindex.php?page=treesubj&link=29723_28783لا يمتنع عليه فعل ما يريد خلقه ولا يحتاج في إنشائه إلى الآلات والمواد .
المسألة الخامسة : الكناية في : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21هو علي هين ) وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21ولنجعله آية للناس ) تحتمل وجهين :
الأول : أن تكون راجعة إلى الخلق أي : أن خلقه علي هين
nindex.php?page=treesubj&link=31981ولنجعل خلقه آية للناس إذ ولد من غير ذكر ، ورحمة منا يرحم عبادنا بإظهار هذه الآيات حتى تكون دلائل صدقه أبهر فيكون قبول قوله أقرب .
الثاني : أن ترجع الكنايات إلى الغلام وذلك لأنها لما تعجبت من كيفية وقوع هذا الأمر على خلاف العادة أعلمت أن الله تعالى جاعل ولدها آية على وقوع ذلك الأمر الغريب ، فأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21ورحمة منا ) فيحتمل أن يكون معطوفا على (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21ولنجعله آية للناس ) أي : فعلنا ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21ورحمة منا ) فعلنا ذلك ويحتمل أن يكون معطوفا على الآية أي : ( ولنجعله آية ورحمة ) فعلنا ذلك .
المسألة السادسة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وكان أمرا مقضيا ) المراد منه أنه معلوم لعلم الله تعالى فيمتنع وقوع خلافه ؛ لأنه لو لم يقع لانقلب
nindex.php?page=treesubj&link=28781علم الله جهلا وهو محال ، والمفضي إلى المحال محال ، فخلافه محال ، فوقوعه واجب وأيضا فلأن جميع الممكنات منتهية في سلسلة القضاء والقدر إلى واجب الوجود ، والمنتهي إلى الواجب انتهاء واجبا يكون واجب الوجود وإذا كان واجب الوجود فلا فائدة في الحزن والأسف وهذا هو سر قوله عليه السلام :
" من عرف سر الله في القدر هانت عليه المصائب " .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا )
وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : أَنَّهَا إِنَّمَا تَعَجَّبَتْ بِمَا بَشَّرَهَا
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ لِأَنَّهَا عَرَفَتْ بِالْعَادَةِ أَنَّ الْوِلَادَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ رَجُلٍ وَالْعَادَاتُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْأُمُورِ وَإِنْ جَوَّزُوا خِلَافَ ذَلِكَ فِي الْقُدْرَةِ فَلَيْسَ فِي قَوْلِهَا هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْوَلَدِ ابْتِدَاءً وَكَيْفَ وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ أَبَا الْبَشَرِ عَلَى هَذَا الْحَدِّ ؛ وَلِأَنَّهَا كَانَتْ مُنْفَرِدَةً بِالْعِبَادَةِ وَمَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْرِفَ
nindex.php?page=treesubj&link=33679قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : قَوْلُهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ) يَدْخُلُ تَحْتَهُ قَوْلُهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ) فَلِمَاذَا أَعَادَتْهَا وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا السُّؤَالَ أَنَّ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ قَالَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=47رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ) [آلِ عِمْرَانَ : 47] فَلَمْ تَذْكُرِ الْبِغَاءَ ، وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهَا جَعَلَتِ الْمَسَّ عِبَارَةً عَنِ النِّكَاحِ الْحَلَالِ ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْهُ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=49مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ) [الْأَحْزَابِ : 49] وَالزِّنَا لَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا يُقَالُ فَجَرَ بِهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا يَلِيقُ بِهِ رِعَايَةُ الْكِنَايَاتِ .
وَثَانِيهَا : أَنْ إِعَادَتَهَا لِتَعْظِيمِ حَالِهَا كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ) [الْبَقَرَةِ : 238] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ) فَكَذَا هَهُنَا أَنَّ مَنْ لَمْ تُعْرَفْ مِنَ النِّسَاءِ بِزَوْجٍ فَأَغْلَظُ أَحْوَالِهَا إِذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ أَنْ تَكُونَ زَانِيَةً فَأَفْرَدَ ذِكْرِ الْبِغَاءِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَا فِي بَابِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" الْبَغِيُّ الْفَاجِرَةُ الَّتِي تَبْغِي الرِّجَالَ وَهُوَ فَعَوْلٌ عِنْدَ الْمُبَرِّدِ : بَغُويْ فَأُدْغِمَتِ الْوَاوُ فِي الْيَاءِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنُ جِنِّي فِي كِتَابِ "التَّمَامِ" هُوَ فَعِيلٌ وَلَوْ كَانَ فَعُولًا لَقِيلَ بَغَوْا كَمَا قِيلَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ .
[ ص: 171 ] الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : أَنَّ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَجَابَهَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ) وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي آلِ عِمْرَانَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=47كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ( آلِ عِمْرَانَ : 47 )
nindex.php?page=treesubj&link=29723_28783لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا يُرِيدُ خَلْقَهُ وَلَا يَحْتَاجُ فِي إِنْشَائِهِ إِلَى الْآلَاتِ وَالْمَوَادِّ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : الْكِنَايَةُ فِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ) وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ) تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنْ تَكُونَ رَاجِعَةً إِلَى الْخَلْقِ أَيْ : أَنَّ خَلْقَهُ عَلَيَّ هَيِّنٌ
nindex.php?page=treesubj&link=31981وَلِنَجْعَلَ خَلْقَهُ آيَةً لِلنَّاسِ إِذْ وُلِدَ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ ، وَرَحْمَةً مِنَّا يَرْحَمُ عِبَادَنَا بِإِظْهَارِ هَذِهِ الْآيَاتِ حَتَّى تَكُونَ دَلَائِلُ صِدْقِهِ أَبْهَرَ فَيَكُونَ قَبُولُ قَوْلِهِ أَقْرَبَ .
الثَّانِي : أَنَّ تَرْجِعَ الْكِنَايَاتُ إِلَى الْغُلَامِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَمَّا تَعَجَّبَتْ مِنْ كَيْفِيَّةِ وُقُوعِ هَذَا الْأَمْرِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ أُعْلِمَتْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَاعِلٌ وَلَدَهَا آيَةً عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْغَرِيبِ ، فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وَرَحْمَةً مِنَّا ) فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ) أَيْ : فَعَلْنَا ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وَرَحْمَةً مِنَّا ) فَعَلْنَا ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الْآيَةِ أَيْ : ( وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً وَرَحْمَةً ) فَعَلْنَا ذَلِكَ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ) الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ مَعْلُومٌ لِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُ خِلَافِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقَعْ لَانْقَلَبَ
nindex.php?page=treesubj&link=28781عِلْمُ اللَّهِ جَهْلًا وَهُوَ مُحَالٌ ، وَالْمُفْضِي إِلَى الْمَحَالِ مُحَالٌ ، فَخِلَافُهُ مُحَالٌ ، فَوُقُوعُهُ وَاجِبٌ وَأَيْضًا فَلِأَنَّ جَمِيعَ الْمُمْكِنَاتِ مُنْتَهِيَةٌ فِي سِلْسِلَةِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ إِلَى وَاجِبِ الْوُجُودِ ، وَالْمُنْتَهِي إِلَى الْوَاجِبِ انْتِهَاءً وَاجِبًا يَكُونُ وَاجِبَ الْوُجُودِ وَإِذَا كَانَ وَاجِبَ الْوُجُودِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْحُزْنِ وَالْأَسَفِ وَهَذَا هُوَ سِرُّ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
" مَنْ عَرَفَ سِرَّ اللَّهِ فِي الْقَدَرِ هَانَتْ عَلَيْهِ الْمَصَائِبُ " .